نظرات فى مقال أساليب التخاطب والنداء في الجيوش الإسلامية الأولى
نظرات فى مقال أساليب التخاطب والنداء في الجيوش الإسلامية الأولى
تحدث الكاتب فى المقدمة عن أسس انتصارات المجاهدين فى عهد الرسالة وما بعدها مركزا على ما يسمى بالأسس العسكرية وهو ما يسمى بسياسة القتال فقال :
"مقدمة:
إن التخطيط الجيد، وتنظيم القوات، وتدريبها على فنون القتال، وقبل ذلك قوة الإيمان .. هي الأسس التي قامت عليها العسكرية الإسلامية .. وحقق المسلمون انتصاراتهم المظفرة على قوى الشرك في شبه الجزيرة العربية، ثم كانت الفتوحات المباركة في بلاد الشام ومصر والعراق، وما يليها من أمصار."
ثم تحدث عن أساليب تخاطب الجنود فقال :
"وقد كان ضمن الخطط التعبوية والاستراتيجية للجيوش الإسلامية الأولى، وسائل وأساليب مختلفة للتخاطب والنداء .. يؤكد غير مؤرخ عسكري معاصر بأنها تركت أثاراً إيجابية لدى الجند، حيث عملت على رفع معنوياتهم، وتوثيق العلاقة بينهم وبين قادتهم .. ناهيك عن أهميتها في العمليات التنظيمية السريعة للقوات، قبل وأثناء وبعد المعارك."
وتحدث عن استخدام اللغة العربية فى التخاطب فقال :
"فماذا عن أساليب النداء والتخاطب في الجيوش الإسلامية الأولى؟
نقول:
إن لغتنا العربية، وما تتميز به من مختصرات دالة، تعد الوسيلة الأفضل للتخاطب والنداء عند المسلمين، أبان خوضهم للمعارك والغزوات .. فكان إذا أراد القائد الترجل للفرسان قال: (الأرض .. الأرض). وإذا أراد لهم ركوب الخيل للهجوم قال: (الخيل ... الخيل). وإذا أراد الإرتداد للجند قال: (الرجعة .. الرجعة). وإذا أراد لهم التهيؤ للقتال خاطبهم: (السلاح .. السلاح). و (النفير .. النفير)، إذا أراد لهم الهجوم
ووجدت كثير من المصطلحات العسكرية لتحركات الجند في الميدان، منها: الميل .. الرجوع .. الاستقبال .. الانقلاب .. الاستدارة المطلقة .. اتباع الميمنة .. اتباع الميسرة .. جيش مستقيم .. جيش محدب .. رص .. حشو .. ردافة .. ترتيب بعد ترتيب."
وكل هذا الحديث هو حديث بلا دليل فالروايات لم تحكى بنا شىء إلا نادرا فى ذلك المجال فطبقا للروايات والتاريخ كانت المعارك بسيطة وأعداد المسلمين قليلة كما أن الأعداد المشاركة من الكفار كانت محدودة ألف أو ثلاثة ألاف وكانوا معروفين بالأسماء والأشكال للمهاجرين على وجه الخصوص
فمثلا معركة بدر كان عدد المسلمين طبقا للروايات ثلاثمائة وكلهم يعرف بعضهم بعضا بالاسم والشكل وميدان المعركة كانت محدودا حول بئر بدر كما أن الخيول المشاركة كانت فرسين فقط لا غير ومن ثم فالتخاطب لن يكون إلا عندما يحذر المجاهد أخاه من هجوم من خلفه أو أجنابه
وكذلك الأمر فى أحد الميدان كان محدودا والعدو معروف بالأشكال والأسماء
والعمليات كلها كانت مرتكزة على أن قوة المسلم تساوى أكثر من اثنين نظرا لحالة الضعف بينما فى حالة القوة كانت قوة الواحد أكثر من عشرة كما قال تعالى :
وفى الأحزاب لم تكن هناك معركة أساسا تستلزم تخاطبا لقوله تعالى :
" وكفى الله المؤمنين القتال "
إذا عملية التخاطب فى ظل محدودية الأعداد وفى ظل معرفة جنود العدو بالاسم والشكل وفى ظل ميدان غير واسع لا توجب تخاطبا سوى التخاطب العادى
وتحدث عما سموه الشعارات والصيحات فقال :
"إلى جانب هذه المصطلحات والمختصرات، اشتهر المسلمون أثناء قتالهم للأعداء بنداء وصيحة "الله أكبر"، التي تبث في الجند الحماس والإقدام .. وقد استخدموا التكبير في الكثير من المعارك والغزوات، كوسيلة لتجميع القوات، وتنظيم صفوفها، من ذلك ما حدث في معركة القادسية .. حين اتفق على اتباع نداءات القائد، والعمل بها فإذا كبّر سعد بن أبي وقاص التكبيرة الأولى، رد عليه الجند التكبيرة، واتخذوا مواقعهم في الصفوف .. وإذا كبر التكبيرة الثانية أسرع الجند بحمل عتادهم وهم يرددون التكبيرة .. وفي التكبيرة الثالثة ينطلق الفرسان وفق الخطة الموضوعة لهم، ويشتبكون مع العدو، وهم يرددون صيحات الله أكبر .. وفي التكبيرة الرابعة، يقوم جند المشاة بالهجوم، وهم يرددون التكبير "
وطبقا لهذا الكلام المنقول وللأسف لم أقرئه فى كتب الروايات التى قرأتها فالعملية كانت سهلة وبسيطة إلا أنها تبدو غير ممكنة من حيث لإيصال الصوت من القائد للجنود فى ظل أعداد كبيرة وخيول وغيرها من الآلات التى تجعل الصوت البشرى ليس له جدوى فى الوصول إلى الجنود فى ظل وجود مئتى ألف من الفرس مقابل ثلاثين ألفا من المسلمين فانتشار ثلاثين ألف من الجنود يتطلب على الأقل مساحة ميل طولا وعرضا وهى مسافة لا يمكن أن يصل إليها الصوت البشرى
وتحدث عن التخاطب بالرايات فقال:
"التخاطب بالرايات:
واستخدموا الرايات كوسيلة للتخاطب فيما بينهم، وتبرز دورها بشكل مؤثر أبان معركة "نهاوند"، التي جرت عام 20هـ واشتهرت باسم "فتح الفتوح"، فقد أمر القائد النعمان بن مقرن قوات المشاة وفرقة الفرسان الرئيسية، التي اتخذ أفرادها مواقع خفية عن أعين الأعداء ، باتباع إشاراته، قائلاً: (إني هازٌ لوائي ثلاث هزات. فأما أول هذه، فليتوضأ الرجل بعدها وليقضي حاجته وأما الهزة الثانية، فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه، وليتهيأ وليصلح من شأنه وأما الثالثة، فإذا كان إن شاء الله فاحملوا، ولا يلوين أحد على أحد)."
وهذه الرواية من الروايات الساذجة التى لا تصلح للتصديق فأى معركة التى تجعل الجنود كلها يتوضئون ويصلون أو يستنجون عند الراية ألأولى لكى يستغل العدو ذلك فى القضاء عليهم لصلاتهم ووضوئهم جميعا
والقائد لكى بتخاطب بالراية لابد أن يكون فى مكان عالى يراها كل الجنود والمنتشرين على بقعة كبيرة من ألأرض لكونهم حسب الروايات ثلاثين ألفا وحتى لو افترضنا ذلك فتلك الرؤية غير ممكنة إلا من بعد كخمسمائة ذراع
وتحدث عن موقعة عمورية وغيرها فقال :
"وفي معركة عمورية، كان ثمة فرقة خاصة اشتهرت باسم الكوهبانية .. يوزع أفرادها على مشارف الطرق، وفوق المرتفعات، وهم مزودون برايات وأعلام يقومون بتحريكها حينما يرون حركة غير اعتيادية، بطريقة متفق عليها مسبقاً .
وفي المعارك البحرية، كانت تجعل المراكب ناظرة إلى مركب المقدم ، التي يكون في مكان ظاهر منها شيء واضح تراه المراكب الأخرى، فتعول على ما يعول عليه، كالبند "ويكون قد قرر معهم في أمر هذه العلاقة. أنها إذا مالت جهة اليمين يكون لهم فعل ما. وإلى اليسار فلهم فعل غير ذلك، وإذا رفعت فشيء آخر، وإذا نزلت فسوى ذلك، وإذا نفضت أو تحركت دلت على سوى ذلك كله. وإذا نقلت أو نحيت أو غيرت الألوان التي في رأس العلامة، فيجعل الأزرق أحمر، أو الأحمر أبيض، أو الأبيض أخضر، أو غير ذلك. فجميع هذه علامات لأمور قد قررت بينهم وتواضعوا عليها. ويعاين المقدم هذه الأمور بيده، ويروض المقدمين الذين تحت يده، وهم ربابنة المراكب، وأمراء قطع الأسطول، عليها. حتى تعرف لهم معرفة جيدة .. فترى أنه كان لهم في ذلك نوع من أرقى أنواع التخاطب والتفاهم التام بالرايات، وإشاراتها، وألوانها، كأرقى ما هو معروف اليوم في العصور الحديثة من ذلك"
وهذا الحديث هو حديث روايات وما أعرفه عن المعارك فى الإسلام هو أن الله جعل المعارك لا تتوقف على أوامر القائد فهناك قاعدة لكل المراصد فى دولة المسلمين وهى أماكن تواجد الجنود على الحدود كما قال تعالى :
"واقعدوا لهم كل مرصد"
القاعدة تقتضى بالاشتباك الفورى مع العدو المعتدى دون انتظار أى أوامر
ومن ثم فمعارك التجمعات الكبرى التى يتواجد فيها الجنود بالآلاف المؤلفة فى مكان ضيق هى محض خيال فلو تخيلنا أن عدد الجنود فى الفريقين فاق المائة ألف فلابد أن نضع فى حسابنا أن كل فريق معه خيوله وبغاله وعدده وآلاته ومطابخه وأزواده وهو ما يقتضى انتشار الفريقين على مسافات كبيرة تكون بعيدة عن مرامى أسلحة الفريق الأخر
ومن ثم لا يمكن أن تكون المعركة معركة بلدة واحدة
وتحدث عن استعمال كلمة السر فقال :
"كلمة السر:
وقد عرف المسلمون الأوائل ألواناً مختلفة من الشعارات، التي يتواضعون عليها ويستخدمونها إبان خوضهم للغزوات والمعارك الحربية، وفي مراكز التدريب وسكنات الجيش .. ليتعارف الجند بها في ظلمة الليل، أو عند الاختلاط حتى لا يضرب بعضهم بعضا، ومازالت الجيوش الحديثة تتبع ذلك فيما يعرف بكلمة السر، أو كلمة المرور، أو كلمة الليل، وما إلى ذلك من التسميات.
وقد أورد ابن هشام، في السيرة، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لهم أكثر من شعار يوم فتح مكة، وكذا يوم حنين، ويوم الطائف، فكان شعار المهاجرين هو "يا بني عبد الرحمن" ، وشعار الخزرج هو "يا بني عبد الله" وشعار الأوس هو "يا بني عبيد الله"
وكان شعار المسلمين في غزوة بني المصطلق هو "يا منصور .. أمت .. أمت" .. وفي قتالهم لمسيلمة كان شعارهم "يا أصحاب سورة البقرة"
ولم يكن شعار المسلمين على الدوام ممثلاً في مثل هذه الكلمات الموجزة، ولكن أيضاً كانوا يجعلون في الثياب علامة أو نحوها، يتعارفون علي بعضهم بعضا بالنظر إليها .. وقد ذكر النسائي عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن المجاهدين في بدر كان سيماهم الصوف الأبيض "
وبالقطع هذه الروايات تدل على السذاجة فتلك المعارك التى رويت فى الكتب لم تستغرق أحداها أكثر من يوم فمثلا يوم الطائف سماه الله يوم حنين أى نهار واحد ومن ثم فلم تكن ظلمة تحتاج لكلمة سر كما ان المعركة لم اتقاصر على مهاجرين وأنصار وإنما كان معهم أهل قريش المسلمين الطلقاء وحلفاءهم فأين شعار هؤلاء
وأما أن المسلمون كانوا يرتدون يوم بدر صوف أبيض فكلام لا يمكن تصديقه والقوم كانوا فقراء حتى فى أحد حتى أن مصعب بن عمير كان يرتدى جلبابا قصيرا إذا أزاحوه نحو رأسه وجدوا عورته ستظهر وإذا أزاحوا نحو رجله وجدوا رأسه تظهر ومن ثم لم يكن هناك لباس واحد وغنما كل واحد كان يلبس الملابس العادية خاصة أنه حسب الروايات لم يكونوا ذاهبين للقتال وإنما للاستيلاء على القافلة التجارية
وتحدث عما سماه الرسائل المشفرة فقال :
"الرسائل المشفرة:
وأدرك المسلمون فن الملاحن، وبدعوا في استخدامه كوسيلة للتخاطب .. من ذلك ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة وسعد بن معاذ سيدا الأوس والخزرج: (ائتيا بني قريظة فإن كانوا على العهد فاعلنا بذلك، وإن كانوا قد نقضوا ما بيننا فلحنوا لي لحناً أعرفه ولا تفتا في أعضاد المسلمين) فرجعا بغدر القوم، فقالا: (يا رسول الله عضل والقارة)!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجموع المسلمين: (بشروا، فإن الأمر كما تحبون) وما عضل والقارة إلا حيان كانا في نهاية العداوة للرسول فأراد أن بني قريظة كذلك في العداوة ولكن لم يفهم أحد إلا الرسول، الذي خشى نتيجته علي القوم فشجعهم بقوله: (أبشروا .. )
وكانوا يجيدون كتابة الرسائل المشفرة .. وتحكي كتب التاريخ العديد من النماذج التي تؤكد تفوقهم في ذلك، ومنه أن أحد الخلفاء عزم على محاربة عدو له، فأرسل من يتجسس، فلما دخل أرض العدو، وجده محصناً وشعر به الحرس، فقبضوا عليه وأرسلوه إلى ملكهم، الذي أمره بالكتابة إلى الخليفة ما يفيد بأن "القوم أحوالهم مضطربة، ويحسن له غزوهم في الحال"، وهدده الملك بالقتل إن لم يفعل .. وبذكاء حاد كتب هذه الرسالة:
( .. أما بعد، فقد أحطت علماً بالقوم، وأصبحت مستريحاً من السعي في تصرف أحوالهم وإني قد استضعفتهم بالنسبة إليكم، وقد كنت أعهد في أخلاق الخليفة المهلة في الأمور، والنظر في العاقبة ولكن ليس هذا وقت النظر في العاقبة، فقد تحققت أنكم الفئة الغالبة بإذن الله وقد رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الخيفة نصحت فدع ريبك ودع مهلك والسلام).
فلما انتهى الكتاب إلى الخليفة قرأه على رجاله، فقويت قلوبهم. ثم أن الخليفة خلا بكبرائه، وقال:
(أريد أن تتأملوا هذا الكتاب فإني شعرت منه بأمر. وإني غير سائر حتى أنظر في أمري)
فقال بعضهم: ما الذي لحظه الخليفة في الكتاب؟!
فقال: (إن فلاناً من ذوي الحصافة والرأي، وقد أنكرت ظاهر لفظه، فتأملت فحواه فوجدت في باطنه خلاف ما يوهم الظاهر، وذلك في قوله: "أصبحت مستريحاً من السعي" فإنه يريد أنه محبوس، وقوله: "استضعفتهم بالنسبة إليكم" يريد أنهم ضعفنا لكثرتهم وقوله: "إنكم الفئة الغالبة بإذن الله" يشير إلى قوله تعالى: {وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله}، وقوله: "رأيت من أحوال القوم ما يطيب له قلب الخليفة" فإني تأملت ما بعده فوجدت أنه يريد بالقلب في قوله: "قلب الخليفة" العكس، لأن الجملة الآتية مما يوهم ذلك، فقلبت الجملة، وهي قوله: "نصحت فدع ريبك ودع مهلك"، فإذا مقلوبها "كلهم عدو كبير عد فتحصن") "
كلها روايات والغريب أن تلك الروايات بعضها فى حروب الجاهلية أيضا وهى الرسائل المشفرة أى الملغزة ولكن ما أعلمه هو :
أن ذلك العصر فى حدود البساطة لا يمكن أن يستخدم تلك الأمور وأن روايات المعارك خاصة ما يسمى بمعارك الفتوح هى روايات كاذبة خاصة أن معظمها كانت معارك هجومية دون سبب للقتال وهو عدوان الآخر وهى روايات كاذبة أيضا نظرا للأعداد المهولة المشاركة فيها فنسب الجنود حتى للجيوش الحديثة فى دولة عالية السكان هى نسب لا تتناسب مع عدد سكان دولة الفرس أو غيرها فلو عددنا المقاتلين فى المعارك المشهورة تاريخيا لوجدنا عدد الفرس والروم كجيوش يتجاوز المليونين أو أكثر وهو ما يعنى أنه كى يوجد جيش كهذا لابد أن يتجاوز عدد سكان كل منهم مائة مليون وهو عدد لم تصل إليه حتى إيران الحالية أو تركيا الحالية فى عصرنا ولوعدنا للخلف حسب التاريخ سنجد أن عددهم لم يكن يتجاوز الخمسة أو العشرة مليون على أقصى تقدير وهو ما يعنى أن رجال الدولة بكاملها كانوا فى الجيوش
اجمالي القراءات
1311