الحلقة الثامنة من ( إنكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم )

آحمد صبحي منصور Ýí 2008-02-08


الظروف التى كتب فيها مسلم مقدمته ومنهجه فى الكتابة :
أولا :

1 ـ الدولة العباسية كدولة دينية اعتمدت علي فقهائها ورواة الحديث التابعين لها في تعزيز سياستها ضد خصومها ، واذا قصّر احد الفقهاء في طاعة الدولة كان يتعرض للعقاب ، وهذا ما حدث مع مالك وابى حنيفة والشافعى ، ثم ابن حنبل فيما بعد.


الا ان الدولة العباسية فتحت ابواب الترجمة عن اليونانية والسيريانية والهندية وواكب ذلك عودة الحياة الي المدارس الفلسفية اليونانية القديمة . ومن الطبيعي ان ينفر الفقه&CcCcedil;ء المحافظون من هذا التيار الجديد المتأثر بالثقافة اليونانية الغربية وما يتمخض عنه من تكرار مقالات الفلسفة ،خصوصا مع ظهور المعتزلة الذين يقرأون الفلسفة ويقرأون التدين السائد قراءة عقلية، وبصورة تخالف القراءة المحافظة التقليدية .
وقد وقع الخليفة المأمون (813-833)في هوى ذلك التيار المعتزلى الجديد ، واقتنع بمقولة المعتزلة ان القرآن مخلوق، واستعظم ان يعارضهم الفقهاء المحافظون ،وكان يتزعمهم في عهده احمد بن حنبل فصمم علي فرض رأيه علي الدولة ،وبدأت بذلك محنة ابن حنبل لإجباره علي القول بأن القرآن مخلوق .وتحت الضغط والتهديد تراجع الفقهاء عدا ابن حنبل ومحمد بن نوح فوضعا في السجن تحت العذاب . ومات المأمون وقد اوصى ولي عهده المعتصم بالله بالاستمرار بالقضية ، فأمر المعتصم بتعذيب ابن حنبل سنة218،وظل ابن حنبل بالسجن الي ان افرج عنه في رمضان سنة 220هـ،واستمر اثر الضرب في جسده يتوجع منه الي ان مات سنة241 هـ.
2 ـ وادى ما حدث لابن حبل الي قطيعة بين الفقهاء المحافظين والعباسيين ،واستغل الفقهاءمكانتهم في الشارع ،واقد اصبح لقبهم الحنابلة ،وبدءوا في اثارة القلاقل ضد الدولة بحجة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،مما دعاالخليفة الواثق الي القبض علي زعيم الفقهاء الحنابلة ،وهو احمد بن نصر الخزاعي بحجة انه ينكر خلق القرآن ،وحقق الخليفة معه ثم قتله بيده ،وامر بصلب رأسه في موضع وصلب جسده في موضع آخر وكان ذلك سنة231. وفي غضون هذ الأحداث وضع الحنابلة حديث (من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وهذا اضعف الايمان )ليعطوا لانفسهم سلطة الحركة فى الشارع.
في هذه الفترة كان نفوذ المعتزلة سائدا في الدولة العباسية حيث كان الوزير المعتزلي محمد بن عبد الملك بن الزيات يسيطر علي الامور ،ويستهين بولي العهد وهو أخ الخليفة الواثق الذي تولي الخلافة فيما بعد تحت اسم الخليفة المتوكل .
3 ـ وعندما تولي المتوكل سنة 232/847م بادر بقتل ابن الزيات وتحسين علاقته بالفقهاء الحنابلة ،فاستقبل ابن حنبل وكرمه وارسل الحنابلة للتبشير بالسنة في الولايات ،فتحكم الحنابلة في الدولة وفي الشارع معا ، وبدأ اضطهاد أهل الكتاب والمعتزلة والشيعة والصوفية .
وفى هذا المناخ ظهر البخارى ومسلم وآخرون يجعلون أحاديثهم دينا بإسنادها للوحى المزعوم.
ثانيا
لم يستشهد الامام مسلم فى مقدمته بالقرآن الكريم ، بل استدل بأحاديث من داخل دينه السنى .أى وجّه خطابه لمن يقتنع به من أتباع الدين السنى لتحصينهم من التأثر بالخصوم من المعتزلة وغيرهم ، ولسحب البساط من تحت أقدام أولئك الخصوم ، فنراه يبادر باتهام بعض اصحابه بالكذب حتى يقطع الطريق على الخصوم قبل ان يبادروا بالهجوم ، وحتى ينحصر التكذيب لأشخاص من هنا ومن هناك دون أن يصل الى الدين السنى ذاته.
لو كان القرآن الكريم فى بؤرة شعوره لاحتكم الى القرآن الكريم ، ولو فعل لأنكر الحديث جملة وتفصيلا ، ولجعله ضمن التراث البشرى و ليس دينا كما زعم. أى كان سيبدأ بالقرآن الكريم يرد به على اصحاب الحديث ثم ياتى بروايات المحدثين التى تنضح بالكذب والتى تتبادل مع بعضها الاتهام بالكذب ، ليستدل على فساد هذا الدين الأرضى بالقرآن و باقاويل أصحابه.
ثالثا
هناك حقائق قرآنية ـ لا يجادل فيها إلا الذين كفروا ـ :( غافر:4) أغفلها الامام مسلم ، وهى :
1 ـ لا إله إلا الله ولا كتاب للمسلم إلا القرآن كتاب الله..
يقول الله تعالى فى ذاته العلية ﴿مالهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا. واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا﴾.(الكهف 26:27) فالله وحده هو الولى الذى لا يشرك فى حكمه أحدا ،والقرآن هو وحده الكتاب الذى أوحى للنبى ولا مبدل لكلماته ولن يجد النبى غير القرآن كتاباً يلجأ إليه..والنبى لا يلجأ إلا لله تعالى رباً وإلهاً ﴿قل إنى لن يجيرنى من الله أحداً ولن أجد من دونه ملتحدا﴾ (الجن 22).والنبى أيضاً ليس لديه إلا القرآن ملتحداً وملجأ ﴿واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا﴾
هذا بالنسبة للنبى عليه السلام.. فكيف بنا نحن؟.
2- المؤمن يكتفى بالله تعالى رباً ويكتفى بالقرآن كتاباً
عن اكتفاء المؤمن بالله تعالى رباً يقول تعالى ﴿أليس الله بكاف عبده؟﴾ (الزمر 36) ولابد للمؤمن أن يكتفى به تعالى رباً ﴿قل أغير الله أبغى رباً وهو رب كل شىء؟﴾.(الأنعام 164)
والمؤمن طالما يكتفى بالله تعالى رباً فهو أيضاً يكتفى بكتاب الله: ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟﴾ (العنكبوت 51).
3- القرآن هو الحق الذى لا ريب فيه، وما عداه ظن ولا ينبغى اتباع الظن..
يقول تعالى عن القرآن ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ (البقرة 2).
فالقرآن لا مجال فيه للريب أو الشك، وحقائق القرآن مطلقة، وما عداه من كتب يعترف أصحابها بأن الحق فيها نسبى أى يحتمل الصدق والكذب.. وما يحتمل الصدق والكذب يدخل فى دائرة الظن..
ودين الله الحق لا يقوم إلا على الحق اليقينى الذى لا ريب فيه حتى لا تكون للبشر حجة على الله يوم القيامة. لذا ضمن الله حفظ كتابه من كل عبث أو تحريف ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (الحجر 9). ﴿وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ (فصلت 41: 42).
أما أديان البشر الوضعية فالمجال واسع فيها للظن والريب..
لذا يأمرنا جل وعلا باتباع الحق الذى لا ريب فيه والإعراض عن المعتقدات التى تقوم على الظن، يقول تعالى فى الاعتقاد القائم على الظن ﴿وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون﴾ (يونس 66). ولكن المشكلة أن الغالبية العظمى من البشر ينبذون الحق ويتبعون الظن، يقول تعالى يخاطب النبى الكريم ﴿وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون﴾ (الأنعام 116).
وعلماء الحديث يؤكدون أن الأغلبية العظمى من الأحاديث المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) هى أحاديث آحاد ويؤكدون أنها تفيد الظن ولا تفيد اليقين..ومع ذلك يأمرنا بعضهم باتباع الظن مع أن الظن لا يغنى من الحق شيئا..
ويلفت النظر أن الله تعالى وصف ذاته العلية بأنه الحق، ﴿فذلك الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟﴾ (يونس 32).﴿ذلك بأن الله هو الحق وإن ما يدعون من دونه الباطل﴾ (لقمان 30). ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق، ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾ (الإسراء 105). ووصف القرآن نفسه بأنه الحق ﴿والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق﴾ (فاطر 31). ﴿إن هذا لهو القصص الحق﴾ (آل عمران 62). ..
بل إن الله تعالى يصف الحق القرآنى بأنه الحق اليقينى المطلق، يقول تعالى ﴿إن هذا لهو حق اليقين﴾ (الواقعة 95).﴿وإنه لحق اليقين﴾ (الحاقة 51).وجاءت الصيغة بالتأكيد..
فإذا كان الله قد أكرمنا بالحق اليقينى فكيف نأخذ معه أقاويل ظنية.. مع أنه لا مجال فى الدين الحق للظن؟؟
4 ـ القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغى الإيمان به:
أكد رب العزة أن الإيمان لا يكون إلا بحديثه تعالى فى القرآن الكريم فقال فى آخر سورة المرسلات ﴿فبأى حديث بعده يؤمنون؟﴾ (المرسلات 50).وتكرر نفس المعنى فى سورة (الأعراف 185).
بل إن الله تعالى يجعل من الإيمان بحديث القرآن وحده مقترناً بالإيمان به تعالى وحده، فكما لا إيمان إلا بحديث القرآن وحده فكذلك لا إيمان إلا بالله وحده إلهاً.. وجاءت تلك المعانى فى قوله تعالى ﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون. ويل لكل أفاك أثيم. يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم﴾ (الجاثية 6: 8).
وذلك الذى يعرض عن آيات الله شأنه أنه يتمسك بأحاديث أخرى غير القرآن سماها القرآن ﴿لهو الحديث﴾ يقول تعالى ﴿ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم﴾ (لقمان 6: 7). وحين يقول رب العزة ﴿ومن الناس﴾ فإنه تعالى يقرر حقيقة تنطبق على كل مجتمع بشرى فيه ناس فى أى زمان ومكان..
5 ـ الوحى المكتوب الذى نزل على الرسول هو سور وآيات فى القرآن فقط
تحدى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة مثل القرآن ﴿وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ (البقرة 23).﴿أم يقولون افتراه؟ قل فأتوا بعشر سور مثله﴾ (يونس 38). والشاهد هنا أن الذى نزله الله تعالى على رسوله الكريم هو سور، وليست هناك سور إلا فى القرآن. إذن فالقرآن هو الوحى الوحيد المكتوب الذى نزل على الرسول عليه السلام .
6 - البشر مطالبون يوم القيامة بما نزل على الرسل من آيات الوحى فقط
يوم القيامة سيقول تعالى ﴿يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟﴾ (الأنعام 130) فالرسل كانوا يقصون آيات الله التى أنزلها عليهم..
ويقول تعالى فى أصحاب النار ﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم..﴾ (الزمر 71). أى كان الرسل يتلون آيات الله. ومن أعرض عنها دخل النار وحشره ربه أعمى.. ﴿قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه..﴾ (طه 125: 127..).
إذن نحن مطالبون بالإيمان بالآيات التى نزلت على النبى، وليست هناك آيات من الوحى خارج القرآن الكريم.. إذن هو القرآن الكريم وكفى...
7- لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله تعالى:
يقول تعالى عن ذاته العلية ﴿ليس كمثله شىء وهو السميع البصير﴾ (الشورى 11). ويقول تعالى عن كتابه الحكيم ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله﴾ (الإسراء 88).. إذن لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله..
وكما أن الله تعالى أحد فى ذاته وصفاته ولا يشبهه أحد من المخلوقات ﴿قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد﴾ (الإخلاص 1: 4) فإنه ليس فى استطاعة المخلوقات أن تأتى بسورة واحدة مثل السورة القرآنية ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾ (البقرة 23). ﴿فأتوا بسورة مثله﴾ (يونس 38).
ليس هناك مثيل للقرآن، وليس هناك مثيل لأى سورة من سور القرآن..
ومع ذلك يقولون أن الله أوحى للنبى القرآن ﴿ومثله معه﴾ فإين ذلك المثيل إذا كان الله تعالى قد نفى وجوده؟
8 - بيان القرآن فى داخل القرآن، القرآن كتاب مبين فى ذاته:
يقول تعالى ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم﴾ (البقرة 159).
كتاب الله هو الكتاب المبين بذاته، وآياته موصوفة بالبينات أى التى لا تحتاج فى تبيينها إلا لمجرد القراءة والتلاوة والتفكر والتدبر فيها. والذى جعل الكتاب مبيناً وجعل آياته بينات هو رب العزة القائل ﴿بعد ما بيناه للناس فى الكتاب﴾ والقائل عن كتابه ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ (القمر 22). ﴿فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا﴾ (مريم 97). ﴿فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون﴾ (الدخان 58).
وكل المطلوب منا أن نتلوا القرآن وإذا تلوناه نطقت آياته البينات بنفسها والتى لا تحتاج منا إلا لمجرد النطق وعدم الكتمان. لذا فإن الله تعالى يجعل الكتمان- كتمان الآيات- هو عكس التبيين لذا فإن الله تعالى يهدد من يكتم آيات الله البينات التى بينها فى كتابه ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله..﴾
ويقول تعالى عن أهل الكتاب ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ (آل عمران 187). فشرح تعالى تبيين البشر للكتاب بأنه عدم كتمانه، أى تلاوته وقراءته، ومتى تلونا الكتاب المبين نطقت آياته البينات لمن يريد تدبرها .
والآيات التى تتحدث عن بيان القرآن ووصفه بالكتاب المبين والبينات أكثر من أن تستقصى ومع ذلك فإن منا من يعتقد أن كتاب الله غامض مبهم يحتاج إلى من يفسره.. هذا مع أن الله تعالى يقول عن كتابه ﴿ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا﴾ (الفرقان 33). فأحسن تفسير للقرآن هو فى داخل القرآن.
وابن كثير يعترف فى بداية تفسيره أن أحسن التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن..
9- القرآن ما فرط فى شىء ونزل تبياناً لكل شىء يحتاج البيان وجاء مفصلاً لكل شىء يحتاج التفصيل :
يقول تعالى ﴿ما فرطنا فى الكتاب من شىء﴾ (الأنعام 38).ويقول تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء﴾ (النحل 89).ويقول تعالى ﴿ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء﴾.(يوسف 111)
والمؤمن بالقرآن لا يبادر باتهام كتاب الله بأنه فرط وجاء غامضاً يحتاج لما يبينه وجاء مجملاً يحتاج لمن يفصله..
والمؤمن بالقرآن يؤمن بأن الله تعالى صادق فيما يخبر به من أن القرآن ما فرط فى شىء وأنه نزل تبياناً لكل شىء وتفصيلاً لكل شىء.
وحتى لا تتلاعب به أهواء السوء لتقول له وأين كذا وكذا فى القرآن عليه أن يتفهم منطق القرآن قبل أن يبادر بالاتهام..
يقول تعالى ﴿ما فرطنا فى الكتاب من شىء﴾ والتفريط هو إغفال الشىء الضرورى الهام وتركه، ونحن مثلاً لا نواجه مشكلة فى عدد ركعات الصلاة ولا فى كيفيتها. والله تعالى ـ وهو الأعلم بالماضى والحاضر والمستقبل- لو عرفنا أننا سنواجه مشاكل فى موضوع الصلاة لأوضح لنا عددها وكيفيتها ومواقيتها بالتحديد.. ولكنه تعالى أنزل القرآن يوضح ما نحتاج إليه فعلاً فى الحاضر وفى المستقبل وأنزل القرآن بالحق والميزان ﴿الله الذى أنزل الكتاب بالحق والميزان﴾ (الشورى 17). فلا مجال فيه لزيادة أو تزيّد لسنا فى حاجة إليه، ولو نزل القرآن يحكى لنا تفصيل الصلاة ونحن نعرفها ونمارسها منذ الصغر لكان فى ذلك شىء من الهزل، ولا مجال للهزل فى كتاب الله ﴿والسماء ذات الرجع. والأرض ذات الصدع. إنه لقول فصل. وما هو بالهزل﴾ (الطارق 11: 14).
لذا فالقرآن ما فرط فى شىء نحتاج إليه.
ويقول تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء﴾ والتبيان هو التوضيح لما يستلزم البيان والتوضيح . والشىء الواضح بذاته لا يحتاج لما يبينه ويوضحه وإلا كان فضولاً فى الكلام وثرثرة لا حاجة إليها..
والله سبحانه وتعالى أنزل كتابه محكماً لا مجال فيه للغو والتزيد لذا كان البيان فيه لما يتطلب البيان، وكل شىء يستلزم البيان والتوضيح جاء فى القرآن بيانه وتوضيحه. وما ليس محتاجاً لبيان فلا مجال فيه للتفصيل والبيان فى كتاب فُصّلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير.
لذا يرتبط "البيان فى القرآن" بالهدى والرحمة والبشرى للمسلمين ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾ فبيان القرآن ﴿هدى﴾ للباحث عن الهدى وسط ركامات من الغموض والحيرة، وبيان القرآن ﴿رحمة﴾ به حين يبين له ما خفى ويصل به إلى شاطئ الأمان والرحمة الإلهية وهناك ﴿البشرى﴾ بعد الهدى والرحمة..
وأيضاً ترتبط (تفصيلات القرآن) بالهدى والرحمة، يقول تعالى ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ (الأعراف 52). فالتفصيلات القرآنية التى شملت كل شىء جاءت هدى وحمة لأولئك الذين يحتاجون إلى هذه التفصيلات. وإذا كانت الأمور واضحة لا تحتاج إلى تفصيل وإيضاح فمن العبث توضيح ما هو واضح، وتعالى الله عن العبث.
والبشر قد تتحول التفصيلات فى كلامهم إلى لغو وثرثرة فيما لا حاجة إليه ولا طائل من ورائه، وهذا ما تنزهت عنه تفصيلات الكتاب العزيز التى جاءت فيما يحتاج إلى تفصيل، لذا ارتبطت تفصيلات القرآن الكريم بالعلم المحكم وفى ذلك يقول تعالى ﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ (هود 1).
ويقول تعالى عن العلم الإلهى الذى يحكم التفصيلات القرآنية لتكون هدى ورحمة للمؤمنين ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾.
ولذا فإن العلماء المحققين المؤمنين بتمام القرآن والمكتفين به هم فقط الذين يفهمون تفصيلات القرآن. وفى ذلك يقول تعالى ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون﴾ (الأعراف 32).. ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ (يونس 24).. ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) (الروم 28). ويقول تعالى ﴿كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون﴾ (فصلت 3).
والذين لا يعلمون هم الذين يسعون فى آيات الله معاجزين مكذبين ببيان القرآن وتفصيله لكل شىء،يقولون : أين عدد الركعات فى القرآن ؟ أين كيفية الصلاة ؟ كيف نحج ؟ وبعضهم يتساءل ساخرا : أين أيام الأسبوع فى القرآن .. والله تعالى يقول ﴿والذين سعو فى آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم﴾ (سبأ 5) قال عن ﴿الذين سعو﴾ فى الماضى. فأين الحاضر؟. يقول تعالى ﴿والذين يسعون فى آياتنا معاجزين أولئك فى العذاب محضرون﴾ (سبأ 38).
10 ـ القرآن هو الذكر الذى نزل على النبى محمد (عليه السلام )
يقول تعالى ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ (النحل 43: 44).
يسىء الناس فهم قوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم..﴾ والسبب أنهم يقطعون هذا الجزء من الآية عما قبله ويتخذونه دليلاً على وجود مصدر آخر مع القرآن، وعندهم أن هناك ذكراً نزل للنبى يبين به القرآن الذى نزل للناس. وحتى نفهم الآية الفهم الصحيح علينا أن نتدبر السياق القرآنى، فالله يقول عن الأنبياء السابقين ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر﴾ أى أن الله تعالى أرسل الأنبياء السابقين لأهل الكتاب وأنزل معهم البينات والزبر- أى الكتب- ثم يوجه الخطاب للنبى فيقول ﴿وأنزلنا إليك الذكر﴾ أى القرآن ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ أى لتوضح لأهل الكتاب ما سبق إنزاله إليهم من البينات والزبر لعلهم يتفكرون.
إن كلمة (الناس) فى قوله تعالى ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ لا تدل هنا على عموم البشر وإنما تفيد حسب السياق أهل الكتاب الذين نزلت فيهم الكتب السماوية السابقة فاختلفوا فيها وحرفوا فيها بعض ما جاء بها.
واستعمال كلمة (الناس) لتدل على طائفة معينة أشار إليها السياق ـ ورد فى القرآن كثيراً كقوله تعالى ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا﴾ (آل عمران 173).. وكقوله تعالى ﴿يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون﴾ (يوسف 46). فكلمة الناس هنا لا تعنى عموم البشر وإنما تعنى طائفة معينة ورد ذكرها فى السياق القرآنى الذى يتحدث عن الموضوع.
وبالنسبة لقوله تعالى ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ فإن المقصود بكلمة الناس هو أهل الكتاب طالما تتحدث الآية عن الأنبياء السابقين وما أنزل الله عليهم من البينات والزبر وأهل الذكر الذين لديهم علم بالكتب السماوية السابقة.
وتقول الآية عن سبب من أسباب نزول القرآن ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ فوظيفة القرآن لأهل الكتاب هى تبيين الحق فى الكتب السماوية السابقة بعدما لحقها من تحريف وتغيير وإخفاء وكتمان، وفى ذلك يقول تعالى ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾ (المائدة 15). ويقول تعالى عن دور القرآن فى توضيح الحق لبنى إسرائيل ﴿إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون﴾ (النمل 76). ويقول أيضاً ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلم يتفكرون﴾ (النحل 43: 44).
والآية السابقة فى سورة النحل فسرتها آية لاحقة فى نفس السورة. يقول تعالى ﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم. وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه﴾ (النحل 63: 64). وكل ذلك يؤكد أن القرآن هو الذكر الذى نزل على النبى ليبين لأهل الكتاب ما نزل لهم من قبل واختلفوا فيه.. وذلك يعنى أيضاً أن الذى نزل على النبى كتاب واحد وذكر واحد وقرآن واحد لا مثيل له ولا شىء معه.
11ـ ذكر الله تعالى فى القرآن وحده :
ويقول تعالى يؤكد أن ذكر الله فى القرآن وحده ﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا. وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا وإذ ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾ (الإسراء 45: 46).
فالمشركون كانوا ينفرون من النبى لأنه يذكر ربه من خلال ما ورد فى القرآن الكريم فقط. فقال تعالى ﴿وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾. والشاهد هو قوله تعالى ﴿وحده﴾ التى ترجع لله تعالى والقرآن معاً. ومن الإعجاز البلاغى أن تأتى كلمة ﴿وحده﴾ ليعود الضمير فيه على الله وكتابه بضمير المفرد وذلك يؤكد لنا أن المسلم هو من يكتفى بالله ﴿وحده﴾ وبالقرآن ﴿وحده﴾ أو من يكتفى بالله وكتابه ﴿وحده﴾ . أما المشرك فيحلو له دائماً أن تتعدد لديه المصادر والآلهة .
12- القرآن كامل تام لا يحتاج لشىء آخر معه:
يقول تعالى ﴿وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم﴾ (الأنعام 115). إذن تمت كلمة الله لنا بالقرآن ولا مبدل لكلمة الله..
ويقول تعالى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (المائدة 3). إذن تمت نعمة الله علينا بالإسلام الذى ارتضاه لنا ديناً وذلك باكتمال وحى القرآن.
ويقول تعالى ﴿ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله..﴾ (لقمان 27).
ويقول تعالى ﴿قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا..﴾ (الكهف 109).
ليس هناك حد أقصى لكلمات الله التى لا تنفد. والقرآن كتاب مثانى يتكرر فيه المعنى مرة ومرات، وفيه تفصيل وتوضيح وتبيين على حكمة وعلم.
وتأتى أحياناً كلمة ﴿قل﴾ تؤكد معنى سبق إيراده فى القرآن وذلك حتى تكون أقوال الرسول من داخل القرآن وليست من عنده أو من خارج القرآن.
ولو أراد الله أن تكون كلماته لنا بلا نهاية لفعل ، وحينئذ لن تكفيها الأشجار أقلاماً ولا البحار مداداً. ولكن شاءت رحمة الله بنا أن أنزل لنا كتاباً واحداً تاماً كاملاً مفصلاً مبيناً وأمرنا بالاكتفاء به.
ولذلك كان الاكتفاء بالقرآن رحمة ﴿أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن فى ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون﴾ وكان الله تعالى شهيداً على أن كتابه يكفى فيقول تعالى ﴿قل كفى بالله بينى وبينكم شهيداً يعلم ما فى السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون﴾ (العنكبوت 50: 51).
13 ـ القرآن هو صراط الله المستقيم وما عداه خروج عن الصراط المستقيم
فى الفاتحة ندعو الله تعالى فنقول ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ والصراط المستقيم هو القرآن الكريم، يقول تعالى عن كتابه الكريم ﴿وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون﴾ (الأنعام 126).
ويقول تعالى يأمر باتباع القرآن الصراط المستقيم دون غيره ﴿وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾ (الأنعام 153). فالله تعالى أوصى باتباع القرآن صراطه المستقيم ونهى عن اتباع غيره من السبل حتى لا يقع المسلمون فى التفرق والابتعاد عن سبيل الله. وحدث ما حذر منه رب العزة فاختار المسلمون أحاديث نسبوها للنبى عليه السلام واختلفوا فى أسانيدها، وقام (علم الحديث) على تنقيح تلك الروايات وتلك الأسانيد، وقوله تعالى ﴿ولا تتبعوا السبل﴾ أى لا تتبعوا الطرق، فالسبيل هو الطريق، ومن العجيب أن علماء الحديث يقيمون تلك الأسانيد وتلك الروايات على سلاسل و"طرق" فيقولون أن الحديث من "السلسلة" الفلانية، وأن تلك الرواية جاءت من "طريق فلان" أى أنهم حين تنكبوا الصراط المستقيم ونبذوه وقعوا فى اتباع السبل وتناسوا قول الله تعالى ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ وتلك السلاسل والطرق التى قام عليها علم الحديث أوقعته فى تفرق واختلاف لا ينتهى، وصدق ما نبأ به كلام الله العزيز.
والله تعالى حذرنا من التفرق وقال لرسولنا (صلى الله عليه وسلم) ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم فى شىء﴾ (الأنعام 159). أى أمره بالتبرؤ ممن فرقوا دينهم.
والنبى يوم القيامة سيعلن براءته من أولئك الذين تركوا كتاب الله وهجروه جرياً وراء مصادر أخرى ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، يقول تعالى ﴿وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وكذلك جعلنا لكل نبى عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيرا﴾ (الفرقان 30: 31).
والقرآن هو الصراط المستقيم وحده..
ويستحيل هندسياً أن يكون هناك أكثر من كتاب واحد يوصف بأنه الصراط المستقيم. وعلم الهندسة يقول أن الخط المستقيم هو أقصر ما يوصل بين نقطتين ولا يمكن ان يتعدد اكثر من خط مستقيم واحد بين نقطتين.. إذن لابد أن يكون خطاً واحداً ذلك الذى يوصف بأنه الخط أو الطريق المستقيم.وعليه فالصراط المستقيم او الخط المستقيم فى دين الله تعالى لا يتعدد. وطالما هو الكتاب الحكيم الكامل التام فليس معه كتاب آخر.
14- القرآن هو الحكمة
يقول تعالى ﴿هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ (الجمعة 2).
والشائع بين الناس أن الكتاب شىء والحكمة شىء آخر وحجتهم أن العطف بالواو يقتضى المغايرة إذن فالكتاب شىء آخر يغاير ويختلف عن الحكمة.
والواقع أن العطف بالواو فى القرآن قد يكون للتبيين والتوضيح والتفضيل وليس للمغايرة. ودليلنا قوله تعالى ﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين﴾ (الأنبياء 48). فالفرقان والضياء والذكر كلها أوصاف توضح وتفصل وتبين معنى التوراة. وفى موضع آخر يقول تعالى عن التوراة فى حديثه تعالى عن موسى وهارون ﴿وآتيناهما الكتاب المستبين﴾ (الصافات 117). فالتوراة أو الكتاب المستبين هى نفسها الفرقان والضياء والذكر. والعطف هنا معناه التوضيح والتفصيل لمعنى الشىء الواحد وليس المغايرة.
والله تعالى يقول لعيسى ﴿وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ (المائدة 110).
ويقول تعالى عن عيسى ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل﴾ (آل عمران 48).
فالكتاب والحكمة أوصاف للتوراة والإنجيل، ولا يعنى ذلك أن الله تعالى علّم عيسى أربعة أشياء منفصلة مختلفة، والدليل هو قوله تعالى عن عيسى ﴿ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة﴾ (الزخرف 63). فالحكمة هنا تعنى الإنجيل الذى جاء به عيسى. والآية هنا تلخص ما جاء فى الآيتين السابقتين عن الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. إذن فالحكمة هى كتاب الله.
وبالنسبة لخاتم النبيين فقد جاءت فى القرآن أوامر عديدة متتالية فى سورة الإسراء تبدأ بقوله تعالى ﴿لا تجعل مع الله إلهاً آخر..﴾ وفى نهاية هذه الأوامر القرآنية يقول تعالى ﴿ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة..﴾ (الإسراء 22: 39). إذن فالحكمة هى آيات القرآن، والقرآن هو الحكمة فهو كلام العزيز الحكيم الذى جعله كتاباً محكماً ﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ (هود 1).
ودليلنا الأخير على أن الحكمة هى القرآن قوله تعالى ﴿واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به﴾ (البقرة 231). فلو كانت الحكمة شيئاً آخر غير القرآن لقال "وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بهما.."، ولكن لأن الحكمة هى القرآن فقد قال ﴿يعظكم به﴾ فهما شىء واحد لذا عاد الضمير عليهما بصيغة المفرد..
ونكتفى بهذا.. فقد تعبنا.. وأتعبنا..



اجمالي القراءات 20127

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   john doe     في   الجمعة ٠٨ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16235]

اختلف في فهم آية

تحية طيبة، و بعد

أظن أن الأية "﴿وإذا ذكرت ربك فى القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾"

تعني إذا ذكرت الله وحده ينفر الكفار لأنهم يريدون الرسول أن يذكر الهتهم بخير أيضا.

لا أظن الكفار كان يعنيهم أن يكون ذكر الله في القران فقط أم في القران و مصادر أخرى، هم فقط يريدون الرسول أن يعظم الهتهم ويترك مبدأ وحدانية الله.

شكرا


2   تعليق بواسطة   محمود عودة     في   الجمعة ٠٨ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16237]

من هم الناس ؟

أخي العزيز احمد منصور تحية طيبة و بعد :

بداية أرجو تصحيح سورة الصمد .

ثم أرجو توضيح اللبس الحاصل في مفهوم كلمة الناس مابين مقالكم هنا و مقال الحج اشهر معلومات فانا أرى هنا التخصيص قي كلمة الناس استنادا إلى الآيات التي ما قبلها أو ما بعدها و بالعودة الى مقالكم الحج اشهر معلومات أرى أن كلمة الناس أخذت معنى التعميم بصرف النظر عن ما قبلها أو ما بعدها أو غيرها , و إن كانت للتعميم ألا يفهم من سياق الآيات التي قبلها أو بعدها أن الناس تشمل كل من امن بالله و اليوم الأخر واتبع مله إبراهيم و ما نزل على محمد عليه السلام ؟ .

نُسب إلى الرسول معرفته ببعض الأمور الغيبية ( كأشراط الساعة مثلا) فان صدّق حصول ما نُسب إليه الا نجد أنفسنا أمام تساؤلات عدة .. ؟

دمتم و دوام فضلكم


3   تعليق بواسطة   محمد الجوهر     في   الجمعة ٠٨ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16245]

الى الاخ احمد منصور مع الود

السنة في الشريعة الإسلامية - محمد تقي الحكيم - ص 10 - 12

حجية السنة النبوية :

والحديث حول حجية ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير ، أوضح من أن يطال فيها الحديث ، إذ لولاها لما اتضحت معالم الاسلام ، ولتعطل العمل بالقرآن ، ولما أمكن ان يستنبط منه حكم واحد بكل ما له من شرائط وموانع ، لأن أحكام القرآن لم يرد أكثرها لبيان جميع خصوصيات ما يتصل بالحكم ، وانما هي واردة في بيان أصل التشريع ، وربما لا نجد في حكما واحدا قد استكمل جميع خصوصياته قيودا وشرائط وموانع ، خذوا على ذلك مثلا هذه الآيات المباركة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. كتب عليكم الصايم كما كتب على الذين من قبلكم ، ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ثم حاولوا التجرد عن تحديدات السنة لمفاهيمها وأجزائها وشرائطها وموانعها ، فهل تستطيعون ان تخرجوا منها بمدلول محدد ، وما يقال عن هذه الآيات يقال عن غيرها ، فالقول بالاكتفاء بالكتاب عن الرجوع إلى السنة تعبير آخر عن التنكر لأصل الاسلام وهدم لأهم معالمه وركائزه العملية . وقد قامت محاولات على عهد رسول الله ( ص ) وبعده للتشكيك بقيمة السنة ، أمثال ما حدث به عبد الله بن عمرو ، قال : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله ( ص ) أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : انك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله ( ص ) وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك للرسول ، فقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ، وربما كان من ردود الفعل لموقف قريش هذا من السنة قول النبي ( ص ) وهو يحذر من مغبة تركها : لا ألفين أحدكم على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ، وقد حاولوا بعد ذلك أن تصبغ هذه الدعوة الهادمة بصبغة علمية على يد أتباعهم بعد حين ، فاستدلوا لها بأن القرآن نزل تبيانا لكل شئ ، وأمثالها من الأدلة التي ذكرها الشافعي في كتابه الأم ورد عليها بأبلغ رد ، وخلاصة ما جاء في رده : ان القرآن لم يأت بكل شئ من ناحية ، وفيه الكثير مما يحتاج إلى بيان من ناحية أخرى ، وسواء في ذلك العبادات والمعاملات ، ولا يقوم بذلك الا الرسول ( ص ) بحكم رسالته التي عليه ان يقوم بها ، وفي هذا يقول الله تعالى :

( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، ثم يقول لو رددنا السنة كلها لصرنا إلى أمر عظيم لا يمكن قبوله ، وهو أن من يأتي بأقل ما يسمى صلاة أو زكاة ، فقد أدى ما عليه ، ولو صلى ركعتين في كل يوم أو أيام إذ له ان يقول ما لم يكن فيه كتاب الله ، فليس على أحد فيه فرض ، ولكن السنة بينت لنا عدد الصلوات في اليوم وكيفياتها ، والزكاة وأنواعها ومقاديرها ، والأموال التي تجب فيها. والحقيقة ، ان المناقشة في حجية السنة أو انكارها مناقشة في الضروريات الدينية وانكار لها ، وليس لنا مع منكر الضروري من الدين حساب ، لأنه خارج عن طبيعة رسالتنا بحكم خروجه عن الاسلام ، يقول الشوكاني : والحاصل ان ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الاحكام ضرورة دينية ، ولا يخالف في ذلك الا من لاحظ له في دين الاسلام ويقول الخضري من المتأخرين : وعلى الجملة فان حجية السنة من ضروريات الدين ، أجمع عليها المسلمون ونطق بها القرآن وكذلك غيرهما من الأصوليين ، والحقيقة اني لا أكاد أفهم معنى للاسلام بدون السنة ، ومتى كانت حجيتها بهذه الدرجة من الوضوح ، فان إقامة البرهان عليها لا معنى له ، لأن أقصى ما يأتي به البرهان هو العلم بالحجية ، وهو حاصل فعلا بدون الرجوع إليه ،


اخي العزيز الاستاذ احمد منصور هل يمكن ان توضح لنا نفي السنة من خلال ايات القران الكريم بشكل استدلالي


4   تعليق بواسطة   محمد الجوهر     في   الجمعة ٠٨ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16246]

رجاء اخر

نتمنى من الاخ احمد منصور ان يبين لنا المنهج المعرفي لدية في اثبات العلوم والحقائق المعرفية فما لم ينقح هذا الامر يكون النقاش حينها نقاشا في الصغريات فهو عديم  المنفعة فنتمنى من الاخ منصور ان يشرح لنا نظرية المعرفة واداوته في الاستدلال ليتسنى لنا التحاور معه مع الود


5   تعليق بواسطة   محمود دويكات     في   السبت ٠٩ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16249]

الى الاستاذ الدكتور أحمد

جزاك الله عنا كل خير و وفقك الله لما يحبه (و تحبه) و يرضاه. و والله إني لتملأني الابتسامة و أنا أقرأ لكم أفكاركم ..أدعو الله أن يخفف عنكم مآسي الدنيا و أن يعوضكم عنها خيرا في الاخرة إنه قريب مجيب.


 


6   تعليق بواسطة   محمد الجوهر     في   السبت ٠٩ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[16266]


تحية طيبة الى حضرة الاخ المفضال احمد منصور

السلام عليكم سيدي الكريم

لايمكن ولا اعتقد انك تذهب الى ان حجية القران انما تثبت بواسطة القران  والا للزم الدور بل عليك ان تثبتها من دليل اخر ولن يكون لك الا العقل , فما هو رايك فيمن يثبت حجية السنه من دليل العقل ويراد من دليل العقل هنا ، خصوص ما دل على عصمة النبي ( ص ) وامتناع صدور الذنب والغفلة والخطأ والسهو منه ، ليمكن القطع بكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات هي من قبيل التشريع ، إذ مع العصمة لابد أن تكون جملة تصرفاته القولية والفعلية وما يتصل بها من اقرار موافقة للشريعة وهو معنى حجيتها . وهذا الدليل من أمتن ما يمكن أن يذكر من الأدلة على حجية السنة وانكاره مساوق لانكار النبوة من وجهة عقلية ، إذ مع امكان صدور المعصية منه أو الخطأ في التبليغ أو السهو أو الغفلة لا يمكن الوثوق أو القطع بما يدعي تأديته عن الله عز وجل لاحتمال العصيان أو السهو أو الغفلة أو الخطأ منه ، ولا مدفع لهذا الاحتمال . ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن تمامية الاحتجاج له أو عليه حتى في مجال دعواه النبوة ، حيث أن كل حجة لا تنتهي إلى القطع فهي ليست بحجة ، لأن العلم مقوم للحجية . فإذا ثبتت نبوته بالأدلة العقلية ، فقد ثبتت عصمته حتما للتلازم بينهما ، وبخاصة إذا آمنا باستحالة اصدار المعجزة من قبل الله تعالى على يد من يمكن أن يدعي النبوة كذبا لقاعدة التحسين والتقبيح العقليين أو لغيرها على اختلاف في المبنى . وقد يقال بعدم التلازم عقلا بين اثبات العصمة له وتحصيل الحجة على اعتبار ؟ ما يصدر منه من قول أو فعل أو تقرير ؟ من قبيل التشريع لأن الدليل العقلي غاية ما يثبت امتناع كذبه في ادعاء النبوة لاستحالة صدور المعجزة على يد مدعي النبوة كذبا لا مطلق صدور الذنب منه فضلا عن الخطأ والسهو والنسيان . ودعوى عدم حصول العلم بكون ما يصدر عنه تشريعا ، لاحتمال الخطأ ، أو النسيان ، أو الكذب في التبليغ ، أو السهو ، يدفعها الرجوع إلى أصالة عدم الخطأ ، أو السهو ، أو الغفلة ونظائرها ، وهي من الأصول العقلائية التي يجري عليها الناس في اقعهم ، ويكون حسابه حساب أئمة المذاهب ، من حيث وجود هذه الاحتمالات فيهم ، ومع ذلك فان الناس يثقون بأقوالهم ويدفعون الخطأ فيها أو السهو أو الغفلة ، أو تعمد الكذب بأمثال هذه الأصول . وهذا الاشكال من أعقد ما يمكن ان يذكر في هذا الباب ، ولكن دفعه انما يتم إذا تذكرنا ما سبق ان قلناه من أن كل حجة لا تنتهي إلى العلم فهي ليست بحجة ، لأن القطع هو الحجة الوحيدة التي لا تحتاج إلى جعل ، وبها ينقطع التسلسل ويرتفع الدور . وهذه الأصول العقلائية التي يفزع إليها الناس في سلوكهم مع بعضهم ، لا تحدث علما بمدلولها ولا تكشف عنه أصلا لا كشفا واقعيا ولا تعبديا . أما نفي الكشف الواقعي عنها فواضح لعدم التلازم بين اجراء أصالة عدم الخطأ في سلوك شخص ما وبين إصابة الواقع والعلم به ، ولو كان بينهما تلازم عقلي لأمكن اجراء هذا الأصل مثلا في حق أي شخص واعتبار ما يصدر عنه من السنة ولا خصوصية للنبي في ذلك . وأما نفي الكشف التعبدي عنها فلأنه مما يحتاج إلى جعل من قبل الشارع ، ومجرد بناء العقلاء لا يعطيه هذه الصفة ما لم يتم امضاؤه من قبله . وشأنه في ذلك شأن جميع ما يصدرون عنه من عادات وتقاليد وأعراف ، والسر في ذلك أن القطع بصحة الاحتجاج به على الشارع لا يتم الا إذا تم تبنيه من قبله وعلم ذلك منه ، وكل حجة لا تنتهي إلى القطع بصحة الاحتجاج بها ، فهي ليست بحجة كما سبق بيان ذلك مفصلا . هذا إذا أعطينا هذه الأصول صفة الامارية ، أما إذا جردناها منها واعتبرناها وظائف عقلائية جعلوها عند الشك لينتظم سلوكهم في الحياة ، فأمرها أوضح لعدم حكايتها عن أي واقع ليعتبر ما تحكى عنه من قبيل التشريع . والاعتماد عليها كوظائف لا يتم الا إذا تم تبني الشارع لها بالامضاء أيضا لنفس السبب السابق . وعلى هذا فحجية هذه الأصول وأمثالها موقوفة على امضاء الشارع لها بقوله أو تقريره ، وكون هذا الامضاء حجة أي موقوفة على حجية السنة ، فلو كانت حجية السنة موقوفة عليها كما هو الفرض لزوم الدور . لبداهة ان حجية الاقرار من قبله ( ص ) مثلا موقوفة على حجية أصالة عدم الخطأ أو أصالة الصحة أو أصالة عدم الغفلة أو السهو ، وحجية هذه الأصول موقوفة على حجية اقراره لها لو كان هناك اقرار ، ومع اسقاط المتكرر ينتج ان حجية اقراره موقوفة على حجية اقراره .


7   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ٠٢ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82657]

لماذا لم يستشهد الإمام مسلم في مقدمته بالقرآن


    لم يستشهد الامام مسلم فى مقدمته بالقرآن الكريم ، بل استدل بأحاديث من داخل دينه السنى .أى وجّه خطابه لمن يقتنع به من أتباع الدين السنى لتحصينهم من التأثر بالخصوم من المعتزلة وغيرهم ، ولسحب البساط من تحت أقدام أولئك الخصوم ، فنراه يبادر باتهام بعض اصحابه بالكذب حتى يقطع الطريق على الخصوم قبل ان يبادروا بالهجوم ، وحتى ينحصر التكذيب لأشخاص من هنا ومن هناك دون أن يصل الى الدين السنى ذاته. لو كان القرآن الكريم فى بؤرة شعوره لاحتكم الى القرآن الكريم ، ولو فعل لأنكر الحديث جملة وتفصيلا ، ولجعله ضمن التراث البشرى و ليس دينا كما زعم. أى كان سيبدأ بالقرآن الكريم يرد به على اصحاب الحديث ثم ياتى بروايات المحدثين التى تنضح بالكذب والتى تتبادل مع بعضها الاتهام بالكذب ، ليستدل على فساد هذا الدين الأرضى بالقرآن و باقاويل أصحابه. 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,345,408
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي




فيديو مختار
د. أحمد صبحى منصور: لحظات قرآنية 447 : يسعون فى القرآن معاجزين