سيف الإسلام الشوكالا!
1-
لست أكره عبارة كعبارة، سيف الإسلام. وكأن الإسلام أصبح مسلخاً، تتسابق فيه السيوف لقطع الأعناق. وهو ما يعطي لأعداء الإسلام فرصة ذهبية نادرة، لكي ينعتوا الإسلام بدين السيف. ولكن يبدو أن أحبَّ الأسماء لدينا هو "سيف الإسلام". فلو حارب المسلمون قبل 14 قرناً بصواريخ "سكود" لأطلقوا على أحفادهم اسم "سكود الإسلام"، أو "توماهوك الإسلام" مثلاً.
-2-
سيف الإسلام القذافي شاب يافع يانع، بلون الشوكلاتة.
وسيف الإسلام القذافي، ظاهرة فريدة في تاريخ السياسة البشرية، وتاريخ السياسة العربية كذلك.
ولدٌ يُعارض أباه جهاراً نهاراً. وهو لا يكتفي بالمعارضة، بل يرمي حكم أبيه بأبشع النعوت السياسية، كقوله:
" أن البلاد تحتاج إلى إصلاحات لنظام الجماهيرية الذي وضع بإيعاز من الفلسفة السياسية للوالد".
وهذا يعني أن نظام الوالد معمر، فاسد، ومتآكل، وقريب الانهيار، ولا بُدَّ من إصلاحه.
وقوله أيضاً:
"نريد تجديد نظام الجماهيرية، ليصبح نظاماً مختلفاً عن النظام الحالي".
وهذا يعني بكل بساطة انقلاب على النظام القائم، واستبداله بنظام آخر مختلف.
ووالد سيف، ليس ككل الآباء. إنه أعتى وأذكى ديكتاتور عربي عرفه تاريخ الحكم العربي، بحيث استطاع أن يدوم حكمه ثلاثين عاماً، ويمكن أن يستمر ثلاثين عاماً أخرى في ظل العائلة المالكة القذّافيّة.
فما هي القصة. وما هي فصول هذه المسرحية السياسية الغريبة والعجيبة؟
-3-
لا أحد يجادل أو يشكّ أن سيف الإسلام هذا من العائلة المالكة القذافيّة؛ إي أنه وريث أبيه الطبيعي، كما كان بشار الأسد وريث أبيه الطبيعي، في العائلة المالكة العلوية.
ولا أحد يشكّ أو يجادل، في أن سيف الإسلام هذا، أحرص من أبيه على نظام الحكم القائم، وعلى استمرار حكم العائلة القذافيّة، التي اغتصبت الحكم عام 1969 من العائلة السنوسية. ولعل ما قامت به عائشة القذافي في سويسرا من غرز أظافرها في حلق السويسريين، دفاعاً عن أخيها هنيبعل المستهتر (أبن العز القذافي) لأكبر دليل على الشبق السياسي، وسطوة السلطة، والمفاخرة السياسية لدى هذه العائلة المالكة.
ولا أحد يشكّ أو يجادل، في أن سيف الإسلام هذا، علّمه أبوه بأن أفضل حكم للشعب الليبي هو الحكم القائم الآن، وأن أي إصلاح أو تغيير من شأنه أن يقوّض مُلك العائلة القذافيّة، التي يعتبر وريثها الشرعي هو سيف الإسلام، رضي أم لم يرضَ. وإلا من هو الوريث وأين نائب القذافي؟ كما أين نائب مبارك في مصر؟ وعلى عبد الله صالح في اليمن؟ والحبل على الجرار.
-4-
مسرحية سيف الإسلام مسرحية مضحكة مبكية. مسرحية فانتازيا (الإغراق في الخيال إلى حدود الغرابة).
فهي مسرحية مضحكة، من حيث أن الفتى سيف، يقوم بدور القاضي العادل، لأبيه ونظامه المتهمين بالفساد.
وهي مسرحية مضحكة، من حيث أن الفتى سيف، يريد أن يجعل من ليبيا أمثولة "لتطبيق إصلاحات لتجديد نظامها السياسي حتى يقف في وجه "غابة الدكتاتوريات" في المنطقة كما قال، داعياً إلى بناء رأسمال اجتماعي، وقضاء نزيه، وصحافة مستقلة، بملكيتها للشعب الليبي، وليست صحافة المرتزقة والفوضى". وقد نسي الفتى سيف، أنه لتحقيق ذلك، على العائلة المالكة القذافيّة، أن تتنازل أولاً عن عرش ليبيا، وتجري انتخابات نزيهة وديمقراطية، وتضع دستوراً جديداً، وتعفو عن المعارضة في الخارج، وتسمح لها بالعودة. وبدون ذلك فالمسرحية المضحكة ستظل تكرر عروضها المملة إلى ما شاء الله.
وهي مسرحية مضحكة، لأن الفتى سيف، اكتشف بعد ثلاثين عاماً من حكم ليبيا بالحديد، والنار، والشعوذة السياسية، والسحر القومي تارة، والسحر الديني تارة أخرى، أن ليبيا المحطمة، المنكوبة بالعائلة المالكة القذافيّة، تحتاج إلى إصلاح جذري.
فكيف يمكن الإصلاح أيها الفتى العزيز، وأنتم (العائلة المالكة القذافية) على رأس النظام؟
وهي مسرحية مضحكة، لأن الفتى سيف، يريد الإصلاح ويريد التغيير حيث أن – كما قال في خطبته – "البناء الجاري حاليا لدولة الإدارة العصرية، ابتداءً من حزمة مشروعات القوانين المعروضة، مروراً بالهيكلية الإدارية الجديدة، لا يمسّ النظام السياسي الجماهيري. فالجماهيرية وسلطة الشعب، كلنا نحافظ عليها".
والفتى سيف يعني هنا بالجماهيرية وسلطة الشعب، العائلة القذافية المالكة. فهذه العائلة كأي عائلة مالكة أخرى في العالم العربي، هي الوطن، وهي الشعب، وهي الدولة، وهي المال، وهي الحقيقة الوحيدة، وهي كل شيء.
-5-
وهذه المسرحية مبكية حقاً، لأن الفتى سيف، يلاعب أباه تنس الطاولة (البنج بونج) فهي يرمي لأبيه وأبوه يردُّ الكرة للفتى سيف، وهكذا. فهي لعبة سياسية بين الأب وابنه فقط، وباقي الشعب الليبي جمهور صامت، يتفرج فقط، دون أي رد فعل، سواء كان سلبياً أم ايجابياً، فعلى كلا الحالين يعتبر من يقوم بذلك خائناً ومجرماً بحق ثورة "الفاتح من سبتمبر". وهي ظاهرة جديدة في قاموس السياسة العربية، من حيث أن "المعارضة" هنا ليست شعبية وإنما فردية، وليست من خارج الحكم ولكن من داخله، وليست داعية إلى تغيير النظام ولكن إلى إصلاحه، ولا يقودها زعيم سياسي ولكن يقودها وريث شرعي للعرش الليبي. فقد انتشرت في العالم العربي "الملكية المُقنَّعة"، كما هو الحال في سوريا، وكما سيكون عليه الحال في مصر، واليمن، وليبيا قريباً
وهي مسرحية مبكية، من حيث أن لا أحد في ليبيا.. نقول لا أحد على الإطلاق، يجرؤ على قول ما قاله الفتى سيف من تصريحات، تؤدي بالقائل – ما عدا سيف - إلى ما وراء الشمس، في طرفة عين.
السلام عليكم.
اجمالي القراءات
10514