تغيير جذري: تركيا تعيد النظر في معاني الاحاديث
تستعد تركيا لنشر وثيقة تمثل تغييرا جذريا في الطريقة التي تفسر بها تعاليم الاسلام، وتشمل تجديدا وتحديثا في تفسير تعاليم الاسلام من شأنه احداث ضجة كبيرة.
وقد كلفت وزارة الشؤون الدينة ذات النفوذ الواسع في البلاد مجموعة من علماء الدين في جامعة انقرة للقيام بمراجعة شاملة للاحاديث النبوية.
وترى الحكومة التركية ان الاحاديث غالبا ما تكون لها مضامين تؤثر سلبا على المجتمع بصفة عامة، وتغيير القيم الاصلية للدين الاسلامي، خاصة وانها اهم مصدر لتفسير القرآن وقواعد الشريعة.
وتقول السلطات التركية ان ان عددا لا يستهان به من الاحاديث منسوبة الى النبي محمد زورا، وحتى بعض التي صدرته عنه فعلا بحاجة الى اعادة تفسير، حسب رأيها.
ويقول المراقبون ان اسس الدين الاسلامي تتم الآن مراجعتها من اجل احداث تجديد جذري فيه. ويقول انصار هذه المراجعة ان الاصول العقلانية للاسلام يتم اكتشافها من جديد الآن.
اصطناع
وقد بدأ التمحيص الدقيق في الاحاديث في كلية الشريعة بجامعة انقرة، ويقول احد مستشاري المشروع، فيلكس كرونر، ان العديد من الاحاديث تم اصطناعه بعد وفاة النبي محمد بقرون لخدمة مصالح معينة.
ويقول كرونر: "للاسف، يمكنك تبرير أي شيء باستخدام حديث نبوي ملفق، بما في ذلك بتر اعضاء النساء التناسلية (باعتبار ذلك ختانا)".
وتسمع الكثيرين يقولون اشياء ثم يدافعون عنها بالقول ان ذلك ما امرنا النبي بفعله، لكن من الممكن تاريخيا تفسير الظروف والحيثيات التي اصطنعت فيه احاديث واقحمت في الدين افتراء."
والحقيقة، يقول كرونر، هو ان الدين الاسلامي استغلته ثقافات متتالية، محافظة في اغلبها، لدعم عدة اشكال من السيطرة داخل المجتمع.
وتنوي تركيا الغاء ذلك الزخم "الثقافي" والعودة الى الاصل في التعاليم الاسلامية وما يتناسب مع هدفه الاصلي منها.
وهنا يظهر الجانب الثوري لهذا المشروع، فحتى بعض الاحاديث الصحيحة تم تعديلها او اعادة تفسيرها.
فقيهات
يقول المشرفون على التغيير ان النصوص الدينية استغلت للحد من حريات النساء
ويعطي محمد جرميز، وهو مسؤول بارز بوزارة الشؤون الدينية، مثالا واضحا على ذلك، فيقول ان هناك احاديث تمنع النساء من السفر اكثر من ثلاثة ايام من غير اذن من ازواجهن، وهي تعتبر احاديث صحيحة.
"لكنها ليست منعا دينيا، حسب قول جرميز، بل تعليمات جاءت لأن السفر في زمن الرسول كان اخطر مما هو اليوم، لكن الامور تغيرت، والناس ابقوا على تعليمات لم يكن مقصودا منها الا حماية النساء مؤقتا."
ويبرر المشرفون على المشروع اقدامهم على مثل هذه الخطوة بنتائج ابحاث اكاديمية جدية اظهرت غاية النبي محمد من ذلك المنع، فينقلون عنه انه اعرب عن امله في "ان يأتي اليوم الذي يمكن لامرأة فيه السفر وحدها."
لكن المنع باق في النصوص الدينية لحد الآن ويستخدم للحد من حرية المرأة.
يذكر ان تركيا وفرت دراسات دينية لـ450 امرأة في اطار الاصلاح الديني الذي تدأب عليه، وكونهن ليصرن فقيهات في الدين، وكلفتهن بشرح روح الاسلام الاصلية لسكان الارياف في البلاد المترامية الاطراف.
وتشرح احداهن واسمها حلية كوج لحشد من النساء المحجبات في بلدة وسط تركيا كيف أن تفسيرا صحيحا للقرآن يضمن المساواة والعدل وحقوق الانسان. وتضيف ان الاسلام حاليا يستغل لاخضاع المرأة.
ويقول الخبير البريطاني فادي حكورة من مؤسسة تشاتام هاوس بلندن ان ما تقوم به تركيا الآن هو تحويل الاسلام من دين يجب طاعة تعاليمه الى دين مصمم لتلبية حاجيات الناس في ديموقراطية علمانية.
النسخ
ويقارن الخبير المشروع التركي باصلاح الكنيسة. "ليس نفس الشيء بالطبع، لكن ان دققت في ما تفعله تركيا، فهو ايضا عبارة عن تغيير في جذور الدين".
ويضيف حروكة: "تركيا كانت دائما تحاول تصميم حياة سياسية تتماشى مع الاسلام، لكنها الآن تريد تصميم اسلام جديد."
ويجدر بالذكر ان كلية الشريعة في انقرة تقوم بهذا التجديد مستخدمة تقنيات النقد والفلسفة الغربية في التعامل مع الحديث.
بل ان العاملين في المشروع تجاوزا قاعدة النسخ التي يعمل بها الفقهاء، وهي التي يلغي بموجبها حديث ما قبله (أو ينسخه)، حيث تكون النصوص الأحدث غالبا محافظة اكثر مما قبلها.
ويقول فادي حروكة، ينبغي النظر الى كل تلك النصوص ككيان واحد، فلا يمكنك مثلا القول ان الاحاديث الداعية الى القتال ينبغي ان تنسخ تلك التي تدعو الى السلام، وذلك بالضبط ما يفعله بعض الناس في الشرق الاوسط".
ويختم الخبير بالقول: "لا استطيع التعبير عن مدى انبهاري بجذرية هذا التغيير."
اجمالي القراءات
5604
أوافق الخبير عندما يقول:
"لا استطيع التعبير عن مدى انبهاري بجذرية هذا التغيير.
إنه مشروع عملاق يمكن أن ينتشل العالم الاسلامي مما هو فيه ..