آحمد صبحي منصور Ýí 2024-09-25
شخصية موسى عليه السلام فى تدبر قرآنى :
صفتان إنسانيتان لموسى : الخوف والتهور.
أولا : عن الخوف :
نشأ موسى فى قصر عدوّه الفرعون الذى كان يذبح أبناء قوم موسى . مع وجوده فى قصر فرعون فقد كان على صلة بأهله ، ويعرفهم ويعرفونه ، ويبدو أن قومه من بنى إسرائيل كانوا معروفين له أيضا ، خصوصا مع الإضطهاد الذى يعيشون فيه فى مصر . كونه من بنى إسرائيل ـ أعداء الفرعون ـ جعله يعيش فى خوف وقلق . وكان يتوقّع الشّر فى أى وقت لذا كان فى حالة ترقّب ودفاع عن النفس .
نعطى أمثلة قرآنية : قال جل وعلا :
1 ـ : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) القصص ). نقول :
1 / 1 ـ بلغ أشدّه واستوى فى قصر الفرعون وأعطاه الله جل وعلا حكما وعلما من لدنه ، ووصفه بأنه كان محسنا .
1 / 2 ـ تسلّل من القصر ودخل المدينة فى غفلة من أهلها وحُرّاسها . فوجد فيها رجلين يتعاركان . أحدهما يعرف أنه من قومه . وهذا يعنى انه كان هناك من بنى إسرائيل أقلية ُمضطهدة تعيش فى العاصمة ، ووضح هذا فى إعتداء رجل من ملأ فرعون على هذا الرجل ، والذى تعرّف على موسى فاستجار به . وبسرعة ضرب موسى المعتدى فقتله ـ دون قصد طبعا . وكما تهور فى ضرب المعتدى أسرع بالندم والاستغفار فغفر له ربه جل وعلا . تعهّد موسى ألّا يكون مدافعا عن المجرمين ، أى أن يستخدم قوته البدنية فى الدفاع عن المستضعفين .
1 / 3 ـ لم يفارقه خوفه من مغبة قتل الرجل من الملأ الفرعونى ، وهو يعلم إنهم سيحققون فى الأمر وسيصلون الى الفاعل . سار فى المدينة خائفا يتوقع الشّر فوجد نفس الرجل الاسرائيلى يصرخ مستجيرا به من إعتداء آخر . قال له موسى ( إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) أى إنه يوقع نفسه فى المشاكل . أقبل موسى هائجا يريد أن يبطش بالمعتدى الموصوف بأنه عدو لموسى وللرجل الاسرائيلى ، وواضح أن منظر موسى فى غضبه أخاف الاسرائيلى فظن أن موسى سيقتله هو خصوصا بعد قوله له ( إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) فقال يترجّاه ( يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ ) . كان من الطبيعى وجود إزدحام من الناس ، وبالتالى سيصل الخبر الى القصر الفرعون ، وبالتالى سيعقدون إجتماعات لقتله .
1 / 4 ـ جاء رجل مصرى نبيل يعيش فى ضاحية بعيدة ، وسعى الى موسى يحذّره من مؤامرة على حياته ، وينصحه بالهروب ، فأسرع بالهروب ، وهو يحمل بين جوانحه خوفه وترقّبه .
2 ـ فى عودته لمصر ومعه زوجته وعند جبل الطور كلّمه رب جل وعلا ، وأمره أن يكون رسولا لفرعون أن يرسل معه بنى إسرائيل مغادرين مصر . ظهر خوف موسى فى موقفين :
2 / 1 : عندما أظهر الله جل وعلا آية له ( معجزة ) وهى عصاه التى تحولت لثعبان ، ففزع موسى وهرب . نتدبر الحوار التالى :
2 / 1 / 1 : ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى (21) طه ). قال له ربه جل وعلا ( خُذْهَا وَلا تَخَفْ ) ولكنه خاف . قال جل وعلا :
2 / 1 / 2 : ( وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ (31) القصص ). لاحظ : ( يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ ). أى إنه فى جرى مبتعدا مسافة طويلة فناداه ربه جل وعلا يطمئنه .
2 / 1 / 3 : ( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) النمل ). لاحظ (يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ). أى أنت رسول فى حماية الرحمن فلا تخف .!
2 / 2 : حين أمره ربه جل وعلا بالذهاب الى فرعون إعتذر بدافع الخوف . قال جل وعلا :
2 / 2 / 1 :( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) الشعراء ). تكرّر الخوف هنا مرتين : أن يكذّبوه ، وهم حتما سيكذّبونه ، وأن يقتلوه ثأرا بالمصرى الذى قتله وهرب خوفا من العقاب . وطلب أن يكون أخوه هارون معه لفرعون رسولا .
2 / 2 / 2 :( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص ). تكرر خوف موسى هنا مرتين أيضا . وإستجاب له ربه جل وعلا بأن يكون هارون عونا وعضدا له ، مع وعد ألاهى بحمايتهما من فرعون وقومه ، وأنهما مع قومهما سيكونون الغالبين .
2 / 2 / 3 : ( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه ). هنا نصيحة من الله جل وعلا لهما أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى . مع هذا إنتقل الخوف من موسى لهارون ، خافا من سطوة فرعون وجبروته ، فتكرر الوعد الالهى بأنه جل وعلا معهما يسمع ويرى .
2 / 2 / 4 : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) الشعراء ) . نفس ما جاء فى سورة ( طه ).
2 / 2 / 5 : فى الحوار بينه وبين فرعون إعترف بفراره خوفا : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ (21) الشعراء ). هنا دليل أن فرعون الذى أنقذت زوجته الطفل الوليد موسى هو الذى ربّاه وهو الذى عاد اليه موسى يطلب إرسال بنى إسرائيل معه الى خارح مصر . وفرعون يذكّر موسى بأنه ربّاه وأنه قتل المصرى كافرا بالنعمة الفرعونية ، وقال موسى إنه لما قتل المصرى كان من الضالين ، ثم فرّ خوفا منهم . وعاد اليهم مرسلا من الرحمن جل وعلا .
2 / 2 / 6 : قال جل وعلا :( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) الدخان ). لم يأت هنا لفظ الخوف ، ولكن المعنى يدل على الكثير من الخوف . فهو يستعيذ بالله جل وعلا أن يرجموه ، وإن لم يثقوا فيه ( أى يؤمنون له ) أن يتركوه فى شأنه . هذا الخوف مع وعد الله جل وعلا له بالحماية .!
2 / 3 : فى المباراة مع السّحرة :
( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) الاعراف ). أصابه الخوف من أفاعيل السحرة وظنها فعلا ثعابين ، وأوحى الله جل وعلا اليه يطمئنه .
ثانيا : عن التهوّر وسرعة الغضب :
بالاضافة الى قتله الرجل المصرى نذكر مثلين : قال جل وعلا :
1 / 1 : ( قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه )
1 / 2 : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) . الأعراف ) . أثناء غياب موسى عن قومه ليتلقى الألواح إستخلف أخاه هارون . فجعلهم السامرى يعبدون عجلا ذهبيا تقليدا لعجل أبيس المعبود الفرعونى . إشتد غضب موسى فألقى الألواح وجذب رأس أخيه ولحيته ، وإعتذر هارون . وهدأ غضب موسى فى النهاية . والتعبير رائع فى قوله جل وعلا : ( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) الأعراف ) ، أى تملّكه الغضب وسيطر عليه .
2 ـ بعدها إختار موسى من قومه سبعين رجلا لميقات ربه جل وعلا إعتذارا ، فأخذتهم الرجفة فوق جبل الطور . قال جل وعلا : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) الاعراف ). نلاحظ هنا غضبا من موسى حين قال يخاطب ربه جل وعلا معترضا : َ ( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ) ثم هدأ غضبه قليلا فقال : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ) ثم إنتهى غضبه فدعا : ( أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) .!
أخيرا
مع هذا كانت لموسى مكانة عالية :.
1 ـ فهو الذى كلمه ربه جل وعلا تكليما . قال جل وعلا :( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ). وقال له جل وعلا : ( يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي ) َ (144) الأعراف )
2 ـ وقال عنه جل وعلا : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) مريم ) . لاحظ : ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً )
3 ـ وقال له ربه جل وعلا : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه ) لاحظ ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )
3 ـ ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) طه ) . لاحظ ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ).!
عندما ولد موسى كان مهددَا ببطش فرعون، لهذا ألقت أمه به في اليم. هارون نجى من قرار فرعون – لا أدري لماذا، أتوقع أن قرار قتل الأولاد لم يكن قانونًا عامًا وإنما في حالات وأوقات معينة، وإلا لانقرض القوم. ثم ترعرع الطفل عند فرعون وتعلم اللسان (اللغة) الدارج(ة)، ومن المفترض، كطفل فرعون يعيش في بلاط ملكي أن يتقن الكلام أكثر من غيره. بعد ذهابه إلى مدين وبقاءه هناك لمدة من الزمن ثقل لسانه لكونه اختلط مع لسان آخر (طبعًا مع افتراض أن أهل مدين كان لهم لسان آخر)، بينما هارون بقي عند قوم فرعون ويتقن هذا اللسان، لذا طلب موسى من الله أن يذهب أخوه معه. سياق القصة توحي أحيانًا أن أهل موسى وأهل فرعون كان لهم نفس اللسان، وربما كانوا عشائر تقطن المنطقة (مثل بني هاشم وبني امية). الآية 4 من سورة القصص ربما توحي أيضًا بذلك: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. بكلمة أخرى، ليس مسرح القصة بين أهل مصر القدماء وبين بني اسرائيل. على فكرة، قارون حسب القرآن هو من قوم موسى، أي من بني اسرائيل، وفي نفس الوقت من بطانة فرعون.
الآيات (28 – 33 من سورة غافر) تتكلم عن رجل مؤمن من آل فرعون ينصح قومه بعدم قتل موسى ويذكرهم بأشياء توحي بأن آل فرعون كان عندهم العلم بالله، إذ حدثهم عن نوح وعاد وثمود، وهذه معلومات توحي بأن آل فرعون كانوا يؤمنون بدين يختلف عن ديانة أهل مصر القدماء، وليس لهم علاقة بالمصريين القدماء (الأمر يشبه الوضع في الجزيرة العربية عند مجيء الرسول، فعرب الجاهلية كانوا يؤمنوا بالله، لكنهم أشركوا به).
حفظكم الله جل و علا و كما تفضلتم فإن قصة موسى عليه السلام تحتاج لمزيدا من التدبر و كنت قد زرت مصرَ و دارت بيني و بين متخصصين في الآثار و استغربت تأكيدهم لعدم وجود أي أثر ملموس لأحداث قصة موسى عليه السلام و فرعون و قلت صدق الله العظيم : ( و تمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون ) و كلمة ( دمرنا ) تحتاج لتدبر عميق و ليس لها إلا أبو محمد حفظه الله .. كذلك أصبتم في القول : ( أن المصريين القدماء كانوا يعرفون الله جل و علا و يعرفون طرفا من قصص الأمم السابقة و الأدلة القرانية كثيرة على علم فرعون و قومه بالله جل و علا و ملائكته ) و حتى موسى عليه السلام قبل أن يكلمه الله جل و علا و هو عائد من مدين و نتذكر حين قتل المصري خطأً قال : ( هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) و يعرف ربه ! هنا تساؤل للدكتور أحمد : كيف لموسى و هو ( قد بلغ الشدة و الاستواء ) أن يقول : ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) ثم يقول الله جل و علا : ( فغفر له انه هو الغفور الرحيم ) .. تحليلكم و رؤيتكم للموقف بأن الاسرائيلي هو من قال لموسى : ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض و ما تريد أن تكون من المصلحين ) أعدت قراءة الاية و تخيل المشهد و لم أصل لما تفضلتم به فسياق الايات يوحي بان القائل هو المصري و ليس الاسرائيلي و لكنها ملكة الباحث و عبقرية المفكر حفظكم الله جل و علا .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,871,511 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
أحكام التلاوة: سؤالي حول قوله تعالى (الَّ ِينَ ...
نعمة: كلمة ( نعمة ) فى القرآ ن لها طريقت ين ...
تخريف السنيين: عند أهل السنة معلوم بأنه كلما صليت صلاة في...
تخاريف عن الصلاة: ارى ان الصلا ة باتجا هها نحو الكعب ة ...
كواعب أترابا : ما معنى ( وكواع ب أتراب ا )...
more
لدي بعض وجهات النظر والتساؤلات حول موضوع المقال:
استغرب خوف موسى رغم أن الله كلمه، وأنا هنا أفترض يقينه بأن الله فعلًا يكلمه. ابراهيم كاد يضحي بابنه لرؤيا في المنام (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ). سحرة فرعون لم يخافوا بتنكيل فرعون لهم وآمنوا بإله موسى (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ). لكن في مكان آخر يطلب ابراهيم من الله أن يثبت له قدرته على احياء الموتى (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). ما استطيع هنا فهمه، هو أن الانسان خلق ضعيفًا (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)، والتردد من ميزات الضعف. الانسان ليس عنده علم الغيب ليرى ويدرك (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ)، والايمان فيه مد وجذر، لذا فالمحصلة هي التي تحسم الأمر (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ).
كلمة فرعون جاءت في القرآن دائمًا بدون الـ التعريف، وفي آيتين جاءت مع قارون وهامان (فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ)، وهذا يوحي إلى أن فرعون هو اسم علم لشخص بعينه، وليس لوظيفة أو منصب. في المقابل تأتي مثلًا كلمة ملك معرفة (الملك).