- تتناول قضايا العنف في مقالاتك، باختصار ما هي أهم الأسباب التي تجعل الشباب المسلم يلجأ إلى العنف؟
العنف مرض عضال يستشري في المجتمعات البشرية بدرجات متفاوتة تبعا لتركيبة المجتمع السياسية والاقتصادية، وطبيعة الثقافة السائدة، ومدى تقبل المجتمع لثقافة الحوار اسلوبا في حل المشكلات، ومدى تغلغل قيم التسامح وقبول الآخر في النسيج المجتمعي.
العنف في المجتمع العربي، إرث اجتماعي، تمتد جذوره إلى الجاهلية، حينما كانت القبيلة تغير على اختها كأسلوب لحل نزاعاتها على المرعى والحمى وكمصدر للمعيشة.
وأسباب العنف عديدة أبرزها:
1- الغلو الديني: وهو نتاج مناهج دينية لم تفلح في غرس قيم الاعتدال والتسامح وأيضا: منابر دينية محرضة ضد الآخر، رسخت "ثقافة الكراهية".
2- التعصب الديني والمذهبي والأيدلوجي، يدفع صاحبه لكراهية الآخر والاستعلاء عليه وتحقيره وممارسة العنف ضده.
3- الاستبداد بالرأي ومحاولة فرضه على الغير انطلاقا من إدعاء تملّك الحقيقة المطلقة وعدم الاعتراف بنسبية الحقائق السياسية والاجتماعية.
4- تشويه المفاهيم الدينية عبر تفسيرات خاطئة للجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء وعدم التشبه بالكفار.
5- أوهام التآمر العالمي ضد الإسلام والتي تحتل مساحة كبرى في عقول قطاع كبير في مجتمعاتنا.
6- أوهام استعادة الخلافة الإسلامية التي تسيطر على كافة الدعاة والحركات الإسلامية، ظنا أن ماضي المسلمين كان زاهرا مجيدا مقارنة بوضعهم الحاضر، ولذلك فهي تعادي مجتمعاتها وأنظمتها وتبيح ممارسة "العنف المقدس" كونه جهادا في سبيل الله.
7- التصوير المشوّه للحضارة المعاصرة ووصفها بالصليبية الحاقدة على المسلمين، والعدوانية الساعية للهيمنة على العالم الإسلامي ونهب خيراته، وذلك عبر منهج انتقائي يضخم سلبيات الغرب ولا يذكر شيئا من إيجابياته، بهدف زرع الكراهية ودفع الشباب المسلم للانتقام من الغرب.
8- نمط أسلوب التنشئة والتربية السائدة في الأسرة العربية، إذ يربى الشاب ليكون سيدا مطاعا (فرعونا) بينما تربى الفتاة لتكون تابعة ومطيعة، وهذا ناشئ عن إرث ثقافي يعلّي من مكانة الرجل على المرأة دائما.
ويتبقى أن نؤكد أن أشد أنواع العنف هو "العنف المقدس" الذي يتخذ من الدين غطاء لأهدافه.
- كيف تفرق بين الجهاد في سبيل الله وبين ما يقوم به بن لادن وأعوانه والتنظيمات الجهادية في اليمن والصومال والشيشان؟
الجهاد في القرآن الكريم وكما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم، هدفه "رد العدوان" وإزالة الظلم ونجدة الشعوب المضطهدة من قبل الحكام الدكتاتوريين. يقول تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". أي أن القتال واجب ضد المعتدين لا المسالمين.
الجماعات الإرهابية في الدول الإسلامية وخارجها تمارس إرهابا صريحا وتتفنن في قتل أكبر عدد من المدنيين الأبرياء من كل دين وجنس وهو يشبه عمل النازيين في الإبادة الجماعية للآخرين، وهؤلاء خارجون على تعاليم الإسلام.
- دعاة اللاعنف في العالم العربي كأمثال الشيخ جودت سعيد والمفكر خالص جلبي لماذا لا يجدون آذانا صاغية بين الجماهير العربية على عكس دعاة العنف والكراهية على الرغم من ان كل من الفريقين يستند إلى القرآن والسنة في التدليل على صحة أفكاره؟.
لأن "ثقافة الكراهية" لا زالت راسخة في الأرض العربية، إذ عملت منابر دينية تحريضية ومؤسسات دينية تعليمية متعصبة ومناهج وكتب وأفلام ووسائل إعلامية على امتداد نصف قرن على غرس ثقافة متعصبة ضد الآخر فأختزنتها الأرض العربية وكان من تداعياته أن الثقافة المجتمعية لا زالت تميل إلى إلى طروحات التشدد التي تخاطب النزعات الدينية للجماهير، فأنت في النهاية تحصد ثمار ما تزرع.
هناك كم كبير من الأوهام المرضية المسيطرة على العقلية الجمعية تجعل قابلية الجماهير للفكر المتشدد أكثر من الفكر المتسامح، إضافة إلى أن دعاة التشدد يصورون دعاة اللاعنف بأنهم دعاة ضعف واستسلام فيشوهون صورتهم أمام الجماهير.
- ما رأيك شخصيا في اللاعنف كاستراتيجية للتخلص من الطغيان ولإحداث التغيير في العالمين العربي والإسلامي؟
"اللاعنف" لا يعني الاستسلام والقبول بالظلم، لكنه يعنى عدم اللجوء إلى العنف حلا للنزاع. هناك الحوار والتفاهم بدلا عن العنف. أتصور أن "اللاعنف" مكون فكري أصيل في تعاليم الإسلام، فالنصوص القرآنية عديدة في الدعوة إلى السلام والعفو والتسامح وإلى كظم الغيظ والى الإحسان إلى الآخر مثل "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" و "وقولوا للناس حسنا" و"ادفع بالتي هي أحسن"، و "فاصفح عنهم وقل سلام" لكن نجاح اللاعنف كاستراتيجية مرهون بتغير ثقافة المجتمع التي لا زالت تردد بأن "السيف أصدق أنباء من الكتب".
- كيف يمكن للمسلمين الاستفادة من المرحلة المكية التي كانت سلمية لا عنف فيها حيث كان الرسول يحث أتباعه على الصبر كما أوصت الآيات المكية المسلمين بكف أيديهم وإقامة الصلاة؟ وبماذا ترد على القائلين بأن الآيات المدنية نسخت الآيات المكية؟
أولا: لا نسخ في القرآن، ودعوى أن آيات القتال نسخت آيات السلام، دعوى ساقطة لا سند لها، فكلام الله تعالى لا ينقض بعضه بعضا "لا مبدل لكلمات الله" وآيات الصبر والتسامح وعدم رد العدوان جاءت في مرحلة كان المسلمون فيها قلة ضعيفة لا قوة لهم وسط أكثرية ظالمة تمارس شتى أنواع الاضطهاد ضدها، فأمرهم القرآن بالصبر، لأن رد العدوان في هذه المرحلة كان معناه القضاء على المسلمين، لكن لما هاجر المسلمون إلى المدينة وأصبحت لهم دولة وقوة أمرهم القرآن بالقتال دفاعا عن أنفسهم وجاءت آيات القتال لتحثهم على الجهاد، وهذا يتفق مع كافة المواثيق الدولية في أن القتال مشروع ضد من يقاتلك وأن السلام مطلوب مع من يسالمك، فلا تناقض بين آيات القتال وآيات السلام، ويمكن أن نستفيد من تعاليم الإسلام في المرحلة المكية عبر تفعيل آيات التسامح والسلام وتضمينها المناهج الدراسية والخطاب الديني والإعلامي لبيان الصورة الحقيقية للإسلام كدين يدعو للسلام والتعاون بين الناس وينبذ العدوان.
وثانيا: يجب توضيح أن السلام والتسامح من مكارم الأخلاق التي لا تختص بمرحلة معينة بل هي عامة ومطلقة وغير قابلة للنسخ والإلغاء.
- ارتبطت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بالقس المناضل مارتن لوثر كنج الابن الذي قاد المسيرات السلمية للمطالبة بحقوق الزنوج في المساواة والعدالة، ما رأيك في السيد كنج وإلى أي حد يمكن للأقليات في العالم العربي (الشيعة والمسيحيين) أن تنجح في حال استخدامها نفس الأسلوب في المطالبة بحقوقها؟
القس كنج، رائد عظيم في النضال السلمي وهو يحظى بتقدير عالمي لدى كافة الشعوب والمنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان وقد حققت جهوده السلمية أهدافها، وهذا نموذج عملي يؤكد نجاح الجهاد المدني السلمي كبديل عن الجهاد العنيف، وأتصور أن الأقليات المذهبية والدينية في العالمين العربي والإسلامي مدعوة للإفادة من منهج هذا الرائد العظيم في التمسك بالنضال السلمي وعدم اليأس في تحقيق أهدافها في المساواة والعدالة ولذلك أتمنى من هذه الأقليات التمسك بأوطانها وعدم الرحيل مهما كانت التهديدات الإرهابية، لو كان السيد كنج ضعُف أمام التهديدات لما حقق أهدافه.
- ما هي قراءتك لمستقبل المنطقة في ظل الهجمات المتكررة التي تستهدف الأقليات المسيحية والسياسات المتبعة ضد الشيعة الذين يتهمون بالولاء لإيران، وقد خلت المنطقة تقريبا من اليهود فيما تزداد وتيرة هجرة المسيحيين إلى الغرب، كما سنشهد قريبا ميلاد دولة جنوب السودان وغالبية سكانها من الوثنيين والمسيحيين؟
رغم المؤشرات التي تنبئ بالتشاؤم إلا أنني واثق من أن المد المتطرف سيخسر قريبا، هناك – اليوم – وبعد الأحداث المأساوية للأقليات الدينية في العراق واليمن ومصر، حركة تضامن مجتمعي عريض، هناك وعي متزايد عند كافة الأطياف المجتمعية لضرورة التصدي لمخططات وأهداف الجماعات المتطرفة التي تستهدف الأقليات بهدف دفعها للهجرة، وهؤلاء الذين اضطروا لترك أوطانهم سيعودون إذا توفرت ضمانات الأمن والاستقرار في أوطانهم.
- انتقدت في مقال لك جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية لمنحها درجة الدكتوراه لطالب كفّر مائتي مثقف عربي، بصفتك متخصص في الشريعة كيف تنظر إلى الجامعات الإسلامية والأعداد الهائلة من خريجي كليات الشريعة الذين لا يلبون احتياجات سوق العمل؟
هذه الجامعات تخرج أعدادا هائلة لا تحتاج لهم مجتمعاتهم فيرفعون معدلات البطالة ويكلفون الدولة أعباء مالية دون عائد حقيقي. هذا النوع من التعليم يدفع الدولة إلى انفاق مواردها على تعليم لا حاجة للمجتمع به وإلى توظيف عقيم فتكون الخسارة مزدوجة، والأجدى استثمار العنصر البشري - وهو أعظم الموارد - في تنمية المجتمع وفي تطويره عبر تعليم يلبي احتياجات المجتمع.
- في مقالاتك الأخيرة ركزت على ثقافة الكراهية، ماذا تقصد بثقافة الكراهية ومن أين جاءت وكيف يمكن القضاء عليها أو استبدالها بثقافة الحب؟
"ثقافة الكراهية" هي تلك الثقافة المتعصبة التي لا تقبل الآخر انطلاقا من أيدلوجية شمولية تحتكر "الوطنية" أو "الدين" وتخوّن أو تكفّر الآخر.
جاءت هذه الثقافة كمحصلة أو ثمرة تلاقح أو تفاعل لأطروحات وأفكار ثلاثة تيارات سياسية ودينية على امتداد نصف قرن وهي:
1- التيار التكفيري الديني الذي مثل فكرا اقصائيا يشكك في معتقدات الآخرين ويتخذ من العنف وسيلة مشروعة في فرض رأيه حتى في المسائل الفقهية الخلافية باعتباره أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، ويمثله "الفكر السلفي الجهادي".
2- تيار الإسلام السياسي الذي روّج لعدائية الغرب للمسلمين الدائمة والمسكون بهواجس التآمر العالمي ضد الإسلام والذي يتهم الأنظمة العربية بموالاة الغرب، كما أنه يخوّن كافة مثقفي الحداثة والتنوير ويقدم نفسه للجماهير باعتباره حامي الهوية الإسلامية ضد تغريب المجتمعات العربية ويمثل هذا التيار "الإخوان المسلمون" والحركات التي تتعاطى السياسة من منظور ديني.
3- التيار القومي الناصري والبعثي، الذي اتهم الغرب بأنه العدو الذي عوّق النهضة العربية وعرقل التنمية وفرّق العرب ورسم الحدود الاستعمارية، وهو تيار يحتكر الوطنية ويخوّن الآخر المخالف ويتهمه بالعمالة لأميركا والغرب.
كيف يمكن مواجهة "ثقافة الكراهية"؟ يمكن ذلك عبر تفكيكها ونقدها والمناداة ببديلها الحضاري عبر العديد من الإجراءات، منها:
1- تطوير المناهج التعليمية وتضمينها أفكار المجددين وتنقيتها من النزعات التعصبية وإدراج مقررات عن ثقافة التسامح وحقوق الإنسان واحترام التعددية وثقافة الاختلاف والحوار ضمن تلك المناهج.
2- تدريس المفاهيم الدينية مثل: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء، وعدم التشبه بالكفار، وفق منظور إنساني متسامح.
3- معالجة التشريعات الوطنية التي تتضمن تمييزا ضد الأقليات والمرأة.
4- تبني النهج النقدي في التدريس بدلا عن الحفظ التلقين.
5- تجديد الخطاب الديني وانفتاحه على الثقافات المعاصرة (أنسة الخطاب الديني).
6- تفعيل مبدأ "المواطنة" في تولي الوظائف العامة وفي التعليم والإعلام والقضاء وفي بناء دور العبادة من غير تمييز بين المواطنين.
7- ابعاد "دعاة الكراهية" عن منابر التثقيف والتوجيه؟
8- إصدار تشريعات وطنية تسمح بمقاضاة "دعاة الكراهية" والمحرضين ضد الآخر طبعا لقرار مجلس الأمن رقم 1624 القاضي بتجريم التحريض.
هم دعاة ظهروا من خارج المؤسسات الدينية الرسمية، لم يحصلوا على ثقافة دينية نظامية بل معظمهم جاء من تخصصات أخرى غير دينية وبعضهم درس في الغرب وفي أميركا وأتقنوا فنون التواصل الجماهيري ومهارات تنمية الذات، وكسبوا النجومية بسبب تناولهم قضايا شبابية معاصرة ساعدت الفضائيات على انتشارهم وفق مصالح تجارية متبادلة، حوّلت "الدعوة" إلى سلعة تجارية حققت ثراء سريعا للداعية والقناة الفضائية.
هل قدموا تجديدا حقيقيا للخطاب الديني؟ هم قدموا تجديدا في الشكل لا المضامين، قدموا خطابا دينيا منزوع الدسم لا يتناول قضايا العدالة وحقوق الإنسان والأقليات الدينية والديمقراطية ولا الاصلاح الديني أو السياسي أو أي شيء يتعلق بقضايا المرأة المسلمة ووضعها في المجتمعات العربية، يتجنبون نقد الأوضاع السياسية ولا يتعرضون لنقد أفكار المتطرف، هم يقدمون نصائح وإرشادات للشباب في كيفية تحقيق النجاح في العمل وفي الزواج السعيد وفي كسب الأصدقاء وتحقيق رضا الله تعالى وفي تنمية القدرات الذاتية، ومن قرأ كتاب "لا تحزن" يجده نسخة إسلامية عن "دع القلق وأبدأ الحياة" أي قدموا المنتج الأميركي في ثوب إسلامي وكسبوا الملايين. لو كانت فضائياتنا جادة في تحقيق نهضة مجتمعاتها لاحتضنت دعاة الإصلاح حقا.
- يرى كثيرون ضرورة ايجاد تفسير عصري للقرآن والأحاديث النبوية يتوافق مع العصر ومع تغير الظروف الحالية مع الظروف التي جاءت فيها تلك النصوص الدينية، ما رأيك؟
على امتداد الساحة، هناك محاولات عديدة لتفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية نفسيرا منفتحا على معطيات العصر وعلى آفاق الثقافات الإنسانية والتشريعات المعاصرة التي تعلي من كرامة الإنسان بغض النظر عن دينه وجنسه، من أبرز تلك المحاولات ما يقوم به الاستاذ جمال البنا عبر سلسلة كتبه وأبرزها "نحو فقه جديد" ومن قبله حاول الشيخ محمد الغزالي أن يفسر تفسيرا جديدا في كتابه "السنة النبوية" وهناك غيرهما من دعاة الإصلاح والتجديد إلا أنهم أقلية وسط أكثرية متمسكة بالتراث التقليدي ولها الهيمنة على المنابر والمؤسسات الدينية والتعليمية، لكن المستقبل يعمل لصالح دعاة التجديد، القادرون على تقديم خطاب ديني حضاري للإسلام يحصن الشباب المسلم ضد آفات التطرف ويحببهم في الحياة والإنتاج والبناء ويدفعهم إلى الجهاد المدني وإلى نشطاء في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.
- الرئيس السوداني عمر البشير ومن قبله والي الخرطوم دافعا عن رجال الشرطة الذين قاموا بجلد فتاة سودانية بتهمة الزنا، كما تعهد البشير بتطبيق صارم للحدود كالقطع والصلب بعد انفصال الجنوب وشدد أن الانتقادات التي وجهت لعملية الجلد لا تهز شعرة من بدنه لأنه يطبق الشرع واستدل بالآية التي تقول "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"، ما رأيك في تبرير البشير وكيف تنظر إلى تطبيق عقوبات القطع والجلد والرجم في هذا الزمان؟
تبرير الرئيس البشير، مع احترامنا له، في غير محله، فالسودانيون مسلمون لا يجحدون الشريعة حتى يستشهد البشير بهذه الآية، ولا مسلم يجحد ثوابت الدين: عقيدة وشريعة، ولكن من حق الجميع أن يتساءلوا: هل ما يحصل في السودان من جلد وقطع يتفق وصحيح الدين أم هو تشويه خاطئ للشريعة؟
الشريعة مفهوم عام شامل، والحدود أي العقوبات الدينية المحددة تمثل جزء يسيرا من الشريعة، لكن المساحة الأعظم في الشريعة تتناول الشورى والعدالة وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة والحريات الدينية أي أن الشريعة تتناول الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي فهل طبقت حكومة الانقاذ الجوانب الأساسية للشريعة حتى تقفز فجأة إلى العقوبات؟
إذا أردت أن تطبق الجانب العقابي في الشريعة، عليك أولا أن تطبق تعاليم الإسلام العليا في إصلاح الفرد والمجتمع: تنمية وتعليما وتهذيبا للوجدان والسلوك ثم بعد ذلك تطبق العقوبات على الخارجين على القانون والمجتمع، أما أن تبدأ بالعقوبات فهذا وضع مقلوب يلحق أكبر الأضرار بشريعة الإسلام.
لقد اتفق فقهاء الإسلام – قديما وحديثا – أن الحدود الشرعية تُدرأ بالشبهات، وفي تصوري أن الشبهات في مجتمعاتنا المعاصرة كثيرة، فهناك عدم عدالة إجتماعية وقضائية، فهناك ظلم اجتماعي عريض، عدم مساواة سائدة، قلة تملك بغير حدود وكثرة محروقة من أبسط مقومات المعيشة الكريمة، فهناك بطالة مستفحلة وأحداث تونس الأخيرة خير دليل، هناك أمية كبيرة، هناك قمع سياسي وتضييق على الحريات ومناخ استبدادي وإهدار للحقوق والكرامات، فإذا كان الوضع بهذه الصورة فكيف تقطع الأيدي ويجلد الناس ويُرجم الزناة؟!
في تصوري وأنا دارس للشريعة ومتخصص فيها أن مقومات وشروط تطبيق الحدود الشرعية غير موجودة في مجتمعاتنا فلا مفر من اللجوء إلى التعزيرات لأن التمسك الحرفي بالعقوبات فيه إساءة للإسلام وحتى إيران الإسلامية تتردد في تطبيق بعض هذه العقوبات والأولى بالحكومة السودانية أن تستفيد من الدروس الماضية ولا تسيء للإسلام بأكثر مما فعلت.
- ما الدور الذي يمكن تلعبه الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية في دعم الحريات وحقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي وما مدى تأثير علاقة الغرب بالحكام الديكتاتوريين على ذلك؟
غير مطلوب من الغرب وأميركا غير التشجيع والحث المستمرين للدول العربية والإسلامية على مراعاة الحريات وحقوق الإنسان، ويمكن لصور الدعم أن تتخذ أشكالا متعددة، منها: المساهمة في تطوير المناهج والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان عبر تقديم الخبرة الفنية، وتسهيل الإجراءات أمام الطلاب للالتحاق بالجامعات الغربية، دعم الخطط الرامية لتمكين المرأة في المجتمعات الإسلامية، دعم استقلال القضاء، ومساندة دعاة التغيير والتجديد إعلاميا، مراقبة نزاهة الانتخابات، دعم جهود المنظمات المدنية في مراقبة حقوق الإنسان في مختلف الدول العربية والإسلامية وفي تقارير الشفافية الدولية والحريات الإعلامية.
- كلمة أخيرة أو تعليق على قضية أو فكرة لم يشملها الحوار؟
شكرا كثيرا ... لقد كان حوارا شاملا ....
|
يعبر بكل وضوح عن تطور وتغير المناخ الفكري فى العالم العربي ، بحيث أصبح من السهل جدا ومن الطبيعي جدا ان يقول مفكر على اسامه بن لادن أنه ارهابي وما يفعله لا علاقة له بالجهاد
وأن يقول بكل بساطة أنه لا نسخ فى القرآن وأن كلام الله لا يتغيير ويوضح هذا بكل هذه السهولة
ويقول على استععادة الخلافة الدينية أنها اوهام ويقول أيضا بخطأ من يظن أن ماضي المسلمين كان زاهرا مجيدا
وفي المقابل يدافع عن الحضارة المعاصرة ويفضح من يجاهدون ويروجون لنظرية المؤامرة على الاسلام
يتحدث عن التسامح والعدل والصبر
كلها كلمات رائعة تبينالتطور الفكرى والتغير فى المناخ الثقافى العربي الذي أرسة قواعده الفكر القرآني بحيث أصبح الكلام في مباديء وأساسيات هذا الفكر أمرا عاديا لا يخاف منه المفكر ولقد ساهم رواد الفكر القرآني في تمهيد هذا الطريق وتطويعه للقادمين من المفكرين هنا وهناك