من الحشر إلى الحساب:
كلمات من على المنبر فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات

محمد صادق Ýí 2008-07-12


               كلمات من على المنبر فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات

لقد ساعدتنى الظروف على تجميع بعض خُطب صلاة الجمعة التى كانت تُقام فى قرية ليست ببعيدة عن القاهرة فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات وكانت الظروف فى هذه الفترة من أصعب الفترات التى مر بها هذا الباحث والمفكر الإسلامى والأخ العزيز الدكتور أحمد صبحى منصور. وقد قمت بتجميع هذه الخُطب بغرض الدراسة والتدبر وتطورت الفكرة فيما بعد – لما وجدت من عظيم الفائدة التى تعود على من يريÏIuml; التدبر فى ءآيات اللــه البينات – فقمت بتنسيق وإعادة صياغة هذه الخُطب فى شكل كتيبات ومرت السنين ولم أتمكن من طبعها ونشرها بالمجان لمن يريد البحث والتدبر. وبعد إلتحاقى بموقع أهل القرءآن قررت أن اشارك مع الأخوة الكرام فى هذا الموقع على ما قد تم تجميعه. وقد تم تجميع وتنسيق هذه الخطب، وقد إلتزمت على قدر الإمكان بنفس الألفاظ والتعبيرات كما جاءت فى الخطب على لسان الدكتور أحمد منصورحتى لا يتدخل مفهومى الشخصى على هذه الخطب، فكانت المحصلة عبارة عن كتابين:
الأول بعنوان: " من الحشر إلى الحساب وتخاصم أهل النار "
الثانى بعنوان: " لكل نبى عدو "
وعلى هذا سأقوم بنشرهما فى شكل مقالات مسلسلة حتى نهاية الكتاب ولنبدأ بالكتاب الأول إن شاء اللـــه تعالى.

                                      من الحشر إلى الحساب
                                                     و
                                              تخاصم أهل النار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ {1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ {2} سورة الحج
أشهد أن لا إله إلا اللــه ما لنا من دونه من ولى ولا شفيع ولا يشرك فى حكمه أحدا.

موقف الحشر
القرءآن تعرض لكلمة الحشر فى كثير من المواضع ففى سورة النمل:17
" وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" بمعنى جيئ بجنود سليمان من كل موضع وجُمعوا فى مكان واحد، فالحشر معناه التجميع من أماكن متفرقة ليتواجدوا فى مكان واحد، ذلك هو المعنى اللفظى لكلمة الحشر. ويقول سبحانه " والطير محشورة كل له أواب... "أى يأتى له الطير من كل مكان ويُجمع فى مكان واحد.
وفى قصة موسى عليه السلام فى سورة طه حين رأى فرعون العصا فى يد موسى إنقلبت إلى حية تسعى، نادى بأن يُحشر السحرة أو يُجمع كل السحرة من كل مدينة ويُجاؤا بهم إلى مدينة منف ويُحشروا فى وقت محدد فى يوم الزينة. يقول اللــه تعالى:
" موعدكم يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضحى..." وفرعون كان من عادته أن يجمع الناس ثم يصدر التصريحات والخطب، يقول تعالى: " فحشر ( أى جُمع اتباعه ) فنادى فقال " أنا ربكم الأعلى ".
إذن... معنى الحشر هو تجميع الناس من كل مكان ليتواجدوا فى مكان محدد وفى ميقات محدد، وهذا هو المعنى المقصود من حشر الناس يوم القيامة ليس فحسب، وإنما لكل المخلوقات على هذا الكوكب الأرضى، يقول عن الوحوش " وإذا الوحوش حُشرت "، ويقول بصفة العموم عن كل دابة فى الأرض:
" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام . كلهم أمم مثلنا تماما ويوم الحشر يحشرون أيضا أمام اللــه جل وعلا.. ثم بالنسبة للبشر بالذات يقول رب العزة " ويوم نسير الجبال " أى يوم القيامة تسير الجبال بمعنى تصير سرابا وتصير كالعهن المنفوش " ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " رب العزة حين يحشر الناس إنما يحشرهم جميعا ولا يترك منهم أحدا.

مظاهر الحشر ( التجميع والمسيرة )
التجميع من كل مكان: يقول رب العزة فى سورة الكهف " ونُفخ فى الصور فجمعنهم جمعا "، وفى سورة النبأ " يوم يُنفخ فى الصور فتأتون أفواجا " أى من مظاهر هذا التجميع من كل مقبرة ومن كل مكان تأتون جماعات وأفواجا. والقرءآن تعرض لمظاهر السير فى هذه المرحلة من التجميع فقال: "يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نُصبٍ يوفدون خشعا أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذى كانوا يوعدون " .. يخرجون من الأجداث سراعا تعنى يخرجون من القبور مسرعين حين يسرعون فإنهم يسرعون رغم أنوفهم، لكن رب العزة يصور حالهم بحالة نشهدها فى الدنيا حين يسرع الناس إلى مولد السيد البدوى مثلا من كل مكان، فمولد السيد البدوى نُصب ... ضريح يتوسط الدلتا... وإلى هذا الضريح يأتى الناس من كل فج عميق، بالظبط كشأننا يوم الحشر. نخرج من الأجداث كما نخرج اليوم من بيوتنا ونتجه إلى مكان محدد هو مكان العرض أمام اللــــه.

وقوله تعالى " وكأنهم إلى نصب يوفدون (أى يقصدون) خاشعة أبصارهم " الفارق هنا الذى يخرج إلى مولد الحسين أو البدوى أو .... الخ، يخرج مسرورا مرحا سعيدا أما فى الحشر فحين يخرج المشرك يخرج خاشعة أبصارهم ذليلا ترهقهم ذلة..لماذا؟ لأنه حين يحشر إنما يحشر رغم أنفه وإنما يأتى للحساب وهو ليس مستعدا له ولم يقدم له ما يشفع فى ذلك الموقف، فالشفاعة هى عمل... فلم يعمل عملا يشفع له فى هذا الموقف أو ينصره أمام اللــه. لذلك يعلم مصيره وما قدم فيأتى خاشعة بصره ترهقه الذلة، ذلك اليوم الذى كانوا يوعدون.
فى موضع آخر فى سورة القمر يقول سبحانه: " يوم يدع الداع الى شئ نُكر " اى ينكره الناس ويخشونه - " خشعا أبصارهم " – أى ذليلة أبصارهم – " يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر" الجراد حين يتكون فى جماعات وأفواج ينتقل من مكان إلى مكان، هذه هى الصورة التشبيهية لنا يوم القيامة. " مهطعين إلى الداع يقول الكافرين هذا يوم عسر " أنهم يسمعون الداع الذى ينفخ فى الصور ويستجيبو لدعائه رغم أنوفهم ويقولون ذلك يوم عسير.
فى موضع آخر يتحدث اللــه سبحانه عن إنشغال كل فرد بحاله فى هذه المسيرة وهذا الفرار يقول: فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ *وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * " سورة عبس 33-37
هذه الآية عامة تتحدث عن جميع البشر، مؤمنين وكافرين، أنبياء وظلمة. تقول الآية " يوم يفر المرء " أى فرد من الأنبياء وغيرهم، " يوم يفر المرء من أخيه ... " لقد قدم اللــه الأخ هنا على الأم والأب، لأن جرت العادة أن الإنسان يعايش أكثر من إبنه وأكثر مما يعايش أمه أو ابيه، فالأخ هو الذى يعايشك أطول فترة من العمر. فى ذلك اليوم تفر منه أولا ثم أمك وأبيك وصاحبتك أى زوجتك ثم أبناءك... " لكل منهم شأن يغنيه ".

فأولئك الذين يدعون الشفاعات فقد تكفهم هذه الآية، فكل نبى يفر من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأصدقائه، بل لا يستطيع الانسان الصديق الحميم ان يسأل صديقه الحميم، لماذا؟ ... " لكل إمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدى يومئذ ببنيه وصاحبيته وأخيه وفصيلته التى تُؤيه ومن فى الأرض جميعا ثم ينجيه ".
المجرم يتمنى لو يمتلك الدنيا كلها ليقدمه فداءا لهذا اليوم، بل يقدم أهله، أولاده أعز الناس إليه، زوجته وإخوته وعشيرته... يقدم ما يستطيع لو إستطاع ولكن " كلا إنها لظى ".
فى ذلك الحشر الشديد تختلف مظاهر الناس، المجرمون حين يحشرون يكون لهم منظرا بشعا، يكون عميا صما وبكما ويحشرون على وجوههم، عن ذلك الذى ضل فى الدنيا يقول تعالى:
" ... ونحشره يوم القيامة أعمى قال لما حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ".
وفى سورة الإسراء الآية 97 يقول تعالى:
" ... وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ..." أى حين يسيرون، يسيرون على وجوههم ولا بصر ولا نطق ولا سمع...

ووصفهم ربهم فى سورة الفرقان الآية 34 "الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا... ". بعد ذلك وجوههم ترهقها الذلة ويغشاها الكآبة، " وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {27} سورة يونس
". فى هذه المسيرة تلاحقهم الذلة ثم وجوههم بعد السواد تكون زرقاء " يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ".
هذه بعض المظاهر التى أوردها القرءآن عن حشر المشركين وبعض الناس الذين يقرءون هذا الكلام يظنون بأنفسهم الخير ويعتقدون أن هذه الآيات تخاطب أقواما آخرين، ونقول لهم،
لا ... طالما أنتم تعتقدون فى الشفاعات وطالما أنتم تقدسون الأموات وتحجون إلى المقابر والأضرحة فهذه الآيات تنطبق عليكم أولا فأنتم تكفرون بئايات اللــه وتكذبون اللــه وتتمسكون بالبهتان ...إذن الآيات تنطبق عليكم أول ما تنطبق.
ذكرنا مظاهر حشر الكفرة وكيف انهم يحشرون على وجوههم عميا صما بكما والزرقة تعلوا وجوههم، يبقى أن نتعرض لمظاهر حشر المؤمنين. المقابل أن يكون المؤمنين متمتعين بنور اللــه نور الهداية، طالما تمسكوا بهذا النور فى الدنيا، فيتحول هذا النور المعنوى فى الدنيا إلى نور حسى فى الآخرة..." وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ *" القيامة 21-25
".
إذن... مقابل الوجوه الناضرة للمؤمنين وقت الحشر وجوها أخرى باسرة خائفة مما يحدث لها،
" يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " المؤمنون إبيضت وجوههم فى الحشر أما الآخرون فقد إسودت وجوههم وعليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة، وفى قوله تعالى:
" لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " يونس 26
وفى سورة الحديد تتحدث عن ذلك النور الذى يتحرك بين أيدى المؤمنين فى الحشر...
"... يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " 12
وفى سورة التحريم الآية 8 يتكرر نفس المعنى: " ُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ..." ثم تنتهى مسيرة الحشر بتجميع أولئك الناس جميعا أمام اللـــه.

موقف العرض
رب العزة فى سورة الزمر يتحدث عن مظاهر اليوم الآخر بالتفصيل :
" وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * " 67-69
اشرقت الأرض بنور ربها تعنى جئنا هنا إلى ساحة الموقف العظيم أمام اللــه، جئنا هنا لنُعرض أمام اللــه جميعا، موقف الحشر ينتهى بموقف العرض فيقول تعالى " وعُرضوا على ربك صفا " أى كل البشر من آدم إلى آخر مولود شهد القيامة يُعرض أمام اللــه فى صف طويل، " وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ". بمعنى تعرض أجسادكم ومعها أعمالكم كل منا قد حمل عمله على كتفيه، كل منا يُثبت على رقبته كتاب أعماله.

فى موضع آخر يقول عن ذلك العرض بعد أن ينتهى التجميع فى مشهد الحشر يقول: " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " أى يجمع الناس جميعا فى ذلك اليوم ويشهد الناس جميعا ذلك اليوم.
ثم يعبر القرءآن بنفس المعنى عن كلمة العرض بكلمة " برزوا " أى ظهروا أمام اللــه فيقول...
" وبرزوا للــه جميعا " ، " يوم هم بارزون لا يخفى على اللــه منهم شئ ".
وفى سورة المرسلات " هذا يوم الفصل " أى يوم الحساب، " جمعناكم والأولين " أى جمعنا البشر جميعا، " إن كل من فى السمــوت والأرض إلا آتى الرحمــن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا " ما ترك اللــه أحدا، الكل سيحضر... الطفل الرضيع مع الشيخ والفقير مع الغنى ... أمام اللــه فى ذلك الموقف العظيم.
وحين تجمعوا دار بينهم همس فى هذا الصف الطويل للبشر، يقول رب العزة:
" يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا *" طه 102-104
بمعنى أن أحسن واحد فيهم يقول لبسنا يوما واحدا فقط، وفى نفس السورة يقول: " يومئذ يتبعون الداع لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمــن فلا تسمع إلا همسا ".

فالتخافت فى الصوت يكون همسا... حتى إذا جاء وقت الحساب لا يستطيع إنسانا أن يرفع صوتا أو أن يتحدث إلا حين يُنادى عليه لوقت حسابه يقول: " وعنت الوجوه " أى خضعت الوجوه " وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما ..."، " الرحمــن لا يملكون منه خطابا " أى لا يستطيع ولا يملك إنسان أن يحادث الرجمــن فى ذلك الموقف العظيم.
ضع هذه الآية بجانب الأحاديث التى تقول بالشفاعة وإسأل تُعطى وإذهب إلى فلان واسأل فلان... تصور ما جاء فى الأحاديث المنسوبة للرسول، وتخيل ما جاء فى قوله تعالى:
"ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * " سورة هود 103-105
" بمعنى أن الأنبياء من السعداء ولكن لا يستطيع نبى أن يبدأ بالكلام. لا تستطيع نفس أن تحادث اللــه حتى لو كانت نفس نبى " لا يملكون منه خطابا "إلا حين ينادى رب العزة على فلان فيأتى ويقف أمام اللــه خاشعا.

هذا هو الحق الذى جاء فى القرءآن الكريم أما أباطيلنا التى ستدخلنا جهنم والتى سنحشر بها على وجوهنا عميا وبكما وصما هى التى تقول غير ذلك والتى تجعل أن يوم القيامة يوم للشفاعات والمحسوبيات. يوم تجرى الناس إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم حتى نصل إلى محمد -عليه السلام- وإشفع تشفع واسأل تعطى وادخلوا الجنة بغير حساب. هذا هو هراء واكاذيب أضلت أسلافنا وتُضلنا حتى اليوم. يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه " الرحمــن لا يملكون منه خطابا " ، حتى الملائكة فيقول: " َوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا " . النبأ 38
لا يستطيع بشر أن يتكلم ولا أى ملك حتى ولو كان جبريل لأن الجميع خاشع للـــه وسيُحاسب.
أما نحن فقد حولنا هذا الموقف الرهيب إلى موقف خرافات وظننا أننا سندخل الجنة ولكن مصيرنا بذلك إلى الجحيم وبئس المصير.


** نكتفى بهذا الجزء من كتاب " من الحشر إلى الحساب " ويتبع فى المقالة القادمة إن شاء اللــه فى الجزء الثانى " الحساب وكتاب الأعمال"

اجمالي القراءات 16087

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الإثنين ١٤ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[24431]

شكر أخى الحبيب أستاذ محمد صادق .. وأقول :

بورك فيك أخى العزيز ، فلقد ذكرتنى بايام النضال والشباب ( 1981 : 1987 )حين كنا ننتقل من مسجد الى آخر ، من  مسجد فى قرية الى مسجد فى مدينة ، من الزمالك  الى مسجد آخر فى شارع أحمد عرابى ، وآخر فى المهندسين ، وكلها أرقى أحياء القاهرة ، ثم نرى انفسنا وقد انتقلنا الى مساجد فى أحياء شعبية فقيرة ، وقرى منعزلة ، ومن مسجد فى الاسكندرية ودمياط و طنطا الى مساجد فى الجيزة والصعيد ، لا يهم طالما كان يتيسر لنا مسجد أخطب فيه و نصلى فيه الجمعة معا ، ثم نفاجأ بمطاردة شياطين الدين السنى وراءنا يصدون عن سبيل الله ويبغونه عوجا ، ويحرضون الأمن ضدنا فان تكاسل الأمن حرضوا الأهالى ، فان سكت الأهالى أثاروا مشاكل حقيقية تلزم الأمن بالتدخل، وينتهى الأمر بطردنا.. كتبت بعض التفاصيل فى مقال ( التسامح الاسلامى بين مصر وأمريكا ).و( الاخوان وأهل القرآن ) ..


من حسن الحظ أنه كانت هناك اجهزة تسجيل مع بعض الأخوة القرآنيين ، يقومون بتسجيل الخطب حيث كنت أحرص على أن أتحدث فى موضوع جديد فى كل خطبة ..وكانت التسجيلات يتم توزيعها فتصل الى الآفاق .. والى أجهزة الأمن بطبيعة الحال..بعض هذه التسجيلات قام بتوزيعها بعض القرآنيين فى قرية قرب القااهرة فوصلت الى كندا .. والى يد الاخ الحبيب محمد صادق.. وهو الان يتفضل بعرضها بعد أن قام بتفريغها فى مقالات ينشرها تباعا فى الموقع .ـ.


أكرمك الله جل وعلا أخى الحبيب محمد صادق وجزاك خيرا ..


2   تعليق بواسطة   فتحي مرزوق     في   الخميس ١٥ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[32871]

بارك الله فيك استاذنا

بارك الله فيك استاذنا محمد صادق وفي الدكتور احمد صبحي ، أشكر لك تواضعك وحبك لكلمة القرآن وإعطاء كل ذي حق حقه .. ففي هذا الزمن البغيض لا يكتفي المنافقين والأفاقين بسرقة الأموال فقط بل تراهم يسطون على الأفكار وينسبونها لأنفسهم بكل بجاحة وتنطع .. استاذنا الكريم إنه لكرم منك إن استطعت أن تمدنا عن طريق موقع أهل القرآن بهذه الخطب حتى يتم عرضها على الموقع لكي يمكننا معايشة هذه الفترة والتي كان فيها أحمد صبحي خطيبا في المساجد .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-10-30
مقالات منشورة : 443
اجمالي القراءات : 6,998,908
تعليقات له : 699
تعليقات عليه : 1,402
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Canada