ف ( 15 ) انحطاط أئمة الدين السنّى فى موضوع الزكاة المالية
ف ( 15 ) انحطاط أئمة الدين السنّى فى موضوع الزكاة المالية
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف ( 15 ) انحطاط أئمة الدين السنّى فى موضوع الزكاة المالية
مقدمة :
1 ـ على مقالنا ( خطيئة أئمة الدين السنى فى موضوع الثروة والزكاة المالية ) جاء التعليق الآتى من الاستاذ أحمد بغدادى : ( بارك الله جهودك وأثابك خيراً د. أحمد على هذ البحث الذي يخرج المصطلحات القرآنية من أسر التحجر الفكري و التخلف الفقهي. عندي أسئلة لحضرتكم:
1-ماذا عن النظام المَلَكي، والذي يملك فيه الملك الموارد و حتى الناس و حرية التصرف فيها. الله تعالى يؤتي الملك من يشاء.
2-عن الأحتكار الذي يمارس سواء في السلعة أو منع الآخرين من القيام بأعمال معينة و حصر ذلك بأشخاص معينين خصوصاً ان استعان بالسلطة. .ما هي الضوابط القرآنية لذلك، و ربما كان الشخص المحتكر على علم أو كفاءة استثنائية، مخترع مثلاً، و لا يريد أن يعطي حق التصنيع لغيره و يغالي بالقيمة.
3-عن التضخم الحالي في قيمة المال حيث تطبع الدول الكبرى المال بدون حسيب، و تدفع شعوب العالم ذلك من قيمة مواردها و جهدها مقابل أوراق مالية ليس لها رصيد سلعي و تجاري أو قيمة ذهب، و هو أمر يعادل الربا القائم في رؤوس الأموال؟ . تحياتي لكم و بارك الله جهدكم . ) . وأقول :
1 ـ تداول السلطة والثروة والقوة والضعف بين البشر من الاختبارات والابتلاءات الالهية للبشر ، يتقلبون فيها ، وفى النهاية فالله جل وعلا هو الذى يرث الأرض ومن عليها ويأتى بالبشر ليوم الحساب .
2 ـ الظلم حرام صغُر أم كبُر ، سواء كان ظلما للخالق جل وعلا أو ظلم البشر لبعضهم أو ظلمهم لأنفسهم أو سكوتهم عن الظلم . يدخل فيه ما يفعله أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين .
3 ـ المحتكر هو الذى يستأثر بما ليس حقا له ، يتحكم فيه بيعا وشراءا وإستغلالا . ليس منه ما تنتجه بنفسك أو ما تخترعه ، وفى النهاية فإن ما يخترعه الانسان وما ينتجه بنفسه لا يستطيع أن يحتفظ به لنفسه ، بل يحتاج الى مراضاة الزبائن ، ثم هو لا يستطيع أن يمنع غيره من الاختراع والتجويد .
4 ـ الأصل قى الموضوع سلعة مقابل مال . قد يكون المال قطعة من ذهب أو فضة أو ورقة نقدية لها او ليس لها رصيد ، ولكنها فى كل الأحوال لا يمكن أكلها أو إستهلاكها ، هى مجرد ورقة أو قطعة معدن . الذى يمكن إستهلاكه هو السلعة أو ( البضاعة ) أو الانتاج . بدون التقعّر فى مصطلحات الاقتصاد فإن النجاح هو زيادة الانتاج عن طريق الناس ، وحرية العرض والطلب ، وعدم تدخل الدولة فى السوق إلا بحمايته من الفساد والغش والرشوة والتلاعب فى الموازين . بدون ذلك تنشأ أمراض التضخم والغلاء وتركز الثروة فى أيدى 1% من الناس ، وذوبان الطبقة المتوسطة وتعاظم نسبة الجوعى وقابلية المجتمع للانفجار من الداخل . وهذا ما ألمح اليه القرآن الكريم ، وهذا ما غفل عنه أئمة الدين السنى . وبهذا ندخل فى موضوعنا عن انحطاط أئمة الدين السنّى فى موضوع الزكاة المالية .
أولا :
إتّخاذ القرآن مهجورا على يد أئمة الأديان الأرضية المحمديين يحتاج الى مجلدات فى التوضيح والاستشهادات والمقارنات . ولكن نكتفى بالاشارة الى :
1 : إهمالهم تماما لقضية العدل والقسط . ولقد أرسل الله جل وعلا الرسل وأنزل الكتاب ميزانا ليقوم الناس تفعيلا وتنفيذا للقسط . من يفعل ذلك فهو الذى ينصر الله جل وعلا ورسله . وبدون ذلك يكون الاحتكام الى السلاح و ( الحديد ) . قال جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ).
2 : تحويلهم العبادات الى مجرد طقوس شكلية مظهرية بدون تقوى فى القلب ودون تأثير إيجابى فى السلوك . الاخلاص فى العبادة يجعلها تزكية وتطهيرا للنفس وإقامة لها فى التعامل الطيب مع الناس. يكفى قوله جل وعلا فى سورة الزمر : ( فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) ) ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11)) ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) ) . من المضحك إنهم بالغوا فى تحريم التماثيل والتصوير ، بينما بالغوا فى تقديس القبور والأنصاب ، وهذه حماقة بالغة تعجز عن رصدها موسوعة جينيز العالمية .
3 ـ فى موضوع الثروة والمال والزكاة المالية سلّموا للسلطان بملكيته الأرض وما عليها ومن عليها ، وأن يتصرف فيها كيف شاء فى جمعها ونهبها وفى إنفاقها سرفأ أو بُخلا ، يمنح ويمنع . وتوجهوا للناس المحكومين بتفريعاتهم الفقهية فى الزكاة المالية بما يخالف تشريع الاسلام . وقد أوضحنا هذا فى كتابنا عن الزكاة ، وفى ملامح هنا عن تشريعاتهم للمرأة .
ثانيا :
ونعطى مزيدا من آرائهم ونعلّق عليها :
1 ـ إذا كان الرجل ملزما بالإنفاق على المرأة ، أيجوز ان يدفع لها الزكاة ..؟. قالوا : إذا كانت زوجة فالمفروض ان تستغني بنفقة زوجها عليها ، ويعطي زوجها الزكاة للمستحقين خارج البيت ، وإذا لم تكن ، فإن ابن تيمية يفتي في حالة (جَدّة) محتاجة بأن لأحفادها ان يعطوها الزكاة ، مع أن نفقتها واجبة عليهم..
2 ــ هل يجوز للزوجة أن تتصدق بالزكاة على زوجها..؟ قالوا يجوز ذلك ، وصنعوا حديثا رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى أن النبى أذن لزوجة عبد الله بن مسعود أن تنفق على بيتها وزوجها من ريع حرفتها ..
3 ــ هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها ؟ قالوا نعم ، ولكن في غير مفسدة كما يروى مسلم وكما يرى ابن الجوزي ، وللزوج ثواب في ذلك ..
4 ــ عن زكاة صداق المرأة في الزواج : ناقش الشافعي هذه القضية إذا كانت المرأة قد قبضت المهر وكان فيما يجب فيه الزكاة كالماشية والأموال ، ومضى عليها الحول ، فيجب على الزوجة إخراج الزكاة فيما قبضته ، ثم تنازع الفقهاء في ملكية المرأة التامة للصداق ، وتأسيساً على ذلك اختلفوا في تأديتها الزكاة على المرأة المتزوجة في تملك المال وأن تكون لديها الذمة المالية المنفصلة عن زوجها ، بدون ان تكون له الولاية عليها .
والذي نراه أنه طالما أن للمرأة ذمتها المالية فإنها تحوز مالها من صداق وغيره ، وعليها أن تخرج الزكاة عنه ، وإن كان الصداق قد تم استهلاكه في الجهاز وغيره ، فلا زكاة عليها ، وإن كان الصداق عينا تجارية تدر ربحاً أو عقاراً او ما يشبه ذلك بحيث يستمر ولا يتم استهلاكه فيجب فيه الزكاة ..
5 ــ هل عليهن زكاة في الحُـلي ..؟ إختلفوا :
يذكر مالك في الموطأ ان (عائشة ) كانت تقوم على بنات اخيها اليتامى ، وكانت لا تُخرج زكاة عن حُليّهن ، وأن ابن عمر كان لا يخُرج زكاة عن حُلى بناته وجواريه .. ويرى أبوحنيفة ان الزكاة لا تخرج عن الحُلي بالجوهر إذا لم تكن للتجارة ، اما الحلي الذهبية والفضية ففيها الزكاة ، إلا أن تكون لليتيم أي أن الجواهر والأحجار الثمينة لا زكاة على الحلي فيها إذا كانت للزينة ، اما الذهب والفضة وهما أقل قيمة ففيهما الزكاة إذا كانا للتجارة او الزينة ...!! وقد أورد الشافعي أقوال مالك ورواياته السباقة في عدم إخراج زكاة عن حلي الزينة للنساء ، وأورد احاديث أخرى توجب الزكاة في الحلي ، وقال أنه يستخير الله في الوصول لرأي في الموضوع ، وتوارث الفقهاء ــ فيما بعد ــ المشكلة . ويقول ابن تيمية أن مالك والشافعي والليث وابن حنبل وابن عبيد من الأئمة يرون أن زكاة الحلي لزينة النساء لا زكاة فيها ، ويروون في ذلك أحاديث عن عائشة وأسماء وابن عمر وأنس وجابر وغيرهم بينما يرى آخرون أن فيه الزكاة ، ومنهم أبوحنيفة والثوري والأوزاعي . ويقول ابن الجوزي انه لا تجب الزكاة في الحلي المباح إذا كان معداً للاستعمال ، فإن كان للنفقة أو التجارة وجبت فيه الزكاة . وأورد ابن حجر العسقلاني حديثين في إيجاب الزكاة على الحلي الذي تتزين به المرأة . وتوارث الفقهاء في العصر الحديث هذا الخلاف ، فالشيخ شلتوت لا يرى الزكاة في حلي الزينة للمرأة ، أما إذا اتخذته كنزاً وادخارا فقد صار نقداً تدفع عنه الزكاة ، وأبوبكر الجزائري يرى نفس الرأي ، وان كان يرى أن الجواهر الكريمة ينطبق عليها نفس الحكم ، اما الشيخ العثيمين فيرى ان الزكاة تجب على كل ما تتحلى به المرأة .
ونرى أن كل مال يأتي للرجل والمرأة تجب فيه الزكاة بدون حد ادنى ، وبدون انتظار لمرور الحول ، لقوله تعالى " وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" البقرة :3 فالمال الذي يأتي للمرأة أو ما يأتيها من هدايا عليها أن تخرج عنها زكاة ، ينطبق ذلك على الأموال السائلة والجواهر والذهب والفضة ، وكل ما يدخل تحت مدلول الرزق. ثم بعد إخراج الزكاة عن الحلى والجواهر تحتفظ بها إذا شاءت بلا إخراج لمزيد من الزكاة عليها . الحلى والجواهر هنا فيما لا يكون كنزا للمال ، أى بالقدر الذى تتحلى به المرأة ، وليس ما تختزنه وتكتنزه . أما ما يدرٌّ دخلا فيجب إخراج الزكاة عن الربح الناتج عنه بمجرد الحصول على هذا الربح .
اجمالي القراءات
1765
إذ ان هناك تعليقات اخرى لا تظهر هنا.