بقلم: محمد بوزانة
تعقدت أزمة منطقة الساحل الإفريقي في الفترة الأخيرة بعد الانقلاب على السلطة في مالي وتزايد انتشار الأسلحة الناجمة عن الحرب الليبية، حيث أصبحت المجموعات المتطرفة في المنطقة أقوى من أي وقت سبق من حيث العدد ونوعية السلاح، لدرجة أن المنطقة أصبحت توصف بأفغانستان إفريقيا.
وسيطر المتطرفون من كل من
حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا وجماعة أنصار الدين الحليفتين لتنظيم القاعدة على ثلاث مدن رئيسية شمال مالي هي غاو وكيدال وتمبكتو، وشرعوا في تجنيد مزيد من الشباب المقاتل من دول إفريقية عديدة بغرض الانفصال عن دولة مالي وإقامة ما يسمونه الإمارة الإسلامية في المنطقة.
ويتفق المراقبون على أن المؤشرات الحالية التي يطبعها التدهور الأمني وغياب أطراف حقيقية للتحكم في الوضع سيساهم في تحويل المنطقة إلى ما يشبه أفغانستان إفريقيا، من حيث كونها مرشحة لاستقطاب مزيد من العناصر المتطرفة من دول مختلفة من المنطقة، مما يجعل استقرار منطقة الساحل مؤجلا إلى حين رغم المساعي التي بادرت بها العديد من الأطراف.
ويقول الدكتور شفيق مصباح المحلل السياسي والخبير الأمني إن احتمال تحول منطقة الساحل إلى ما يشبه أفغانستان أصبح أمرا واردا، لاسيما في ظل الخصوصيات الجغرافية للمنطقة وكذلك الخصوصيات البشرية.
وأضاف الدكتور مصباح أن تفادي تكرار سيناريو أفغاني في منطقة الساحل يرتبط "بنوعية التدخل وجديته" في المنطقة من قبل الدول التي تسعى إلى حل الأزمة الأمنية والسيطرة على المنطقة.
ومن جانبه يؤكد الدكتور حمود صالحي أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا هذا التوجه بقوله إن "كل الإشارات تدل على أن منطقة الساحل ستتحول إلى أفغانستان إفريقيا خصوصا في ظل وجود أطراف خارجية مهتمة بالصراع".
غير أن الدكتور صالحي يتحدث عما يصفه بالتحفظ الأميركي من مسألة التدخل الذي سيحول المنطقة إلى ما يشبه أفغانستان، حيث أوضح أن "الفرق بين الساحل وأفغانستان هو أن الولايات المتحدة رغم استعدادها للتدخل وإنفاق الأموال للتدريب واستعمال الطائرات بدون طيار، تفهم جيدا أن منطقة الساحل يجب أن تبقى بعيدة عن تدخل عسكري شامل".
تهديد أمني
وأمام استفحال ظاهرة انتشار الأسلحة المختلفة الناجمة بالخصوص عن الصراع المسلح في ليبيا، فإن المنطقة حسب المراقبين أصبحت إحدى بؤر التهديد الأمني لدول الجوار وكذا للدول الغربية على حد سواء.
وفي هذا الشأن يرى الدكتور صالحي أن الجانب الأمني في هذه الأزمة له تأثير خطير على المنطقة "لاسيما في ظل غياب دولة قوية أو استراتيجية أو مبادرة تشمل جميع الدول"، مضيفا أن الاختلاف الحقيقي يكمن في طبيعة هذا الخطر وكيفية التصدي له.
ويعتقد صالحي أن "الخطر معروف في هذه المنطقة، فهناك الخطر الإرهابي وخطر انتشار المخدرات وهي مشاكل يمكن أن تتسرب إلى أوروبا".
وأكد صالحي أن الوضع قد يؤدي إلى "زيادة الإرهاب ليس فقط في المنطقة بل أيضا في أوروبا وضد المصالح الأميركية في المنطقة" مشيرا إلى أن "النشاط الإرهابي بدأ بالفعل يتجسد في عمليات اختطاف الأجانب، التي أصبحت القاعدة معروفة بها وتشكل أمرا واقعا ".
ومن جانبه يذهب الدكتور شفيق مصباح الخبير في الشؤون العسكرية وخريج المعهد الملكي البريطاني لدراسات الدفاع إلى أن الخطر الذي سينجر عن أزمة منطقة الساحل ويكون له تأثير مباشر على الولايات المتحدة والدول الغربية قد يتجاوز الجانب الأمني إلى مصالح أخرى استراتيجية واقتصادية.
ويوضح مصباح هذه المسألة بالقول إن "الخطر يكمن في كيفية مراقبة الموارد الموجودة في المنطقة والقارة الإفريقية"، مضيفا أن المنطقة لها "أهمية جيوستراتيجية، حيث أنه بغض النظر عن الموارد فإن المنطقة تمثل حزاما واقيا من عمق إفريقيا بالنسبة للدول الغربية وخاصة جنوب أوروبا".
وأشار مصباح إلى أن المنطقة امتداد استراتيجي لاقتصاد الصين التي تمنح أهمية بالغة للموارد الموجودة في إفريقيا، موضحا أن "هناك تنافسا بين الصين والدول الغربية التي لا تنظر بعين الرضا إلى وجود الصين في المنطقة".
الحل المؤجل
وساهم الانفلات الأمني وخصوصيات التركيبة البشرية لسكان منطقة الساحل المشكلين في الأساس من قبائل الطوارق، في تأجيل الحلول التي بادرت باقتراحها عدد من الدول، حيث أن الحل ما زال يتأرجح بين المساعي السياسية والتدخل العسكري.
ومع خصوصية الصراع في المنطقة ورفض عدد من دول الجوار التدخل العسكري مقابل إصرار دول غرب إفريقيا بمساندة بعض
الدول الغربية على استعمال الحل العسكري للقضاء على المتمردين وإعادة الهدوء إلى المنطقة، فإن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في هذا الصراع، الذي عبرت الدول الغربية عن مخاوفها من تفاقمه.
ويتوقع الدكتور مصباح أن التدخل العسكري في المنطقة سيكون الخيار الوحيد في النهاية، على أن لا يتجاوز ذلك،حسب رأيه، نهاية السنة الجارية بالنظر إلى "غياب أي مجال لأن يتجسد الحل السياسي ومن ثم فإن الحل العسكري لا مفر منه"، مضيفا أن السؤال المهم هو كيف يكون هذا التدخل؟.
وقال مصباح، الذي شغل منصب ضابط سامي في الجيش الجزائري، إنه "بغض النظر عن الجوانب السياسية فإن التدخل العسكري يبنى على معطيات ميدانية وعملياتية خاصة منها التحضير اللوجستي"، مشيرا إلى أنه يرى "بكل يقين أن التدخل سيكون قبل نهاية السنة، حيث أن فرنسا كانت منذ البداية تنادي بهذا الحل وهي تسعى بكل جهدها إلى تجسيده".
وبخصوص الموقف الأميركي من التدخل العسكري يرى مصباح أن "الولايات المتحدة وإن لم تصرح علنا بموافقتها على الحل العسكري إلا أنها في النهاية ستؤيد هذا الحل"، مشيرا إلى أن السؤال المهم هو "هل يكون هذا الحل بمشاركة الجزائر التي هي الدولة المحورية في المنطقة أم لا؟".
وتحدث مصباح عما وصفه بالتدخل النوعي والمدروس، مشيرا إلى أن التدخل العسكري يجب أن يكون "جديا لأن عدد أفراد تلك الجماعات لا يتجاوز الـ 500 فرد. فإذا كان التدخل مدروسا بجدية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة يمكن أن يكون ناجحا. أما إذا كان مبعثرا فأرى أن هناك احتمال أن تصبح منطقة الساحل أفغانستان إفريقيا".
التدخل العسكري مرفوض
وإذا كانت مجموعة دول غرب إفريقيا "الإكواس" وكذا بعض الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا بادرت إلى طرح الحل العسكري، إلا أن دولا أخرى تعد محورية في المنطقة رفضت كل محاولات التدخل العسكري، وطرحت بديلا سياسيا يقوم على إعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها في مالي ومساعدة هذا البلد على العودة إلى النظام الدستوري بعد الانقلاب.
وتتصدر
الجزائر قائمة هذه الدول الرافضة للتدخل العسكري وتدعمها في ذلك بعض دول المنطقة مثل النيجر التي تعول كثيرا مع موريتانيا، جارتها الأخرى في منطقة الصحراء الكبرى، على التوصل لرؤية أمنية وعسكرية مشتركة من خلال لجنة الأركان العملياتية المتواجد مقرها بالجزائر، والتي تهدف إلى تنسيق جهود مواجهة الخطر المتزايد للقاعدة.
وفي هذا السياق يعتقد الدكتور حمود صالحي أن المقاربة الواقعية للحل تكمن في ما تراه بعض دول الساحل الإفريقي وهو "النظر إلى المشكلة بنظرة عامة بدءا بحل المشكل الإنساني والفقر والمجاعة ثم إيجاد تنسيق على مستوى هذه الدول في المجال العسكري وإدراج قوة عسكرية على الحدود لمراقبة ما يجري".
يذكر أن الوضع في مالي اشتعل عندما شهدت البلاد في 21 مارس/آذار الماضي انقلابا عسكريا سيطرت بموجبه مجموعة من العسكريين على السلطة، ردا على رفض الحكومة الاستجابة لمطالب بتسليح الجيش الذي تكبد هزائم متكررة في شمال البلاد خلال تصديه لمتمردي الطوارق المنضوين تحت حركة الأزواد المطالبة بالانفصال عن مالي.
وقد استغل متمردو حركة الأزواد هذا الوضع وأعلنوا في 23 مارس/آذار سيطرتهم على منطقة أنفيس مستغلين خلو المدينة من القوات الحكومية وانشغالها بالاضطرابات الحاصلة في باماكو، ثم أعلنت الجماعات المتطرفة تباعا سيطرتها على مدن كيدال وغاو وتمبكتو التي تعد أهم المدن الرئيسية في مالي.