زهير قوطرش Ýí 2009-02-24
نفاق دفع البلاء
من عادتي التدبر في الكتب السماوية , كونها مخزون مليء بالقيّم الأخلاقية الرفيعة ,مليئة بالعبر والشرائع التي في مضمونها ومحتواها ما جاءت إلا لصالح الإنسان وعلى فترات متلاحقة ,الى أن وصل الإنسان الى ما نستطيع تسميته مرحلة التسيير الذاتي ضمن مساحة الحرية المكتسبة وحدود الشرائع,و كونه مخلوق عاقل وناقص في نفس الوقت ,يُفترض فيه أنه وصل إلى مرحلة الكمال الإنساني نسبياً ,ليستطيع التفريق مابين الخير والشر ,بناء على ما تتطلبه مصالحه الدنيوية والأخرو&iacucute;ة .ومن السور التي أحب قراءتها والتمعن في آياتها هي سورة البقرة .هذه السورة عالجت الكثير من المشاكل الإنسانية التي رافقت بناء المجتمع الإسلامي الأول حيث وجدوا دارا تجمعهم وتقيم دولتهم ,الدولة المدنية الأولى في تاريخ المنطقة ,في هذه السورة الكريمة كان التركيز على أهم مواضيع الإيمان ألا وهو التقوى حيث تكررت مادة التقوى خلال السورة بضعاً وثلاثين مرة, والتقوى هي الصفة الجامعة التي طُلبت من سائر الأمم في شتى الرسالات ,لتؤسس مجتمع القسط والعدالة
في قوله عز من قائل(ولله ما في السموات والأرض,ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم ,أن اتقوا الله) النساء 131
والتقوى كما وصفت ,هي تجنب الشوك في الطريق الوعرة المليئة بالأشواك حتى تصل الى الغاية النهائية بسلام.وأن تبتعد عن المعاصي التي تضرك وتضر مجتمعك.وتتمسك بقيم السماء وكأنها نزلت عليك.وتتمسك بالمعروف في مجتمعك لأن المعروف لم ولن يتناقض مع الشرائع السماوية.
.وأهم ما عالجته هذه السورة مشكلة من أهم المشاكل التي رافقت التطور البشري منذ تحوله من خلال علاقاته الاجتماعية المتبادلة إلى المجتمع الإنساني, ألا وهي مشكلة النفاق.وقد أحصيت عدد الآيات التي تتحدث عن المؤمنين الاتقياء في هذه السورة فوجدتها في ثلاثة آيات,وآيتين تتحدث عن الكافرين ,وثلاث عشرة آية في المنافقين ,وهذا يدل على خطورة أثرهم على المجتمعات كلها .وفي القرآن الكريم سورة كاملة عنوانها المنافقون,وهناك الكثير من الآيات الموزعة على سور القرآن الكريم تصف وتحذر من المنافقين. وعلى نفس المستوى تحدثت بعض أقوال السيد المسيح في الكثير من المواقع في الإنجيل أيضاً في وصف المرائين وخطورتهم على المجتمعات ,لما يسببونه من فساد وإفساد.وقد ابتليت بهذا المرض حتى الثورات الإنسانية المتعددة , وبنتيجة النفاق خسرت تلك الثورات العدد الكبير من كوادرها وإمكانياتها.
وقد قال الله تعالى:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(النساء:145).
فهل هناك عقوبة ربانية مؤكدة أكبر من عقوبة النفاق والعياذ بالله.
قسم السلف النفاق الى النفاق الكبير الاعتقادي, حيث يُظهر الإنسان إيمانه وفي قلبه يضمر العداء للمؤمنين , والنفاق الصغير أو العملي , وهو الرياء والكذب وعدم الأمانة.
النفاق بشكل عام ,هو كل ما يظهره الإنسان بعكس ما يبطنه في داخل نفسه وهو من الممارسات الممقوتة حتى في أيامنا هذه.وللأسف الشديد بحيث أصبح أكثر الظواهر الاجتماعية انتشارا, يلعبها البعض وهي لعبة التضليل والتَّملّق والمديح المزيف، فتسمع من التقديس والإطراء ما تنفر منه الأسماع، وتشمئز منه الطباع.وينشأ النفاق في الرأس يبدأ على المستوى الشخصي لينعكس بعدها على المجتمع ككل ليصبح الصدق والوفاء والتمسك بالمبادئ عملة نادرة .هذا وقد انتشر النفاق في مختلف مجالات الحياة اليومية ,نفاق في العلاقات ...في العمل ..في التصرفات ...نفاق ديني سياسي واجتماعي الخ.وقد تجاوز النفاق حدود الأخلاق والمجاملات الاجتماعية ليصبح عادة طبيعية مستحكمة في ثقافة الأمة.والحقيقة هي إن تمويه الحقائق وتزيف الواقع معناه ضياع البلاد والعباد مثل مقولة النصر الإلهي التي استخدمت من قبل بعض الأنظمة الشمولية في حروبها العبثية أومن قبل بعض الحركات الإسلامية السياسية للخروج من أزمة سياسية تورطت فيها,فهؤلاء المتملقون المنافقون همهم بالنهاية أنفسهم ومصالحهم الخاصة.
وقد تطاول النفاق في عصرنا هذا حتى على شعوب الأمة العربية والإسلامية,وقد سببت الأنظمة الاستبدادية في تعاملها مع مواطنيها من خلال حرمانهم من أبسط حقوق البشر التي كفلتها الأديان ,وكفلتها حتى الشرائع البشرية المعاصرة ألا وهي الحرية. فلا حرية شخصية ,ولا حرية فكرية ,ولا حرية تعبير .كل شيء يخضع للمراقبة الأمنية ,حتى وصلت الأمور في بعض الدول التي تدعي التقدمية تدخل أجهزة الأمن في معاملات الزواج التي أصبحت بحاجة إلى موافقة أمنية.هذا الوضع دفع بالمواطن أن يمتهن حرفة النفاق لتسيير أموره عند السلطان ومؤسسات السلطان.
قال لي أحد الأصدقاء ,عجبي من شعوبنا التي مردت على النفاق ,تصور هذه الشعوب التي تُفرض عليها التظاهرات المؤيدة لهذا الزعيم الحاكم أو ذاك ,وتخرج بكل أطيافها في تلك المظاهرات الاحتفالية ,مُرغمة كارهة لوجود مثل هذا الحاكم المستبد أو ذاك .وعندما تقترب من المنصة التي يقف عليها سيادته أو جلالته,تصرخ بالهتافات لحياته وطول عمره....سألته وأين النفاق في هذا ...قال لي ..تصور يكرهونه ويهتفون له لا بأس ...لكن لماذا ترتسم الابتسامة على محياهم أمامه ... إذا كانوا لا يريدونه وهم مجبرين على قبوله تحت بند ولي الأمر ,ليهتفوا ولكن بدون أن يبتسموا ..ليرسموا على وجوهم على الأقل تعبير الحزن ...وهو أضعف الإيمان, لتظهر على محياهم بعض من أثار الغضب .... عسى ولعل أن يشعروه ,بأنه هو وزبانيته غير مرغوب فيهم.....سألته مازحاً ..بالله عليك ماذا تسمي نفاق هذه الشعوب ؟ هل هو النفاق الكبير ,أم هو النفاق الصغير . شرد قليلاً ....وأجابني ...تصور يا أخي حتى الكتب السماوية والشرائع الارضية لم تعالج هذا النوع من النفاق...لهذا لن تجد له تسمية خاصة ...لكني أستطيع أن أسميه لك بأنه نفاق دفع البلاء.وهذا النفاق هو حيلة الضعفاء.
دفع البلاء لا يكون بالنفاق ، بل يكون بالدعاء على الظالم في السر والعلن ، وبالتظاهرات التي توضح الغضب من الطاغية وأعوانه ، أما ما يفعله بعض المنافقين فإنه يعطي المستبد إيحاءا للظالم بإن كل الناس بتحبه ولا تستغني عنه وأنها لا تنام الليل بدون أن تنظر لصورته البائسة ، أي أنهم بهذا يفعلون ضد مصالحهم ومصالح بلادهم .
ولهذا حرص القرآن الكريم على أعتبار هذه الظاهرة أسوأ من الكفر إذ أعتبر أن المنافق في الدرك الأسفل من النار ،لأن الكافر في النهاية واضح وصريح ، أما المنافق فهو غير ذلك ، فهو مظهره عكس ما في قلبه ، وهو ما يخدع الآخرين .
أي أن النفاق يزيد البلاء ويقويه ويطيل من عمره !!
المنافق أخطر على المجتمع ..لأنه يدخل على أي جماعة بالنفاق والرياء بحيث لا يعرفون هويته الحقيقية ،إلا بعد أن يوضع في تجربة وبعدها لا يسكت ، بل يوالي الأعذار والتبريرات . ومرض النفاق اليوم يطلقون عليه الذكاء الاجتماعي . وهو لا يختلف كثيرا عن النفاق بحيث أنهما يجمعهما إخفاء لكل ما هو حقيقي وإظهار لما يتناسب مع الظروف لكن وصف القرآن المعجز لهم يصور لنا كيف يتألمون عند إخفاء الشعور الحقيقي ، في قوله تعالى :
{هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }آل عمران119
الأستاذ الفاضل/ زهير قوطرش، كما تفضلت وقلت أن النفاق آفة الجنس البشري وسبب من أهم أسباب التأخر الذي نراه في بلداننا للأسف،وتكمن خطورة المنافق في أنه يكون غير معروف وبذلك يكون مصدر خطر للمؤمنين، ولكن الكافر يكون معروف ومأخوذ الحذر منه، فلذلك يكون المنافق أكثر خطراً من الكافر.
هناك نقطة أريد من حضرتك تصحيحها لى إذا كانت غير صحيحة،عندما تدبرت قبل ذلك في الفرق بين كلمة المنافق والمنفق الفرق بينهما هو ألف المد الموجودة في المنافق فهل الارتباط بينهما أنه عندما يرائي المنفق يصبح منافق ؟وشكراً لك على أنك تحثنا وتذكرنا بمقالاتك على التدبر في كتاب الله العظيم.
اشكرك على مرورك الكريم.اتفق معك بكل ما ذهبت إليه ,والحقيقة أن هذا المرض صار عرفا في بلادنا.وللتخلص من هذا المرض ,لابد من وجود قوى إصلاحية ,عليها أن تضع في برامجها إصلاح المجتمع ,لكن أصلاح المجتمع بحاجة الى إصلاح سياسي حتى تتمكن القوى الخيرة ,من سن قوانين تكفل حرية المواطن ومساهمته في صنع القرار,ومن ثم خلق جيل حر ديمقراطي له القدرة على أن يقول ...لا... بدون أن يخاف من السجن أو الطرد من وظيفته.عندها أستطيع أن أؤكد لك بأن النفاق والكذب ومعظم الامراض الاجتماعية ستنتهي. لهذا مشوارنا طويل ياعزيزي .
أشكرك على مرورك الكريم.واتفق معك في أن دفع البلاء لايكون بالنفاق. لكن شعوبنا أضطرت أن تنافق ,لأن حكوماتها وأؤلياء الأمر هم من المنافقين.وكما يقال الضرورة لها أحكام.هم يدعون على حكامهم بالموت.لكن الدعاء بحاجة الى عمل.هناك مثل صيني رائع يقول :(إذا دعوت الله فحرك قدميك).التغير لن يتم إلا إذا أرادت الشعوب أن تغير.عندها سيساعدها الله عز وجل.واتفق معك بأن النفاق يزيد البلاء ويطيل عمره. وحتى لايطول عمر البلاء علينا ايضاً نحن القلة أن ندفع عملية الأصلاح الديني بقوة الى الأمام ,وعلينا ان نغزوا المواقع اللاكترونية لتوضيح فكرنا وهدفنا.شكراً لك
الأخت عائشة .نفاق الشعوب في وضع الاستبداد ,هو فعلاً نفاق دفع البلاء.وهو حيلة الضعفاء. سأعطيك مثل.عندما كان المسلمون في مكة ضعفاء ,بعضاً منهم أضطر أن ينافق المشركين ,وهومؤمن خوفاً من بطشهم.هل أسمي هذا النفاق نفاقاً سيئاً وعقابه النار.أبداً ولم تنزل آية مكية تعالج موضوع النفاق.لكن نفاق المسلمين في المدينة كان نفاقاً ضاراً وسلبياً لهذا توعده الله عز وجل بالعقاب الشديد. أقول هذا حتى لانظلم شعوبنا كثيراً.
أشكرك على مرورك الكريم.اتفق معك في موضوع النفاق بشكله السلبي. لكن الشعوب التي أجبرت على النفاق لدفع البلاء لها حكم أخر.أقراي تعليقي على تعليق الأخت عائشة.أما فيما يتعلق بالفرق بين النفاق ,والمنفق ...هنا يجب ان نحدد أن المنفق الذي يرائي في إنفاقه هو كالمنافق والله اعلم
قال الله تعالى"قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم......................
.........................................
وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"
صدق الله العظيم.
فالنفاق ضد الفطرة الإنسانية فعليه لاتستقيم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والنفاق موجود وكان التحذير الشديد من الله جل وعلا للمنافقين أنهم بالدرك الأسفل من النار والعياذ بالله،
مع تحياتي
كلمة السيدة سهير الأتااسي في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري
يا أهل مصر الحبيبة .ارحموا عزيز قوم ذل
أدعوهم لآبائهم : حتى ولد الزنا يلحق بأبيه فى تشريع الاسلام
هذه اللغة العربية .. العجوز المتصابية ..!!
دعوة للتبرع
كتاب الحج: بحثت كثيرا في الموق ع عن الحج وكلي قناعة أنه...
كتاب الصلاة ج 2: متى تنزل كتابك حول الصلو ة الجزء الثان ي على...
رشيد وعدنان ابراهيم : صديقك رشيد المغر بى المتن صر المرت د يهاجم...
خديجة مجرد تاريخ : هل صحيح ما نسمعه في الكتب أن السيد ة خديجة جاء...
ادراك علمهم : مامعن ى إدّار ك علمهم بالآخ رة فى الآية 66 من...
more
نعم سيدي الفاضل موضوع النفاق أستحوذ على الكثير من أهتمام القرآن الكريم ، وكما تفضلت فهناك سورة تسمى سورة المنافقون ، وتناثرت الآيات في باقي سور القرآن التي تعالج وتشخص موضوع النفاق ، وقد أعتبرهم الله سبحانه وتعالى في الدرك الأسفل من النار ،وأنا أعتقد أن النفاق آفة قاتلة لأي تقدم ، ولتأخذ من شعوبنا مثلا على ذلك ، حيث أن البعض ينافقون الحاكم مجبرين ولكن تجد البعض منهم يفعلون هذا بإختيارهم ، والبعض الآخر ينافق الحاكم حبا في النفاق فقط ، لا يريد شيئا من الحاكم ولكنه مرد على النفاق وأصبح لا يستطيع العيش بدونه ، فلو لم ينافق فإن صحته تبدأ بالأعتلال ، لأن النفاق أصبح يسري في دمه .
وفي رأيي فإن البلاد المتقدمة تقدمت ليس لأي سبب غير أن هذه الشعوب تركت آفة النفاق والكذب ، هذه البلاد لا تتميز في الموارد على دولنا بل على العكس فإن هناك بلاد عديمة الموارد مثل اليابان ، ولكنها ثرية في هذه الفضيلة .
أستاذي الفاضل إن أول خطوات الأصلاح ينبغي أن تمر عبر تربية أنفسنا وأبنائنا على عدم النفاق والكذب