hasan Ýí 2012-07-19
كتب لكم من بغداد...
عماد رسن
مشاهدات وملاحظات وتأملات من زيارتي الأخيرة لبغداد!
قطعة من الأرض
ذكر لي صاحبي بأنه أشترى قطعة من الأرض في محافطة النجف. تصورت بأنه سيسكن تلك المحافظة هربا ً من غلاء المعيشة في بغداد أو من قلة العمل فيها. لكنه فاجئني بأنها قطعة للأرض في مدافن النجف ليدفن فيها هو أو أحد أفراد عائلته بعد الممات مع العلم بأن هذا الشخص لايملك حتى مترا ً واحدا ً في هذا الوطن الذي دافع عنه سنوات طويلة في حروب عديدة, فأي سخرية تلك التي يبيع فيها الفرد مستقبله بقطعة من مدافن النجف. لقد يئس العراقيون من التفكير في معيشتهم في هذه الحياة الدنيا ليفكروا بدلا ً عن ذلك بالحياة الأخرى علهم يكونوا فيها أوفر حظا ً في الحصول على لقمة للعيش أو سكن يأويهم بعيدا ً عن شبح العشوائيات.
صراع مع البيئة
يعيش العراقيون صراع مرير مع البيئة المحيطة بهم, فهي تحاربهم بكل أسلحتها وهم يقاومونها ويحاربونها من حيث يشعرون أو لايشعرون. فدرجة الحرارة المرتفعة, والتي تصل الخمسين مئوية, تجعل من الصعب جدا ً للإنسان أن يخرج في الشارع من الساعة العاشرة صباحا ً حتى الساعة السادسة مساءا ً فضلا ً من أن يعمل في هذا الصيف اللاهب. أما العواصف الترابية فهي تزور المدن العراقية بين الحين والآخر لتبقى عددا ً من الأيام فتجعل كل شيئ في الطبيعة يتحول إلى لون التراب ليبدأ العراقيون في غسل بيوتهم من الداخل والخارج في محاولات يائسة لجعل الأشياء نظيفة. فالعراقيون يقاومون هذه القسوة بشتى الطرق مع غياب الكهرباء, بل يتعدا ذلك بأنهم يحاربون البيئة وكأنهم ينتقمون منها لتنتقم منهم في نهاية المطاف. فأصوت المولادات الكهربائية تحارب هدوء الطبيعة بضجيجها الذي يفر منه حتى الطير في السماء إضافة لطرحها كميات كبيرة من السموم التي تملأ صدور الصبية والفتيات. أما الشوارع فهي تمتلأ بالسيارات الحديثة والتي تشتبك بكثرة عند التقاطعات وسيطرات الجيش في غياب واضح لأي نظام أو تنظيم, حتى أنك بحاجة لساعات طويلة لتخترق السيارات المتراكمة لزحام واحد مع كمية لابئس بها من تلك السموم تستنشقها بلا تحفظ.
شارع المتنبي
كنت في جمعة ما في شارع المتنبي لألتقي هناك أحد الأقارب. لقد كان يوما جميلا ً مع إستعادتي لذكريات قديمة في هذا الشارع المميز. ففي هذا الشارع الكثير من باعة العصير الطبيعي يتزاحمون مع باعة الكتب القديمة مع غياب واضح لكتب اللغة الإنكليزية وغياب كاد يكون تاما ً للنساء. وصلت لحافة النهر عند تمثال المتنبي فوجدت مجموعة من الشباب يلقون شعرا ً على عوامة طافية عند جرف النهر حيث القوارب الصغيرة تنقل الأفراد لضفة النهر الأخرى. كان في أعلى طرف النهر مجموعة من أصحاب البزات وربطات العنق في عز حرارة الصيف اللاهب يحيط بهم عدد لابئس به من الحراس بأسلحتهم الاوتوماتيكية. لقد علمت بأنه محافظ العاصمة بغداد مع نقيب الصحفيين العراقيين يقفون هناك وهم يستمعون لقليل من الشعر من عليائهم. كان صوت الشعراء يقاوم أصوات الجوامع التي تحيط بالشارع من كل مكان قبل صلاة الجمعة, كما يقاوم أصوات محركات القوارب الصغيرة وصفارات سيارات الشرطة والحرس لمسؤولين مروا من على جسر الشهداء. ماتلك إلا فسحة وسط كل هذا الضجيج من السيارات وربطات العنق في عز الصيف اللاهب. وكأن هذا الشعر يتحدى عجرفة السلطة وهي في عليائها وهو يطرح خطاباً مضاداً لخطاب المؤسسات الثقافية, خطابا ً يتحدى الواقع الذي يحاصره, أو قل خطابا ً يلبس قميصا ً صيفيا ً بألوان جذابة بدل تلك الأربطة التي تخنق أصحابها في وسط الجحيم.
عمائم بكل الألوان
لايكاد يخلو شارع من شوارع بغداد من صورة كبيرة لرجال دين بعمائمهم البيضاء والسوداء, وكأنها إعلانات تجارية لسلع إستهلاكية. تختلف أحجام تلك الصور من أشكالها ونوعية المادة المصنعة منها, فهي تعتمد على الممول إن كان حزبا ً أو مؤسسة دينية أو أفراد عاديين لهم هوى وميل لهذا الشيخ أو ذلك السيد. ولكن, على إختلاف تلك الألوان والأحجام فهي تصب في خانة الدعاية السياسية (البروبوجاندا), فالهدف من تلك الدعاية واحد وهو الوصول إلى السلطة السياسية من بوابة الدين. لقد تحولت تلك الشوارع لحسينيات وجوامع كبيرة بفضل تلك الصور والجداريات العملاقة التي صرف عليها الكثير من الأموال, والغريب في الأمر أن توجهات ممولي تلك الجداريات يختلفون في الواقع فيما بينهم حد الصراع المسلح فضلا ً عن الإختلاف في الرؤى والبرامج السياسية لكنهم وفي الوقت نفسه يتشابهون في شعاراتهم وفي لافتاتهم التي تحمل نفس الوجه لذلك السيد أو الشيخ, فكل يدعي وصل بليلى!
أطفال القمامة
ليس من الغريب أن تجد عدد كبير من الشحاذين وهم يستجدون المارة في وسط الشارع لضيق الحال, لكن الأغرب منه هو أنك لاتجد مزبلة أو حاوية للنفايات إلا وتجد في القرب منها طفل أو مجموعة من أطفال كالحة وجوههم ينبشون فيها وكأنهم ينقبون عن الذهب هناك. أطفال بعمر الورد يتركون مقاعدهم الدراسية ليمتهنوا مهنة لاتمت للطفولة بصلة بل حتى إنها لاتمت للإنسانية بصلة. فمع ضيق قاعات الدراسة التي تمتلأ بالعشرات وهم يجلسون على الأرض, وإتساع رقعة النفايات والمياه الآسنة التي تغطي شوارع بغداد وأزقتها, ومع وجود كم هائل من الأيتام من ضحايا الحروب والأرهاب ممن يعيلون عوائل كاملة مع غياب شبه كامل لدور مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدني, فتلك نتيجة طبيعية لايختلف عليها اثنان.
عماد رسن
أحوال غريبة نقرأها في مقالك أستاذ عماد رسن !!
لا حولا ولا قوة إلا بالله أيتام وضحايا الحروب يتحولون لأطفال قمامة !!
والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا في الدول العربية دون غيرها من باقي دول العالم الأطفال بعمر الورد يتركون مقاعدهم الدراسية ليمتهنوا مهنة لاتمت للطفولة ولا للإنسانية بصلة؟؟!! .
دعوة للتبرع
مساجد الحوثيين: انا من اليمن ونحنو نعيش في مناطق يستول ي ...
الامام الأعظم: تقول ان الاما م أبا حنيفة هو أقدم الأئم ة ،...
سؤالان : السؤا ل الأول : هل الفعل ( يقُصّ ) مختص فى...
جسد المرأة : ماهى رؤيتك ككاتب لجسد المرأ ة ؟ وماهى...
جدل حول خاتم النبيين: بداية أشكرك م جزيل الشكر على كثير مما فهمته و...
more
يبدو أنه قدر الحضارات العريقة في الشرق الاوسط أن يعاني سكانها في العصر الحديث من مصائب مصطنعة بفعل الصراع على السلطة والثروة ، وكل المتصارعين يسخدمون الدين والقومية في استقطاب جموع هذه الشعوب ، وللأسف الشديد هذه الشعوب تقع في هذه المصيدة .
إن مصيدة التدين الخاطئ أو مصيدة القومية والعروبة فنجد هذا الحال في العراق (حضارة الرافدين) وفي اليمن حضارة مأرب القديمة وفي مصر حضارة الفراعنة .
هذه الشعوب لابد أن تنفض عن نفسها غبار الجهل والثقة في رجال الدين ، ولابد أن تؤمن بالعدالة الاجتماعية والكرامة والحريات إيمانا يجعلها تلفظ كل من ينادي بغير ذلك .
شكرا لك أستاذ عماد رسن والسلام عليكم