ومن الأغلبية الساحقة من الناس، من لا تُخبت قلوبهم للحق المنزل من ربك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
****
ومن الأغلبية الساحقة من الناس، من لا تُخبت قلوبهم للحق المنزل من ربك.
*******************
لم أكن أتصور أن مجرّد وضع نقطة واحدة على حرف أو نزعها منه يمكن أن تكون هي السبب المباشر في تحويل المعنى من نقيض إلى نقيض، أي تحويله بنسبة 180 درجة !?
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). سورة الحج – 54 –
قرأتُ هذه الآية القرآنية المثيرة، وحاولتُ تدبرها بعد أن كررتها مرّات، فسرعان ما لفت انتباهي ذلك التعبيرُ، وبالضبط ذلك الفعل (الغريب) أو لنقل غير المتداول بكثرة - حسب تقديري- ألا وهو: فعل فتُخبتَ له قلوبهم.
وبعد الاستفسار اتضح أنّ فعل (فتخبتُ له قلوبهم) يعني: تذعن للحديث المنزل من لدنه سبحانه وتعالى، أو تخشعُ له القلوبُ بكل تواضع وبعيدا عن أدنى استكبار، وتتيقن بأنّ الله وعد بأنه هادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم. ومرة أخرى، فرضت تلك العباراتُ نفسها للتأمل أكثر فأكثر، وكيف أن الذين آمنوا بالغيب هم المتقون، هم أولئك: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). سورة البقرة – 3-5-
ويبدو أن تلك الآية: (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). سورة الحج – 54 – نعم، يبدو أن وراء جملة : (فتخبت له قلوبهم) ما وراءها، مما هو جدير بمزيد من التأمل، ذلك الذي يشير إلى أن هناك بُشرى تعني أولئك المخبتيــن: (وَبَشِّرِالْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ). سورة الحج: 34/35- وتعني كذلك: أولئك المؤمنين المتواضعين الخاشعين، المذكورين في سورة هود، الآية رقم 23: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
ولعله من باب تداعي الأفكار أني تذكرتُ أن هناك صورة ملفتة تعني أولئك المصابين بذلك "الفيروس" الغريب !?، ذلك الذي ينخر العقول والألباب ويحولها شيئا فشيئا إلى هشاشة في مهب الريح، ليست بعيدة عن التفاهة الممقوتة التي تجعل المرء لا يستقر له حال ولا يطمئنّ إلاّ بعد اختلاق شفعاء لا يملكون شيئا ولا يملكون عقلا، اختلاقهم اختلاقا ليتشبث بهم، وليشعر بنوع من اطمئنان هو في الحقيقة بمثابة سراب في سراب، وإنّ هذا الصنفَ تعنيهم وتنطبق عليهم الآية رقم 45 في سورة الزمر: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ). وكأنّ ذلك "الفيروس" مسّت عدواه أكباد تلك الإبل المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، تلك الإبل التي ألهبتها سياط ومهاميز تلك الأقوام التي أصيبت بتلك الحمى "الخبيثة" التي جعلت قلوبهم تخبت للمفتريات المتحدية الله ورسوله، ولا أدلّ على هذا الوضع البائس من ذلك الدليل القاطع الوارد في سورة الفرقان الآية: 30. (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) سورة الفرقان 30.
وإنّ الخلاصة المثيرة للعجب بعد هذا التأمل، هي أن الواقع السائد مع شديد الأسف هو أن السواد الأعظم من المنتمين إلى الإيمان والمحسوبين مؤمنين هم أولئك الذين لا تُخبتُ قلوبهم للحديث المنزل من لدنه تبارك وتعالى، وإنما تخبت قلوبهم وبكل حماس وبكل الصفات والمعاني التي يحتويها الخوف، والتواضع، والخشوع، والإنكسار، تخبت قلوبهم للحديث المفترى على الله نفسه وعبده ورسوله، غير آبهين ولا مكترثين لمواقفهم تلك، الهجائية المتحدية المعطلة تعاليم الله سبحانه وتعالى.
***********
اجمالي القراءات
2555