يا أمة ضحكت من «جزمتها» الأمم :
يا أمة ضحكت من «جزمتها» الأمم

ابراهيم عيسى Ýí 2008-12-18


تخيل لو كان مراسل أو مصور صحفى مصرى فى مؤتمر بين رئيس مصر وشيمون بيريز رئيس إسرائيل أو أى من رؤساء وزراء إسرائيل أولمرت أو نتنياهو أو غيرهما وانفعل هذا المراسل وأمسك بجزمته وقذف بجوز الجزمة رئيس أو رئيس وزراء إسرائيل الذى احتل ويحتل أرضا عربية «لعلكم مازلتم تتذكرون أن فلسطين محتلة»، ويحاصر حتى التجويع والإبادة شعبا عربيا فى غزة، ويمارس نازية وعنصرية بشعة على الشعب الفلسطينى فى كل أرجاء الأرض المحتلة، رمى الصحفى أو المصور بجوز الجزمة على قاتل &Cced الأطفال فى قانا وكل مجزرة إسرائيلية ضد أطفال فلسطين الأبرياء، هل كان ساعتها سيخرج علينا إعلاميون ونقابيون وصحفيون وسياسيون يهللون لقذف بيريز أو أولمرت بالجزمة؟
إطلاقا   ولا يمكن ومن المستحيل، بل كان كلامهم سيتبدل ويختلف خوفا وذعرا من غضب الرئيس وانتقام الدولة وهجمات منافقى الرئيس وجحافل رجال المباحث فى شتى وسائل الإعلام التى كانت ستندد وتستنكر وترفض
ثم هذا المصور أو المراسل نفسه كان سيتعرض لصنوف من التعذيب والإهانة والمحاكمة السريعة التى ستذهب به إلى السجن مباشرة وسط زفة ترحيب وتنديد بمن يدافع عنه، ماذا لو فعلها صحفى أو مصور صحفى فلسطينى فى قاعة مؤتمرات تجمع الوزير الحقل أحمد أبو الغيط مع إيهود باراك أو ليفنى أو أولمرت إعلانا عن غضب وسعيا لانتقام الشعب الفلسطينى، هل كانت مصر ستصمت وتحيى وتبارك ووراءها  كما فعلت فيالق المهنئين والمباركين والمتعاملين مع جزمة بوش على اعتبارها معركة استرداد الكرامة؟
 


لكن المشهد مختلف لأن الذى حدث كان فى العراق وجرى مع الرئيس الأمريكى بوش وهو ما كان ليجرؤ عليه هذا المصور أو غيره لو فى مواجهة صدام حسين مثلا الذى كان سيضربه بالرصاص فى لحظتها، ولأن هذا المصور كما معظم الشعب العربى أجبن من أن يفعلها مع حاكم عربى لأنه مواطن متربى على عبادة رئيسه والركوع والسجود لحاكمه «حاول تفتكر ماذا جرى لمواطن مصرى فكر أن يقدم للرئيس ورقة بمطلب ما    مات برصاص حرسه» مشهد رمى جزمة فى وجه رئيس لم يكن ليحدث أبداً فى مؤتمر صحفى لأى حاكم عربى من المحيط إلى الخليج لأن هذه المؤتمرات تتم تحت حماية الأمن المشدد والأمن الرئاسى وكل من يتنفس من المدعوين والحاضرين فى هذه المؤتمرات مرصود أمنيا ومعروف اسم عم جدة بنت خالة مراته وتحت السيطرة السياسية والأمنية، ومن يشم الأمن رائحة مقلقة منه يُستَبْعدَ ويُمنَع فورا
ما كان لصحفى أو مصور تليفزيونى عربى أن يفعل هذه الفعلة وينجو   وما كان له أن يفعلها أصلا فى مواجهة حكام عرب قتلوا وسجنوا وعذبوا وأفلسوا شعوبهم ودنسوا أوطانهم
ومع ذلك فإن هذه الفعلة سواء جرت مع جورج بوش أو مع أى رئيس أو حاكم عربى أو حتى مع رئيس أو رئيس وزراء إسرائيل فهى عمل شائن وحقير ومرفوض ومنبوذ وعاجز وجبان أيضا
مرة أخرى حتى أؤكد ما قد تشك أو تشكك فيه، هذا هو رأيى  إلقاء جزمة على بوش أو على أى رئيس أو ملك عربى بل حتى على رئيس إسرائيلى صهيونى أمر منبوذ ومشين ومهين لأى عربى
أولاً  الصحفى فى مؤتمر صحفى أيا كانت أطراف هذا المؤتمر مهمته مهنية حرفية ملتزم باحترامها وتوقيرها وموقفه الحقيقى يعبر عنه فى سؤال صحفى سواء كان مؤيدا أو معارضا مستفزا أو باردا، يستجلى فيه الحقيقة ويكشف فيه الواقع، لكن أن يحضر مؤتمرا صحفيا ليضرب أيا من أطرافه فهذه قلة أدب، له أن يسأل فيقول إنك يا سيدى الرئيس ديكتاتور أو إنك يا مولانا الملك ملك مستبد أو حتى لص أو يسأل بوش مثلا عن كذبه الحقير على الرأى العام العالمى بوجود أسلحة دمار شامل فى العراق، لكن أن يتجاوز الصحفى أو المصور مهمته ويضرب أو يسب أو حتى يهتف فهذا إخلال بالمهنة وبكرامتها وآدابها «المدهش أن الذين يطالبون الصحفيين باحترام ميثاق الشرف الصحفى هللوا لهذه الفعلة التافهة كأنه فصام عقلى متفاقم لدى إعلاميين وسياسيين يستحقون الذهاب لطبيب نفسى»
ثانياً  لأن رمى حذاء فى وجه رئيس «أيا كان» عمل ينم عن عجز وعن طفولية وعن تفاهة، فالذى لا يستطيع أن يعبر برأيه وعن رأيه والذى لا يقدر على المواجهة بالمنطق والحجة والبرهان هو الذى يمد يده ليرفع حذاءه ضد خصمه أو يلكم محاوره أو يعتدى عليه
ثالثاً  إن الحوار إذا تحول بيننا وبين خصومنا أو أعدائنا إلى ضرب أحذية متبادل فى مؤتمرات صحفية فهذا يجعل الخلاف رخيصا جدا ويهبط بمستوى الصراع بين العرب وخصومهم إلى مستوى متدن، ولعلك تذكر حين كان كثير يكتفى فى معركته مع تل أبيب بأن يشتم نتنياهو ويطلق عليه لقب النتن ياهو أو يصف شارون بالخنزير، وبينما كنا نسعد ونرتاح ونعمل فيها رجالة بشتيمة هذا أو ذاك كان كلاهما وغيرهما يضربان وطننا وأرضنا وقضيتنا بالصرمة القديمة لكنها صرمة بالدبابات وبالمذابح وبالرصاص وليست شتيمة تلف تلف وترجع لصاحبها
رابعاً  لم يحدث فى أى حركة نضال شريفة ومقاومة نبيلة على مدى التاريخ العربى مثل هذه الأفعال الوضيعة، فلم نشهد سياسيا أو صحفيا من فتح أو حماس على خلافهما العميق يضرب وزيرا إسرائيليا فى مؤتمر عقب مفاوضات، أو صحفيا من حزب الله أو مصورا من محطة المنار يرفع صوته بشتائم أو يده بحذاء أمام وزيرة خارجية أمريكا بعد حرب وحشية وسافلة وفاشلة على حزب الله فى لبنان، ما هكذا أبدا يفعل المناضلون الشرفاء
خامساً  لم تعلمنا حضارتنا العربية أن نستقبل ضيوفنا ورسل أعدائنا أبدا بهذا السلوك المتدنى، فهذا الرئيس الأمريكى سواء كان عدوا يزور أو رسولا لعدو فله حق الضيافة والأمان حتى لو كان قاتلا أباك فأنت لم تلتق به فى ميدان قتال ولا فى لحظة حرب، بل هو فى مؤتمر صحفى حاصل على أمانك فالاقتراب منه بأذى نسف لكل فروسية أو تدين لأى عربى مسلم أو مسيحى
ثم ماذا أخذنا من هذا التصرف؟
للأسف هذا التصرف الخائب كشف شعبنا العربى الأكثر خيبة، شعب عاجز عن عمل أى موقف فعلى وفاعل محترم ومؤثر فيفرح كالطفل بضرب خصمه المستأمن، الفرح والشماتة التى أصابت معظمنا فى العالم العربى شىء كاشف عن أمة ضحكت من جهلها ومن جزمتها الأمم، فهل ارتحتم يا أخويا أنت وهو من ضرب بوش بالحذاء؟ خلاص اتكيفتم؟  هدأ بالكم وعملتم فيها فرسانا واستبدلتم حملة الأسهم والرماح والنبال بحملة الأحذية والنعال  وبتتشطروا على راجل واقف فى مؤتمر صحفى مش واخد باله أهذا أقصى ما تملكه الروح العربية الآن فى مواجهتها للسياسة الأمريكية؟    طيب الشعب الأمريكى استطاع أن يضرب بوش واليمين الأمريكى بحذاء حقيقى ومهم وقوى مؤثر حيث طردهم تقريبا فى انتخابات حرة شريفة نزيهة من على مقاعد حكم العالم، فهل تستطيعون أنتم تصفية حسابكم مع حكامكم بل وقاتليكم ومحتليكم بالسلاح الأنكى والأدهى والأقوى وهو الديمقراطية والحرية أم تتصرفون كالأطفال والعبيد العجزة؟
هل رمى الجزمة على بوش تعبير عن غضب العرب تجاه سياسته؟
كويس والله  طيب أين هذا الغضب، لماذا لا نراه فى أفعال مقاومة فى العراق اللهم إلا بعض اللحظات النادرة؟، فما نراه فى العراق فعلا من غضب هو غضب إرهابى يقتل العراقيين وليس جنود الأمريكان   غضب شيعى ضد السنة وغضب سنى ضد الشيعة وحرق مساجد وأضرحة للمذهبين وقتل مئات وآلاف من الفريقين ونسف وذبح وبشاعة لا تنتهى   أين مظاهر الغضب ضد بوش وسياسته غير جزمة الأخ المراسل العراقى مع هذا الحصار الإسرائيلى لغزة والاحتلال الصهيونى لفلسطين، أين غضبكم وأنتم تتركون شعبا يفنى ووطنا يضيع بل ورفقاء السلاح يتصارعون على فتات السلطة وكأن مساجين حماس وفتح يتعاركون على من يدير السجن   سجن الضفة وغزة الذى حبست فيه إسرائيل شعبا وبلدا؟
ثم يا جماعة يا بتوع الجزم إذا كانت جزمة الأخ المراسل قد أعجبتكم لأنها رد انتقامى على غزو أمريكا واحتلالها العراق فأحب أن أذكركم  لأن شكلكم فعلا نسيتم  بأن أمريكا ليست وحدها التى احتلت العراق، بوش بسياسته اليمينية التضليلية المجرمة غزا العراق لكن كان معه عملاء عراقيون وكذلك أنظمة عربية، تلك التى فتحت قواعد عسكرية لأمريكا فى أراضيها لضرب العراق وأخرى التى انطلقت من قواعدها الأمريكية طائرات وصواريخ ضرب العراق وتلك التى أمدت وعاونت وتعاونت، وهذا النظام الذى سمح للجيش الأمريكى بالطيران فى سمائه والسفر جوا وبحراً لضرب العراق وهذا النظام العربى الذى وقف متفرجا وتعاون متحمسا مع بوش لضرب العراق   كل هؤلاء الرؤساء والملوك والأمراء العرب شاركوا فى احتلال العراق فلماذا لا تضربونهم إذن يا بتوع الجزم بما ضربتم به بوش؟
ألم أقل لكم إنه الجبن والخوف؟
إن أمتنا العربية ليست فى حاجة إلى أحذيتنا بل فى أمس الحاجة إلى عقولنا التى هبطت لتسكن فى نعالنا 

اجمالي القراءات 12368

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   محمد البرقاوي     في   الجمعة ١٩ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[31359]

مقالة ذكرتني بحادثة تاريخية

السلام عليكم.


إن شدة انحطاط حادثة رمي الرئيس بوش بالحذاء جعلتني أحزن على أمة تدعي الإسلام و تحارب المصلحين لأنها تقدس تاريخها المجيد و تنساه في نفس الوقت و مع التعايش مع تلك الحادثة العجيبة تذكرت أحداثا أخرى من السيرة النبوية العطرة التي رأيتها في فيلم الرسالة عندما جاء أبو سفيان للمدينة حتى يقابل النبي محمدا عليه السلام ليعتذر عما فعله عكرمة و صفوان بالمسلمين الضعفاء، و لئن أعرض بعض الصحابة عن أبي سفيان إلا أنهم لم يقذفوه بالأحذية و لا بالبيض أو البصل و لو فعلوا ذلك لذكر التاريخ مثل ذلك و لصور المرحوم العقاد ذلك المشهد في فيلم الرسالة. بيت الفصيد هو أنه شتان بين من يدعي حب العروبة و بين العربي الأصيل. مدعي العروبة هو كل إنسان جاهل و مستكين يلجأ لأقذر الوسائل حتى يبرهن على وجوده و العربي الأصيل هو المحارب الشجاع في ساحة الوغى و هو نفسه ذلك الرجل الفصيح الذي يجادل عن قضاياه بالعقل و اللسان و لو كان منظر الزيدي صحافيا نبيلا لواجه بوش بما يليق من أسلحة الصحافيين المهرة و لكنه لجأ للتصرفات الصبيانية كما قال الأستاذ إبراهيم عيسى، و بالتالي احترم الرعاع ذلك الصحافي بينما احتقره المثقفون و قال الغرب أن ما فعله هو ديمقراطية.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-09-16
مقالات منشورة : 93
اجمالي القراءات : 1,059,230
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 88
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt