آحمد صبحي منصور Ýí 2008-10-23
* حدث زلزال عام في مصر في ذي الحجة يوم 23 سنة 702هـ والمقريزي يرى أن ذلك الزلزال هو عقوبة على ما حدث في رمضان الذي قبله ، فقد انتصر المماليك على غازان والتتار في الشام وجاءت البشرى للقاهرة فأقيمت الأفراح والليالي الملاح وظهرت الخمور وتبرجت النساء وكان لابد من العقوبة .
يقول المقريزي " وفيها كانت الزلزلة العظيمة ، وذلك أنه حصل بالقاهرة ومصر في مدة نصب القلاع والزينة من الفساد في الحريم وشرب الخمور ما لايمكن وصفه من خامس شهر رمضان إلى أن قلعت ـ أى الزينة ـ في أواخر شوال ، فلما كان يوم الخميس يوم 23 ذي الحجة عند صلاة الصبح اهتزت الأرض كلها وسمع للحيطان قعقعة وللسقوف أصوات شديدة، وصار الماشي يميل والراكب يسقط حتى تخيل الناس أن السماء انطبقت على الأرض ، فخرجوا في الطرقات رجالاً ونساءاً، ومن شدة الخوف والفزع خرجت النساء مكشوفات الوجه ( لاحظ هنا أن النساء كن يلبسن النقاب ، ومع ذلك كان الفسق سائدا حتى فى رمضان ) ..واشتد الصراخ وعظم الضجيج والعويل وتساقطت الدور وتشققت الجدران وتهدمت مآذن الجوامع والمدارس، ووضع كثير من الحوامل ما في بطونهن ، وخرجت رياح عاصفة ففاض ماء النيل حتى ألقى المراكب التي كانت بالشاطئ ، وعاد الماء عنها فأصبحت على اليابس وتقطعت مراسيها ، واقتلع الريح المراكب السائرة في وسط الماء وحدفها على الشاطئ..!! )
* ونتابع المقريزى وهو يقول ( وضاعت للناس أموال كثيرة ، فقد خرجوا من بيوتهم مفزوعين وقد تركوا خلفهم بيوتهم بكل ما فيها وقد ذهلوا عن أموالهم، وسرعان ما دخلها اللصوص وسرقوها، وترك الناس القاهرة إلى خارجها ، ونصبوا الخيم من بولاق إلى الروضة وباتوا فيها. ولم تكد دار في القاهرة تسلم من الهدم أو الفوضى ، وسقطت المنشئات التي في أعلى البيوت، ولم تبق دار إلا وعلى بابها التراب والطوب، وبات الناس ليلة الجمعة بالجوامع والمساجد يدعون الله تعالى إلى وقت صلاة الجمعة .!! )
* وعن الزلزال خارج القاهرة يقول المقريزى : (وتواترت الأخبار من الغربية بسقوط جميع دور مدينة سخا حتى لم يبق بها جدار قائم وصارت كوماً ، وأن ضيعتين بالشرقية خربتا حتى صارتا كوماً ، وقدم الخبر من الآسكندرية بان المنارة انشقت وسقط من أعلاها نحو الأربعين شرفة ، وان البحر هاج وألقى الريح العاصف أمواجه حتى وصل باب البحر، وصعد بالمراكب الأورربية على البر ، وسقط جانب كبير من السور المقام على الشط ، ومات جمع كبير من الناس ).!! ( وقدم الخبر من الوجه القبلي بأن في اليوم المذكور هبت ريح سوداء مظلمة حتى لم ير أحدٌ أحداً لمدة ساعة ، ثم ماجت الأرض وتحركت وظهر من تحتها رمل أبيض وفي بعض المواضع رمل أحمر ، وكشط الريح مواضع بين الأرض فظهر من داخل الأرض عمائر قديمة ــ فرعونية ــ كانت الرمال قد أخفتها ، وخربت مدينة قوص .) ، وقدم الخبر من البحيرة أن دمنهور لم يبق بها بيت عامر !!
* وعن خسائر الزلزال فى العمائر المملوكية الشهيرة يقول المقريزى : ( وتركت الزلزلة آثارها المدمرة على المساجد المشهورة بمصر والقاهرة مثل جامع عمرو بن العاص ، فالتزم الأمير سلار النائب بعمارته ، وخربت أكثر سواري جامع الحاكم بالقاهرة وسقطت مئذنتاه فالتزم الأمير بيبرس الجاشنكير بعمارته ، وخرب الجامع الأزهر فالتزم الأمير سيلار بعمارته أيضاً وشاركه فيه الأمير سنقر الأعسر.وخرب جامع الصالح خارج باب زويلة فعمره السلطان من ديوان الخاص وتولى عمارته الأمير علم الدين سنجر، وخربت مئذنة المدرسة المنصورية فعمرت من إيراد الوقف عليها وقاد بترميمها الأمير سيف الدين كهرداس الزراق ،وسقطت مئذنة جامع الفكاهين ، وأمر السلطان بعمار ما تهدم من سور الأسكندرية .)
*وعانى أهل الشام من نفس الزلزال ، يقول المقريزى : ( وقدم البريد من صفد يخبر بأنه في يوم الزلزال سقط جانب كبير من قلعة صفد، وأن البحر من جهة عكا انحسر قدر فرسخين وانتقل عن موضعه إلى البر فظهر في موضع الماء أشياء كثيرة في قعر البحر من أصناف التجارة كانت غارقة. وتشققت جدر جامع الأموي في دمشق.)
* وعن طبيعة الزلزال والهزات التالية الناتجة عنه يقول المقريزى يعكس ثقافة عصره عن الزلازل : واستمرت الزلزلة خمس درجات ( بمقياس العصر المملوكي وليس بمقياس ريختر ) إلا أن الأرض أقامت عشرين يوماً ترجف ، وهلك تحت الردم خلائق لا تحصى ، وكان الزمان صيفا فتوالى بعد ذلك رياح شديدة الحرارة عدة أيام).
ويقول عما حدث بعد هدوء الأرض وسكوت الزلازل : ( واشتغل الناس بالقاهرة ومصر مدة طويلة في ترميم المباني وإعادة بنائها، وارتفعت أسعار مواد البناء لكثرة الطلب عليها لأن القاهرة أصبحت لمن يراها كأن جيشاً أغار عليها وخربها.
ثم يعود المقريزى ليؤكد الحجة المعروفة من ان الفسق والفجور والعصيان أسباب الزلزال ، لذا أقلع الناس ( مؤقتا ) عنها ، يقول المقريزي " فكان ذلك من لطف الله تعالى بعباده، فإنهم رجعوا عن بعض ما كانوا عليه من اللهو والفساد أيام الزينة ، وفيهم من أقلع عن ذلك لكثرة ما توارد من الأخبار من بلاد الفرنج وسائر الأقطار مما كان من هذه الزلزلة."
* وعلى هامش الزلزال ردد الناس قصصا قد تكون خيالية او صحيحة ، فأثناء ترميم الأمير بيبرس الجاشنكير للجامع الحاكمي بعد الزلزال وجدوا في ركن من المئذنة كف انسان مع ذراعه قد لف في قطن وعليه أسطر مكتوبة لم يعرف أحد قراءتها )، ( وحدث ان نبشوا دكان لبان كان قد تهدم فإذا أخشاب الدكان قد تصلبت على اللبان وهو حي وعنده جرة لبن ظل يتقوت منها عدة أيام، فأخرجوه حياً لم يمسسه سوء!!)( وفى مدينة قوص بالصعيد حدث أن رجلاً كان يحلب بقرة فارتفع ذلك الرجل في وقت الزلزلة وبيده المحلب وارتفعت معه البقرة حتى سكنت الزلزلة ثم انحط إلى مكانه من غيران يتبدد شيئ من اللبن الذي في المحلب ..)
* وفي القرون الوسطى كان التطرف سيد الموقف،إذا لاحت فرصة للإحتفال والزينة والإنحلال الخلقي تطرفوا في المعاصي، وإذا جاءتهم كارثة بعدها تطرفوا في الشعور بالذنب ، ثم إذا انتهت الكارثة عادوا إلى ما كانوا عليه من اللهو واللعب، وكان ذلك يحدث غالياً قبل كوارث المجاعات والأوبئة وبعدها.. وكم في تاريخ العصور الوسطى من محن وعبر ..!!
هذه المقالة التي أشكر الدكتور أحمد منصور عليها ،جاءت كقصة ،وترك للقارئ أن يختار من العبر التي علينا أن نستفيد منها ،وخاصة في قضايا شغلت الفكر الاسلامي واستغلها الفقه الاسلامي من اجل تعزيز مواقعه في أوساط الامة الغائبة كغيبة الامام المهدي ،أو غيبة من سيأتي لانقاذ البشرية على رأي السنة.
أخي عثمان ،نحن نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا ،نعيش في عصر الرياضيات اليقينية .وإذا كانت أمتنا بعيدة عن هذا العلم فهذا خطأها وذنبها .الآن العلم صارت لديه خرائط متعارف عليها وقد مسحت الكرة الارضية ،حيث أشارت تلك الخرائط الى الاماكن التي هي الأكثر نشاطا من حيث اهتزاز الآرض . ،وهناك الاماكن الأكثر اماناً وبينهما تقع أطياف الامكاكن المتفاوتة في الخطورة ،كل ذلك يخضع لقوانين علمية ،تدخلت فيها عوامل كثيرة ،منها تدخل الانسان في الطبيعة ومنه التجارب النووية ،وقبل كل ذلك في العهود القديمة ،فأن الهزات كانت تخضع لقوانين تغير قشرة الارض ،وغيرها .لكن لانستطيع أن لا نجزم ،بأن الله تعالى أيضاً قد يتدخل بهذا الاسلوب في أماكن معينة وهذه متروكة له ،لكن المتتبع للزلازل ،وضحيايا الزلازل فأنها لاتخضع لقانون عام ثابت ،يمكن أن تكون الضحايا من المؤمنين والفقراء أو العكس.وهذا الامر مثل المرض ...هل تستطيع فصل المرض من حيث هو ابتلاء ،او المرض بما قدمت أيدينا والذي كان بسبب اهمال الانسان .المهم أن لانسقط بالوهم ،ونحاول تفسير الاحداث الطبيعية كما جاءت كونها قوانين وسنن في هذه الحياة.
أكمل الان كتابة موضوع عن السيول والكوارث الطبيعية فى رؤية تاريخية أصولية ، كنت بدأت كتابته تاثرا بالسيول التى حدثت فى الجزائر وحكى عنها أخى الحبيب ابراهيم دادى الذى اشتقنا لكتاباته فى الموقع. وأقوم الان باستكمال ذلك المقال البحثى حيث سأناقش تفسيراتها من خلال القرآن الكريم ، وآمل أن تكون استجابة معقولة لأسئلة وجهها من قبل أخى الاستاذ أنيس صالح ، ثم اخى الاستاذ زهير قوطوش ود. عثمان.
والله جل وعلا هو المستعان.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5108 |
اجمالي القراءات | : | 56,616,387 |
تعليقات له | : | 5,441 |
تعليقات عليه | : | 14,813 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
حزن النبى محمد: الرسو ل محمد عليه السلا م كبشر كان يحزن ، فما...
شهادة حق ولكن .!: واحد صاحبى راجل محترم وطيب جدا وبعض الناس...
عدة المرأة : لم لم يشر القرآ ن الكري م لقضية عدة المرأ ة ...
girl friend: مسا النور دكتور "ما حكم علاقة المصا حبة boy...
الزواج من أمريكية: أريد الزوا ج من أمريك ية كانت لها علاقا ت ...
more
فى البداية أشكر استاذى ومعلمى الدكتور - منصور - على سلسلة مقالاته التاريخية القيمة عما حدث فى رمضانيات القرون الأولى من العهدالإسلامى للدول الإسلامية وعلى راسها مصرنا الحبيبة .. وقد جاء سيادته فى مقالته الآخيرة التى بين أيدينا بموضوع هام وخطير يستحق التفكير والتدبر ،آلا وهو (الكوارث الطبيعية) ،وهل هى سنن وقوانين كونية لازمة للحفاظ على ما بين السموات والأرض؟؟
أم هى عقوبات ربانية لأهل الأرض لبعدهم عن خالقهم المستحق للتقديس والتحميد وحده لا شريك له ؟؟
وفى الحقيقة ما زلت فى حيرة من أمرى فى هذا الموضوع ،فمن المعروف أنها (أى الكوارث الطبيعية ) كانت تنزل إهلاكاً للأمم السابقة لرفضهم الإيمان بالله الواحد الأحد ،وعصيانهم لأوامره وإيذاء رسله وقتل بعضهم على أيدى الظالمين الكفرة والمجرمين ...أما بعدالرسالة الخاتمة فقد إنقطعت الكوارث الطبيعية كعقاب مباشر ربانى لعباده أو لإهلاكهم بسبب رفضهم لعبادته وتقديسه سبحانه ،وربما يعود ذلك لنزول الرسالة مع الساعة فى وقت واحد حيث يقول ربنا سبحانه ( إقتربت الساعة وإنشق القمر ) ويقول سبحانه ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ....
.ولكن تبقى هناك إشارة قرآنية آخرى يفهم منها أنها (أى الكوارث الطبيعية ) هى نوع من العقاب والعذاب الربانى لأهل الدنيا لظلمهم حيث يقول ربنا سبحانه (وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد : 31])..وإذا كانت عذاباً أو قارعة تحل عليهم أو قريباً منهم ، فلماذا تتكرر فى آماكن بعينها ،مثل اليابان ، خليج المكسيك وما حوله من ولايات أمريكية ومكسيكية ،بعض دول أمريكا الوسطى ، وهكذا ،وهكذا ، فهل أولئك الناس هم العصاة فقط ؟؟؟ وهل هم العصاة أبداًً؟؟؟
الواقع المعاش يقول أن هناك دولاً الإسلامية ربما تكون أكثر عصياناً لربها وظلماً لأنفسها من غيرها ، فلماذا لا تتكرر فيها الكوارث بكثرة مثلما هو الحال فى بقاع معينة من الكرة الأرضية ؟؟؟
وفى النهاية أتمنى على أستاذنا الدكتور منصور ان يكتب لنا حول هذا الموضوع من وجهة النظر القرآنية ، وأن يكتب أحد اساتذتنا عنه من وجهة النظر الجيولوجية لنقف على جزء من حقيقته ...
ولكم الشكر ،ولسيادته التقدير على كتاباته العظيمة القيمة .