الحلقة الخامسة من (إنكار السّنة فى مقدمة صحيح مسلم )
اتهام الأعداء بالكذب ضمن صراع الأديان الأرضية بالاحاديث
الهجوم على القدرية و المعتزلة
أنبت عصر الخلفاء وعصر الأمويين أديانا أرضية منها الذى لا يزال باقيا وتعدد وتشعب كالتشيع و السنة ، ومنها ما ضاع معظمه وبقيت بعض ذيوله كالخوارج (بقى منهم الاباضية ) ومنهم من اندثر كالمرجئة .هذا بينما امتاز القدرية بالتفكير الحر دون الحاجة الى الكذب على الله تعالى ورسوله ودون إسناد آرائهم للنبى عليه السلام ، والقدرية هم أصحاب مذهب الارادة الحرة ومسئولية الانسان عن أفعاله دون تمسح بالقضاء و القدر. لذلك حظوا بكراهية أصحاب الأديان الأرضية خصوصا دين السنة المعبر عن أهل السيطرة والحكم الذين يستخدمون الدين فى تبرير ظلمهم واستبدادهم ، ولا يزالون يفعلون .
ونشأ المعتزلة من بين أحضان القدرية ، وحظوا مثلهم بكراهية أصحاب الحديث . ليس فقط واصل بن عطاء الذى اعتزل الحسن البصرى ولكن أيضا تلميذ واصل بن عطاء ، وهو عمرو ابن عبيد الذى حافظ على حياته واستقلاله الفكرى بالزهد فى الدنيا ، فى الوقت الذى تكالب فيه الفقهاء على الدولة العباسية يصنعون لها الأحاديث بقيادة الأعمش وغيره .
لقد وصفوا عمرو بن عبيد ب(الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة) ومع ذلك اتهموه فى الأحاديث التى لا يؤمن بها اصلا ،فقال عنه ابن المبارك (دعا إلى القدر فتركوه . ) وقال عنه حفص بن غياث( ما لقيت أزهد منه، وانتحل ما انتحل .) اى ان ذنبه عندهم هو قوله بالقدر أى مسئولية الانسان عن أفعاله دون التمسح بالقضاء و القدر والجبرية .
وبسبب استقلاليته وحبه للسلم وزهده فى الدنيا اكتسب عمرو بن عبيد احترام جبار بنى العباس أبى جعفر المنصور فمدحه محتقرا لفقهاء عصره المنافقين المتكالبين على عطاء السلطان. وننقل بعض ما أورده ابن الجوزى ( المؤرخ المحدث الحنبلى) فى تاريخ عمرو بن عبيد ، قال عنه : (عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان .. كان عمرو يسكن البصرة وجالس الحسن البصري ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة فقال بالقدر ودعا إليه واعتزل أصحاب الحسن وكان له سمت وإظهار زهد ...)
ويحكى ابن الجوزى رواية يتضح فيها أن ابا جعفر المنصور كان صاحبا لعمرو فى رحلة طلب العلم قبل ان تختلف بهما الأحوال ، وأن الخليفة الجبار الذى قتل و اغتال كل من يخشى منه على سلطانه عرف أن محمدا النفس الزكية الثائر على الدولة العباسية وقتها كان قد أرسل رسالة الى عمرو ، وهو يعرف أن عمرا لا شأن له بالصراع السياسى وهو يؤمن بعدم اللجوء للعنف ، لم يسترح ابو جعفر المنصور إلا بأن يتحقق بنفسه و يتكلم مع صديقه القديم الزاهد فى الدنيا ، وهكذا بعث له يستدعيه ،فأتى عمرو بن عبيد راكبا حماره ، ودخل به الى فسطاط الخليفة دون أن يأبه بأصول (البروتوكول ) مما أفزع رجال البلاط العباسى ، ثم إزداد فزعهم حين رأوا الاذن يأتى مسرعا لذلك الرجل رث الهيئة لكى يدخل قبلهم للقاء المنصور ، ثم كانت دهشة حاجب المنصور نفسه وهو يحكى كيف استعد المنصور للقاء عمرو ، وكان المهدى ولى العهد مع أبيه المنصور ، فأسرع المنصور بابنه وجلسا على حصير على الأرض ليبدو الأمر أكثر تواضعا وأكثر مناسبة لما يحبه عمرو ، وأخذ الخليفة يتحبب له بالقول ويدنو اليه ويسأله عن عياله فردا فردا رجلا وامرأة .. ونتابع القصة مع ابن الجوزى ( ....طلع عمرو بن عبيد على حمار فنزل عن حماره ونحى البساط برجله وجلس دونه ... ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودًا ثم انتقل هو و المهدي وكان على المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له فلما دخل عليه بالخلافة فرد عليه ومازال يدينه حتى أتكأه على فخذه وتحفى به، ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسميهم رجلًا رجلًا وامرأة امرأة، ثم قال: يا أبا عثمان عظني. فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " بسم الله الرحمن الرحيم {والفجر وليال عشر .. السورة .. )ثم قال للخليفة : ( إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد. قال: فبكى بكاءً شديدًا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا في تلك الساعة وقال: زدني. فقال: إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من قبلك ثم أفضى إليك وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة. قال: فبكى والله أشد من بكائه الأول حتى جف جفناه. فقال له سليمان ابن خالد: رفقًا بأمير المؤمنين قد أتعبته اليوم ، فقال له عمرو: بمثلك ضاع الأمر وانتشر ، لا أبالك ! وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله عز وجل ؟ فقال له أمير المؤمنين: يا أبا عثمان أعنّي بأصحابك أستعن بهم. قال: أظهر الحق يتبعك أهله. قال: بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن كتب إليك كتابًا. قال: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قال: فيم أجبته قال: أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا ؟( أى تأتى الينا ) إني لا أراه .قال: أجل ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي. قال: لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية. قال: أنت والله الصادق البر. ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك. قال: لا حاجة لي فيها. قال: والله لتأخذنها. قال: والله لا آخذها. فقال له المهدي: يحلف أمير المؤمنين وتحلف! فترك المهدي وأقبل على المنصور وقال: من هذا الفتى ؟ قال: هذا ابني محمد هو المهدي وولي العهد. قال: والله لقد أسميته اسمًا ما استحقه عمله، وألبسته لباسًا ما هو من لبس الأبرار، ولقد مهدت له أمرًا أمتع ما يكون به وأشغل ما يكون عنه. ثم التفت إلى المهدي وقال له: يا ابن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قال : يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال: نعم. قال: وما هي ؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك. قال: إذًا لا تأتيني. قال: عن حاجتي سألتني. قال: فاستحفظه الله وودعه ونهض ، فلما ولى أمده ببصره وهو يقول : كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ) ثم قال ابن الجوزى معلقا : ( تكلم العلماء في عمرو بن عبيد لأجل مذهبه في القدر وكذبه جماعة منهم في حديثه) أى اتهموه وكذبوه لأنه كان قدرى المذهب( المنتظم 8 / 58 : 61 )
هذا الرجل الذى ظلمه عصره ، كان الامام مسلم من اوائل من اتهمه وهاجمه ..
ومع أن معظم الاتهامات الموجهة لعمرو بن عبيد تشى بعدم اهتمامه بالحديث وتكذيبه له إلا إن بعضهم واصل الافتراء عليه بزعم أنه يكذب فى الحديث؛ يقول مسلم : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ .
ويكرر مسلم الاتهام فى رواية اخرى تضيف السب و الشتم : (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، قَالَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ، يَقُولُ قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا " قَالَ كَذَبَ وَاللَّهِ عَمْرٌو وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ . )
وهنا رواية تؤكد انهم كانوا يصرفون الناس عن الاجتماع بعمرو بن عبيد ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ فَقَالُوا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ . قَالَ حَمَّادٌ فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلَى السُّوقِ فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ وَسَأَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوبُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ . قَالَ حَمَّادٌ سَمَّاهُ . يَعْنِي عَمْرًا . قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ . قَالَ يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ .)
اتهام الخوارج
يقول مسلم : (حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ فَكَانَ يَقُولُ لَنَا لاَ تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الأَحْوَصِ وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا . قَالَ وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْىَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ .)
كان القصص مجال اختراع الحكايات والأقاويل ، وهى التى تم نسبتها و اسنادها للنبى فيما بعد وتأسست عليها أديان المسلمين الأرضية ، ما اندثر منها و ما بقى. ولقد تبارى دعاة كل دين وفرقة الى بث ونشر أفكارهم عن طريق القصص ، وبالتالى كانت ميدان حرب فكرية بين أصحاب الديانات المتنازعة ، ومن هنا نفهم تحذير رواة الدين السنى من بعض القصاص المنتمين الى دين الخوارج ، ومنهم هنا شقيق.
اتهام الشيعة
والشيعة بالذات كانوا ـ ولا يزالون ـ أشد الناس عداءا للدين السنى ، والحرب الفكرية بينهما عبر القصص و الأحاديث تستحق مجلدات ، وفى مقدمة مسلم بعض شظايا هذه الحرب.
يقول مسلم : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً، سَأَلَ جَابِرًا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فَقَالَ جَابِرٌ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ . قَالَ سُفْيَانُ وَكَذَبَ . فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ وَمَا أَرَادَ بِهَذَا فَقَالَ إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ فَلاَ نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ . يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي اخْرُجُوا مَعَ فُلاَنٍ . يَقُولُ جَابِرٌ فَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ وَكَذَبَ كَانَتْ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم ) الرافضة هم الشيعة .
يقول مسلم : (حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا . ) الأعمش كان من أكبر رواة الدين السنى فى عصر ابى جعفر المنصور ، وكان من أصحابه ، يخترع له الأقاويل وينسبها تارة للنبى محمد وتارة لابن عباس أو لبقية الصحابة. وهو هنا يسند قولا الى أحدهم يلعن الشيعة و يتهمهم بأنهم أفسدوا الأحاديث بعد موت الامام على بن أبى طالب.
وكان الشيعة مهرة فى تزييف الأحاديث ( الشيعية )و نسبتها لرواة من أهل السنة مما حدا بالأعمش الى اختراع هذا الحديث يلعن فيه أولئك الشيعة: ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا . ) وبسبب الروايات الشيعية الكثيرة التى تسللت الى الدين السنى فقد قام بعض محققى الدين السنى بفحص الأمر وأدلى بعضهم بفتوى رواها مسلم كأنها حديث ، يقول ( حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، - يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ - قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ، يَقُولُ لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ - رضى الله عنه - فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ إِلاَّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .)
وبعض الشيعة تنكر وجعل نفسه راويا سنيا داخل أهل السنة ، ثم اكتشفوا أمره حين زل لسانه وقام بلعن ابى بكر وعمر ، فأعلن ابن المبارك ـ أحد محققى الدين السنى فى العصر العباسى الأول ـ التحذير من الرواية عنه. يقول مسلم فى صيغة حديثية : (وَقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ .)
وتوالت اكتشافات مؤلمة لأصحاب الدين السنى ثبت فيها أن كثيرين من رواتهم شيعة متنكرون ، كان منهم جابر بن يزيد الجعفى ، الذى ثبت لديهم أنه كان يؤمن بالرجعة ، أى رجعة (على) أى عودته بعد موته وفقا لما قالته السبأية الأولى . يروى مسلم : ( حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ .).
وهناك حديث آخر يقول : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ، قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ، مَا أَظْهَرَ فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ وَمَا أَظْهَرَ قَالَ الإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ )أىعندما اتهموه فى ( دينه السنى ) تحاشاه الناس وتركوا الرواية عنه. وكانوا من قبل يروون عنه. وهناك رواية أخرى فيها يقول مسلم : (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، مَا أَحْدَثَ .) أى قبل أن يرتكب ما ارتكب.
وهناك شخص آخر ٍٍٍٍٍٍاسمه الحارث اكتشفوا امره ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ الْحَارِثَ، اتُّهِمَ ).وقد اتهموه بتهم خطيرة ، يقول مسلم : ( وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ قَالَ سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقُلْتُ الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ قَالَ نَعَمْ . شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ .) ويبدو أنه كان خطيرا إذ حاولوا قتله ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَالَ سَمِعَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، مِنَ الْحَارِثِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ اقْعُدْ بِالْبَابِ . قَالَ فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ - قَالَ - وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ فَذَهَبَ .).
ولا يزال الحارث بن حصيرة أهم رواة التراث السنى و الشيعى حتى الآن.
استخدام الغيب فى اتهام الآخرين بالكذب :
الاعجوبة هنا أن تتهم كذبا الآخرين بالكذب . وقد حقق السنيون الأوائل هذه الاعجوبة بأن افتروا أحاديث جعلوا فيها النبى يتنبأ بمجىء اناس فى المستقبل يكذبون فى الأحاديث ، وأنه لا بد من اجتنابهم . ومعلوم ان النبى محمدا عليه السلام لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث فى غيوب المستقبل والماضى وما كان معاصرا له . ولكنهم فى تناقضهم مع القرآن ارتكبوا الأعاجيب ومنها تلك الاعجوبة.
يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) هنا تكذيب وتحذير من الأفاكين ، وهو ينطبق عليهم قبل غيرهم ـ لو كان صحيحا ـ ولكن النبى محمدا عليه السلانم لا يعلم الغيب. .
يقول مسلم يكرر نفس الحديث السابق ويؤكده : (وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ " ) .
ثم يتطور الكذب فينسبون معرفة الغيب للصحابة ايضا ـ بعد وفاتهم ـ فينسبون حديثا لعبد الله (ابن مسعود ) هو من الأعاجيب المضحكة ،إذ جعلوا الشيطان يتجسد فى صورة شخص آدمى ليحدثهم بأحاديث كاذبة ، يقول مسلم ـ بدون خجل ـ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلاَ أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ .)
ونسبوا كذبة أخرى لعبد الله بن عمرو ابن العاص ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا .) فمن الذى أعلم ابن عمرو بن العاص أن سليمان سجن شياطين فى البحر، وأن موعد إطلاقها قد أوشك ، وأنها ستقرأ قرآنا ؟ وهل هو نفس القرآن أم قرآن آخر ؟ و لقد مرت على موت ابن عمرو قرون فهل لا زالت تلك الشياطين مسجونة لم يأت بعد أوان الافراج عنها ؟ وفى أى بحر هى مسجونة ؟ هل هو بحر قزوين أم البحر الأحمر أم البحر الأسود أم البحر الميت ؟ أم أنه قد تم إطلاق سراحها فآثرت السلامة؟؟.. هى خرافات تحظى بالتقديس ، أما إذا ناقشتها بالعقل أصبحت كمن يسخر منها ..
ونلتقى فى الحلقة السادسة بعونه جل وعلا.
اجمالي القراءات
19782
أستاذنا الفاضل د. أحمد حفظك الله من كل سوء
قبل أن يمن الله علي بالهداية إلى اتباع القرآن كانت تراودني أفكار كثيرة حينما كنت أقرأ كتب التراث
وأسأل نفسي : هل من المعقول أن يجعل الله الدين القويم في متاهات وآراء متناقضة ومتضاربة ومتشاكسة؟
وكنت أصاب بالرعب لما ترسب في نفسي من تقديس لهذه الآراء. وصرت أدعو الله تعالى أن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه وأن يريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه.
تحياتي