إرادة الإلحاد والكفر
إرادة الإلحاد والكفر.
مقالتي هذه مصداقيتها تكمن في كونها تمثل تجربة ذاتية ,عاشها كاتب المقالة ,وكل تجربة ذاتية لا يمكن أن تكون ملك صاحبها فقط ,بل هي ملك الجميع إذا تم الإعلان عنها ,كون التجارب الشخصية ,تشكل في النهاية عِبر ,تغني المضطلع عليها ,لتخلق في وعيه حالة من التساؤل والإسقاط ,فإما يستفيد منها ويتجاوز عن سلبياتها ,أو أنه يمر عليها مرور الكرام.
أ"rtl">أعود إلى العنوان الأساس. لمناقشة موضوع إرادة الإلحاد والكفر.وقد يتساءل البعض هل للإلحاد والكفر إرادة ؟؟.
أجيب بنعم ....والإرادة التي أعنيها في مقالتي هذه هي بمعنى الإصرار على الإلحاد والكفر.
ذلك أن الإيمان هو فطرة, فُطر عليها الإنسان من قِبل خالق الإنسان.ومكان هذه الفطرة في الجسد هو القلب والعقل.لأن الإنسان كما وصفه الفلاسفة هو كائن عاقل ,وكونه عاقل ,أي أن عقله يشكل في تركيبته مجموعة من الأفكار التي هي خارجة عن نطاق التجربة .لأن الإنسان بواسطة العقل عرف الله ( بدون تجارب مادية),وبواسطته كفر بالله وأشرك به معاذ الله .ولو تصورنا نهاية عمل العقل أو توقف المخ عن التفكير....كيف ستكون النتائج على البشرية؟؟؟؟
.سينتهي كل شيء..ستنتهي الأفكار,وستنتهي الأجساد ,وستنتهي الحضارات .والسبب أن الإنسان هذا المخلوق الناقص القوي والضعيف بآن واحد , ليس مبرمجاً كالحيوان لكنه يملك العقل المفكر.
نستنتج من ذلك ,
أن الإرادة الإنسانية ,هي نتاج مخ الإنسان أي عقل الإنسان. وقد أثبت العلماء من خلال التجارب ,أن في مخ الإنسان مناطق ,تعني كل منطقة بمجال مختلف عن الأخرى ,فمثلاً ,الصدغ الأيمن من المخ يُعنى بالفكر ,وقضايا الإيمان والكفر .(حسب علم الأديان العصبي)
ونحن البشر ,لا نستطيع معرفة الأخر الملحد أو الكافر إلا من خلال العلاقة معه ,والجدل معه.بعكس خالق العباد ,الذي يميز المؤمن عن الملحد كونه يعلم ما في القلوب .
فالكفر والإلحاد ,هما نتيجة إرادة مسبقة سيطرت على تفكير الإنسان باختياره, أي سيطرت على عقله وقلبه فأحدثت في مخه منطقة ظلامية لا تتأثر لا بالأدلة ولا البراهين ولا بالآيات الكونية والنفسية التي تدحض إرادته وأصراره على الإلحاد ...... هو مصر ,ويعز عليه أن يتراجع ,حتى ولو رأى الآيات المادية التي تثبت وجود الخالق ,ومع ذلك يبقى على إصراره وعناده .
من تجربتي الشخصية:
مرت حياتي الشخصية بثلاثة مراحل , الإيمان الطفولي ,ومن الإيمان الطفولي إلى الإلحاد ,ومن الإلحاد إلى الإيمان الواعي.
ما يهمني في هذه المقالة هي المرحلة من الإيمان إلى الإلحاد.(سأكتب بالتفصيل عن هذه المراحل قريباً إن شاء الله).
هذه المرحلة ,بدأت بالتمرد على رجال الدين والفكر الديني الذي كانوا يمثلونه.وكونهم أي رجال الدين وأنا في مرحلة الشباب ,كانوا في المنطقة التي كنت أعيش فيها حلفاء للسلطة الظالمة وللإقطاع ضد الفلاحين الفقراء والمساكين .كانوا يبررون ظلم الفلاحين بأنه قدرهم.يومها رفضت هذا المنطق ,واعتبرت أن الدين رجعي في تعاليمه ,ظالم في في عقيدته ,ولا يمكن أن يكون لهذا الكون إلهاً يُنزل مثل هكذا دين.
وبدأت رحلة الإلحاد ,وكنت كلما تعمقت في فلسفة الإلحاد ,ازداد تعنتي وعصبيتي للإلحاد ,وفعلاً تشكلت لدي إرادة وتصميم على رفض وجود أي خالق للكون ,وكنت أعتقد أن الكون خُلق بالصدفة ,وسوف ينتهي الإنسان كما كان من العدم إلى العدم ,وكل مسائل الآخرة والحساب والجنة والنار من اختراع البشر, اخترعوها ليبرروا استغلال الضعفاء والفقراء.
أصدقائي الذين كانوا متدينين ,لم يتخلوا عني ,كانوا يحاولون بشتى الوسائل في الاجتماعات والنقاش والجدل من خلال العمل السياسي والاجتماعي المشترك ,إعادتي إلى روضة الإيمان.كانت براهينهم بسيطة وبدائية ,لم تعتمد على ما توصلت إليه البشرية من معارف في هذا المجال ,ووضعيفة لعدم تعمقهم في فهم القرآن كما يجب.ومع ذلك كنت أشعر أن في منطقهم البدائي والبسيط ,نوراً من الحقيقة ,لكن إرادة الإلحاد كانت مسيطرة عليَّ تمنعني أن أتراجع.أصابتني حالة استعصاء.كنت أرفض أي حالة روحية مهما كانت .كنت مادياً في تفكيري بكل المقاييس وكفى.
وبعد أن عدت من الإلحاد إلى الإيمان ,بفضل الله عز وجل . صرت أسأل نفسي دائماً هذا السؤالً الذي حيرني .
لماذا سيطرت عليَّ إرادة الإلحاد ,مع أن البراهين على وجود الخالق تحيط بنا من كل جانب , في الكون وفي أنفسنا؟!!!!!تكفي تجاربنا الشخصية ,التجارب التي يمر فيها كل إنسان ,تجارب روحية إيمانية تلك التي ألهمت حتى العجوز الأمية إلى الإيمان ...فكيف وأنا المتعلم ,والمثقف ...سُدت أمامي منافذ النور الإلهية!!!!!!.
الآن وبعد عودتي إلى كتاب الله القرآن وتدبري آياته ,وقفت على حقيقة الأصرار على الكفر والإلحاد ,وما تحدثه في قلب الإنسان كما وصفها الله عز وجل في كتابه بقوله:.
هذه الآية بعد قراءتي لها وفهمي لمعانيها ,تأكدت بأن إرادة ألحادي كانت كلما كنت أمعنُ وأصرُ وأرفضُ وجود الخالق بعد كل جلسة نقاش أو جدل ,كان قلبي وكأنه قد تغطى بطبقة كثيفة من الآثام والذنوب التي كنت أعتز بها أثام وذنوب الإلحاد والكفر ,بحيث كانت تزداد في إحاطتها علىَّ لدرجة أنه صار قلبي معها آنذاك فعلاً أعمى لا يبصر نور الحق مطلقاً .... مهما كانت البراهين.
كنت أتفاخر بمقدرتي على رفض كل البراهين والحجج التي كانت تقدم إلي , لأصل معهم في نهاية النقاش إلى المقولة السوداء ,(من خلق االله)
الله عز وجل ...لا يرضى لأي عبد من عباده الوصول إلى هذه الحالة ,والبرهان على ذلك ,هو ما كنت أحس به بعد أن كنت أختلي إلى نفسي لأتحدث معها , كنت أعاني من صراع كبير ما بين الفطرة الإيمانية وإرادة الإلحاد ,وكأن نور الرحمان كان يحاول اختراق قلبي ليغسله من درن الإلحاد بتأثير الثقافة والمحيط الذي كنت أتعامل معه ثقافياً واجتماعياً .... إرادتي كانت عمياء إلى درجة أنها أصرت على عدم رؤية النور وتقبله.لتأتي المرحلة التالية التي أسميها حالة الاستعصاء والتي يقول الله عز وجل فيها.
هذه حقيقة ,يعرفها كل من مر بتجربة الكفر والإلحاد, كل من عاش الإصرار على الإلحاد والكفر ,لدرجة ...حتى صار معها عقله يرفض في مثل هذه الحالات رفضاً قاطعاً حتى مجرد استخدامه ليرى آيات الله من حوله ,ليصبح نتيجة ذلك قاسي القلب , بشكل لا يمكنه رؤية النور الإلهي الذي يحيطه,وكأنه قد خُتم عليه وأصبح أعمى البصر والبصيرة بكل معنى الكلمة .
ويقول عز من قائل.
حالة العمى هذه,جاءت كنتيجة على ختم القلب,وكنتيجة للغشاوة التي أسدلت على الأسماع والأبصار.وحتى لا تذهب بنا الظنون ,للقول ..كأنها حالة قدرها الله على بعض عباده وانتهى الأمر بهم إلى جهنم وبئس المصير.
أبداً ...الله يختم عند الأصرار الاختياري على الكفر والإلحاد ...لكنه يُبقي رحمته الواسعة مرافقة للملحد والكافر عسى ولعل أن يعود باختياره أيضاً ....أو وهذا المهم... لعلم عنده سبحانه وتعالى وحكمة يريدها ,قد يهيأ له أسباب الهداية فيهتدي ويعود إلى روضة الإيمان ....كما حصل معي والحمد لله.
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
وأختم مقالتي بقول الله تعالى
الآن ...وبعد تلك التجربة أستطيع أن أؤكد على الفرق الكبير,بين ما كنت أعانيه من ضيق وعذاب نفسي وضياع نتيجة الإصرار على الإلحاد ...كانت حياتي ورغم أنها مليئة بالنشاطات السياسية والاجتماعية ,إلا أنني كنت افتقد إلى راحة النفس وهدوئها ,كنت أفتقد إلى اللحظات الروحية ,التي ترتقي بالنفس الإنسانية لتتصل بنور الخالق ,الذي يعطيها الهدوء والسكينة التي لا توصف .ويربطها بغائية وهدفية أبدية ,تعطي للحياة الإنسانية معنى ,وتعطي لعمله الصالح في العالم الأخر قيمة تفوق قيمة المتعة الدنيوية أضعافاً مضاعفة.
اجمالي القراءات
23070
الاستاذ العزيز / زهير قوطرش السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته هذا المقال يعد مفاجاة لنا ولي على وجه الخصوص .. !! وليست المفاجأة في أنك مررت بهذه المرحلة الالحادية ... فكثير من العقول الدؤوبة والتي لا تهدأ في البحث عن الحقيقة وعن الحق والخير والعدل من خلال التراث الانساني وخصوصا الغربي الذي هو عنوان الحضارة والتسيد ..
لكن الدهشة والمفاجأة التي اعترتني لسبب آخر وهو أن من يمر بهذه المرحلة الالحادية ثم يريد الهداية ويتضرع الى الله تعالى ويبحث ويكد عن الحق والحقيقة والايمان الخالص لخالق الكون ورب العالمين . وتكون النتيجة الحتمية أن يهديه الله تعالى الى القرآن الكريم .. نورا مبينا يُبين له معالم الطريق طريق الحياة والوجود والهدف من وجوده على الارض ..
ويا سيدي الكريم لم تكن أنت الأول ولا الأخير في أن يمر بهذه التجربة القاسية المؤلمة والتي لا ينجو منا الا الصادقين .. ولعلك تعلم شيئا عن المفكر الاسلامي والعالم الطبيب المصري الدكتور / مصطفى محمود هذا الطبيب الذي عاصر في شبابه انتشار الشيوعية بالعالم العربي والاسلامي وحتى بالعالم الغربي .ونهل من منهل الشيوعية ومن منهل الثقافة الغربية وكان الصراع داخله عنيفا وطاغيا حتى أنه اعلن الالحاد وكان ذلك في وقته شيئ لم يكن بالمثير كثيرا لأن كثيرون من المثقفين المصريين والعرب كانوا يعانون الالحاد كرد فعل للفساد العقائدي والسياسي والاجتماعي بالمجتمعات العربية ..
لكن الغريب أن هذا الطبيب رجع ثانيا الى الدين والى الدين السني وإلى التصوف وربطهما بالعلم الحديث ومنجزاته وكانت له مئات الحلقات في برنامجه الشهير (العلم والإيمان)
فكان كالمستجير بالرمضاء من النار أستجار من الألحاد بالتصوف و أعتقد أنه على الحق ، و ألف كتابه الشهير ( رحلتي من الشك إلى اليقين )
و ظل سنين طويلة يبحث عن الحقيقة بين العلم العصري الذي درسه في الجامعة وتفاعل معه بقراءته المتعددة و أبحاثه و كتبه العديدة و حلقات برنامجه الكثيرة لمدة تزيد عن عشرين عاما ، ربط فيها بين العلم التجريبي وآيات القرآن مقرونة بالأحاديث و أقوال المتصوفة الفلاسفة ، ولكن ذلك لم يشفي غليله .يتبع