العدل والملك هو المغزي من قصة سليمان عليه السلام:
خاطرة عن قصة سليمان عليه السلام ومملكة سبأ

حسام علم الدين Ýí 2020-06-07


ترددت كثيرا في التعليق على قصة سليمان عليه السلام لولا انى لمست ان حوار الاخوة اهل القران  لم ينتهى باجابة شافيه تريح قلوبهم ورغم انى اتذكر ان الدكتور احمد صبحى منصور كان قد كتب مقالا عن هذا الموضوع في السابق  وانتهى فيه الى ان قصة سليمان عليه السلام  تحتوي على تفصيلات  كثيرة ومن الصعب تقيم هذا الامر في ضوء الاجمال الوارد في القران عن القصة  فضلا عن ان التشريعات لا تؤخذ من القصص ثم اشار الدكتور احمد صبحى منصور الى ان عبارة البأس الواردة  على لسان مستشاري ملكة سبأ  وعبر على انها تشير الى ان هؤلاء القوم ربما مارسوا هذا الباس على قوم ما  ولم يتضح لنا من القصة هذه التفصيلة  لكن الحكم  على القصة انما يكون من واقع المبادئ القرانية التى تحرم الاعتداء وتبيح القتال فقط في حالة رد الاعتداء ورغم انى اعتقد ان هذا الرد كافيا وشافيا ويجب ان لا نتوقف عند هذا الامر كثيرا الا اننى لما لمست انه ربما مازال يشغل بال الاخوة من اهل القران مما دفعنى الى المشاركة بخاطرتى في هذا الامر لعلها تفتح عقول البعض الى فهم اعمق للقصة للاجابة على هذا التساؤل فانا لا ادعى معرفة الاجابة

ان الغرض من القصص القرانى هو العبرة والتدبر  فقد قال تعالى كُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ( سورة هود)

اذا فالغرض الاساسي من القصص القرانية عن الرسل هو  العظة والعبرة للمؤمنين فضلا عن تثبيت الرسول في دعوته

ومن هذا المنطلق دعونا نفهم اولا الغرض من ذكر قصة سليمان عليه السلام

ان تدبر الايات التي ذكر فيها سليمان عليه السلام وداود عليه السلام نجد ان قصتهما تدور حول محورين  اساسيين هما العدل والملك

وكأن فكرة العدل كانت فكرة تشغل بال النبى داود ومن بعده سليمان عليهما السلام فذكر الله في موضوعين فكرة القضاء بالعدل كان داود وسليمان بطلاها  لم يتطرق القران الى تفصيلات القضيتين لكنه كان يشير اليهما اجمالا لكنه عنى بمدي فهم دواد وسليمان لفكرة العدل في القضيتين وفى احدي القضيتين فهم سليمان معنى تطبيق العدل في  القضية المعروضة (ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما)

نخلص من ذلك ان فكرة العدل كانت تسيطر على وجدان داود وسليمان باعتبارهما ليسوا فقط انبياء لكنهم ايضا ملوك معنيين بالاساس بتطبيق العدالة

اذن يشير القران  الى اهمية العدل بين الناس وانه قيمة ليست بالامر الهين ففهم معنى العدل هو امر ليس بالامر اليسير وهو لا يعنى تطبيق الاحكام بشكل آلى وانما يجب ان يحاول الانسان تقصى العدل الباطن قبل الظاهر ومن هنا نفهم مثلا لماذا قص القران حكاية النملة مع سيدنا سليمان بل وتسمية السورة باسمها ان  فهمى للعدل هو انه  احداث توازن بين مصالح البشر فلا تجور مصلحة على مصلحة اخري وهذا الامر يستلزم دقة في فهم المصالح وكيفية الموازنه بينها ولما كان هذا الامر يشغل بال سليمان عليه السلام فقد طلب من الله سبحانه وتعالى القوة التي تجعله قادرا على تحقيق هذا العدل  وهو ما عبر عنه بكلمة ملكا لا ينبغى لاحد من بعده انها فترة استثنائية من العالم سخرت فيه الطبيعة لشخص كي يحاول تطبيق العدالة بالمعنى الذي اراده الله من عباده ان يفعلوه باعتبارهم خلفاء فالعدل هو اساس الخلافة (يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) وحين استجاب الله لسليمان عليه السلام ووهبه الملك استطاع ان يفهم العدالة بشكل اعمق وان ينقل هذا الفهم للبشرية فبينما جيوش سليمان كانت تسير في الارض لتطبيق العدالة كادت ان تظلم جموع النمل الذين من الممكن ان يتحطموا تحت اقدام الجنود وهم لا يشعرون اصلا انهم ارتكبوا شيئا او جارو على حق احدا من الكائنات

اذن فهم سليمان في هذه اللحظة ان العدالة لا تعنى فقط التوازن بين مصالح البشر لكنها اعمق من ذلك انها التوازن بين مصالح كل كائن في هذا الكون هذا هو ما دفع سليمان عليه السلام الى التبسم لانه ادرك قيمة الفهم الجديد للعدالة الذي انتقل الى البشرية بعد ذلك

ملحوظة

انا لا اعتقد ان ملك سليمان كان ملكا دنيويا كسائر الممالك القديمة لكنه كان ملكا فريدا قد يفتقد الى مقومات الدول المعروفة في هذا الوقت من دواووين وحكومة وبيروقراطية لكنه كان ملكا له طابع خاص يستمد خصوصيته من تغيير التركيبة التي تعاون الملك في شئون حكمه ( الجن والطير والريح ) كما اننى اعتقد ان ملك سليمان لم يكن ملك بنى اسرائيل فلم يخاطب سليمان بنى اسرائيل وحدهم بل كان خطابه للناس عامة ( يا ايها الناس علمنا منطق الطير )

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن لماذا كانت معجزة سيدنا سليمان هى تلك الادوات السابقة لتطبيق العدل بين الناس لا شك ان العالم القديم في هذا الوقت كان قد افتقد العدالة او الحد الادنى من العدالة مما استدعى لارسال رسول ليعيد شرح وفهم العدالة بين البشر وكان النبى سليمان هو ذلك النبى

وازعم- وهذا الزعم ليس علميا – ان عبارة وحشر لسليمان جنودا من الانس والجن تشير الى ان البشر قد توافدوا الى سليمان هربا من مجاعة مثلا واستقروا في ارض سليمان مما سمح لهم ذلك بالانخراط في جيش سليمان واعتقد انهم كانوا شعوب البحر الذين هربوا من المجاعات في اوربا وتوافدوا على منطقة الهلال الخصيب في القرن العاشر قبل الميلاد

كما ازعم ايضا ان فترة حكم سليمان شهدت انهيارا لدول العالم القديم وهو الامر الذي شاعت فيه الفوضى في هذه الدول وكان العدل هو مفتاح اعادة البشرية لطريقها الصحيح ويتوافق ذلك مع فترة سميت تاريخيا الفترة المظلمة انهارت فيها ممالك مصر والاشوريين والفينقيين والبابليين وهى تتوافق مع ظهور حضارة جديدة في اليمن وهى حضارة سبا ولعلها حتى قبل التاريخ المكتوب لهذه الحضارة

ناتى للمحور الثانى الذي دارت حوله قصة داود وسليمان عليهما السلام وهو الملك

ويظهر من هذا الامر ان السائد في هذه الحقبة  عن الملك ان الغلبة بين الممالك كانت للاقوي وان مقياس القوة بين الممالك كان يقاس بمدي التكنولوجيا- بالتعبير الحالى- التي تمتلكها الدولة وليس بالعدل الذي هو اساس الملك واراد سليمان ان يعلم ملكة سبأ خطأ هذه الفكرة بمحاولة وتوضيح انه يملك تكنولوجيا متطورة عنها جدا وان هذا ليس معيار القوة لاي مملكة لكن العدل هو معيار تقدمها ويظهر ذلك من المناظرة التي جرت بينهما حول العرش وحينما جهلت تكنولوجيا الابنية الزجاجية وحسبتها لجة وكشفت عن ساقيها

اما جوهر الفكرة عن سبب احتمالية نشوب حرب بين مملكة سبا وسليمان عليه السلام وافتراض سلمية مملكة سبا وفق ما جاء على لسان الهدد  بعيبه عليهم انهم مشركين فقط فلم يكن مغزي القصة التركيز على هذا الامر وهو ما يعنى ان القران اسقط تفصيلات كثيرة لابراز الغاية من السرد القصصى التي سبق شرحها  ولا يعنى افتراضنا سلمية  مملكة سبا ورغبة سليمان عليه السلام في الغزو لان الحكم بمعلومات ناقصة فيه ظلم بين وحكم جائر

واخيرا معلومة اخيرة انه ثبت من الادلة الاركيوجية ان معنى كلمة سبا  فقد وردت نظريات كثيرة، وجدت اثار حجرية بـخط المسند تشير إلى معنى قاتل أو حارب.ولنا ان نتخيل لماذا سمية هذه القبيلة بهذا الاسم وهى القبيلة الاساسية في مملكة سبا والتى سمية المملكة على اسمهم

اجمالي القراءات 3303

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-05
مقالات منشورة : 13
اجمالي القراءات : 37,844
تعليقات له : 91
تعليقات عليه : 0
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt