الله ينزل إلى السماء الدنيا-تعالى الله عما يصفون:
الله أم أكياس الدنانير

نبيل هلال Ýí 2012-02-08


 من الاستبداد الديني غلق باب الاجتهاد منذ القرن الرابع الهجري ظنا من فقهاء السلاطين أنه تم استيفاء كل مايهم الناس من مسائل وقضايا , وأنه لا مزيد يمكن إضافته لفقه السلف , وتوقفوا حيث لا ينبغي لأحد أن يتوقف . وبغلقهم باب الاجتهاد يصبح الأمر كهنوتا مثل كهنوت كنيسة القرون الوسطى . ورأوا أن ما لديهم هو العلم كل العلم , ولم يتجاوزوه , ومضوا مدة مئات السنين يجترُّون ما لديهم من علوم أصبحت متحفية وغريبة عن العصر , وعكفوا على شرح متونها وهوامش المتون وهوامش هوامش المتون . وكان لابد من إغراق المسلم في دوامة من التفاصيل المظنون أنها دينية فاصطنعت ضبابا كثيفا ضلل عقل المسلم وحجب عنه الفكر القرآني الأصيل الذي يفرد الله بالقداسة وينزعها عمن سواه , سواء أكان الخليفة أم رجل الدين . وداروا في حلقات مفرغة تخلفت فيها الأمة وتجاوزتها سائر الأمم إلى أجواز الفضاء , فطار" الكفرة " - غير المسلمين- إلى القمر والمريخ , وحتى بعد أن صعد الإنسان إلى السماء , وبعد أن بلغت عيونه المجرات البعيدة , لا يزال "الفقيه" يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل كي يبلغ الإنسان بحضوره  !( وواضع هذا الحديث لم يكن يعلم أنه لا يوجد على وجه الدقة ما يمكن وصفه بأنه ثلث الليل الأخير- مالم تكن الأرض مسطحة - فكروية الأرض تمنع هذا الوصف , كذلك فإن القول "بنزول" الله يعني أنه محدود بمكان إذ ينتقل من موضع إلى آخر , وماذا عن الوجود الإلهي في المكان الذي انتقل منه ؟ أيخلو المكان المتروك من الوجود الإلهي ؟ إن ذلك يتعارض ببساطة مع التصور الصحيح للذات الإلهية - وما الداعي لهذه الأحاجي إذا كان الله أقرب إلينا من حبل الوريد  ويجيب الداعي إذا دعاه ! تعالى الله علوا كبيرا عما يصفون . ,ومن يصدق ذلك لا يعلم أنه انزلق إلى درك سفلي لم ينزلق إليه الوثنيون . وكم من متوضئ غسل رأسه ألوف المرات , ومع ذلك لم تتح له ولو لمرة واحدة فرصة غسل عقله من الأوهام .

ولا يزال المسلم يخطو متعثرا في أفكار العفاريت ومشْي المشايخ فوق الماء , وهو يجاهد لحماية قفاه من صفعات خلق الله , فقد أعوزه الرغيف والبندقية فتسولهما من كل الأكف وهو غارق في أوهام تشهد بغباوته وحمقه , ومع ذلك لم يكف عن ترديد أغاني الفخار: أمجاد يا عرب أمجاد في بلادنا كرام أسياد ! ولم يتنبه بعد إلى أنه بلا أمجاد أو سيادة , فأنَّى يكون لضعيف عِزة ؟

وإذا ما حل مثل هذا الجمود على الدين , تعطلت تعاليمه وآلت الأمور إلى بوار, الأمر الذي كان الله يبعث بأنبيائه أحدهم تلو الآخرلفك الحصار عن الدين وإعادة الحيوية إليه .

ويصف لنا "العقاد" أحوال حاخامات اليهود قبيل بعثة المسيح عليه السلام فيقول :" ومن الجامدين من يفخر بعلمه بالنصوص والشرائع, ويقيس علمه بمبلغ قدرته على خلق العقبات من خلال حروفها وسطورها أو من المقابلة بين سوابقها ولواحقها , ويحدث هذا لكل "شريعة" صارت إلى أيدي الجامدين والحرفيين ........,  ويتمادى الأمر حتى تصبح الاستقامة براعة في اللعب بالألفاظ وتعجيزا للجهلاء بالحيل والفتاوى , وحتى يزول الجوهر في سبيل العرض , ويزول اللباب في سبيل القشور , وتزول الاستقامة وطهارة الضمير في سبيل الكلمات والنصوص , وتزول الحقائق في سبيل الظواهر والأشكال . إن الجمود والرياء كلاهما موكل بالظواهر, وعالم الظواهر غير عالم الضمير, وهذان هما العالمان اللذان تقابلا وجها لوجه عند قيام الدعوة المسيحية "انتهى كلام العقاد. أما وقد كان محمد خاتم النبيين يكون علينا تجديد النظر الديني عن طريق المخلصين والمستنيرين من مفكري المسلمين وعقلائهم ممن يرجون الله وليس أكياس الدنانير .



-  

اجمالي القراءات 13338

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64415]

ويرى الذين أوتوا العــــلم.

 المفكر والكاتب الاسلامي الحر / نبيل هلال .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. دائما ما توجز وتنجز في مقالاتك التي يمكن تشبيهها بانه كالمصل أو الطعم ضد التجهيل الذي يمارسه السلطان وفقيه السلطان على جموع العقول المسلمة ..


 تلك العقول التي أمرها الله تعالى.. في أول ما نزل من القرآن بالقراءة والاطلاع والتعلم والتعليم.. في قوله تعالى (إقرأ) وكأن الرسالة الخاتمة كان مدار تكليفها القراءة بمعنى العلم والتعلم والبحث والتطبيق العلمي للنتائج.. وهكذا يمكن للرسالة الخاتمة أن تكون صالحة لجميع الأزمان اللاحقة لنزولها حتى يرث الله الأرض ومن عليها..


 ولهذ كان تقدير الله تعالى للعلماء في آيات جامعة محكمة  في قوله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)..


وقوله تعالى تكريماً لرأي العلماء ومنهجههم وشهادتهم للقرآن  أنه الحق ونزل بالحق والعدل في قوله تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }سبأ6.


 أما أن يتقول فقهاء السلطان على الله تعالى وعلى الرسول بجهل منهم وتجهيل للعقل المسلم.. في تفسير مستهل سورة القلم) في قوله تعالى . ( ن والقلم وما يسطرون)  ففي تفسيرهم الجهول  الجامد أن عن حرف (ن) أنه إسم الحوت الذي يحمل الأرض) !!!؟؟ كيف يعقل هذا..


وقبلهم الاغريق واليونانيين وقبلهم (المصريين القدماء) المعروفين بالفراعين .. وما كتبوه في علم الفلك والاجرام السماوية ... فلم يرد  عندهم ولا في الرسالات السماوية الأخرى ان الأرض يحملها حوت كبير..


لقد تمادى فقهاء السلاطين في الرياء للتقرب من عقل المسلمين الجمعي والعمل لمصلحة السلطان..   من أجل حفنة من الدنانير..


بارك الله في قلمك وعلمك.


2   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64418]

تحية للأستاذ الكريم محمد عبد الرحمن محمد

أشكرك أخي الكريم على ثنائك على المقال وأرجو أن أكون عند حسن ظنكم ,أما عن اسم الحوت المزعوم فقد أورد فقيهنا البائس اسما آخر له هو (بهموت فمشكل ) ,وهذا الكلام الفارغ مسطور في كتبنا الدينية ومحاط بقدسية تكاد تضاهي قدسية النص القرآني ذاته ,وطوبى لمن احترم عقله .


3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64427]

عنوان ملفت للنظر

موضوع  جميل  يا أستاذ   نبيل يوضح التناقض بين ماهو كائن  ،وما ينبغي ان يكون ! والعجب كل العجب من قفل باب الاجتهاد على اعتبار ان كل ماهو مطلوب قد  تم بحثه   ، و ليس هناك اعتبار للزمن واستحداث مسائل كثيرة لا ينفع فيها القياس  ، واختلاف العقليات  وما تبعه من معلومات تستعصي عن الحصر وسهلة التداول بفضل التقنيات المعلوماتية الحديثة !


4   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64433]

تحية للأخت عائشة حسين

شكرا أستاذة عائشة حسين على مرورك على  المقال ,واتفق معك في الرأي تماما .


5   تعليق بواسطة   Ezz Eddin Naguib     في   الخميس ٠٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64434]

رائع كالعادة

ومُباشرة إلى الهدف

بارك الله فيك

بعد إذنك سأنفل مقالك إلى الفيس بووك

كالعادة!!!!!!!!!


6   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الجمعة ١٠ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[64438]

تحية للأستاذ عز الدين نجيب

أشكرك أستاذنا الكريم على حسن ظنك ,كما أشكرك مرة اخرى على نشر المقال إلى الفيس بووك .شكرا


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-01-12
مقالات منشورة : 123
اجمالي القراءات : 1,420,616
تعليقات له : 109
تعليقات عليه : 282
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt