عقيدة الولاء و البراء

محمود دويكات Ýí 2009-09-20


1- الولاء هي الموالاة و المناصرة و المعاضدة إما معنوياً أو فكرياً أو بدنياً ، و عكس الولاء هو البراء من شيءٍ ما  وهو التبرّء و الإنكار و التخلّي عن  ذاك الشيء فكريا و معنويا و بدنيا.
2- عقيدة الولاء و البراء تلعب دوراً أساساً ( و إن كان في معظمه بدون وعي من الشخص) في  الكثير من التصرفات الدنيوية للمسلمين منذ بدء الحروب االاسلامية من بعد وفاة النبي ،  و ازداد أثرها إبّان الحروب الصليبية و يستخدمها الآن الكثير من رعاع السلفيين و الوهابيين و غيرهم لإثارة حس الجماعة فيما بين المنتمين لتلك الجماعات مقابل "الآخر" من الجماعات الأخرى.

المزيد مثل هذا المقال :

3- هناك خطأ فادح و قارح في الفهم التقليدي لمعنى الولاء و البراء. ففي الوضع الحالي يفهم المسلمون عقيدة الولاء و البراء كالآتي: أن هذه الدنيا فيها دار الاسلام و دار الحرب ، و إنه يجب موالاة المسلم أينما كان في حين يجب التبرء من غير المسلم (الذي ينعتونه بالكفر)  و عدم مناصرته أو التعامل معه و يصل الأمر الى إزدرائه و التحقير من شأنه بحجه أنه غير مسلم  (أو كافر)- كالنصارى و اليهود و اهل الأديان الآخرى.  و تذهب بعض الجماعات الاسلامية الى وجوب قتال كل من يتبرّأون منهم و هذه قمّة التعصب و المغالاة.
4- تستند تلك الجماعات في تلك العقيدة الى الكثير و الكثير من الآحاديث المنسوبة للنبي (بعد أكثر من 200 سنة من موته) . كما تستند تلك الجماعات الى الفهم الخاطيء لبعض الآيات القرءانية و أنهم مخرجوها عن سياقها العام و هنا لا بد من التنبيه الى نظرية السياق القرءاني مرة آخرى:
5- نظرية السياق القرءاني: تنص هذه النظرية على أنه لا يجوز بتاتاً إقتطاع آية قرءانية من سياقها العام من أجل تفسيرها ،  بل يجب أن يندرج تفسير و فهم الآية ضمن السياق العام للآية. فإن كان السياق العام مثلا يتحدث عن أخبار الغابرين فلا يجب إطلاقها على آهل الحاضر ، و إن كانت تتحدث عن امور حرب فإنه لا يجب تطبيقها في أوقات السلم مطلقاً.
6-  يعمَد الكثير من المسلمين الى آطلاق معاني الآيات بعيداً عن سياقها و هم بهذا يقعون في خطإ فادح و موجع للجميع في أنه يؤدي بهم الى التعصب و عدم القبول بالآخر لمجرد اختلاف العقيدة أو الرأي. و من مثال تلك الايات قوله تعالى (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) 3:28 ، ففي هذه الآية هناك خطآن يقع بهما الكثير من اولئك المسلمين: الأول هو تفسير كلمة "الكافرين" بكل من لم يتبع شعائر الأسلام ، و الخطأ الثاني هو أن هذه الآية تطلب منهم نيذ و مقاطعة وعدم التعامل بالإطلاق مع كل من لا يتبع الدين الإسلامي. السبب الرئيس لمثل هكذا أخطاء فادحة و شنيعة في فهم تلك الاية هو اقتطاعها من سياقها العام ، فلو قرأنا بضع آيات قبل تلك الآية لرأينا أن السياق يتحدث عن ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )3:21 ـ أي إن الذين يكفرون يقصد بهم بالتحديد من يقتلون النبيين (ويـُقاس عليهم المصلحون) بغير حق و يقتلون الناس الآمرين بالعدل. فهذه الأوصاف إنما هي لمرتكبي الآعمال الإرهابية و محاربي الفكر والعدل بين الناس ، فهؤلاء هم الكافرون الذين لا يجب موالاتهم بالتحديد.
7-  و من مثلها آيات سورة النساء ، إذ يقتطع الكثير من المسلمين الأية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) 4:144 ، و يفسرونها على أنها تطلب منهم عدم التعامل مع غير المسلمين إطلاقاً. و الحقيقة أن سياق الآيات فيه تخصيص لبعض أوصاف المنافقين الذي يعملون دائبين لإيقاع المسلمين في حروب داخلية. يوّضح ذلك السياق العام للأيات (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ، وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ، إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ، سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) 4:88-91 و قد وضحت المواطن التي يتجاهلها الكثير من المسلمين بخط تحت الكلمات. و من الواضح جدا أن سياق الأيات يتحدث عن جماعة من المنافقين و الكافرين يحاربون المسلمين حربا شبه مباشرة بالإغارة و القتال ، فهذا النوع من المنافقين و الكافرين بالتحديد يجب نبذهم و عدم التعامل معهم و بل محاربتهم إن استمروا في مقاتلة المسلمين الآمنين. يدعم هذا الفهم السياق نفسه إذ تقول الايات في ذات السياق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) 4:94  أي إننا لا يجوز وصف المسالمين بعدم الإيمان بتاتاً و بهذا ينحصر وصف الكافرين - في سياق تلك الايات-  بكل من يقتل و يحارب المسالمين و يفسد في الارض.  و بالتالي فإنه لا يجب أن نخرج الآيات عن سياقها و نزعم أنه يجب عدم موالاة الكافرين و بهذا الزعم يحجمون عن التعامل الفكري و المعنوي مع كل الدول الغربية بحجة أنها دول كافرة و إن كان معظمها دول مسالمة و تمتلك مخزوناً فكريا قد يصلح لإصلاح الاحوال الاقتصادية للكثير من دول العرب أو المسلمين.
8- كخلاصة: يفهم الكثير من المسلمين الحاليين عقيدة الولاء و البراء خطأً على انها عدم التعامل مع كل من لم يكن مسلما أو من جماعتهم و بهذا يقومون بتكفير كل من يخالف مذهبهم و يذهب بعضهم الى استحلال دمائهم كما تفعل بعض الجماعات الأسلامية ببعضها البعض أو اتجاه النصارى او الغربيين  و الحقيقة أن هذا ليس من الإسلام في شيء إذ أن جميع الآيات التي تطالب المسلمين بالبراء من الكافرين إنما تتحدث عن أوقات الحرب و القتال و الجماعات المفسدة التي تقتل و ترعب الناس ، فهؤلاء هم المقصودين بالكافرين و ليس المسالمين من الناس بغض النظر عن عقيدتهم ، أضف الى ذلك الى أن القرءان صراحة يطالب المسلمين بأن لا يستخدموا وصف "غير مؤمن" لكل من ألقى إليهم السلام ( بغض النظر عن عقيدته) (النساء:94)

اجمالي القراءات 26876

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   أنيس محمد صالح     في   الإثنين ٢١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42293]

شكرا يا أستاذ محمود دويكات

كل عام وأنت طيب وللأسرة الكريمة


أولا أشكرك شكرا جزيلا لجهودكم الحثيثة لمحاولة إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله.


سأقتطف من دراستكم أعلاه ما يلي:


( 3- هناك خطأ فادح و قارح في الفهم التقليدي لمعنى الولاء و البراء. ففي الوضع الحالي يفهم المسلمون عقيدة الولاء و البراء كالآتي: أن هذه الدنيا فيها دار الاسلام و دار الحرب ، و إنه يجب موالاة المسلم أينما كان في حين يجب التبرء من غير المسلم (الذي ينعتونه بالكفر) و عدم مناصرته أو التعامل معه و يصل الأمر الى إزدرائه و التحقير من شأنه بحجه أنه غير مسلم (أو كافر)- كالنصارى و اليهود و اهل الأديان الآخرى. و تذهب بعض الجماعات الاسلامية الى وجوب قتال كل من يتبرّأون منهم و هذه قمّة التعصب و المغالاة. ) انتهى


حاولت جاهدا في موقعنا الأصولي القرءاني الكريم هذا أن أبيَن للجميع حول خطأ التسمية ( المسلمون وغير المسلمين ) إلا إنني يبدو لم أستطع أن أوصل الفكرة بوضوح... فخطأ المفهوم القرءاني لهذه التسمية يكمن من خلال.. إننا ننسب لأنفسنا الإسلام وننكره على الآخرين!! بمعنى آخر عندما نقول ( غير المسلمين ) لنصف بها أهل الكتاب!! فنحن قرءانيا نصف أهل الكتاب  ب ( المشركين!! كنقيض للمسلمين ) وبالتالي نصفهم ب ( الكافرين ) وبهذا نكون عمليا وقرءانيا... لا فرق بيننا وبين التكفيريين السلفيين والوهابيين... أليس كذلك!!؟؟ وقد أكدت في أكثر من مناسبة إنه لا يحق لنا أن نطلق مصطلحات لا نعلم معناها قرءانيا وننسب لأنفسنا الإسلام وننكره على الآخرين!! وأكدت مرارا إن المصطلح القرءاني الأصولي الصحيح هو ( المؤمنون وغير المؤمنين ) وليس ( المسلمون وغير المسلمين ) من واقع إن الله جل جلاله هو الوحيد العالم بالمؤمن والكافر من خلقه... من واقع إن الإيمان والكفر هي سلوك بشري إنساني.. أما الإسلام فهو لا يختص بالإنسان فقط بل يشمل جميع خلق الله جل جلاله في السموات والأرض.


أشكرك مرة أخرى وتقبل مني كل التقدير والإحترام


2   تعليق بواسطة   Ezz Eddin Naguib     في   الإثنين ٢١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42303]

أخى العزيز الأستاذ / أحمد دويكات

وتؤيد الآية التالية فهمك للآيات :


{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8


ولكنهم كما قال سبحانه:


{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7


 


بارك الله فيك


عزالدين


20/9/2009


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-04
مقالات منشورة : 36
اجمالي القراءات : 985,664
تعليقات له : 775
تعليقات عليه : 588
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : United State