آحمد صبحي منصور Ýí 2010-02-18
مقدمة
1 ـ يمتاز الخلفاء الراشدون عمن سواهم من الخلفاء غير الراشدين بأن عهد الراشدين كان فترة انتقلية رمادية بين عهدين متناقضين : عهد الدولة الاسلامية الحقيقية فى المدينة فى حياة خاتم المرسلين عليهم السلام ، وعصر الخلفاء المستبدين الظالمين من بنى أمية ( عدا عمر بن عبد العزيز ) ومن تلاهم من العباسيين و الفاطميين و العثمانيين ، عليهم لعنة الله تعالى أجمعين.
2 ـ فى العصر الرمادى للراشدين بدأت معالم الخروج عن الاسلام ونظامه الديمقراطى وشريعته السلمية. بدأ بسيطا بتعيين خليفة حاكما خلافا لنظام الديمقراطية المباشرة التى كانت فى عهد النبى محمد عليه السلام ، ثم تطور الخروج عن الاسلام بالفتوحات التى أضاعت فى النهاية شريعة الاسلام ودين الاسلام ، وأشعلت الحروب الأهلية بين المسلمين ، والتى بدأت مبكرا فى عهد عثمان ، ولا تزال حتى الآن ، والتى أسفرت عن انقسام لا سبيل لعلاجه بين المسلمين ، لأنه ترتب عليه إقامة أديان أرضية متنازعة من السنة و التشيع والخوارج ..وأخير التصوف فى القرن الثالث الهجرى.
3 ـ هذا التدرج فى الخروج عن الاسلام بدأ مع (خروج ) المسلمين للاعتداء على امم ودول لم تعتد عليهم ، وكل خطوة فى هذا الطريق الضال كانت تبعد بهم عن الاسلام الى أن تم اختراع أديان أرضية تملأ الفراغ وتسد الفجوة بين جرائم الصحابة فى الفتوحات وبين حقائق الاسلام ، قامت الأديان الأرضية بتسويغ وتحليل وتشريع هذا الاعتداء . وبهذه الشريعة السنية حدث تناغم بين جرائم الصحابة ومن جاء بعدهم وبين الدين الأرضى ، ولم تعد شريعة القرآن مشكلة إذ تم تحييدها وتعطيلها بمزاعم (النسخ )التراثى ، والتفسير و التأويل وسبك الأحاديث.
وقام الدين السنى الأرضى بتمجيد الفتوحات وربطها بالاسلام ، مما نتج عنه غسيل مخ لأحفاد الأمم المفتوحة الذين اعتنقوا ذلك الدين السنى على أنه الاسلام ، وتتالى الأجيال منهم وتترى تمجد الفتوحات التى أذلت أسلافهم واحتلت أوطانهم وقتلت الملايين من أجدادهم . وهذا هو الفارق بين الغزو العلمانى غير المرتبط بالدين ،او المرتبط بدين مرفوض والغزو المرتبط بدين اعتنقه أبناء ضحايا الغزو والاحتلال . فالمصريون ـ مثلا ـ يكرهون الاستعمار الغربى من الرومان والصليبيين والفرنسيين والانجليز ،مع أن ضحايا كل تلك الغزوات والاحتلالات لا تقارن بضحايا العرب والدين السنى فى مصر خلال قرون طويلة ممتدة من الاحتلال العربى والمهللين له من الصحابى عمرو بن العاص الى الداعية عمرو خالد، بل أصبح المصريون ( عربا ) فى مفارقة هائلة لحقائق التاريخ والجغرافيا .
3 ـ ليس هذا الكلام مقطوع الصلة بموضوعنا ( وعظ السلاطين ) لسببين :
ـ لأنه لو كان هناك وعظ حقيقى لأوضح جريمة الفتوحات العربية وتناقضها مع الاسلام الذى تحمل اسمه زورا وبهتانا.
ـ ولأن المقال التالى وعنوانه ( القواعد المرعية فى وعظ شرّ البرية ) سيتعامل مع القواعد التى صيغت عمليا فى وعظ السلطان المستبد من العصر الأموى الى العصر المملوكى . وتلك القواعد لم تكن موجودة فى عهد الراشدين باعتباره فترة رمادية ، لم تكن قد تبلورت ملامحها بعد .
4 ـ ونأخذ لقطات من عصر الراشدين.
أولا : ابو بكر .
1 ـ العادة أن الخطبة الأولى للخليفة كانت تشير الى ما نعرفه اليوم بالبرنامج السياسى ، فكيف كان برنامج أبى بكر السياسى ؟ فى خطبته الأولى لما ولي أبو بكر قال :(أما بعد ، أيها الناس ، قد وليت أمركم ولست بخيركم. اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وأن أحمق الحمق الفجور. وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق . أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني).
2 ـ السلطان هنا يعظ الآخرين بالتقوى : (اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وأن أحمق الحمق الفجور.)، ولكنه يعطى الآخرين نفس الحق ، بل أكثر ، وهو الوعظ العملى و ليس مجرد الوعظ القولى ، أى قدرتهم على تقويمه لو زاغ و لم يعدل .
الأساس هنا هو فى المساواة بينه وبينهم ، فحتى لو كان سلطانا حاكما فليس أفضلهم : (، قد وليت أمركم ولست بخيركم )، ومقياس الأفضلية هى فى السلوك ، وهم مصدر السلطة ، وهم مقياس الحكم على صلاحيته إن أحسن أعانوه وإن زاغ أصلحوه .
وبالسلطة المخولة له منهم يقوم عنهم بتطبق العدل وإنصاف المظلوم، ولا يأبه بمكانة ونفوذ الظالم (وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق) .
هذا البرنامج السياسى يتشابه الآن مع نظام الديمقراطية التمثيلية النيابية ، ولكنه يفترق عنها فى كلمة واحدة فى قوله(فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني)، فلم يقل (... وإن زغت فاعزلونى).أى جعل نفسه حاكما مدى الحياة .
3 ـ الواضح أن الملامح الايجابية فى خطبة أبى بكر كانت تعبيرا عن ثقافة الدولة الاسلامية التى طبقها النبى محمد عليه السلام فى المدينة ، ولقد أعلن أنه متبع لما كان فى عهد خاتم المرسلين وليس بمبتدع (متبع ولست بمبتدع)، ولكنه ما لبث أن خالف وخرج عن الاتباع للحق بالوقوع فى أفظع جريمة ، وهى الفتوحات .
4 ـ ولم نجد عاقلا واحدا من الصحابة ينبه أبا بكر ويعظه ويخوفه من أن يكون مكروها من رب العالمين حين قال جل وعلا (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ( البقرة 190 )
ثانيا : عمر :
1 ـ أول خطبة خطبها عمر حمد الله أثنى عليه ثم قال : (أما بعد ، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي ، وخلفت فيكم بعد صاحبي ، فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا ومهما غاب عنا، ولينا أهل القوة والأمانة، فمن يحسن نزده حسنا ،ومن يسىء نعاقبه ويغفر الله لنا ولكم .). هنا تبدة شدة عمر ،إلا أنها شدة لم تجعله يستنكف من أن يعظه الآخرون ، ومشهور أن قال رجل لعمر : " اتق الله يا عمر ! " فقال عمر: " لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نسمعها ".
2 ـ اشتهر عمر بالعدل بين العرب فقط ، وفى المقابل عامل الأمم المفتوحة بأبشع أنواع الظلم . وإذاكان ابوبكر فى خلافته القصيرة يتحمل وزر اتخاذ القرار بالغزو والاعتداء بالهجوم على من لم يعتد على المسلمين فى الفتوحات الظالمة فإن عمر هو الذى أكمل المهمة ، وهو الذى أطعم نفسه وآله والصحابة والأعراب المال الحرام المنهوب من الشعوب المفتوحة ، وهو الذى امتص عرق وثروات تلك الشعوب بالجزية و الخراج ، وهو الذى استرق أبناء تلك الشعوب وسبى أطفالهم ونساءهم .
وكل المزية فى الموضوع أنه حرص على العدل فى توزيع هذا المال السحت بين الصحابة والعرب والأعراب الفاتحين الموصوفين فى القرآن الكريم بأنهم أشد الناس كفرا ونفاقا...
3 ـ وأيضا لم يجد عمر واعظا يعظه ينبهه الى أن الفتوحات التى قام بها هى تطبيق لشرع الشيطان المخالف لشرع الرحمن ،وأن أفظع الجرم أن ترتكب جرما ثم تنسبه لتشريع الله جل وعلا ،وأن ترتكب المذابح والسبى و النهب لأناس ابرياء كل جريمتهم أنهم يدافعون عن بلادهم وأبنائهم وأعراضهم وحياتهم وكرامتهم ـ وهذا الدفاع هو حقهم المشروع وفق التشريع الاسلامى.
حسب علمنا ، لم يرد فى التراث ـ على الاطلاق ـ أن أحدا من الصحابة وعظ عمر بهذا ، بل العكس هو الذى حدث ، فمن لم يشارك من الصحابة فى الغزو تمتع بثمار من المال والسبايا ، وأنجب منهن ، لا فارق هنا بين (على بن ابى طالب ) الذى ظل مستشار عمر فى المدينة ، مثل رئيس الاركان له ، أو (سعد بن أبى وقاص) قائد معركة القادسية ، أو (أبى عبيدة بن الجراح) فى اليرموك .
كل الوعظ الذى ووجه به عمر جاء من عرب يصعب ارضاؤهم ، وهم مثل بقية الصحابة لا يرون غير أنفسهم ، ولا يشعرون بأى حقوق لتلك الشعوب المسكينة التى انتهكوا حقوقها ، كما لو أن الله تعالى سخّر لهم تلك الشعوب حيوانات للصيد والقنص والتملك .!
طغت عليهم جميعا طبيعة الجاهلية ، سريعا عادوا اليها وسريعا عادت لهم ، من تسويغ الغارات و السلب والنهب والسبى . الفارق الوحيد أنهم اتحدوا معا كعرب ـ تحت اسم الاسلام ـ يغزون و ينهبون و يسترقون جيرانهم خارج الجزيرة العربية.
ولأن الوعظ انعدم فى هذه الناحية ، ولأنه لم يوجد بين الصحابة رجل واحد يقول كلمة حق فى وجه عمر ولأن المال الحرام أعمى عيونهم جميعا لا فارق بين (على ) أو ( معاوية ) فقد دفعوا الثمن فى ( الفتنة الكبرى ) ، إختلفوا على المال السحت فتقاتلوا بسببه ، كما قاتلوا الأمم المفتوحة من أجله .
4 ـ وبهذا أنهوا حياتهم فى تكذيب عملى للقرآن الكريم ، وتحقق فيهم قوله جل وعلا فى نبوءة صادقة نزلت فى مكة قبل الهجرة تتحدث عن قريش:( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) ثم جاء توكيد النبوءة باسلوب التحدى : (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ( الأنعام 66 : 67).
5 ـ وعلى أى حال فهذا منطقى وطبيعى فى تاريخ الشعوب ومسيرة المجتمعات ، فمن المستحيل بعد أن تعود العرب قرونا وأجيالا على ثقافة السلب والنهب والسبى أن يستأصلوها تماما من أنفسهم بسبب 23 عاما فقط من معايشتهم للقرآن الكريم . أى إن قريش ـ والأمويون فى مقدمتهم ـ كانوا يعبرون عن تلك الثقافة السائدة ليس فقط فى الجزيرة العربية بل فى العالم كله فى تلك العصور الوسطى.
6 ـ المصالحة التى قامت بها قريش ـ بعد أن دخل الأمويون فى الاسلام بعد طول عداء ـ هى أن تتوجه ثقافتهم فى الغزو والسلب والنهب والاعتداء الى غير العرب باسم الجهاد الاسلامى.
ثالثا :عثمان ( الخليفة الواعظ ): الشيطان يعظ
1 ـ فى أول خطبة له ارتج عليه ، فقال معتذرا :( أيها الناس إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أيامًا، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسُيعَلّمنا اللَّه) . هذا ما جاء فى الطبقات الكبرى لابن سعد.
فى خطبته التالية أعلن فيها سياسته فقال: [ص 43]. فقال :("إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صُبّحتهم أو مُسيّتم. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم باللَّه الغرور. اعتبروا بمن مضى. ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلًا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى اللَّه بها، واطلبوا الآخرة فإن اللَّه قد ضرب لها مثلًا والذي هو خير فقال: ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45] [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 589]
ونلاحظ هنا أن الخليفة الجديد هو الذى يعظ الناس دون أن يشير الى منهج حكمه كما فعل سابقاه ،أى أننا بصدد حاكم مختلف ، إذ يعظ المسلمين فى أول خطبة له يدعوهم الى الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها.
فهل يا ترى كان يطبق ما يقوله على نفسه أم يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ؟ مع ملاحظة أن عثمان فى ذلك الوقت كان قد بلغ أرذل العمر ، وتعين عليه أن يتأهب للموت وأن يعمل للآخرة .
2 ـ الاجابة معروفة سلفا . فقد كان يتصرف فى أموال المسلمين (الأحرى أن نقول الأموال التى نهبها المسلمون)كأنها أمواله الخاصة ، يغترف منها يعطى أقاربه الأمويين .أى يأمر الناس بالبر فى الوعظ وينسى نفسه ، ويقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول مناقضا لقوله جل وعلا :(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )(البقرة 44) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)(الصف 2 : 3 )
وبعد أن توغّل فى الائم تحتم على كبار أصحابه أن يعظوه ، فقد تبين لهم أن (الواعظ ) عثمان بحاجة الى أن يوعظ .!!. هنا دخل الواعظ عثمان فى دور جديد ، هو أنه يعلن توبته على المنبر ، ويستغفر الله ، ثم ينزل من المنبر ليعود الى سيرته الأولى فى الفساد .
وانقسم الناس حول عثمان فى المدينة الى قسمين ، قسم يقوم بوعظ عثمان ونصحه ، منهم على بن ابى طالب وغيره ، وحتى منهم زوجته نائلة الكلبية ، وقسم آخر مفسد سيطر على عثمان وهم أقاربه الأمويون ، وفى مقدمتهم مروان بن الحكم. وسيرة عثمان فى خلافته من بداية انحرافه الى مقتله سلسلة من الوعظ ( يلقيه هو مخالفا لما يفعله ،أو يلقيه الآخرون يعظونه به لينصلح حاله ) وسلسلة مقابلة من افعاله التى تخالف ذلك الوعظ .
3 ـ وقد تطور الوعظ له الى درجة الانكار ، وتطور الانكار الى درجة الاحتجاج الصارخ الذى ما لبث أن تحول الى ثورة وحصار لعثمان فى بيته ،ثم الى مقتله ، وظل حتى قبيل مقتله لا يكف عن التوبة ووعظ الناس ، بينما يسمع لمروان بن الحكم ويطيع ، ومن أجله ينقض وعوده ويتراجع عن توبته ، وظل هكذا الى أن قتله الثوار ونهبوا داره وكانوا على وشك سبى إمرأته .
4 ـ وفى التطور ( العثمانى ) فى التعامل مع بعض كبار الصحابة الذين وعظوا عثمان نرى عثمان قد استعمل معهم العنف والأذى . ومشهور أنه نفى أبا ذر الى الربذة بالصحراء عقابا له لأنه وعظ معاوية بقسوة، وتعرض عمار بن ياسر للضرب حتى فتقت أمعاؤه، وضربوا ابن مسعود حتى كسروا أعضاءه ومنعوا عطاءه ، وطردوا أبا الدرداء من الشام ليخلو الجو لمعاوية والامويين .
5 ـ وآخر خطبة خطبها قبل قتله كانت خطبة وعظية هائلة ، كان فيها يعظ الناس .!!.
قال فيها : "إن اللَّه عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها. إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى. فلا تُبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى. فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى اللَّه. اتقوا اللَّه عز وجل فإن تقواه جُنة من بأسه ووسيلة عنده. "). (الطبري: (تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 672]:
خطب عثمان هذه الخطبة الوعظية الهائلة وهو يرقد فوق ثروة هائلة جمعها بالفساد وهو فى أرذل العمر يسعى اليه الموت بل يحاصره الموت فى (يوم الدار ).
بعد مقتله أحصوا ثروته فكانت بالبلايين بمعيار عصرنا . يروى ابن سعد فى الطبقات الكبرى :(كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار فانتهبت وذهبت . وترك ألف بعير بالربذة ).
أخيرا : لا تعليق .. فقد نشف الريق ..
:(أما بعد ، أيها الناس ، قد وليت أمركم ولست بخيركم. اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وأن أحمق الحمق الفجور. وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق . أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني)
عندي شك قوي بان هذه الخطبه نسبت إإلى أبو بكر في العصور اللاحقة ومنبع شكي هذا مبني على نقطتين هما
1- عندما يقول (وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق ) هذه الجملة تقال لمجتمع طبقي تمرس على الظلم وليس لمجتمع المدينة وخصوصا انه لم يمض سوى بضعة ايام على وفاه خاتم الانبياء عليه وعليهم السلام.
2- من الممكن ان ندرج هذه المقوله ضمن وعظ السلاطين حيث لم يستطع قائلها مواجهة السلطان بالوعظ المباشر خوفا من بطشة فأخترع هذه المقوله ونسبها لأبي بكر لعل وعسى يتعظ السلطان او الخليفة العباسي او المملوكي ويكف عن الظلم .
هذا والله أعلم
مع أن رأي الأستاذ عبدالله أمين من الناحية المنطقية والعلمية له مبرراته التي تعله موافقا للعقل إلا أنني أعتقد أن ما جاء في خطبة أبي بكر يعد تطبيقا لمبدأ الديمقراطية والشورى الموجود في آيات القرآن ، والذي كان مطبقا عمليا في دولة النبي عليه السلام ، فلا غرابة من وجود ذلك القول، وليس مرتبطا بوجود مجتمع طبقي بقدر ما هو مرتبط بتطبيق مبدأ العدالة والمساواة والذي جاء جليا واضحا متكررا في آيات القرآن
الأستاذ الفاضل الدكتور أحمد
جزاك الله كل خير على كل ماتقدمه و تكتبه فى خدمة الدعوة لدين الله تعالى و العودة إلى كتابه الكريم القرآن
ولى سؤال لسيادتكم: أليس من الطبيعى و المنطقى أن الذين أفتروا الكذب على لسان الرسول عليه السلام وقالوا ما قالوا و وضعوا عليه خاتم الرسول لأعطائه المصداقيه هم أنفسهم الذين صاغوا هذا الكلام على ألسنة أبوبكر و عمر و عثمان حتى تكتمل جميع الخيوط و تكون مسيرة هؤلاء مطابقة لما تم تحريفه و وضعه على لسان الرسول عليه السلام؟
لا أخفى عليك القول اننى ليس عندى أى ثقة فى كتب التاريخ ولا أخذ منها أى شيئ لأنها كلها مكتوبة لخدمة أغراض معينه و لظروف زمنيه محددة
و أرجوا ان يعطينا الله و أياكم طيلة العمر لأننى واثق أن بعد مائة عام من أيامنا هذه سنقرأ فى كتب التاريخ أن صدام حسين كان سادس الخافاء الراشدين و هو الذى قاوم الأمريكان لنشر دين الله و انه كان أعدل الناس على الأرض و ايضاً لاتنس انه كان من سلالة آل البيت
أنا اعلم تماماً ما يقال عن صدام حسين الآن و لكن فى وقتنا الحالى ستجد مايقول الحقيقة أيضاعن تاريخ صدام الأسود و لكن مايحدث عقب مائة عام من الآن و حسب الأجواء السياسية المحيطة ستجد أختفاء و تعتيم على كل ما تمت كتابته عن حقيقة صدام حسين و يظل فقط الهراء والأفتراءات و للأسف تصبح حقيقة مسلم بها .
ذكرت سيادتكم التالى:
أما بالنسبة للتأريخ ، فبرغم وجود تزوير ، ولكن لا يمكن رميه كله ، لأنه حينها لن يكون هناك تأريخ ، خاصة للفترة الإسلامية التي لم تترك لنا آثار منظورة كثيرة كالفراعنة مثلا .
و احب ان أقول لك يااخى الحبيب أن تزوير التاريخ موجود منذ أيام الفراعنة أيضاً و الدليل على ذلك انه رغم أن الفراعنة كتبوا كل شيئ على حوائط المعابد و المسلات و ورق البردى إلا انك لن تجد أى ذكر لا من قريب و لا من بعيد عما حدث لبنو أسرائيل على يد الفراعنة و لولا أن الله ذكرها لنا فى كتابه الكريم ما كنا لنعرف انهم كانوا يقتلون بنو أسرائيل و يسومونهم سوء العذاب و هذا أكبر دليل على تحريف التاريخ منذ قديم الأزل
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)البقرة.
أما قول سيادتك:
ووفق هذا المنظور نجد تقريبا كل الصحابة خالفوا الرسول بعد وفاته ، وهذا معناه لم تكن هناك استمرارية لقيم الاسلام الرئيسية ، بل انقطاع واندثار مستمر .
واحبا ان ارد هنا ولا اخفي على احد انني شعرت بغصة في قلبي حينما قرأت هذه المقالة وذلك لأن الله يخبرنا في كتابه العزيز ان معظم الرسل بعد وفاتهم فنجد اتبعاهم المخلصين يظلوا على العهد ثم يأتي التحريف والتزوير بعد مرور حقبة زمنية صغيرة ولكن في هذه المقالة نجد ان البعد عن تعاليم الرسول حدث منذ اول يوم بعد وفاته وهذا ما سبب لى بعض الألم.
لماذا لا تكون الغزوات الاسلامية المسماه بالفتوحات حدثت في عهد الدولة الاموية الفاسدة ولكن لاعطائها مصداقية وشرعية تم نسب بدايتها الى ابو بكر.
واكرر هذا الرد ليس دفاعا عن ابو بكر وعمر او اي احد ولكن كلنا اتفقنا على ان الرسول عليه السلام انشأ دولة ديمقراطية اسلامية واسس فيها مبادئ الديمقراطية والاسلام الحنيف ولا اعتقد ان أنهيارهذه القيم حدث منذ اول يوم بعد وفاة الرسول كما تم ذكره في المقال واغلب ظني انه عندما تولى الامويين الخلافة بدأت هذه الغزوات.
هل الذين حرفوا و أفتروا الكذب على الله و رسوله سيصعب عليهم الأفتراء على ابوبكر و عمر؟
وقد اكون مخطئا ولكن هل هناك مصادر اخرى للتاكد من مصداقية هذا الكلام بخلاف الكتب المستشهد بها
عن الوعظ أيام الخلفاء الراشدين كانوا لا يجدون من يعظهم وفي أحيان كثيرة كان لا يتجرأ أحد على فعل ذلك
، ولكننا نجد هذه الأزمنة أن هناك من المفكرين والمصلحين من يقوم بهذه المهمة أقصد مهمة الوعظ والنصح للرئيس أو الملك أو من بيده الأمر، ولكن ما يحدث للواعظ من بطش وتنكيل به وبمن حوله لا يجعل أحد يقدم على هذا الفعل إلا القلة القليلة ممن وهب نفسه للإصلاح والدفاع عن حقوق المظلومين مهما كان معتقدهم وديانتهم ولا يأبه بمكانة ونفوذ الظالم .
فى الوقت الذى لم يجد عمر واعظا يعظه و ينبهه ، تجد أن عثمان قد انقسم الناس حوله فى المدينة الى قسمين ، قسم يقوم بوعظ عثمان ونصحه ، منهم على بن ابى طالب وغيره ، وحتى منهم زوجته نائلة الكلبية ، وقسم آخر مفسد سيطر على عثمان وهم أقاربه الأمويون ، وفى مقدمتهم مروان بن الحكم، هذا فى عهد الخلفاء الراشدين ، وكأن التاريخ يعيد نفسه ، ففى يومنا هذا تجد الوعاظ ينقسمون لقسمين :
القسم الأول وهو الواعظ المنافق والذى ينافق السلطة والنظام ويسيس الدين و يطوعه لمصلحة النظام ولعل الأيام الأخيرة شهدت الكثير من الفتاوى التى تصب فى مصلحة النظام فى الأول والآخر ، ومن أمثلة تلك الفتاوى فتوى أن الغرقى بسبب الهجرة الغير شرعية ليسو شهداء ، وفتوى جدار العار والتى أثارت جدلا كبيرا فى الآونة الآخيرة وغيرها الكثير من الفتاوى التى تصب فى مصلحة النظام ، وطبعا أصحاب هذه الفتاوى من الشيوخ والوعاظ ينالون حب ورعاية النظام .
أما القسم الثانى من الوعاظ فهو القسم الذى ينشد الاصلاح فعلا ويسعى لتطبيق الديمقراطية وحقوق الانسان وطبعا هذا هو القسم المغضوب عليه من النظام والمطرود من حبه ورعايته ، وبل والمطارد بالسجن والاعتقال أو مغادرة البلاد تجنبا للمهانة ، فهذا هو الوعظ فى هذه الأيام والذى لا يخفى على أحد ، ناهيك عن الحاكم وهو فرعون يتفرعن فى الأرض بقوته ونفوذه وسطوته ولا يهتم برأى أحد ولا يعير أى اهتمام لأى وعظ .
بدأ موضوع ( وعظ السلاطين ) مقالا بحثيا نشرته فى منتصف التسعينيات ، وشعرت بأهميته كموضوع بحثى جديد غير مسبوق فعولت على التوسع فيه ، وهكذا بعد نشر المقال كأول السلسلة دخلت فى بحث الموضوع ، وكالعادة أترك نفسى للبحث يوجهنى حسب مادته العلمية وما تثيره من قضايا.
ومن المؤكد أن تعليقاتكم سيكون لها دور هام فى توجيه البحث ، أى ستتم الاجابة على كل استسفاراتكم بعونه جل وعلا ..
السلام عليكم
اعتقد انه هذا فيه اجحاف كبير بحق علي بن ابي طالب فالجميع يعلم انه سيد الزاهدين وامام المتقين فاذا كان علي كذلك ففي من الخير بعد ذلك .كان يعمل بالسخرة فيما كان الاخرين يكسرون الذهب بالفؤس فلم يغر بصفراء ولا بيضاء وهذا ليس حديث عواطف بل وقائع فقد منع عن حقه ودفع لغيره فلم ياخذ خمسا او زكاة ولم يشارك في حرب فيغنم وهو حامل لواء رسول الله في جل معاركه
والسلام
أخي الكريم تحية وسلاما لشخصك الكريم النبيل وبعد
استغربت ورود العبارة التالية في تعليقك (بيعة الغدير التي ينادي بها الشيعة لاتعتبر مطلقة المصداقية لعدم ذكرها من مؤرخي السنة )
الحقيقة أن علماء السنة ومؤرخيها قد ذكروها ورواها 110صحابيا و 84 من التابعين و 360 عالما من علماء المسلمين .
ممن اعتنى بروايتها : الطبري - الذهبي - الحافظ ابن عقدة -الدار قطني -الجزري الشافعي -امام الحرم الجويني-الترمذي-ابن عبد البر - ابن الجوزي-الآلوسي -ابن حجر -الحاكم في المستدرك قال: صحيح على شرط الشيخين -الألباني
لك تحياتي واحترامي
أرجو من الهيئة المشرفة على موقع أهل القرءان مراجعة مقالات الدكتور احمد صبحي بين الفينة والفينة للاطمئنان والتأكيد على سلامة كتاباته وعدم التلاعب بها من قبل الهائمين الحائرين الحاقدين الذين لا يفرقون بين الشعر والنثر!! هداهم الله تعالى الى الصراط المستقيم وأصلحهم من قبل أن يأتي أحدهم الموت ويقول ربّي لولا أخرتني! ولات حين مندم...
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5099 |
اجمالي القراءات | : | 56,369,782 |
تعليقات له | : | 5,431 |
تعليقات عليه | : | 14,793 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
( القرآن الكريم وعلم النحو ) . الكتاب كاملا .
خاتمة كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )
دعوة للتبرع
قتل ثلث الرعية.: في مقالك \"ديمق راطية الإسل ام\" كتبت عن...
الجحش الشيعى : ساعطي ك ايه قراني ه تثبت امامه امير...
نعم ..أم .. لا ؟!!: • هل زواج المتع ه حلال فی القرآ ن ...
اربعة أسئلة : السؤا ل الأول : هل هناك فرق بين النعا س ...
رفع الأذان : ما حكم رفع الأذا ن بالمي كروفو ن ...
more
شكرا دكتور احمد على هذ المقاله القرآنية التي تبين بان الحق احق ان يتبع وان الرجال يعرفون بالحق وليس العكس . ومن خلال قهمي للقرآن الكريم فأن التاريخ يتكرر او يكرر نفسه (كما يقال) عندما يقول تعالى( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) فالله يقرر في اكثر من موضع بان اتياع الانبياء سرعان ما يحرفون رسالات الانبياء فيرسل الله عز وجل انبياء آخرين وهكذا إلا ان ارسل الله خاتم الانبياء عليه وعليهم السلام اجمعين فكانت الرساله الخاتمة ومن إعجاز القرآن الكريم انه تحدث بشكل واضح كيف تتكرر القصة مع كل نبي بان ينقلب عليه اتباعه وهو تحذيبر قوي لاتياع خاتم الانبياء بأن لايقعوا فيما وقع فيه من سبقهم ومع ذلك اقتتلوا قال تعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) 253 البقره