لماذا كانت وعود الدكتاتوريات كاذبة؟

د. شاكر النابلسي Ýí 2011-05-11


 

لم يحظَ الرأي العام العربي والشارع العربي الثائر بكم كبير من الوعود في الإصلاح والتغيير كما حظي في نهاية العام الماضي، وبداية هذا العام. وما زالت الوعود والأعطيات المادية والمعنوية في الإصلاح والتغيير تنهال على الرأي العام العربي والشارع العربي، مما أثار استغراب ودهشة معظم المراقبين والمحللين السياسيين في الشرق والغرب. ولكن الرأي العام العربي والشارع العربي، لم يلتفت إلى هذه الوعود التي هي &Eng;ي بمثابة وعود "عرقوب" في التراث العربي.

من هو عرقوب؟

قال الباحث الإمام أبو الفضل الميداني النيسابوري (ت 1124م) في كتابه الشهير (مجمع الأمثال):

"كان عرقوب رجلاً عملاقاً، فأتاه أخٌ له، فقال له عرقوب: إذا طلعتْ هذه النخلةُ فلكَ طَلعُها، فلمّاأطلعت أتاهُ للعِدّة، فقال: دعها حتى تَصير بَلَحاً، فلمّا أبلحت قال: دعها حتىتصير زَهواً، فلمّا زَهَتْ قال له: دعها حتى تصير رُطَباً ، فلمّا أرطبت قال: دعهاحتى تصير تَمراً، فلمّا أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجذّها، ولم يُعطِ أخاهُشيئاً، فصار مثلاً في الخُلفِ، حتى أصبح يقال لمن يخلف في وعده: مواعيده كمواعيدعرقوب." ولقد كان الوفاء بالوعد شيمة من شيم العرب. ولذلك كانوا يعدون الخُلف منقصة، تورثُ صاحبها المذمة والعار. وفي الحديث النبوي الشريف :"آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا خاصم فجَر."

آيات الدكتاتوريات العربية في النفاق

ولو حاولنا تطبيق الحديث الشريف على واقع الدكتاتوريات العربية اليوم، لوجدنا أن هذا الحديث النبوي الشريف، يقول للدكتاتوريات العربية المعاصرة ما يلي:

  • نلاحظ أن الدكتاتوريات العربية في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، وغيرها من البلدان العربية، التي ما زالت تنتظر مصيرها، قد وعدت خلال حكمها الطويل وعوداً كثيرة ومختلفة، ولكنها فشلت في تحقيق هذه الوعود، إما لأنها كانت تخدع شعوبها بهذه الوعود، وتطلق هذه الوعود لتخدير شعوبها وإسكاتهم، من حين لآخر، وإما لأنها كانت تَعِدُّ بما لا تستطيع الوفاء به. فقد لاحظ كثير من المراقبين أن وعود الدكتاتوريات العربية التي انهارت، والتي على وشك الانهيار، والتي تنتظر الانهيار، والتي تحسب نفسها خارج دائرة الانهيار، أو فوق قدر الانهيار، أكبر بكثير من قدرتها على الوفاء، ولو بجزء بسيط من هذه الوعود.
  • لقد لاحظ المراقبون، أن معظم وعود الدكتاتوريات العربية تتركز – بطبيعة الحال – على التغيير والإصلاح. ولم تلحظ هذه الدكتاتوريات، وهي تطلق وعود التغيير والإصلاح بدون حساب، أن التغيير والإصلاح فيما لو تمَّ تطبيق إحدى آلياته، فهو يعني زوال هذه الدكتاتوريات. فالإصلاح والتغيير مع الدكتاتورية لا يستقيم، ولا يتحقق. وإذا ما تحقق، فهذا يقتضي إزالة العهد الدكتاتوري أولاً. فالدكتاتورية في التاريخ سواء في الشرق أو في الغرب، كانت هشة وضعيفة، ولكنها قوية بأجهزتها البوليسية وليس بحب وتأييد شعبها لها. وهي إن كسبت في بعض مراحل التاريخ شعبية واسعة – كما في النازية والفاشية- فإن ذلك كان يعود إلى أجهزتها الإعلامية الضخمة والكاذبة، التي كانت تُحيل الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، في شعوذة وبهلوانية، لم يتم اكتشافهما إلا بعد مدة طويلة. وصاحَبَ هذه الشعوذة، وتلك البهلوانية، أجهزة بوليسية شرسة وقوية، استطاعت أن ترصد "دبيب النمل" على الأرض، كما يقال، وتحمي الدكتاتورية من أي تهديد، أو تقويض، إلى أن استطاعت قوى خارجية كالولايات المتحدة الأمريكية، أن تطيح بهذه الدكتاتورية، في اشتراكها في الحرب العالمية الثانية عسكرياً، واقتصادياً. وهو ما نأمل أن تفعله أمريكا المترددة حتى الآن في التدخل العسكري القوي والحاسم في ليبيا، وسوريا، واليمن، نتيجة لضعف الرئيس أوباما، وعدم قدرته على اتخاذ القرار المناسب، وتمكن عقدة غزو العراق 2003 في السياسة الخارجية الأمريكية. علماً بأن ما حصل في العراق بعد 2003 من نكسة سياسية واقتصادية كبيرة، لم يكن كله بسبب الغزو الأمريكي في العراق، بقدر ما هو بسبب خلو العراق من نخب سياسية أمينة وشريفة قادرة على حكم العراق بعد الغزو. فلم يكن في العراق بعد الغزو غير حزب الدعوة الشيعي الموالي لإيران، والذي حكم العراق طيلة ست سنوات (2004- 2005 برئاسة إبراهيم الجعفري)، و(2005-2010 برئاسة نوري المالكي)، وسيحكم العراق مدة خمس سنوات أخرى (2010-2015). وبذا يكون "حزب الدعوة" قد حكم العراق مدة 11 سنة أو أكثر، إذا قُدر له أن يفوز في انتخابات 2015. وبذا يصبح العراق محافظة إيرانية بدلاً من البحرين، التي حاولت إيران جعلها محافظة تابعة لها، ولكنها فشلت بفضل جهود "مجلس التعاون الخليجي"، وبمقاومة سياسية أمريكية واضحة.

ولنتذكر أنه لولا الاستعدادات العسكرية واللوجستية والمعلوماتية، التي بدأت منذ خمس سنوات ويزيد في أمريكا لقتل ابن لادن، لما تم ذلك في الأمس (1/5/2011). فالفضل لا يعود في هذا الأمر لأوباما وإدارته، بقدر ما يعود للرئيس السابق جورج بوش وإدارته التي خططت، واستعدت لتنفيذ ذلك. وهو ما يشبه ما تمَّ في عهد عبد الناصر من حرب استنزاف وإعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 1967، وما حققه الرئيس السادات من نصر عسكري كبير في حرب 1973 نتيجة لحرب الاستنزاف، وإعادة بناء الجيش المصري في عهد عبد الناصر. فعبد الناصر زرع، والسادات حصد. كذلك فإن جورج بوش زرع، والرئيس أوباما حصد.

  • نلاحظ أن الدكتاتوريات العربية في معظمها يحكمه النفاق الشديد والبغيض. فهي تقول ما لا تفعل. وتفعل ما لا يريده الشعب. وتكذب كثيراً على الشعوب، دون أن تعترف بهذا الكذب. وهي قد خانت الأمانة التي أؤتمنت عليها، وهي رعاية مصالح الشعب، وتنفيذ مواد الدستور – إن وجد – وحماية الوطن من المعتدين عليه من السارقين والناهبين والمفسدين. ولكننا نرى أن هذه الدكتاتوريات قد أخلفت بوعودها، وحنثت بأيمانها. وصدق فيها قول القرآن الكريم ﴿ واحفظوا أيمانكم﴾ (المائدة: 89) وجاء في المأثور: "إذا وعدتم فأوفوا بالوعد، وإذا عاهدتم فأوفوا بالعهد. لان المؤمن من حقيقته، إذاعاهد لا يخالف. وإذا حلفتمفلا تحنثوا، وإذا اؤتمنتم فلاتخونوا."

وكان من الواضح للشارع العربي الذي انفجر مؤخراً في عدة بلدان وعواصم عربية، أن الدكتاتورية العربية لم تفِ بوعودها السابقة، ولم تحقق منها شيئاً يُذكر. وفي هذا قمة ومنتهى النفاق لشعبها، الذي حسبته في أوقات كثيرة، أنه بلا إرادة، وبلا فعالية، ومقدرة على الإطاحة بها.

  1. إن نفاق الدكتاتوريات لشعوبها على النحو الذي شاهدناه في النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، والذي كنا نشاهده، ونتألم له، ونثور عليه ثورات فردية لا جماعية، لم يكن خوفاً ولا خشية من السلطة الدكتاتورية العاتية، ولكن لأننا لم نكن مستعدين في ذلك الوقت على دفع ثمن الحرية الغالي كما نحن الآن،كما قال الفيلسوف الفرنسي آتيين دي لابويسيه La boétie(1530-1563) في مقالته الشهيرة "العبودية المختارة"، من أن "الخضوع للطغيان لا يعني انعدام إرادة الحرية، بل الإحجام عن دفع ثمنها." ويبدو أن الشعوب العربية، قد أصبحت الآن، قادرة على دفع ثمن الحرية الغالي، حين توفر لها هذا الثمن. وهو ما رأيناه في تونس ومصر. وهو ما نراه الآن في ليبيا، وسوريا، واليمن. وما سنراه – ربما - في بلدان عربية أخرى. ومن المؤكد أن هذا النفاق من قبل السلطات الدكتاتورية، ومن قبل المثقفين الذين أحاطوا بهذه الدكتاتوريات، والذين زيَّنوا للشعوب قُبح الدكتاتورية، وألبسوا الثعالب والذئاب المفترسة جلود الحملان، ولفوا سواطير الدكتاتورية بأقمشة الحرير، وقام الشعراء منهم برسم الشمس المشرقة في منتصف الليل.. كل هذا النفاق قد أدى إلى هذه الثورات العارمة الآن في كثير من البلدان العربية. وكل هذا النفاق الذي كان من أعواد الذرة والقصب الهشة، أصبح وقوداً لنيران هائلة أخذت تدبُّ الحريق في أركان المعابد السياسية للديكتاتورية العربية، كما لم يسبق له مثيل، في كل التاريخ العربي منذ آلاف السنين.

الدكتاتوريات العربية الباقية

المحزن والمفجع في العالم العربي، أن الدكتاتوريات العربية الباقية لم تستفد، ولم تتعظ مما يحصل الآن في العالم العربي. وهي ما زالت تسير على النهج السياسي والإعلامي الذي سبق ديسمبر 2010 والثورة التونسية في 18/12/2010. وهي بذلك تدفع – من حيث لا تدري أو تدري – بنفسها إلى نار الثورة العربية، التي يمكن أن تنشب في أية لحظة وفي أية زاوية من زوايا الوطن، ولأهم الأسباب أو لأتفهها. ولكن هذه الدكتاتوريات لن تستطيع أن تفعل شيئاً يذكر بالنسبة للإصلاح أو التغيير. فقد فاتها وقت الإصلاح والتغيير الذي كان يتطلب وقتاً طويلاً. فلكل إصلاح ولكل تغيير مواسم، وزمان معين. ومتى فاتت هذه المواسم وهذا الزمان، فلن يتم التغيير والإصلاح. وإذا تمَّ فسيكون قسرياً، وأعرج. والدكتاتوريات العربية الآن، قد هرمت، وهي في أواخر أيامها، وما لم تفعله في شبابها من الصعب أن تفعله في شيخوختها، وما لم تفعله في نضارتها من الصعب أن تفعله في خرفها وهرمها، وما عليها إلا أن ترحل بهدوء على الطريقة المصرية في فبراير 2011 على الأقل، حتى لا تتيح للقوى الأجنبية فرصة التدخل العسكري، أو حتى السياسي، فتقوم قائمة بعض العرب - ومنهم السلفيون والأصوليون الدينيون - بحجة "عار الإستقواء بالخارج"، ويبدءوا بالهجوم على الغرب وعلى حداثته وديمقراطيته "المستوردة"، وتجريده من كل القيم الأخلاقية "المحافظة".

 

اجمالي القراءات 11378

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ١٢ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57807]

وتوقع شعوبهم صحيح أيضا

السلام عليكم ، أظن أن هناك مثلا يقول : " أن تأتي متأخرا خير من الا تأتي " وأقصد بالتأخير في موضوع الإصلاح ، حتى الإصلاح المتأخر لم يحدث ، ولم يصدق الشعب الساسة فيه ، فالذي لم يتم على مدى أكثر من ثلاثين عاما ، أظن أنه من المستحيل أن يتحقق في شهور كما كان الرئيس السابق مبارك ينتوي ، فلم يصدقه الشعب في تلك الوعود الكاذبة ، وكان مصيبا لديه حنكة اكتسبها من كثرة التعذيب والانتظار ،  سليم إذ أثبتت دوائر صنع القرار والمطبخ السياسي .في التحقيقات والتحريات :. ان تلك الوعود كانت للسيطرة على غضب الشعب وبعدها عينك ما تشوف إلا النور.


قد قرأت في المصري اليوم أن أحمد عز يسأل : هو الشعب لسه مهديش ؟ وهو يعني :هل الشعب مازال غضبان لأنه يامل ان تكون غضبة بسيطة وتعود المياه لمجاريها دون تأخير !! معنى ذلك أنه لا فائدة فالطبع يغلب التطبع . أليس كذلك ؟!!


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-16
مقالات منشورة : 334
اجمالي القراءات : 3,605,471
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 361
بلد الميلاد : الاردن
بلد الاقامة : الولايات المتحدة