برنامج تيفيراس يعتبر احسن البرامج الثقافية على صعيد قنواتنا التلفزيونية الوطنية لماذا ؟
برنامج تيفيراس يعتبر احسن البرامج الثقافية على صعيد قنواتنا التلفزيونية الوطنية لماذا ؟
مقدمة متواضعة
ان وظيفة الاعلام في العالم بصفة عامة هي متعددة و مختلفة و متداخلة حسب سياق كل نظام سياسي او اجتماعي او ديني لكل دولة على حدة فمثلا في الغرب المسيحي هناك حرية التعبير لم تصل بعد الى الاطلاق في بعض القضايا من قبيل معاداة السامية الخ مع انني لا اعادي اليهود كبشر و كديانة في مختلف مقالاتي المنشورة الى حد الان و ان حرية التعبير هي نسبية و ليست مطلقة و لو في اعرق الديمقراطيات في العالم.
اما في عالمنا الاسلامي كما اسميه فان وظيفة الاعلام هي متعددة لكنها تصب في ترسيخ الاحادية و تقديس الانظمة الحاكمة و نشر وعي ديني وهابي استطاع ان يجعل الكثير من مجتمعاتنا الاسلامية تمجد الماضي المجيد للامة الاسلامية حسب القراءة الاختزالية لتاريخنا الاسلامي و تكفر المستقبل ك ان الاسلام هو دين صالح للماضي و دولة الخلافة المسماة بالاسلامية زورا و بهتانا .
ان هذا الوعي الوهابي المارق قد حجب عنا الكثير من الحقائق التاريخية بهدف التظليل و توجيه المسلمين نحو تمجيد الماضي حيث كيف يعقل مثلا ان الدولة الاموية بجلال قدرها عند الاسلاميين ذوي النزعة السلفية ارتكبت فضائح في حق الاسلام و مقدساته العظمى مثل رمي الكعبة المشرفة بالمجانيق في عهد يزيد ابن معاوية و في عهد عبد الملك ابن مروان و استباحة مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث ايام حسب مؤرخي السلف انفسهم مثل ابن كثير و بالاضافة الى قتل الحسين ابن علي ابن طالب كرم الله وجهه الخ من فضائح الدولة الاموية المارقة ..
مدخل متواضع
قد لعب الاعلام الوطني منذ سنة 1956 دور سلبي في سبيل ترسيخ خيارات المخزن الايديولوجية و الدينية و اللغوية التي ترمي كلها الى اقبار الهوية الامازيغية بمختلف ابعادها الثقافية و الدينية و السياسية بغية استجابة لحاجات السلطة و حركتها الوطنية المزعومة في صياغة هوية وطنية على اساس العروبة و اسلام المخزن و لا اقول هنا الاسلام على الاطلاق لان هذا الدين الحنيف لا يعادي التعدد بمعناه الثقافي او الديني حيث ان اسلام المخزن هو اسلام مدن المركز من قبيل فاس و الرباط و سلا قبل دخول الاستعمار المسيحي رسميا الى المغرب سنة 1912 .
و في ظل هذه الوضعية المتعددة الاوجه بقى الاعلام الوطني و خصوصا البصري يتجاهل الامازيغية على طول الخط بالرغم من بعض المحاولات القليلة لانتاج برامج مهتمة بالثقافة الامازيغية مثل برنامج كنوز للاستاذ الكبير عمر امرير الذي وجدته يبث على التلفزة المغربية منذ طفولتي في تسعينات القرن الماضي حيث كان الوالدين كانا يسجلان كل ما يبث لصالح الثقافة الامازيغية على اشرطة الفيديو كنوع من انواع النضال الامازيغي كجميع الاسر الامازيغية في ذلك العهد .
و بعد احداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 من طبيعة الحال ظهرت عدة برامج مهتمة بالثقافة الامازيغية في المستوى مثل برنامج تيفاوين للقناة الاولى و برنامج اسايس للقناة الثانية الخ من هذه البرامج الناطقة بالامازيغية داخل قنواتنا التلفزيونية حتى ولدت القناة الامازيغية في يوم فاتح مارس 2010 كحلم كبير لاجيال متعاقبة من امازيغي المغرب منذ تاسيس التلفزة المغربية عام 1963 .
قد شكل ظهور القناة الامازيغية حدث تاريخي و معجزة كبيرة في حينها و الان بعد مرور 11 سنة على تاسيسها يحق لنا ان نعبر عن مدى اعتزازنا بما قدمته قناة تمازيغت من البرامج المتميزة في الشكل و في المضمون مثل برنامج اغبولا للاستاذ عبد النبي ادسالم و برنامج مبعوث خاص للاستاذ عبد الله بوشطارت و برامج الاستاذ ابراهيم المرابط الخ من هذه البرامج المتنوعة .
الى صلب الموضوع
ان البرامج الثقافية في قناة تمازيغت تستهدف اظهار الثقافة الامازيغية في ابهى صورها و مظاهرها للمغاربة قاطبة و للعالم عموما بعد عقود من التهميش الى ابعد الحدود حيث لعبت هذه الاخيرة اي البرامج الثقافية ادوارا حضارية في تاريخ الاعلام الوطني بشموليته من قبيل برنامج حضارة المدن للاستاذ عمر امرير و برنامج صناع التاريخ للاستاذ عصيد .
ان مقالي هذا المتواضع هو مخصص لبرنامج تيفيراس القيم للاستاذ ابراهيم باوش الغني عن التعريف حيث بدا نضاله الامازيغي منذ منتصف تسعينات القرن الماضي مع المرحوم احمد الدغرني في جريدة امزداي التي لم اتذكرها بحكم صغر سني ثم في جريدة تمازيغت الاسبوعية و بدات تصدر في يناير 1999 اي ان الاستاذ باوش كان ظل المرحوم احمد الدغرني حسب ما فهمته من مقاله المنشور في كتاب حديث تحت عنوان احمد الدغرني مسارات متقاطعة .
و دخل الاستاذ باوش الى الاذاعة الامازيغية المركزية في بدايات هذا القرن و كما ظهر على القناة الاولى مقدما لبرنامج ميراث في نفس هذه الفترة اي ان مسار هذا الرجل المناضل هو غني و متنوع بين الصحافة الامازيغية و الاذاعة الامازيغية المركزية و انخراطه في الشبكة الامازيغية من اجل المواطنة و انخراطه في تاسيس الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي في يوم 31 يوليوز 2005 بمعنى انه من المؤسسيين له .
ان برنامج تيفيراس هو محاولة واقعية للغوص في اعماق ثقافتنا الاصيلة من خلال الاهتمام بفن الروايس بشكل كبير باعتباره فن قد همش سياسيا و اعلاميا و حتى دينيا منذ عقود من الزمان بفعل غياب المرجعية السياسية و الدينية لدى امازيغي المغرب لكي يفرضوا انفسهم و هويتهم على المخزن كما فعل اهل فاس و اهل الرباط و اهل سلا منذ سنة 1930 بتاويلهم لظهير 16 ماي 1930 تاويلا شيطانيا باسم الاسلام و الوطنية المزعومة بغية محو شيء اسمه الحضارة الامازيغية الاسلامية كما اسميها .
طبعا انني اتحدث هنا بصفتي باحث جد متواضع في فن الروايس حيث اهتم برنامج تيفيراس بابراز خصائص تيرويسا الاذبية و الفنية و التاريخية من خلال استضافة قدماء الروايس للحديث معهم حول مسارهم حيث اتمنى ان يستضيف هذا البرنامج الناجح بدون ادنى شك الرايسة فاطمة تحيحت مقورن اي الكبيرة التي اعتزلت هذا الميدان منذ ثمانينات القرن الماضي في اوج عطاءها الهادف الى توعية المجتمع وقتها .
و كما اهتم هذا البرنامج بظاهرة المجموعات الامازيغية العصرية من قبيل مجموعة ارشاش الرائدة في الجمع بين الاصالة و المعاصرة و على ذكر الاصالة و المعاصرة فقد خصص برنامج تيفيراس عدة حلقات للحديث عن مسار المرحوم عموري امبارك الغني بمحطاته المشرقة في سماء الاغنية الامازيغية الحديثة ..
و اهتم هذا البرنامج بالسينما الامازيغية او افلام الفيديو من خلال حلقة تكريمية لروح الفنان الامازيغي احمد بادوج الذي توفي في غشت 2020 كايها الناس حيث اعرف ان وقتها كانت اجراءات تصدي لوباء كوفيد 19 لكن قنواتنا التلفزيونية لم تقوم بواجبها الاخلاقي و الوطني تجاه هذا الفنان المغربي كما قامت بهذا الواجب مع فناني المركز امثال المرحومة امينة رشيد و المرحوم محمد بسطاوي حيث اترك المجال لتاويل كلامي هذا.
لقد اهتم هذا البرنامج الناجح بالمدح الديني الامازيغي من خلال حلقة متميزة حاولت ابراز مدى اجدادنا بالمدح الديني بالامازيغية بسوس العالمة حيث هناك من يتطرف الى الوهابية و هناك من يتطرف الى الالحاد لكنني اخترت اتجاهي الامازيغي الاسلامي كثابتان تاريخان و اصيلان في هذه الامة حسب رايي الشخصي.
و خلاصة القول ان برنامج تيفيراس هو احسن برنامج ثقافي ناطق بالامازيغية في تاريخ اعلامنا البصري الوطني منذ ميلاد التلفزة المغربية سنة 1963 .
المهدي مالك
اجمالي القراءات
2702