الإسلام السياسي ومعضلة الأصولية :
الإسلام السياسي ومعضلة الأصولية

د. شاكر النابلسي Ýí 2008-12-09


-1-كل عام وأنتم جميعاً بخير، وعيد مبارك.
هاشم صالح، المفكر والباحث السوري، المقيم في باريس، منذ سنوات طويلة، من أبرز المفكرين العرب التنويريين اليوم على الساحة العربية. وهو إلى جانب مؤلفاته وكتاباته المتفرقة، في الصحافة العربية، يقوم بدور تنويري مهم، ومؤثر.


لقد قلتُ في مقال سابق، أن هاشم صالح، يعتبر ابن رشد العصر الحديث، من حيث توليه ترجمة وشرح كُتب الفيلسوف الجزائري محمد أركون. فإذا كان ابن رشد هو شارح أرسطو، فإن هاشم صالح هو شارح محمد أ; أركون، الذي قام بثورة علمية كبيرة، فيما يتعلق بالدراسات الإسلامية والتراثية. ولولا جهود ومثابرة هاشم صالح، في تتبع خطى أركون، وتقديمه للقاريء العربي، لكان من الصعب على القارئ العربي، أن يقرأ أركون، سواء بالعربية، أو بالفرنسية، أو بأي لغة أخرى من اللغات التي يجيدها، ويكتب، ويحاضر بها أركون.
 
-2-كتاب هاشم صالح "معضلة الأصولية الإسلامية"، كتاب تنويري مهم، لم يكتبه هاشم صالح للخاصة – وهو أجمل ما فعل - كما يفعل معظم المفكرين، خاصة في المغرب العربي، الذين يفكرون بالفرنسية ويكتبون بالعربية، فتخرج لنا كتاباتهم عويصة غير مختمرة، وملتوية غير مستقيمة، وأعجمية بأحرف عربية، وهي كما سبق، وقال طه حسين، يصف الأدب الجديد، بأنه "يوناني لا يُقرأ".
وأهمية كتاب هاشم صالح هذا، تأتي - كما قلنا - أنه كُتب للعامة وليس للخاصة فقط. وتلك مهمة شاقة وعسيرة على هاشم صالح، وعلى كل من يحاول أن يخطو خطوات هاشم صالح. فمشكلة التنويريين اليوم، هي أنهم لا يصلون لسواد الناس ولا للحكام الذين هم – ثقافياً – من سواد الناس، وهم الهدف الرئيسي للتنوير، فكتاباتهم موجهة للنخب فقط. وهذه النخب لا مشكلة لنا معها. فهي لا تعيق تقدم الحداثة، وبناء المجتمع المدني، كما تعيقها العامة، والأكثرية من الناس. وعندما يكتب هاشم صالح كتاباً كهذا، ويبثّ فيه أفكاره التنويرية، وبأسلوب بسيط وسهل وسلس، فهو بذلك يقوم بعمل عظيم وشاق وقاسٍ في الوقت نفسه، لأنه يوجهه إلى أكبر عدد من القراء، وليس للنخب فقط، التي تعرف وتدرك مضامين كتاب كهذا. ولعل تصدي هاشم صالح لترجمة وشرح فكر محمد أركون بالأسلوب نفسه من البساطة والسلاسة، لكي تتسع دائرة قراء أركون، وتخترق عقول سواد الناس، أصحاب الدين الشعبي، هو الذي دفع هاشم صالح، إلى القيام بترجمة وشرح فكر أركون.
 
-3-هاشم صالح في كتابه "معضلة الأصولية الإسلامية"، يقدم لنا مجموعة من قراءاته لكُتب مفكرين عرب وفرنسيين في الأصولية الإسلامية، وإشكالياتها المختلفة.
ففي كتاب "الدين والسياسة في الساحة الإسلامية" للباحث التونسي، والأستاذ في جامعة ليون بفرنسا، محمد شريف فرجاني، يتطرق هاشم، إلى أهم ما في كتاب فرجاني، وهو ظاهرة العنف الديني. فيقول، أن القرآن الكريم، مثله مثل سائر النصوص الدينية والتأسيسية الكبرى، ذو موقف مزدوج من قضية العنف؛ بمعنى أنه يحتوي على آيات تُحلّل العنف (وهو عنف مشروط باستمرار) وآيات توصي بالسلم والابتعاد عن العنف. وسبب هذا – وهو المهم جداً، والذي علينا أن نفهمه جيداً – الظروف والوقائع التاريخية التي جاءت به هذه الآيات. ومن هنا، ننادي دائماً بأن ندرس الأديان من داخل التاريخ، وليس من فوق التاريخ، كما يفعل معظم الفقهاء القدامى والمعاصرين كذلك، وهو السبب الرئيسي لزيادة العنف الديني. ورغم ذلك فآيات السلام في القرآن الكريم (49 آية) أكثر من آيات العنف. وكما أن هناك آيات للعنف في القرآن الكريم، فهناك آيات عنف في الإنجيل أيضاً، ومنها ما يقال على لسان السيد المسيح عليه السلام: "لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً. جئت لأفرق بين المرء وأبيه، والبنت وأمها، فيكون أعداء الإنسان أهل بيته" (متي، 10: 34-36). والتاريخ المسيحي مليء بأعمال العنف الفظيعة بين المسيحيين أنفسهم، وبين المسيحيين وأعدائهم من الديانات الأخرى.
 
-4-يرى فرجاني أن الإسلام السياسي جاء – كما سبق للمسيحية ذلك - كرد فعل على الحداثة العلمية والفلسفية. وبالتالي، فلا خصوصية للإسلام بهذا. بل إنني – أنا شخصياً - اعتقد بأن الإسلام، كان سياسة قبل أن يكون ديناً وقد قلت هذا بوضوح، في عرضي لكتاب المفكر التونسي الراحل محمد الشرفي "الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي". والدليل التاريخي على ذلك، أنه قبل اكتمال الرسالة الإسلامية بسنوات طويلة، كان الرسول عليه السلام، قد أقام "دولة المدينة" بعد هجرته إليها مباشرة. وقد اشترك في هذه الدولة عدد من اليهود، وعدد من المشركين، إضافة للمسلمين المهاجرين والأنصار. وتشكيل هذه الدولة، يكاد يكون عصرياً مكتملاً،  وجاء على الوجه التالي:
1-   وزارة التربية والتعليم، وتشمل إدارات: تعليم القرآن، تعليم الكتابة والقراءة، الإفتاء، تعليم الفقه، والإمامة.
2-    وزارة الحج، وتشمل إدارات: السقاية، وإمارة الحج.
3- وزارة الخارجية، وتشمل إدارات: السفراء، والتراجمة.
4- وزارة الإعلام، وتشمل إدارات: الشعراء، والخطباء.
5- وزارة الدفاع، وتشمل إدارات: أمراء القتال وجنده (ما يعرف اليوم برئاسة الأركان)، كتّاب الجيش، فارضو العطاء (ما يعرف اليوم بالإدارة المالية)، العُرفاء من رؤساء الجند. الحرس النبوي، المستخلفون على المدينة (ما يعرف اليوم بالحرس الوطني)، مستنفرو الناس للقتال (ما يعرف اليوم بدائرة التعبئة العامة)، صـاحب السلاح (ما يعرف اليوم بالمستودعات العامة للجيش)، القائمون على متاع السفر (ما يعرف اليوم بدائرة النقل العسكري)، خاذلو الأعداء (ما يعرف اليوم بدائرة الاستخبارات العسكرية)، ومبشرو النصر (ما يعرف اليوم بدائرة التوجيه المعنوي والإعلام والمصدر المسئول أو الناطق الرسمي).
6- وزارة المالية، وتشمل إدارات: عمّال الجباية والخراج، عمّال الزكاة والصدقات، والخارصون (المقدرون لإنتاج الشجر من الثمر بالظن أو التقدير) للثمار (ما يعرف اليوم بدائرة ضريبة الدخل).
7- وزارة الداخلية، وتشمل إدارات: صاحب العسس (ما يعرف اليوم بمدير الأمن العام)، العين (ما يعرف اليوم بدائرة المباحث والاستخبارات)، السجّان (ما يعرف اليوم بمصلحة السجون)، المنادي (ما يعرف اليوم بدائرة الإعلام أو المصدر المسئول بوزارة الداخلية)، ومُقيم الحدود (ما يعرف اليوم بالجلاد أو السيّاف).
8- وزارة الصحة، وتشمل إدارة متولي التطبيب والعلاج.
9- وزارة الأوقاف، وتشمل إدارات: فارضو المواريث، فارضو النفقات، إمامة الصلاة، والآذان.
10- وأخيراً، الديوان النبوي، ويشمل إدارات: الكتابة، الترجمة، الخاتم، والحجابة (تعني بلغة اليوم التشريفات في الديوان  الملكي أو الجمهوري أو الأميري. والحاجب هو رئيس التشريفات. والتشريفات كلمة تركية تعني الاستقبال والتوديع).
 
-5-ولمزيد من المعلومات عن "دولة الرسول" عليه السلام في المدينة المنورة، يمكن الاطلاع على "تخريج الدلالات السمعية"، لأبي الحسن الخزاعي (1026-1103). والإطلاع على "نظام الحكومة النبوية" لعبد الحي الكتاني. وكذلك الاطلاع على "العَلْمانية ونهضتنا الحديثة"، لمحمد عمارة ص45، وما بعدها.
وهذا التنظيم السياسي والإداري والعسكري، لم يكن موجوداً كله، وبهذا التفصيل عند العرب قبل الإسلام. ولا بُدَّ أن النبي عليه السلام، قد استعان بخبراء غير عرب، وغير مسلمين، من البيزنطيين في الشـام، والساسانيين في العراق وغيرهم، لإقامة هذا الكيان السياسي والإداري في دولته الجديدة.
 
-6-وما فعله النبي عليه السلام، في أواخر حياتـه، من نشاط وإجراءات سياسيـة وإداريـة ومالية، كانت إجراءات وقرارات، لم يقم بها أي نبي أو رسول آخر، في تاريخ الأديان البشرية كلها، حيث اقتصرت مهمة الأنبياء والرسل من قبل، على الدعوة الدينيـة فقط، دون ممارسة أي سلطان سياسي أو إداري، كما فعل النبي محمد عليه السلام. وكان النبي عليه السلام بذلك، أول وآخر الأنبياء الذين جمعوا بين الدالين: دال الدين، ودال الدنيا. ويُستثنى من ذلك النبي داوود 1000-962 ق.م، الذي كان نبياً وملكاً، وكذلك ولده سليمان من بعده. وقد كان داوود ملكاً بأمر السماء، لقول القرآن ﴿ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق﴾ " صاد": 38).
 وكـان الإسلام بذلك، جامعاً أيضاً لهاتين الدالين: دال الدنيا، ودال الدين. وتلك حجة قوية في أيدي الجماعات الإسلامية والتيار الفكري الإسلامي، الداعي إلى إقامة الدولة الدينية، من خلال هذا التلاحم التراثي القوي بين الدين والدولة.  وهذه الحجة نفسها، هي التي دحضت بقوة دعوات فصل الدين عن الدولة، كدعوة علي عبد الرازق، وخالد محمد خالد – في بداية حياته، فصل بين الدين والدولة في كتابه "من هنا نبدأ" 1950، ولكنه عاد في عام 1981، وربط بين الدين والدولة، في كتابه "الدولة في الإسلام"  - ومحمد خلف الله، وغيرهـم. وجعلت بعض من قالوا بفصل الدين عن الدولة، يتراجعون عن مقولاتهـم.  وأصبحت دعوة العَلْمانية (فصل الدين عن الدولة وليس عن المجتمع) دعوة شاقة وعسيرة في العالم العربي. كما أصبحت مهمة العَلْمانيين في الفضاء العربي- الإسلامي، أكثر صعوبة من مهمة العَلْمانيين في الفضاء الغربي- المسيحي.
وما زال في الجعبة كلام.
السلام عليكم.
-1-كل عام وأنتم جميعاً بخير، وعيد مبارك.
هاشم صالح، المفكر والباحث السوري، المقيم في باريس، منذ سنوات طويلة، من أبرز المفكرين العرب التنويريين اليوم على الساحة العربية. وهو إلى جانب مؤلفاته وكتاباته المتفرقة، في الصحافة العربية، يقوم بدور تنويري مهم، ومؤثر.
لقد قلتُ في مقال سابق، أن هاشم صالح، يعتبر ابن رشد العصر الحديث، من حيث توليه ترجمة وشرح كُتب الفيلسوف الجزائري محمد أركون. فإذا كان ابن رشد هو شارح أرسطو، فإن هاشم صالح هو شارح محمد أركون، الذي قام بثورة علمية كبيرة، فيما يتعلق بالدراسات الإسلامية والتراثية. ولولا جهود ومثابرة هاشم صالح، في تتبع خطى أركون، وتقديمه للقاريء العربي، لكان من الصعب على القارئ العربي، أن يقرأ أركون، سواء بالعربية، أو بالفرنسية، أو بأي لغة أخرى من اللغات التي يجيدها، ويكتب، ويحاضر بها أركون.
 
-2-كتاب هاشم صالح "معضلة الأصولية الإسلامية"، كتاب تنويري مهم، لم يكتبه هاشم صالح للخاصة – وهو أجمل ما فعل - كما يفعل معظم المفكرين، خاصة في المغرب العربي، الذين يفكرون بالفرنسية ويكتبون بالعربية، فتخرج لنا كتاباتهم عويصة غير مختمرة، وملتوية غير مستقيمة، وأعجمية بأحرف عربية، وهي كما سبق، وقال طه حسين، يصف الأدب الجديد، بأنه "يوناني لا يُقرأ".
وأهمية كتاب هاشم صالح هذا، تأتي - كما قلنا - أنه كُتب للعامة وليس للخاصة فقط. وتلك مهمة شاقة وعسيرة على هاشم صالح، وعلى كل من يحاول أن يخطو خطوات هاشم صالح. فمشكلة التنويريين اليوم، هي أنهم لا يصلون لسواد الناس ولا للحكام الذين هم – ثقافياً – من سواد الناس، وهم الهدف الرئيسي للتنوير، فكتاباتهم موجهة للنخب فقط. وهذه النخب لا مشكلة لنا معها. فهي لا تعيق تقدم الحداثة، وبناء المجتمع المدني، كما تعيقها العامة، والأكثرية من الناس. وعندما يكتب هاشم صالح كتاباً كهذا، ويبثّ فيه أفكاره التنويرية، وبأسلوب بسيط وسهل وسلس، فهو بذلك يقوم بعمل عظيم وشاق وقاسٍ في الوقت نفسه، لأنه يوجهه إلى أكبر عدد من القراء، وليس للنخب فقط، التي تعرف وتدرك مضامين كتاب كهذا. ولعل تصدي هاشم صالح لترجمة وشرح فكر محمد أركون بالأسلوب نفسه من البساطة والسلاسة، لكي تتسع دائرة قراء أركون، وتخترق عقول سواد الناس، أصحاب الدين الشعبي، هو الذي دفع هاشم صالح، إلى القيام بترجمة وشرح فكر أركون.
 
-3-هاشم صالح في كتابه "معضلة الأصولية الإسلامية"، يقدم لنا مجموعة من قراءاته لكُتب مفكرين عرب وفرنسيين في الأصولية الإسلامية، وإشكالياتها المختلفة.
ففي كتاب "الدين والسياسة في الساحة الإسلامية" للباحث التونسي، والأستاذ في جامعة ليون بفرنسا، محمد شريف فرجاني، يتطرق هاشم، إلى أهم ما في كتاب فرجاني، وهو ظاهرة العنف الديني. فيقول، أن القرآن الكريم، مثله مثل سائر النصوص الدينية والتأسيسية الكبرى، ذو موقف مزدوج من قضية العنف؛ بمعنى أنه يحتوي على آيات تُحلّل العنف (وهو عنف مشروط باستمرار) وآيات توصي بالسلم والابتعاد عن العنف. وسبب هذا – وهو المهم جداً، والذي علينا أن نفهمه جيداً – الظروف والوقائع التاريخية التي جاءت به هذه الآيات. ومن هنا، ننادي دائماً بأن ندرس الأديان من داخل التاريخ، وليس من فوق التاريخ، كما يفعل معظم الفقهاء القدامى والمعاصرين كذلك، وهو السبب الرئيسي لزيادة العنف الديني. ورغم ذلك فآيات السلام في القرآن الكريم (49 آية) أكثر من آيات العنف. وكما أن هناك آيات للعنف في القرآن الكريم، فهناك آيات عنف في الإنجيل أيضاً، ومنها ما يقال على لسان السيد المسيح عليه السلام: "لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً. جئت لأفرق بين المرء وأبيه، والبنت وأمها، فيكون أعداء الإنسان أهل بيته" (متي، 10: 34-36). والتاريخ المسيحي مليء بأعمال العنف الفظيعة بين المسيحيين أنفسهم، وبين المسيحيين وأعدائهم من الديانات الأخرى.
 
-4-يرى فرجاني أن الإسلام السياسي جاء – كما سبق للمسيحية ذلك - كرد فعل على الحداثة العلمية والفلسفية. وبالتالي، فلا خصوصية للإسلام بهذا. بل إنني – أنا شخصياً - اعتقد بأن الإسلام، كان سياسة قبل أن يكون ديناً وقد قلت هذا بوضوح، في عرضي لكتاب المفكر التونسي الراحل محمد الشرفي "الإسلام والحرية: الالتباس التاريخي". والدليل التاريخي على ذلك، أنه قبل اكتمال الرسالة الإسلامية بسنوات طويلة، كان الرسول عليه السلام، قد أقام "دولة المدينة" بعد هجرته إليها مباشرة. وقد اشترك في هذه الدولة عدد من اليهود، وعدد من المشركين، إضافة للمسلمين المهاجرين والأنصار. وتشكيل هذه الدولة، يكاد يكون عصرياً مكتملاً،  وجاء على الوجه التالي:
1-   وزارة التربية والتعليم، وتشمل إدارات: تعليم القرآن، تعليم الكتابة والقراءة، الإفتاء، تعليم الفقه، والإمامة.
2-    وزارة الحج، وتشمل إدارات: السقاية، وإمارة الحج.
3- وزارة الخارجية، وتشمل إدارات: السفراء، والتراجمة.
4- وزارة الإعلام، وتشمل إدارات: الشعراء، والخطباء.
5- وزارة الدفاع، وتشمل إدارات: أمراء القتال وجنده (ما يعرف اليوم برئاسة الأركان)، كتّاب الجيش، فارضو العطاء (ما يعرف اليوم بالإدارة المالية)، العُرفاء من رؤساء الجند. الحرس النبوي، المستخلفون على المدينة (ما يعرف اليوم بالحرس الوطني)، مستنفرو الناس للقتال (ما يعرف اليوم بدائرة التعبئة العامة)، صـاحب السلاح (ما يعرف اليوم بالمستودعات العامة للجيش)، القائمون على متاع السفر (ما يعرف اليوم بدائرة النقل العسكري)، خاذلو الأعداء (ما يعرف اليوم بدائرة الاستخبارات العسكرية)، ومبشرو النصر (ما يعرف اليوم بدائرة التوجيه المعنوي والإعلام والمصدر المسئول أو الناطق الرسمي).
6- وزارة المالية، وتشمل إدارات: عمّال الجباية والخراج، عمّال الزكاة والصدقات، والخارصون (المقدرون لإنتاج الشجر من الثمر بالظن أو التقدير) للثمار (ما يعرف اليوم بدائرة ضريبة الدخل).
7- وزارة الداخلية، وتشمل إدارات: صاحب العسس (ما يعرف اليوم بمدير الأمن العام)، العين (ما يعرف اليوم بدائرة المباحث والاستخبارات)، السجّان (ما يعرف اليوم بمصلحة السجون)، المنادي (ما يعرف اليوم بدائرة الإعلام أو المصدر المسئول بوزارة الداخلية)، ومُقيم الحدود (ما يعرف اليوم بالجلاد أو السيّاف).
8- وزارة الصحة، وتشمل إدارة متولي التطبيب والعلاج.
9- وزارة الأوقاف، وتشمل إدارات: فارضو المواريث، فارضو النفقات، إمامة الصلاة، والآذان.
10- وأخيراً، الديوان النبوي، ويشمل إدارات: الكتابة، الترجمة، الخاتم، والحجابة (تعني بلغة اليوم التشريفات في الديوان  الملكي أو الجمهوري أو الأميري. والحاجب هو رئيس التشريفات. والتشريفات كلمة تركية تعني الاستقبال والتوديع).
 
-5-ولمزيد من المعلومات عن "دولة الرسول" عليه السلام في المدينة المنورة، يمكن الاطلاع على "تخريج الدلالات السمعية"، لأبي الحسن الخزاعي (1026-1103). والإطلاع على "نظام الحكومة النبوية" لعبد الحي الكتاني. وكذلك الاطلاع على "العَلْمانية ونهضتنا الحديثة"، لمحمد عمارة ص45، وما بعدها.
وهذا التنظيم السياسي والإداري والعسكري، لم يكن موجوداً كله، وبهذا التفصيل عند العرب قبل الإسلام. ولا بُدَّ أن النبي عليه السلام، قد استعان بخبراء غير عرب، وغير مسلمين، من البيزنطيين في الشـام، والساسانيين في العراق وغيرهم، لإقامة هذا الكيان السياسي والإداري في دولته الجديدة.
 
-6-وما فعله النبي عليه السلام، في أواخر حياتـه، من نشاط وإجراءات سياسيـة وإداريـة ومالية، كانت إجراءات وقرارات، لم يقم بها أي نبي أو رسول آخر، في تاريخ الأديان البشرية كلها، حيث اقتصرت مهمة الأنبياء والرسل من قبل، على الدعوة الدينيـة فقط، دون ممارسة أي سلطان سياسي أو إداري، كما فعل النبي محمد عليه السلام. وكان النبي عليه السلام بذلك، أول وآخر الأنبياء الذين جمعوا بين الدالين: دال الدين، ودال الدنيا. ويُستثنى من ذلك النبي داوود 1000-962 ق.م، الذي كان نبياً وملكاً، وكذلك ولده سليمان من بعده. وقد كان داوود ملكاً بأمر السماء، لقول القرآن ﴿ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق﴾ " صاد": 38).
 وكـان الإسلام بذلك، جامعاً أيضاً لهاتين الدالين: دال الدنيا، ودال الدين. وتلك حجة قوية في أيدي الجماعات الإسلامية والتيار الفكري الإسلامي، الداعي إلى إقامة الدولة الدينية، من خلال هذا التلاحم التراثي القوي بين الدين والدولة.  وهذه الحجة نفسها، هي التي دحضت بقوة دعوات فصل الدين عن الدولة، كدعوة علي عبد الرازق، وخالد محمد خالد – في بداية حياته، فصل بين الدين والدولة في كتابه "من هنا نبدأ" 1950، ولكنه عاد في عام 1981، وربط بين الدين والدولة، في كتابه "الدولة في الإسلام"  - ومحمد خلف الله، وغيرهـم. وجعلت بعض من قالوا بفصل الدين عن الدولة، يتراجعون عن مقولاتهـم.  وأصبحت دعوة العَلْمانية (فصل الدين عن الدولة وليس عن المجتمع) دعوة شاقة وعسيرة في العالم العربي. كما أصبحت مهمة العَلْمانيين في الفضاء العربي- الإسلامي، أكثر صعوبة من مهمة العَلْمانيين في الفضاء الغربي- المسيحي.
وما زال في الجعبة كلام.
السلام عليكم.

اجمالي القراءات 11101

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-16
مقالات منشورة : 334
اجمالي القراءات : 3,639,411
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 361
بلد الميلاد : الاردن
بلد الاقامة : الولايات المتحدة