آحمد صبحي منصور Ýí 2012-04-30
أولا :
1ـ فى الزمن الردىء كلما زاد حظك من العلم والثقافة أصبح الفقر حليفك . هذا بينما يرتع أدعياء العلم فى رضى السلطان وينهلون من خيره وهم يحرقون له البخورفى موكبه أينما سار، وبالتالى فلا وقت لديهم للقراءة أو البحث ، وإنما يريدون الأحكام الجاهزة المسبقة التى سطرها أعلام التراث فى الماضى . وليس مهما إن كانت تتفق مع عصرنا أم لا وإنما المهم أنها تكفيهم عناء الإجتهاد وتوفرلهم الوقت الكافى للتراقص بين يدى السلطان وحاشيته . وهؤلاء الأدعياء مهما بلغ نصيبهم من الثروة فأمامهم دائما منافس فى دنيا المال . هى تلك الطبقة المترفة الجاهلة التى يصعد بها الزمن الردىء الى موقع الصدارة لتفسد ذوق المجتمع وتهبط بمستواه الثقافى والعلمى ويتعاونون مع أدعياء العلم فى تأخره وتخلفه . وفى هذا الزمن الردىء يصبح التفكير الحر سلعة غيرمرغوب فيها ، ويصبح المفكر الحر على حافة الجوع مضطرا لأن يشغل وقته بكيفية الحصول على مورد رزقه بينما يكون المجتمع أحوج الى تفكيره ومؤلفاته كى ينهض ، وربما لاترى مؤلفاته النور الا بعد موته فيعرف الناس قدره بعد فوات الأوان .
2ـ ويبدو أنها حقيقة تاريخية مؤلمة، إذ أن صناع الفكر المسلمين قاسوا من الحرمان ورافقوا المسغبة والفقر فى حياتهم بينما تنهمر أموال الخلفاء والسلاطين على الأدعياء والشعراء والمغنيات والمحترفات وتجار النخاسة ..كان الخليل بن أحمد الفراهيدى أعظم عقلية عربية ، هو الذى وضع قواعد النحو وهو الذى انشا علم العروض ، ومع ذلك الجأه الفقر لأن يعيش فى خص من أخصاص البصرة صابرا على العيش الخشن وعلى نفس المستوى من الفقر كان تلميذه سيبويه إمام النحاة ، وكان أيضا النضربن شميل الذى ضاقت عليه المعيشة بالبصرة فتركها فشيعه ثلاثة آلاف من تلاميذه فقال لهم : ياأهل البصرة يعزعلى فراقكم ولو وجدت لقمة سائغة عنكم مافارقتكم .. !! . ومن أعلام اللغة والنحو الذين عاشوا فقراء : الأخفش الصغير الذى مات لأنه اضطرلأكل طعام نيىء !! . وابن النحاس الفيلسوف النحوى ، وابن مالك صاحب الألفية ، وابن معطى النحوى، ونفطويه النحوى وقد اكتسب هذا اللقب من قذارة مظهره ، وغلام ثعلب امام اللغة ، وابن خالويه النحوى ، وابن دريد اللغوى . ومن أعلام الفقهاء الفقراء كان أبو الطيب الطبرى صاحب التصانيف فى الأصول والجدل ، وكانت له ولأخيه عمامة وقميص اذا لبسها احدهما جلس الآخر فى البيت ، والترمذى الذى بلغ به الفقر أنه كان يأكل وجبة واحدة من اللفت كل يوم !! والأبيوردى الذى مكث سنتين لايقدر على جبة يلبسها فى الشتاء !! وكان عبدالوهاب المالكى فىالقرن الخامس إمام بغداد فىالفقه مع شدة فقره، ولما اشتد به الفقر ترك بغداد راحلا إلى مصر فودعه أهل بغداد فقال لهم : لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين ماتركتكم ، وفى أول قدومه الى مصر أكل وجبة شهية مات منها ، فقال وهو يحتضر : لا اله الا الله..لما عشنا متنا .. !! والفارابى أعظم الفلاسفة المسلمين عمل خفيرا بدمشق التى مات بها وكان يستضىء بمصباح البستان الذى يعمل فيه ويؤلف فى الفلسفة والحكمة والموسيقى ، ومثله فى الفقر كان السهروردى المقتول والسهروردى صاحب عوارف المعارف . وابن حزم الظاهرى الفقيه الفيلسوف الأديب ، وابن يونس المصرى عالم الفلك صاحب الزيج الحاكمى المعروف بزيج ابن يونس وكان فقره يظهر فى هيئته الرثة ، ثم كان واصل ابن عطاء كبير المعتزلة وشيخها قبل أن يعلو شان المعتزلة لدى العباسيين ..ومن علماء الحديث والتفسير الفقراء نجد الشاطبى إمام القراءات الذى صبر على فقر شديد والواحدى المفسر النحوى اللغوى الأصولى ، والبيهقى صاحب السنن . ومن أعلام الأدب والتاريخ نسمع عن فقر الحريرى صاحب المقامات وأبى بكر الصولى والميدانى صاحب الأمثال وقبلهم الراوية أبوعبيدة معمر بن المثنى ، ثم العلامة ياقوت الحموى النحوى اللغوى المؤرخ صاحب معجم البلدان وهو القائل : هيهات مع حرفة الأدب بلوغ وطر أو ادراك أرب . !
3ـ لقد أدت الثورة الصناعية فى أوربا الى نمو الرأسمالية وتحكمها فى طبقة العمال ، وتركز الثروة فى فئة قليلة على حساب الأغلبية ، وكان من بين تلك الأغلبية المحرومة بعض المثقفين الحالمين مثل جماعت السان سيمونيين بمبادئهم الاشتراكية الانسانية ، إلا أن تضخم الرأسمالية أدى الى انتشار الشيوعية العلمية التى تحمس لها مثقفون امتلأت رءوسهم بالأفكار وخلت جيوبهم من الأموال ، ثم أتيح للشيوعية أن تقيم لها دولا نعم فيه الثوار والبروقراطيون والفلاسفة الشيوعيون بكل شىء وافتقر فيها العمال الى كل شىء ، ثم انتهت الشيوعية هناك الى لاشىء بعد 70 عاما من التطبيق القائم على القمع والحرمان والدماء ، ولو خففت الرأسمالية الغربية من جشعها وأنصفت العمال وأعطت للمثقفين اعتبارهم المالى والأدبى لما قامت الحركة الشيوعية وماتأسست لها أنظمة ودول ، وقد تنبهت الرأسمالية الغربية لذلك متأخرا وبعد فوات الأوان.
4 ـ والدور الآن علينا أن نستفيد من أخطاء السابقين ..لقد أفل نجم الشيوعية هناك ولكنه لايزال حاضرا هنا ، ذلك أن الفكر الشيوعى عندنا يستمد جذوره من حمق الراسمالية الطفيلية وفسادها وتسترها بالدين وعملها على تغييب العقل وراء خرافات دينية ليس لها أصل فى الدين الحق، أى أن هذه الرأسمالية الطفيلية تكررأخطاء سابقتها الراسمالية الغربية فى أوربا ولايبدو أنها ستستفيد من التجربة .ومن أسف فإننا نعيش الأفكارالاشتراكية والقومية والنيابية التى كانت سائدة فى أوربا القرن الثامن عشر .. ولاسبيل لنا للحاق بالقرن الحادى والعشرين الا بتحرير الفكر من تلك المتاريس التى تقيمها محاكم التفتيش ثم باعادة الاعتبار للمفكرين وكل من يحمل قلما ....
أخيرا
نشرت هذا المقال بتاريخ 28 /10 /1991 فى جريدة الأحرار المصرية بنفس هذا العنوان ( إنتبهوا أيها السادة ) ..ولم يلتفت أحد من السادة أو من العبيد .. ولا زلنا نؤذّن فى خرابة ..!!
أعتقد ــ وأتمنى أن أكون مخطئا ــ أننا لن نتعلم من تجارب السابقين والسبب :
أن القرآن الكريم مليء بالعبر والمواعظ والقصص الحق في كل شيء ورغم ذلك من يدعون أنهم حماة الدين والموكلون به لا يقرأون القرآن ولا يحاولون الاستفادة مما جاء فيه من عبر ومواعظ
أن طرفي اللعبة أو الصراعي السياسي وهما الرأسمالية المتسترة بالدين وهنا لا فرق بين رأس مالية العسكر المستبد أو رأسمالية تجار الدين فكلاهما استبد بالثروة وكلاهما يتاجر بالدين ويستغله كل حين وكلاهما لا يقرأ ولا يتعلم من الأمم السابقة ومن تجارب الدول السابقة ومن سقوط ديكتاتوريات وأنظمة كثيرة
لكن الأمل الوحيد في جيل جديد يغير كل هذا ويساهم في تغيير العقل الجمعي للعبيد أو الأغلبية الصامتة لتتحول من الاستماع والانبطاح والانصياع إلى السيطرة والإرادة والصحوة الحقيقية ، ولكن هذا يحتاج لعمل شاق وجهد كبير جدا من الجيل الجديد الذي نجح في تفجير هذه الثورة ولكن ما يجعل مشاعر الأمل تختلط باليأس أحيانا أن هذا الجيل خلفيته متذبذبة نسبيا ولكن الأمل موجود
دكتور احمد المحترم اتمني ان تكون هناك صفحه علي الموقع لتشمل جميع مقالاتك ومنشوراتكم التي تم نشرها في الجرائد الرسميه وغيرها نظرا لما تحتويه من حقائق سواء علي المستوي السياسي او الاجتماعي والتاريخي وكذلك لارتباطها بالكثير من بحوثكم القيمه علي هذا الموقع ولتكون مرجعا للجميع للاستفاده منها وحفظا لحقوقكم للنشر وجزاك الله خيرا
السلام عليكم دكتور أحمد صبحي مما لا شك فيه أن التعليم في الصغر في المدارس والمنازل له دوره في تكوين الذوق والوعي الثقافي للمواطن ، وبدون هذا الوعي ينشأ أفراد هذا المجتمع كماكينات لجمع المال وهذا أدق توصيف لهم .
أما الفرد الذي تربى فيه الذوق الفني والحس الثقافي عندما يصبح ثريا رأسماليا لا ينسى أن تواصله للفن والثقافة وهذا يجعله ينفق من ثرواته إن كان رجل أعمال على مثل هذه الاتجاهات .
فلو أخذنا رجل الاعمال مستر سزوكي على سبيل المثال فإنه يقوم بتعليم أربعين الف من أبناء اليابان سنويا يعلمهم الموسيقى على نفقته الخاصة ويوفر فرص عما لا نهائية للدارسين والمدرسين على السواء وبدخل مناسب .
فهذه أحد الامثلة لمواطن من ابناء مجتمع تربى اطفاله على تذوق الفن والادراك الثقافي والمعرفي ز
ليتنا بمصر نتبنى هذا الاتجاهفي اربية أطفالتا في كل جيل
الدكتور صبحي ، السلام عليكم ، قرات في مقالكم أعلاه ان كثير من علماء اللغة والنحو كانوا يعيشون في فقر مدقع ، فهل عجزت الدولة أو الخلافة عن الإنفاق على هؤلاء العلماء ؟ ؟ ولماذا كان الاهتمام بعطايا الشعراء ، وهل الأمر كان له أسباب لا ندركها ؟ إن نفقات هؤلاء العلماء بسيطة ومتواضعة وعار أن يخرجوا من بلدة إلى اخرى لحاجتهم إلى ما يسد الرمق ، ألا تتفق معي في ذلك ، في الوقت الذي قرأنا فيه عن اهتمام الخلفاء بالعلم، أم كان خيال و غير حقيقي كذلك ؟ .
فى الزمن الردىء كلما زاد حظك من العلم والثقافة أصبح الفقر حليفك . هذا بينما يرتع أدعياء العلم فى رضى السلطان وينهلون من خيره وهم يحرقون له البخورفى موكبه أينما سار، وبالتالى فلا وقت لديهم للقراءة أو البحث ، وإنما يريدون الأحكام الجاهزة المسبقة التى سطرها أعلام التراث فى الماضى . وليس مهما إن كانت تتفق مع عصرنا أم لا وإنما المهم أنها تكفيهم عناء الإجتهاد وتوفرلهم الوقت الكافى للتراقص بين يدى السلطان وحاشيته . وهؤلاء الأدعياء مهما بلغ نصيبهم من الثروة فأمامهم دائما منافس فى دنيا المال . هى تلك الطبقة المترفة الجاهلة التى يصعد بها الزمن الردىء الى موقع الصدارة لتفسد ذوق المجتمع وتهبط بمستواه الثقافى والعلمى ويتعاونون مع أدعياء العلم فى تأخره وتخلفه . وفى هذا الزمن الردىء يصبح التفكير الحر سلعة غيرمرغوب فيها ، ويصبح المفكر الحر على حافة الجوع مضطرا لأن يشغل وقته بكيفية الحصول على مورد رزقه بينما يكون المجتمع أحوج الى تفكيره ومؤلفاته كى ينهض ، وربما لاترى مؤلفاته النور الا بعد موته فيعرف الناس قدره بعد فوات الأوان . ويبدو أنها حقيقة تاريخية مؤلمة، إذ أن صناع الفكر المسلمين قاسوا من الحرمان ورافقوا المسغبة والفقر فى حياتهم بينما تنهمر أموال الخلفاء والسلاطين على الأدعياء والشعراء والمغنيات والمحترفات وتجار النخاسة ..كان الخليل بن أحمد الفراهيدى أعظم عقلية عربية ، هو الذى وضع قواعد النحو وهو الذى انشا علم العروض ، ومع ذلك الجأه الفقر لأن يعيش فى خص من أخصاص البصرة صابرا على العيش الخشن وعلى نفس المستوى من الفقر كان تلميذه سيبويه إمام النحاة ، وكان أيضا النضربن شميل الذى ضاقت عليه المعيشة بالبصرة فتركها فشيعه ثلاثة آلاف من تلاميذه فقال لهم : ياأهل البصرة يعزعلى فراقكم ولو وجدت لقمة سائغة عنكم مافارقتكم .. !! . ومن أعلام اللغة والنحو الذين عاشوا فقراء : الأخفش الصغير الذى مات لأنه اضطرلأكل طعام نيىء !! . وابن النحاس الفيلسوف النحوى ، وابن مالك صاحب الألفية ، وابن معطى النحوى، ونفطويه النحوى وقد اكتسب هذا اللقب من قذارة مظهره ، وغلام ثعلب امام اللغة ، وابن خالويه النحوى ، وابن دريد اللغوى .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,879,782 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
كتاب عن الزواج: اكتب كتابا حول الزوا ج القرأ ني للأجي ال ...
حق الاقارب: هل يجوز أن أعطي لابنت ي من الزكا ة علما أنها...
سؤالان: السؤ ال الأول : شاهد ت فى السوش يال ميديا...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : ما هو الفرق بين ( ذلول ) و ( زللتم...
المشارق والمغارب: هل فيه تعارض بين ورود كلمة ( المشر ق والمغ رب )...
more
سمعنا أن اسم أمن الدولة قد تغير وأصبح الأمن الوطني ، فهل تغييير الاسم كان هو المشكلة ؟! أم يستلزم تغييرا شاملا يستتبعه علاجا نفسيا لكل هؤلاء الذين عذبوا ملايين الناس ؟! . أم أن كل هذا التعذيب قد طواه النسيان ؟ لم نسمع أحد يطالب بالقصاص من كل قام بالتعذيب في كل أقسام الشرطة،، والمعتقلات في كل أنحاء مصر ، فقط يطالبون بالقصاص من قاتلي المتظاهرين عقب ثورة 25 يناير المباركة .