الشاعر العرجى صناعة أموية

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-05-11


مقدمة

لإثبات أن هذا الشاعر كان نتاجا للعصر الأموى والسياسة الأموية سنعرض ملامح شخصيته  وتأثرها بالسياسة الأموية . واخترنا هذا الشاعر المجهول بالذات لأنه يمثل تناقض العصر الأموى مع عصر النبوة .  هذا الشاعر هو حفيد عثمان بن عفان ونقيضا له فى معظم أخلاقه. إشتهر عثمان بن عفان بالحياء والمسالمة واللين ، ولولا أنه وقع فى شيخوخته تحت تأثير ابن عمه مروان بن الحكم لتغير تاريخ المسلمين .على العكس من ذلك كان حفيده العرجى فى العصر الأموى . لذا فنحن أمام حالة تستدعى البحث وتستجلب العبرة . ونحن نبحث فى تاريخ المسلمين ليس للتسلية ولكن للعبرة وأملا فى الاصلاح .

أولا : من هو العرجى ؟

هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان .وأم العرجى هى ابنة عم أبيه ( آمنة بنت عمر بن عثمان ) ،أى إن العرجى حفيد لعثمان من ناحية أبيه وأمه معا ، ولكنه اكتسب لقب العرجى وغلب عليه لأنه كان يملك بستانا فى منطقة ( عرج الطائف ) . كان العرجى وسيما أشقر .وربما ورث هذه الوسامة من جده عثمان .وورث منه أيضا صفة الكرم. كما كان فارسا شارك فى غزو الروم مع مسلمة بن عبد الملك . وما عدا كرمه وفروسيته فإن المشهور عنه فى عصره كان تشبيبه بالنساء مع مجونه وتعصبه القبلى لأهله بنى أميه وتعصبه الجنسى ضد غير العرب. وهنا يأتى تأثره بالعصر الأموى والسياسة الأموية .

ثانيا : العرجى : ملامح الشخص وملامح العصر:

1 ـ من الصعب الفصل بين العرجى كشاعر تخصص فى التشبيب بالنساء او التغزل فيهن وبين مجونه وتعصبه . فمع كثرة نسائه وجواريه فقد أدمن التعرض للنساء والتغزل فيهن متشبها بشاعر الغزل الأشهر عمر بن ربيعة . إلّا إن العرجى لم يكن مثل ابن ربيعة فى رقته وإحترامه للنساء إذا رفضن غزله بهن ومطاردته لهن ، على العكس من ذلك كان العرجى يلحّ فى مطاردتهن ولا يأبه باعتراضهن ، ثم كان يجعل من تشبيبه بالمرأة طريقا للهجاء وفضيحة من يبغضهم. كان متعصبا ضد والى مكة ( محمد بن هشام ) فتكلف أن يتغزّل فى أمه وزوجته ليفضحهما ، ودفع العرجى الثمن . كان ابن ربيعة اكثر تخصصا فى الغزل وتخصصا فى مطاردة النساء والولع بهن ومحادثتهن ، وكان النجم المحبب لنساء عصره من مختلف المستويات ، ومع هذا فقد يؤكد عفّته . على العكس من ذلك نجد العرجى فخورا بانحلاله الخلقى مباهيا به . ونعطى بعض التفصيلات .

1/ 1 : عن انحلاله الخلقى يحكى العرجى أنه واعد إمرأة ، فجاءته المرأة تركب حمارة ، وكان معها خادمة لها . وجاء العرجى ومعه خادم له وهو يركب حمارا . فزنى العرجى بالمرأة ، وزنا خادمه بالخادمة ونزا حماره على حمارة المرأة ، فقال العرجى : هذا يوم غاب عذّاله !! لا ننسى أن العرجى كان متزوجا بعدة نساء وله عدة جوارى ملك اليمين على عادة الملأ من قريش وقتها. ومع هذا كان يهوى الزنا . ومن طريف ما يحكى عنه أن رجلا قال له : جئتك أخطب اليك مودتك ، فقال له العرجى : بل خذها زنا فأنها أحلى وألذّ .!!

 1/ 2 : وكان ابن ربيعة ينبهر بالمرأة الجميلة فيطاردها بشعره ويحاول لقاءها ، فإن رأى منها إعراضا عفّ وكفّ ، ولكن كان العرجى معهن ثقيلا بغيضا معتديا لحوحا ميالا للإنتقام . فقد إعترضت إحداهن على العرجى وتشبيبه بالنساء ، واسمها ( كلابة)، وكانت تقول : لشدّ ما إجترأ العرجى على نساء قريش حين يذكرهنّ فى شعره.وعرف العرجى بقولها فجاء اليها فطردته  فقال فيها شعرا يؤكّد فيه بأن لها علاقة محرمة به،وحتى يعمم فضيحتها فق أعطى هذا الشعر للمغنيين فتغنوا به ، ووصل الشعر الى زوجها فاتهمها بالعرجى ، وما زال بها حتى حلّفها فى الكعبة أنها لا علاقة لها بالعرجى .

1 / 3 : والعرجى كان يطارد المحصنات المحترمات من النساء مثل أم الأوقص وقد زعم أنه يهواها ، وكان يتحايل فى الوصول اليها ، وتحاول السيدة الفاضلة أن تنجو منه . وكانت هذه السيدة الفاضلة قد وهبت حياتها لرعاية ابنها محمد بن عبد الرحمن المخزومى ورفضت الزواج لتتفرّغ لرعايته، وكانت قد ولدته قزما دميما قصير الرقبة، فأطلقواعليه لقب الأوقص ،  وعرضنا للأوقص فى مقال سابق . وبرعايتها صار الأوقص فى النهاية أشهر قاض فى مكة فى العصر العباسى الأول. وفى وقت رعايتها لابنها المعاق هذا كان العرجى يطاردها ويشبب بها زاعما أنه يهواها ، وهى تناضل حتى تفرّ منه .!

1 / 4 : وممّن فضحهن بشعره الغزلى السيدة ( جيداء ) وهى أم محمد بن هشام المخزومى والى مكة . وكانت من القواعد من النساء ، وربما تضارع ام العرجى فى العمر. ولم يكن العرجى مفتونا بها ولكنه كان يريد فضحها ليغيظ ابنها والى مكة ، بل إن العرجى شبب وتغزّل أيضا بزوجة هذا الوالى . ولأن العرجى حفيد لعثمان بن عفان ولأنه ينتمى للأسرة الأموية الحاكمة ورفيق مسلمة بن عبد الملك فى غزواته فلم يستطع والى مكة الانتقام منه. وظل الوالى محمد بن هشام يتحيّن فرصة الانتقام منه إلى أن أتاحها له العرجى بكل ما لدى العرجى من حمق وعتو وتكبّر .

1/ 5 : فى هذا العصر عاش الموالى مواطنين من الدرجة السفلى يعانون من تعصب الأمويين ضدهم . والموالى هم غير العرب ، من الفرس بالذات . وبعض الموالى كان يعيش فى الحجاز ؛ ومنهم من كان من ذرية السبى أو ذرية الرقيق المستجلب ، وكان بعضهم يكتسب الولاء أوالتبعية لقبيلة عربية أو أسرة عربية أو شخصية عربية ، فيقال له مولى فلان أو مولى بنى فلان من العرب . وفى العصر الأموى كان لأشراف قريش فى مكة والمدينة موالى كثيرون . وكان للعرجى بعض الموالى بالاضافة الى خدمه من الرقيق . وجرت ملاحاة ومناقشة بين العرجى وأحد مواليه ، وانطلق العرجى يسب المولى ويلعنه بأمّه . وفى النهاية ردّ عليه المولى السّب ، فجّنّ العرجى وكان أشعب ( الطامع ) حاضرا ، فقال له العرجى وهو لا يصدّق أن مولاه يرد عليه السّب : إشهد على ما سمعت . فقال اشعب : علام أشهد ؟ قد شتمته ألفا وشتمك واحدة ، والله لو أن أمّك أمّ الكتاب وأمّه حمالة الحطب ما زاد على هذا .! وسكت العرجى على مضض. وفى الليل جمع غلمانه وعبيده وهاجم ذلك المولى فى بيته وأخذه وقيّده ، واحضر زوجة المولى وأمر عبيده أن يغتصبوها أمامه ، ثم قتله وأحرقه بالنار .!. وتوجهت إمرأة المولى القتيل الى والى مكة محمد بن هشام تشكو له ما فعله العرجى . ورآها الوالى فرصة للانتقام من العرجى فقبض عليه، وأوقفه للناس يعذّبه ويصب الزيت المغلى على رأسه ، ويطاف به على تلك الحال يتفرّج عليه الناس والصبيان . وتلك كانت عقوبة مشهورة فى العصر الأموى . ثم أعاده الى الحبس وأقسم ألّا يخرج من الحبس طالما ظل واليا على مكة .

1/ 6 ـ وفى حبسه ظل العرجى يستنجد شعرا بالخليفة هشام بن عبد الملك ، ولكن بلا فائدة . ومن شعره وهو فى محنته :

سينصرنى الخليفة بعد ربى   ويغضب حين يخبر عن مساقى

على عباءة بلقاء ليست        مع البلوى تغيّب نصف   ساقى

وحين يأس قال هذا الشعر الذى اشتهربعده :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا  ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا   وقد شرعت أسنّتها بنحرى

أجرّر فى الجوامع كل يوم فيا لله مظلمتى وصبرى

كأنى لم أكن فيهم وسيطا ولم تك نسبتى فى آل عمرو

وصار مثلا فى العصر العباسى أن يقال :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا  ليوم كريهة وسداد ثغر

ولم يستجب الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك لصرخات العرجى  فقد كانت هناك صلة صهر تجمع محمد بن هشام بعبد الملك والد الخلفاء المروانيين ، فظل العرجى فى السجن تسع سنوات الى أن مات سجينا .

2 ـ : وتولى الخلافة الوليد بن يزيد ، وكان مضطغنا على والى مكة محمد بن هشام المخزومى فعزله ، واستحضره معتقلا الى دمشق مع أخيه ابراهيم بن هشام . وأمر بضربه بالسياط بين يديه ، فاستعطفه محمد بن هشام قائلا : أسألك بالقرابة ؟ فقال له : وأى قرابة بينى وبينك ؟ وهل أنت إلّا من أشجع .! قال : فأسألك بصهر عبد الملك ، فقال له الوليد : لم تحفظه . فقال له : يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله أن يضرب قرشى بالسياط إلّا فى حدّ . فقال له الخليفة : ففى حدّ وقود أضربك،أنت أوّل من سنّ ذلك على العرجى وهو ابن عمّى وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جدّه ولا نسبه بهشام ، وأنا ولى ثأره .! . وبعد ضربهما بعثهما الخليفة مثقلين بالقيود الحديدية الى والى العراق يوسف بن عمر ، فصادر أموالهما وظل يعذبهما الى ان لم يبق فى جسديهما موضع للعذاب ،ولم يعد بإمكانهما الحركة ، فكانوا إذا أرادوا أن يقيماهما يجذبانهما من لحاهما ، وأراد محمد بن هشام أن يرى وجه أخيه فتحامل على نفسه يحاول الوقوف فوقع ميتا على وجه أخيه فمات أخوه معه .. !

ثالثا : تأثير السياسة الأموية فى تكوين شخصية العرجى

1 ـ بعد ماساة كربلاء وبعد القضاء بصعوبة على حركة ابن الزبير إستنّ الأمويون سياسة محددة مع أبناء وأحفاد المهاجرين والأنصار المقيمين فى مكة والمدينة لتشغلهم عن السياسة ، هى إغراقهم فى المتع الحسّية ، فتكاثرت عليهم الأموال وجلبوا لهم الجوارى والقيان ، واصبحت المدينة بالذات مركزا لتعليم وتفريخ المغنيين والمغنيات من الرقيق و ذرية الرقيق ممن كان يطلق عليهن ( مولدات المدينة ) . تحولت المدينة ومكة الى ماخور لهو ومجون وغناء وخمر ، واشتهر فيهما أرباب الغناء من الذكور والاناث حتى أصبحت دمشق تستوردهم من مكة والمدينة . وانهمك أحفاد الصحابة فى حياة اللهو والمجون ، ليس فقط تمتعا بالعديد من الزوجات والجوارى ، بل بالزنا الذى شاع وانتشر . وفى المقابل كان هناك من تطرف فى العبادة الى درجة تحريم الحلال من الذهب والحرير وصاغ لتزمته الأحاديث إفتراءا على الله ورسوله . وتعايش الاتجاهان المتناقضان فى المدينة بالذات . ومن الطريف أن تجد محمد بن القاسم حفيد أبى بكر الصديق ناسكا راويا للأحاديث الكاذبة بينما تجد ابن أبى عتيق وهو حفيد آخر لأبى بكر ماجنا وصاحبا لعمر بن ربيعة. وهانحن مع العرجى حفيد عثمان . وفى النهاية أنتج جناح التزمت مالك بن أنس الذى ابتدع ( حد الرجم ) و(حد شرب الخمر) ليواجه إنحلال عصره ، بينما تكاثر الماجنون والزناة والمغنّون ومدمنو الخمر . هذا هو عصر (السلف الصالح ) من ( التابعين وتابعى التابعين) آلهة السلفيين فى عصرنا البائس الحزين .!!.   

2 ـ ولم يكن المجون بالغناء والخمر هو السبيل الوحيد الذى نشره الأمويون لشغل الناس عن الثورة عليهم ، إذا شغلوا الناس بالشعر خصوصا شعر المدح للخليفة ، وشعر التهاجى بين الشعراء كما كان يحدث فى المربد من التهاجى بين الفرزدق وجرير والأخطل ، فظل هذا يشغل الناس حتى بعد زوال الدولة الأموية ، ثم شعر المجون والغزل والتشبيب بالنساء ، فاشتهر العصر الأموى بقصص العشّاق الشعراء المجانين بالعشق مثل مجنون ليلى وكثير عزّة وجميل بثينة وقيس ولبنى ..

3 ـ وأشعل شعر التهاجى نار العصبية القبلية التى شجعها الخلفاء الأمويون ، واستخدموها لصالحهم حين كان الخلفاء الأمويون أقوياء فلما ضعف الخلفاء الأمويون أصبحوا ضحايا لهذه العصبية وأسهمت فى القضاء عليهم ، وسننشر بحثا فى هذا . والواقع أن الأمويين تعاملوا بالعصبية على كل المستويات . تعصبوا جنسيا وعرقيا للعرب ضد غيرهم ، وداخل العرب استخدموا العصبية القبلية كما قلنا ، وتعصبوا لقريش ضد غيرها من قبائل مضر ، وداخل قريش تعصبوا إجتماعيا لذرية عبد مناف التى تجمعهم ببنى هاشم مع عدائهم لبنى هاشم بنى عمومتهم. ثم تعصبوا للأمويين ضد أبناء عمومتهم الهاشميين . وداخل الأسرة الحاكمة الأموية كان كل خليفة يتعصب لابنه ضد أخيه ولى العهد . وفى هذا الجو من التعصب نشأ وعاش وتأثر العرجى . فقد كان معاديا لمحمد بن هشام لأنه تولى مكة ، وهو ليس من الأمويين بل من بنى مخزوم القرشيين، وكل ميزته صلة مصاهرة تجمعه بعبد الملك بن مروان والد الخليفة هشام بن عبد الملك . وتفرّغ العرجى لهجاء محمد بن هشام والتشبيب بأمه وزوجته بلا سبب سوى تعصب العرجى لأسرته الأموية ورؤيته أنه الأحق من محمد بن هشام أو غيره من الأمويين فى ولاية مكة . بالاضافة الى تعصبه المحلّى هذا فقد كان العرجى متعصبا ضد غير العرب ، وقام بتطبيق هذا فيما فعله بمولاه المسكين .

4 ـ استعمل الأمويون كل الوسائل فى شغل الناس عن مشاكستهم سياسيا . ولم يتورعواعن استخدام الدين ، وسبق أن عرضنا لهذا فى مقال عن ( الجبرية ) فى السياسة الأموية ، أى كانوا يعتبرون ما يفعله الخليفة هو قدر الاهى لا يجوز الاعتراض عليه . وفى مبحث عن حرية الرأى والفكر أوضحنا سياسة الأمويين فى استخدام أبى هريرة فى صناعة الأحاديث واستخدامها سياسيا. ثم جعلوا لعن الامام (على ) من رسوم الخطبة فى صلاة الجمعة .

نرى تأثرا العرجى بهذه الثقافة الأموية ، فهو لم يستشعر ذنبا إقترفه حين قتل رجلا بريئا  وحين جعل عبيده يغتصبون الزوجة المسكينة أمام زوجها الموثق ، ثم يحرقون زوجها أمامها. العرجى لا يرى فى ذلك إثما ، بل يرى نفسه مظلوما ، فظل ينتحب وهو فى محنته معتقدا ببراءته . كما نلمح هذا فى حوار محمد بن هشام مع الخليفة الوليد بن يزيد ، وقوله بأن الرسول منع ضرب القرشيين بالسياط .!!

أخيرا .. مثل معظم البشر، كان العرجى ابن عصره،إستمتع بعصره،وأصبح ضحية لعصره . وتبقى لعصرنا العبرة والعظة لو كان هناك من يعتبر ويتعظ ..!!

اجمالي القراءات 5484

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   إياد نصير     في   الجمعة ١١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66462]

التاريخ يكتبه المنتصرون

 د. أحمد

كمؤرخ ما مقدار ثقتك بأخبار الدولة الأموية؟

ألم تدون في العصر العباسي و هم خصومهم؟

العصر العباسي مشهور بالمجون. أليس من الممكن أن العباسيين أرادوا أن يبرروا انحلالهم الاخلاقي برميه (أصولياً) على الأمويين؟

الثقافه العربية أكثر محافظة و أقل إستبداداً من الثقافات السائدة في البلاد النهرية كفارس ومصر. فإن كان من السهل تصديق المجون عن العباسيين من خلال الثقافة الفارسية فان هذه الأخبار عن الأمويين مشكوك بها.


2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66463]

شكرا ، ونؤكّد مجدادا أن التاريخ (علم ) وليس دينا ، وحقائقه نسبية ، وليست دينا

البحث التاريخى علم قائم بذاته ، له علماؤه المتخصصون فيه ، ولنا فيه مؤلفات كتبناها من ربع قرن توضح كيفية البحث وفحص ونقد الروايات الأرضية ، وسبقنا أساتذة عظام ـ خارج الأزهر ـ تعلمنا من مؤلفاتهم ، وكنا نتمنى لقاءهم . فى عام 1984 صدرت لنا مؤلفات كانت مقررة على قسم التاريخ فى جامعة الأزهر ، منها ( أسس البحث التاريخى ) ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ـ دراسة عملية ) وكان  هذا الكتاب فتحا جديدا فى موضوعه ، ناقش لأول مرة مصادر التاريخ الدينى وتنوعها وكيفية البحث فيها ووضع القواعد وشرحها بالتطبيق العملى لارشاد الباحثين فى الدراسات العليا . بالاضاتفة الى ذلك صدر لنا فى نفس العام كتابان فى تاريخ علم التاريخ ، وفى مناهج المؤرخين وفلسفة علم التاريخ . وبعد تركى مستنقع جامعة الأزهر كتبت دراسة  فى  تاريخ ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى المملوكى ابن الصيرفى ، وقد كان نتاج منحة علمية من وزارة الثافة المصرية فى منتصف التسعينيات ، وسننشره هنا  بعونه جل وعلا . ثم فى أواخر التسعينيات وضعت بحثا علميا عن مقدمة ابن خلدون وتشريحها أصوليا وتاريخيا .. وهو منشور عام  1999


وبعد معايشة استمرت أكثر من أربعين عاما مع تاريخ المسلمين أنام واصحو على أشخاصه لا أعتقد أنه من المناسب أن يتوجه لى هذا السؤال . أنا أعرف ما أكتب ..يؤكد هذا ما نشرته من مئات المقالات البحثية  عن شخصيات مجهولة وعن حقائق تاريخية مجهولة  لم يكتب أحد عنها من قبل . من الطبيعى أن أعرف الحكم على الرواية الصحيحة والرواية الكاذبة. 


وكمجرد حقيقة  وبدون أى زعم أو إدّعاء فلا يوجد فى زمنى هذا من يصل الى منتصف قامتى البحثية فى تاريخ المسلمين من عصر الصحابة الى نهاية العصر المملوكى . أقول هذا بكل تواضع ..ولمجرد العلم .


3   تعليق بواسطة   إياد نصير     في   الجمعة ١١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66464]

أطال الله بعمرك

 د. أحمد

1-بعد قراءة سيرتك ومؤلفاتك لا أحد ينكر سبقك وعلمك إلا جاحد أو كاره لك.

2-مجرد مراسلتي معك وتسجيلي مع الموقع دليل على أني من المتابعين لك تأييداً لا عداوة.

3-أنا من النادر أن اكتب تعليقا ليس فيه سوى التأييد لمحتوى المقال لاعتقادي أن التأييد لا يضيف معلومة جديدة.

4-قولك "وبعد معايشة استمرت أكثر من أربعين عاما مع تاريخ المسلمين أنام واصحو على أشخاصه لا أعتقد أنه من المناسب أن يتوجه لى هذا السؤال" يفهم منه أنك تظن أسئلتي تشكك في علمك. لا يا دكتور، أنا أسئلتي استفهامية عن الأدوات التاريخية التي تميز الرواية ذات الوزن عن كلام الحكواتي. فأن لم أوجه سؤالي لمختص مثلك فلمن اذهب إذن؟

5- أرجو أن لا تحسس مني فأنا إبن ثقافه ريفية عشائرية و لا أتقن المجاملة على طريقة أبناء المدن. ومما يزيد في جفاف أسلوبي هو أني لا أتقن الطباعة بالعربية فأضطر إلى محاولة إيصال الفكره بأقل قدر من الكلمات.


6- أعيد صياغة سؤالي:

ما هي طريقتك في تمييز الأخبار ذات الوزن التاريخي التي كتبها العباسيون عن الأمويين؟



شكراً لتفهمك

أخوك

د. إياد نصير


4   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الجمعة ١١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66465]

ملاحظة سريعة عن النقاب .

اكرمك الله استاذنا الدكتور منصور -على دروس التاريخ المجانية ،والتى نتعلم منها كيف نقرأ التاريخ بعيون مختلفة ،وعيون ناقدة متفحصة لما بين سطوره . وعلى هامش موضوع الشاعر الأموى صناعة عصره . هل كان النقاب موجودا ،وفريضة كما يقول أهل السلف ، أم لا؟؟ وإذا كان موجودا وفريضة فكيف تسنى له ،ولغيره من شعراء الحب والغزل الأمويين رؤية ضحاياهم ،وخاصة ضحايا هذا الشاعر التى وصلت إلى بيت والى المدينة ؟؟؟


هذا مع العلم أن العصر الأموى لم يكن بعيدا زمنيا عن عهد دولة الإسلام الأولى فى المدينة ،وعصر دولة الخلفاء من بعدها..


 فأين تشريعات النقاب المزعومة فى عهود الإسلام الأولى ؟؟؟


5   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66467]

شكرا د إياد ، وشكرا د عثمان ، واقول :

 أنا لست مؤرخا . المؤرخ هو من يسجل التاريخ .أنا باحث تاريخى  فى تاريخ السابقين  ( بحث في  التاريخ المنقول على حسب العصور ، وبحث الشخصيات التاريخية ) أو باحث  في نوعية الكتابة التاريخية ( بحث فى مناهجهم فى كتابة التاريخ :من التاريخ الحولى أو الموضوعى ، التاريخ المحلى أو العالمى،التاريخ المنقول أو التاريخ المكتوب بالمعاصرة والمشاهدة،وطرق كتابة التاريخ المعاصر   هل بالحضور أو بالمراسلةأو بالمقابلة ..الخ .ومصادر التاريخ الأصلية والفرعية). التاريخ الأموى هو من التاريخ المنقول ، لأنه تمت كتابته فى العصر العباسى بالنقل عن روايات شفهية متداولة . وهنا يكون الاعتماد على السند والعنعنة حيث نشأ التاريخ متشابكا مع الحديث والسيرة . وتقييم الرواية التاريخية هنا غاية فى التعقيد  ، ليس فقط من ناحية فحص السند والرواة ، ومناقشة متون الرورايات فى الواقعة الواحدة  ( كأن تكون الروايات متناقضة أو متداخلة  ومتشابهة ) ولكن الأهم هو فحص حال المؤرخ نفسه ، وفهم لغة العصر وثقافته ومعرفة شخصياته التاريخية ومدى إتساق الرواية مع عصرها وشخصياتها . وفى كل الأحوال لا بد للباحث التاريخى أن ينخلع بالكامل من ثقافة عصره  ليعيش منغمسا فى العصر الذى يبحثه . ومثلا فإن ثقافة عصرنا هى تحكم المستبد ومطاردته للكلمة المكتوبة . هذا لم يكن معروفا ولا مألوفا فى العصر العباسى . فلم يحدث أن طارد الخلفاء العباسيون مؤرخا لأته مدح الأمويين أو استقطبوا مؤرخا لكى يعيب فى الأمويين . المؤرخ نفسه هو المسئول ن قديكون متهما بالتشيع متحاملا على الأمويين مثل المسعودى والأصفهانى وابن طباطبا ، وهنا يؤخذ منه الحذر فيما ينفرد به من روايات عن الأمويين . ربما يكون حنبليا متعصبا ضد المعتزلة كابن الجوزى ومتخصصا فى الوعظ وسبك القصص ، وعندها لا بد من بحث رواياته التى لم تأت فى مؤلفات سابقة على عصره. ولكن على قدر علمى فلم يتدخل العباسيون فى كتابة التاريخ الأموى الذى تم فى عصرهم . صحيح أن ابن اسحاق كتب السيرة النبوية تنفيذا لطلب المهدى العباسى ، وزعم ابن اسحاق أنه سمعها شفهيا من ابن شهاب الزهرى ـ وقد أثبتنا كذبه فى هذا الادعاء لأنه لم يلق مطلقا الزهرى . والثابت ان الخليفة المهدى لم يتدخل فى كتابتها .أول من كتب فى تاريخ المسلمين من فتوحات وتاريخ أموى كان الواقدى فى عصر المأمون ، ولم يتدخل المأمون فى كتابته، أول من كتب فى تراجم الصحابة كان محمد بن سعد،وكتبها مستقلا عن العباسيين بل كان من ضحاياهم فى فتنة ( خلق القرآن ). الطبرى أعظم مؤرخ فى العصر العباسى كان مستقلا ، ومثله كل من أتى بعده من مؤرخى العصرين العباسى والمملوكى  . الموضوع طويل ويصعب تلخيص طرق البحث التاريخى. ولعل نشر كتابنا عن ( المجتمع المصرى فى عصر قايتباى  من خلال كتاب إنباء الهصر بأبناء العصر لبن الصيرفى ) يعطى طريقة عملية فى توضيح منهج البحث التاريخى . وأقول ل. د عثمان ..أن النقاب لم يكن معروفا فى العصر الأموى .. وحلقات الزى و الزينة فى برنامج فضح السلفية ستشرح ذلك. وشكرا.


6   تعليق بواسطة   إياد نصير     في   السبت ١٢ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66468]

الشكر لك د. أحمد

 ثقافة "المدح في الوجه مذمه"منعتني من أن أقول كما قال د. ،عثمان جزاه الله خيراً، "اكرمك الله استاذنا الدكتور منصور -على دروس التاريخ المجانية ،والتى نتعلم منها كيف نقرأ التاريخ بعيون مختلفة ،وعيون ناقدة متفحصة لما بين سطوره" وإن كان هذا فعلاً رأيي بمؤلفاتك و مقالاتك.

أشكرك على اجابتك سؤالي. إذن نتجنب المؤلفين الذين نجد عندهم تضارب في المصالح conflict of interest في المعنى القانوني ، بالإضافة إلى الجرح و التعديل في الرواه و إتفاق المتون و فهم بيئة المؤلف.

قولك "ولكن على قدر علمى فلم يتدخل العباسيون فى كتابة التاريخ الأموى الذى تم فى عصرهم" فاجأني و سأفكر فيه، فلطالما ظننت أن من سنن التاريخ أن يشنع المنتصر على خصومه و يشوه تاريخهم.

واعذرني أن وصفتك بالمؤرخ. فقد كتبتها وأنا أعلم أنك باحث تاريخي ورسالة الدكتوراه كانت في هذا المجال. لكن كتبتها ولم أصححها في عجالتي.


و بخصوص النقاب، تذكرت صديقاً لي من أصول هندوسية قال لي أن في منطقتهم في الهند قبائل بدوية غير مسلمة، وأظنه قال أنها هندوسيه، تلبس نساؤها النقاب. فربما جاءت فكرة النقاب من تلك المناطق الجغرافية التي كانت تحت النفوذ الفارسي قديماً و أثرت على المشايخ الفرس. أنا لم ابحث في هذا وانما خاطره اتتني. فليس في بلادي نقاب ولذلك لم اهتم بموضوع النقاب من قبل.


7   تعليق بواسطة   احمد العربى     في   السبت ١٢ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[66469]

استاذنا الكريم الدكتور احمد صبحي منصور

مجهودكم العظيم في كشف حقيقة التاريخ بعهره وفجوره وحلوه ومره  لن يذهب سدا وسيبقى شوكة في حلق اساطين دولة التاريخ الذين توارثوا التزوير وتجميل وجه التاريخ كابرا عن كابر


فتجميل وجه التاريخ احد اهم اسلحة الرجعية من اجل اعادة كتابته وتقديمه للاغلبية الصامتة كبديل عن دولة المستقبل


يجب ان يظهر التاريخ على حقيقته وان تفهم الغالبية الصامتة ان لا بديل عن دولة المستقبل ان ارادوا الحياة وان ارادوا ان يستجيب القدر





أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,884,540
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي