كمال غبريال Ýí 2011-08-28
العدالة قيمة إنسانية لها تقديرها في جميع الثقافات، لكننا نختلف في أسباب نشداننا للعدالة، فالبعض ينشدها لأنها تشفي غليله بالانتقام ممن أساء وأجرم، سواء في حق فرد، أو في حق جماعات أو شعوب بأكملها، فشهوة الانتقام غريزة بشرية سيكولوجية تحتاج لإشباع، مثلها مثل الغرائز البيولوجية كالجوع والجنس، وهدم إشباعها يسبب أزمة نفسية للإنسان الذي يستشعر الظلم، ولا يحدث استرخاء من هذه الحالة إلا بتحقيق ما نعرفه بالقصاص.
ليس القصاص هو الوجه الوحيد للعدالة، فهناك وجهان آخران على الأقل، أولهما يتجه للمستقبل، بعكس وجه القصاص الذي يتعلق بأحداث ماضوية يحاسب مرتكبها، هذا الوجه يفعل مبدأ مسئولية الإنسان عن أفعاله، بأن يجد نتائج عمله إن كانت خيراً أم شراً، فيحقق لفاعل الإيجابيات الحصول على النتائج الإيجابية لفعله، وكذا الأمر لفاعل السلبيات. . هكذا ووفق ذلك الوجه تتعدى العدالة دائرة المحاكمة والقصاص، لتشمل سائر أنشطة المجتمع، لترسيخ الارتباط بين الفعل ونتائجه، أو بين الحرية والمسئولية، فالمجتمع الذي يغيب فيه عن الأذهان هذا الارتباط تتدهور أحواله، إذ يستشعر فيه أهل الفعل الإيجابي الظلم، ويقعدوا عن نشاطهم يأساً وإحباطاً، في ذات الوقت الذي يتمادى فيه أصحاب الفعل السلبي في ممارساتهم، مطمئنين لغياب العدالة التي تجعل نتائج أعمالهم السلبية ترتد عليهم.
الوجه الثالث المستقبلي للعدالة هو ما نعرفه من كونها "تأديب وتهذيب وإصلاح"، فهي هنا تؤدي دوراً مماثلاً لدور التعليم والتربية للفرد وللجماعة، هو تعليم عملي يتم في واقع الحياة، وله من التأثير في بعض الحالات ما يفوق التعليم في قاعات الدرس. . فلنقل أنه تعليم عبر "التجربة والخطأ"، وهو ما تحتاجه المجتمعات بشدة، إذ أن الكثير من أمور الحياة لا يفيد في ترسيخ مفاهيم الخطأ والصواب فيها عبر التوعية والتلقين، ويحتاج الإنسان لأن يلمسها بنفسه، حين يجد مكافأة ممارساته الإيجابية، أو يتجرع نتائج السلبية منها. . هنا تكون العدالة إذن مدرسة الحياة التي إذا افتقدها شعب افتقد معها لتعليم لن يتيسر له تعويض الجهل به عبر أي طريقة أخرى من طرق التعليم.
نعتذر عن هذه المقدمة الطويلة التي رأينا أنها ضرورية، قبل الدخول المباشر لموضوعنا، وهو ما يحدث الآن في العالم العربي، نتيجة الثورات التي تنتشر في ربوعه انتشار النار في الهشيم كما يقولون.
ما يحدث الآن للطغاة وأعوانهم في أكثر من مكان في العالم العربي، بعد انتفاضة الشعوب مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، يصب أول ما يصب باتجاه الوجه الأول من العدالة، وهو وجه القصاص من الطغاة وزبانيتهم، وشفاء صدور الشعوب التي تعرضت لعقود لظلمهم ومفاسدهم.
نجد الوجه الثاني والثالث للعدالة في الدرس الواضح والمستقبلي لكل من سيحكم البلاد بعد تلك الثورات، إذ يرى معنا بأم عينيه مصير الطغاة والفاسدين، بعد أن كان الكلام عن أهمية الديموقراطية والحرية مجرد عبارات إنشائية، لم يتصور أحد منا أنها يمكن أن تجد تفعيلاً عملياً لنا في البيداء العربية القاحلة.
ورغم أهمية تطبيق العدالة على الطغاة المخلوعين، إلا أن هذا ليس ما يهمنا التركيز عليه في هذه السطور، بل ربما كان الحديث عنه من نافلة القول. . نركز هنا على ما نتصور "عدالة شاملة"، تنسحب على الشعب الثائر ذاته، حين تتيح له حريته الوليدة الاختيار بين طرق عدة يسلكها، فحرية الخيار هنا سلاح ذو حدين، لأنها تتركه للمرة الأولى أمام مسئوليته أمام نفسه، ليفعل بها ما يشاء، ويجني بتالي ثمار ما يفعل. . لم تتعود شعوبنا على هذه الحالة ولم تصادفها طوال تاريخها، أن تلعب دور الفاعل لأول مرة، فيما هي عبر التاريخ تقوم بدور المفعول به.
علينا أن نعترف ان دور المفعول به مريح وربما كان رائعاً أيضاً في بعض الظروف، فهو يعفينا من أي مسئولية تجاه الذات، كما يتيح لنا الهتاف باسم قائدنا أو صب اللعنات عليه، دون أن نتكبد نحن أي تكلفة. . دور المفعول به أيضاً قد يقينا في بعض الحالات ما يمكن تسميته "شرور نفوسنا أو جهلها"، حين يأخذنا حاكم مستنير -كما فعل مصطفى كمال أتاتورك مع الأتراك- إلى حيث لا نرغب، لكن تأتي نتائج قيادته الإجبارية لنا بنتائج إيجابية لم نكن نستحقها وفق مفهوم العدالة الثاني فيما أوردناه عاليه.
الآن سيتاح لشعوبنا أن تختار بحرية حتى وإن لم تكن تامة، فعلى الأقل بنسبة عالية من الحرية لم يسبق لها أن عهدتها. . سوف يتاح للمصريين مثلاً وفق ما نشهده من توجهات للنخبة عالية الصوت أن يذهبوا لصدام مع العدو الصهيوني، وهو آمل راود النخبة لأكثر من أربعة عقود منذ مبادرة السادات للسلام، فقيادة السادات ثم مبارك الديكتاتورية لنا أخذتنا لمرحلة سلام، إن كنا بالفعل لا نريده، فإننا أيضاً لا نستحقه ولا نستحق نتائجه على حياتنا، لذا فليس من قبيل المجاز أن نقول أنه سوف يتاح للعدالة هكذا أن تتحقق على الشعب المصري، فيما لو ذهب لصدام يشتهيه، ليتلقى علي الفور نتائجه على حياته، فترتبط الحرية بالمسئولية عملياً تحقيقاً للوجه الثاني من العدالة السابق إيضاحه، كما يتحقق الوجه الثالث التعليمي من العدالة، حين تقوم نتائج الصدام بتعليمه ما فشلت التوعية النظرية به، من أهمية السلام وبوبال الصدام!!
نفس هذا يقال إذا ما توجه الشعب المصري أو الليبي أو السوري مثلاً بعد تحرره إلى تأسيس دولة دينية أو دولة مارقة تسير على خطى النظام السوري الذي يتهاوى، أو نظام أفغانستان الطالباني أو النظام الإيراني أو السوداني. . في جميع هذه الحالات سوف تتحقق عدالة تعليمية، سوف تجني أجيال قادمة نتائجها الإيجابية، بعد أن فشلت إلى حد كبير محاولات التنوير والتحديث في هذه المجتمعات.
دعوة للتبرع
القرآن وبنو اسرائيل: لماذا تكرر ذكر اسم النبى موسى أكثر من اسم...
أربعة أسئلة: السؤا ل الأول السل ام عليكم سيدي الاست اذ ...
تنقيح العهد القديم !: بعد قراءة مقالا تكم" حوار ال سي ان ان مع...
الأبراج وعلم الغيب: زوجى مجنون بقراء ة باب ( بختك اليوم )...
more