نبيل شرف الدين Ýí 2009-11-03
لأسباب محض قدرية دهمتني فجأة دون مقدمات أعراض الاشتباه بالإصابة بفيروس (A/H1N1)، وكان أول ما فكرت به هو الاتصال بالرقم الهاتفي، الذي خصصته وزارة الصحة المصرية، وبعد محاولات متكررة رد الموظف أخيراً، فشرحت له الأعراض التي أعاني منها، فنصحني بتناول مضاد حيوي والراحة بالمنزل، فقلت له إن معلوماتي حول الفيروس أنه يمكن محاصرته إذا ما اكتشف مبكراً وكشفت له عن هويتي الصحافية مؤكداً أنني لا أتحدث عن "أنفلونزا موسمية" إنما عن تلك الوبائية الجديدة، فرد الموظف ب&Ccedicedil;ستخفاف وسخرية قائلاً: "ما دمت صحفي وعلى راسك ريشة روح مستشفى الحميات"، ولم يشأ الاستطراد في مزيد من المناقشات، بل أغلق الهاتف في وجهي بمنتهى السخف.
على عتبات الوجد
انتزعني صديقي من "غيلان الحميات" بأعجوبة وعدت للمنزل لأتدبر حالي، وما لا يعرفه كثيرون أن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الصحة تحتكر حق تحليل عينات المرضى وتحظر على كافة المختبرات الخاصة إجراء هذا التحليل، كما تحتكر أيضاً توزيع دواء "تاميفلو" فلا يسمح ببيعه في الصيدليات ومن يشتبه في إصابته ليس أمامه سوى اللجوء إلى "مستشفى الحميات"، أو غيرها من المستشفيات الحكومية في مصر، التي تعاني إهمالاً إجرامياً حولها لما يمكن وصفها بمع بمستودعات للأمراض والأوبئة وشتى صنوف المعاناة.
في الوقت الذي كنت أغادر فيه "معتقل الحميات" كانت رأسي في حالة سيولة من فرط ارتفاع درجة الحرارة، وكنت أشعر بحالة من الخدر والانسحاب تشبه تلك اللحظات التي تعقب الإفاقة من التخدير بعد إجراء الجراحات، وقد خضت هذه التجربة ثلاث مرات من قبل، وساعتها كنت أعيش حالة نادرة من التصالح مع النفس والكون جميعه، وأستمع إلى موسيقى ملائكية تتردد أصداؤها في الآفاق، وتغمر كياني بمزيج من النشوة والخشوع والطمأنينة والسلام في أكثر درجاته وضوحاً، حالة من الوجد قد يعيش المرء ويموت دون أن يجربها أكثر من مرة، تتراجع فيها كل عوارض الدنيا أمام شعور عميق بالرضا وكأني قد اقتربت من ملامسة كافة حقائق الحياة والممات، وألقيت جميع أمري بيد المهندس الأعظم صانع الوجود ومدبره.. فحينها لا يرحم العبدٌ بعد الله من أحد.
في تلك اللحظات الاستثنائية النادرة لمحت على أبواب المستشفى ريفياً يرتدي جلباباً رثاً وهو يدس نقوداً في يد حارس لا يقل رثاثة عنه، بينما كانت عصافير ملونة تغرد فوق أشجار عتيقة بحديقة المبنى ـ عذراً سيدي القارئ لا تطاوعني يدي لكتابة كلمة مستشفى أكثر من ذلك ـ وكانت أنفاسي لاهثة وأشعر بدقات قلبي متسارعة كأنها إيقاع صاخب..
ساعتها لا أدري لماذا مثلت في مخيلتي صور سياسيين ومسؤولين كبار، لست مستعداً للتورط بتسميتهم، لكنهم كانوا في تلك اللحظات المحمومة وقد أمسك بعضهم "طبلة" وراح ينقر عليها بمهارة الطبالين المحترفين المهرة، كما رأيت آخرين يمسكون الصاجات وهم يتقافزون في دوائر تتسع وتضيق، بينما كان كبارهم يلفون حول خصورهم "علم مصر" وهم يرقصون بكروشهم المتدلية، وأجسادهم المترهلة، وتصدح الأجواء كلها بنشيد عبد الوهاب الشهير أيام الناصرية والذي تقول كلماته "حرية أراضينا فوق كل الحريات.. وتاريخنا وماضينا في كتاب المجد آيات"، وتوقفت طويلاً أمام فقرة تقول كلماتها "أيامنا بطولات.. ليالينا تضحيات"، وإذا كان يمكن أن أفهم كيف "أيامنا بطولات"، فلم أستوعب كيف كانت "ليالينا تضحيات".
مازلت في قلب تلك الفنتازيا التي رأيتها حين كنت محموماً، فوسط حلبة الرقص التي يمارسها السادة الكبار، كانت هناك في جميع الاتجاهات حشود غفيرة لا حصر لها، تصفق تارة وتصفر تارات، وتهلل وتكبر أيضاً، باختصار كانت لحظة هلوسة عبقرية لعلها أجمل ما في تلك التجربة المرة، أن تقترب من الحقائق لدرجة تختزل معها كل التنظيرات والسجالات في مشاهد رمزية معبرة لا تخلو من الصدق والطرافة والإثارة معاً.
نهايته، فما حدث بعد ذلك أنني بطريقة ما ـ أنا في حلّ من الخوض في تفاصيلها ـ اتصلت بوحدة "النميرو" الأميركية في القاهرة، وبعد نحو ساعة حضرت سيارة مجهزة لمنزلي لتحصل مني على عينة هي "مسحة زور"، وبعد ساعات أبلغوني بأن نتيجة التحليل للأسف إيجابية، وأنني مصاب بالفعل بالفيروس الخطير، وأرسلوا لي الدواء ومعه كتيب إرشادي بالعربية والأنجليزية يشرح بلغة مبسطة ودقيقة كيفية التعامل مع الأمر ثم طلبوا أن أتابعهم بتطور الحالة على مدار الساعة، وبعد أيام سوف يحصلون على عينة أخرى للتحقق من القضاء على الفيروس... كل هذا بمنتهى البساطة والجدية ومن دون الاضطرار للاستعانة بصديق متنفذ، ولا الاستغاثة ببرامج "التوك شو" لعل وعسى يشاهدها مسؤول فينقذ المرضى والمظلومين، بعد أن باتت هذه البرامج "دواوين مظالم" يومية تُعبر عن آلام الناس ومظالمهم، وتنغص أمسيات المسؤولين وتقض مضاجعهم ولو لمجرد لحظات عابرة.
والله المستعان
دعوة للتبرع
رؤيا ابراهيم : أتعجب من أمر ابراه يم بأن يذبح ابنه . ما...
عن التوبة: لماذا لم يرد تفصيل في الشرع عن توبة السار ق ...
لماذا بنو اسرائيل ؟: في قصة ابناء ادم وبعد ذكر القصة يقول الله...
سؤالان : السؤا ل الأول : الح� �ار حيوان أليف صبور...
حجرا محجورا: ما معنى ( حجرا محجور ا ) فى قول الله جل وعلا :...
more