المتدينون:
الاشتراكيون والمتدينون

زهير قوطرش Ýí 2010-02-11


 

 
الاشتراكيون والمتدينون.
 
 قبل الدخول في موضوع العنوان للمقالة ,أحب أن أؤكد منذ البداية ,أنه لا تعارض بين موقف الدين (وليس المتدينين) وموقف المبادئ الاشتراكية من القضايا الاجتماعية والوطنية .
تذكرت قصة طريفة حدثنا عنها الأمين العام للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش . ذلك أنه أثناء سفره إلى موسكو أيام الاتحاد السوفيتي ,سافر معه مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد كفتارو ,وشاءت &Ccediacute;ت الصدف أن يجلسا متجاورين. بعد الأسئلة المعتادة عن الصحة والعائلة ...الخ .دار نقاش بينهما حول أهداف كل منهما في نضاله أو جهاده ....,في نهاية الحديث قال له خالد بكداش ..يا شيخ كفتارو .دعنا نتفق على برنامج موحد ...نحن نسعى لسعادة الإنسان على الأرض , وأنتم تسعون لسعادة الإنسان في الدار الآخرة .... لو وحدنا جهودنا معاً ,ألا تعتقد معي بأننا نكون قد كفلنا للإنسان سعادة الدنيا والآخرة.

باعتقادي ما قاله الأمين العام للحزب الشيوعي السوري ,يلخص في بعض جوانبه مفهوم لاهوت التحرير ولا هوت الرجاء بالنسبة للحركات الدينية .
ذلك لأن الاشتراكية الحقة هي التي لا تتصارع ولا تتناقض مع مبادئ الدين ,بل يجب أن تكون علاقتها بالدين علاقة جدلية ,وأن تكون قادرة على إيجاد الجسور التي تربط الجهاد الديني مع النضال الاشتراكي ( الوطني والاجتماعي)وذلك لجعل الحياة الإنسانية على هذه الأرض أكثر تحرراً وتقدماً من خلال برامج ولقاءات ووسائل عمل مادية ,ونضال مشترك ...
في عالمنا العربي ومع كل أسف في أغلب الأحيان ما عدا بعض الفترات التاريخية ,كانت العلاقة ما بين المتدينين (الإسلاميين) وقوى اليسار الاشتراكية علاقات شبه تناحرية. كون المتدينين لبسوا لبوس الوهابية والسلفية الرجعية التي تعاونت مع الاستعمار من أجل تصفية اليسار ووضع العراقيل أمام انتشاره بين الجماهير وكانوا الأداة لهذه المهمة الخسيسة .وكون اليسار أيضاً بغالبيته تبنى نظرية أن الدين أفيون الشعوب ( كردة فعل على ممارسات الإسلام السياسي) فكانت نظرته للمتدينين السياسيين بشكل عام نظرة شبه عدائية.
هذا الموقف من الطرفين ,تم استغلاله من قبل أنظمة الحكم الاستبدادية ,فتارة تعاونت مع المتدينين لتصفية الاشتراكين اليساريين ,أو تعاونت مع اليسار الاشتراكي لتصفية الحركات الإسلامية .لهذا تولدت علاقة عدم الثقة وإقصاء الأخر
والدليل العملي على ذلك ,ممارسات حماس ,فور استلامها السلطة , من خلال الانقلاب على السلطة الشرعية ,أولى الشعارات كانت تصفية العلمانية ,وعدم السماح للقوى اليسارية بممارسة الحق الطبيعي في الاجتماع والتظاهر.مع أن البرنامج الوطني في أغلب بنوده متطابق.


الحقيقة أن كلا الطرفين ,نظروا للعلاقة المتبادلة ,وكأنها كما يقال (يا ابيض يا اسود) وتناسوا أن المنطقة الرمادية ,تواجد فيها الغالبية من المتدينين المحافظين الذين لهم المصلحة في التغيرات الاجتماعية ,كما تواجد فيها الاشتراكيون الذين تمسكوا بمبادئ الاشتراكية وكانوا في دواخلهم يؤمنون بالقيم الدينية العلوية والأخلاقية.حتى أن بعض الكوادر السياسية من الأحزاب الشيوعية ,كانت تقوم بأداء العبادات ,والمحافظة على الطقوس ,وحتى ممارسة الأعراف الدينية في الشؤون الشخصية(في بعض الأحيان سراً)
هذه المساحة الرمادية مع كل أسف ,بقيت وكأنها محظورة ,لو دخلها أحد من كلا الطرفين ,كأنه خرج عن الجماعة, وطبقت عليه حدود الردة.

في مقابلة مع الأب وليم سيدهم سأله أحد الصحفيين ...لماذا لم نرى حتى الآن في مصر لا هوت للتحرير؟
أجابه :على مدى تاريخنا نجد أن هناك لحظات محددة ومحررة من تحرير الأرض وعمل الخير ,لكن المطلوب تجميع المبادرات وتوعية الناس بها وإعطائهم ثقة لكي يستمروا فيها .أيضاً هناك أفراد يخافون من الحرية (وهم الغالبية ..رأي كاتب المقال)فإذا سألت شخص ما يقول لك لابد أن أرجع إلى رجل الدين أولاً!!! ولماذا لا تفتح كتابك المقدس (أو قرآنك ..من كاتب المقالة) وتقرأ فيه وتدرسه وتفهم ماذا يريد الله منك!!! أعتقد أنه على رجال الدين بكل تقاليدهم أن يكون لديهم القدرة على مساعدة الناس لتحريرهم من الخوف والنظرة الفردية للآخرين ,فلدينا تقاليد رائعة لكن تظهر فقط في المناسبات وأرجوا أن تكون هذه التقاليد منهج حياة.انتهى الاقتباس
كما أرجو أن تعي القوى اليسارية ,والقوى الدينية مسؤوليتها في هذه المرحلة لتشكيل جبهات موحدة للتغير الداخلي والتحرير.(أمريكا اللاتينية هي المثل).
اجمالي القراءات 10589

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ١٢ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45693]

نعيم الشربيني كمثال في مقال الشيخ نعيم وأوباما في مسجد البنك الدولي

ما جاء في المقال  لا يختلف على صحته أي منصف فقط يتخلص مما حمله في عقله من أفكار مسبق واهواء تجعله يرى وفق ما توجهه هي، ويعد هذا المقال بحق  خطوة في سبيل تدريب العقل العربي على رؤية الآخر وبالتالي إمكانية العيش معه وقبوله، وهذا جزء من مقالة الدكتور سعد الين إبراهيم وتؤيد نفس وجهة النظر ،و التي كتبها بعنوان نعيم وأوباما في مسجد البنك الدولي :


" وكان د. نعيم الشربينى، المُتمرد الثائر فى شبابه، الاقتصادى المُتمكن فى كهولته، والمُتدين الواعظ فى شيخوخته، مُدركاً طبيعة اللحظة التى يعيشها هو والعالم فى عصر أوباما. وقد خصّص خُطبة الجُمعة للتنويه بمُعظم ما ورد فى خطابات أوباما الثلاثة للمسلمين ـ سواء فى حديثه فى شهر فبراير لقناة العربية، أو كلمته فى شهر أبريل للبرلمان التركى، أو خطابه الجامع فى ٤ يونيه من القاهرة.


وبتمكن شديد، عاد د.نعيم إلى القيم التى ركّز عليها أوباما فى سعيه لاكتشاف الأرضيات المُشتركة بين بلاده الأمريكية وقومه الأمريكيين من ناحية والمسلمين من ناحية أخرى، وحاول بدوره أن يجد لها تأصيلاً فى قرآننا الكريم.


من أهم هذه القيم «التعددية»، أى قبول الاختلاف، بل والاحتفاء به، كسُنة كونية وحكمة إلهية منذ بداية الخليقة: « «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (سورة الحجرات).


 


2   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   الجمعة ١٢ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45698]

الترابي كمثال ..!!

لأخ الفاضل زهير أحييك على فكرة هذا المقال وعلى ما جاء فيه من نماذج وأضيف نموذح آخر وهو الشيخ حسن الترابي والذي أصبحت طروحاته أكثر إنسجاما مع القرآن الكريم ولنا فيما يكتب عنه وما نسمعه منه خير دليل ، والافت في كون حسن الترابي نموذجا هو كونه كان إبنا مخلصا ومنظرا مهما في الإسلام السياسي وأسهم فيه وأصبح فيه زعيما وهذا التيار كما هو معروف ينهج الفكر المنغلق إعتمادا على نصوص دينية تعتبر لديه مقدسة ، وهي بعيد عن الصحة ، ولكنه نفض كل هذا وتحرر منه ليلقي بنفسه داخل النص الوحيد المقدس وهو القرآن الكريم يحاول أن يفهمه ويعمل به .. وبذلك فقد إلتقى حسن الترابي مع الليبرالية من منظور ديني ..


وهناك نموذج آخر من داخل الموقع وهو الشيخ أحمد صبحي منصور والذي بدأ حياته أزهريا مخلصا لثقافة الأزهر التي تعارض قيم الديمقراطية وحقوق الإسلام والعدالة إلى أن نفض عن نفسه كل هذه الأثام بل ويؤصل لجميع القيم العليا الذي يتفق البشر جميعا من داخل القرآن الكريم ، وأصبح ليس فقط من دعاة العودة للقرآن الكريم بل أصبح من أهم الداعين والداعمين للديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان.


وهناك العديد أيضا من النماذج التي بدأت بالليبرالية واليسار وأصبحوا من دعاة العودة للقرآن الكريم بعدما تأكدوا من أن القرآن لا يصطدم مع قيم الليبرالية وحقوق الأفراد .. إذن طريق الإصلاح هو واحد يلتقي فيه جميع المصلحين مهما إختلفت جذورهم إن صدقت نواياهم ..

 


3   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الأربعاء ١٧ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45830]


الاستاذ الفاضل/ زهير قوطرش   هذه الرؤية الاصلاحية والتي تحاول من خلالها المواءمة بين الفصائل السياسية المتعددة الموجودة في وطننا العربي ، كجماعات سياسية ليس لها رؤية اصلاحية حقيقية تخدم مصالح الشعوب العربية ، وكما وصفت سيادتك المنطقة الرمادية التي يمكن أن تتسع للكثرة من الجانبين للكثرة من اليساريين وللكثرة من الاسلام السياسي أم التيار الديني السياسي ، هذه المنطقة التي يمكن أن نسميها البقعة المضيئة الاصلاحية ، والتي تعارف عليها أصحاب الصفوة الفكرية وأصحاب النخبة الثقافية التي يمكن أن تنهض بأمتنا العربية ، هم من يسكنون هذه البقعة المضيئة التي أضائها الفكر الانساني العالمي والتقى هذا الفكر حول هذه القيم العليا للحضارة والتقدم السياسي والعلمي والاجتماعي ، الكثير من الدول الاشتراكية السابقة تخلت عن شعارات ومبادئ كثيرة وتوجهت نحوالفكر العلمي العالمي الذي أخذت بأسبابه ونهضت والكثير من الدول تخلت عن الايديولوجية الدينية ونهضت مثل تركيا مثلا، ونحن اليوم في عاملنا العربي وبسبب ضحالة الثقافة والفهم الغير واعي للدين ، نغرق في مثل هذه المنطقة الرمادية والتي تسمى بمنطقة عمى الألوان والتي لا تبصر فيها العين درجات الرؤى المختلفة لحقائق الألوان!


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,912,046
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia