هل أقر القرآن نظرية التطور

الشيخ احمد درامى Ýí 2017-03-03


 

هل أقر القرآن نظرية التطور

تأخرت عن الخوض في النقاش الذي دار حول موضوع نهاد حداد:"شرح وتبسيط لنظرية التطوّر وإجابات عن الأسئلة الدائرة حولها" فخشيت ألا يطلع كثير من الإخوة على تعليقي فيه ففضلت أن اجعله مقالا

 

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.)

لم يهتد العلم بعد إلى معرفة كيف بدأ الله الخلق بصفة عامة، وخلق الحياة بصفة خاصة. لقد أشار إليه القرآن بالإجمال لكنه لم يأتنا بتفصيل؛ وإنما دفعنا إلى البحث عنه؛ مشيرا بأن الله جل وعلا ترك لنا منه آيات في الأرض.(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ. ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ. إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.)  [العنكبوت: 20]. لكن المؤمنين اليوم عن البحث معرضون، رغم توافر مواضيع البحث في القرآن (…هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ. إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ. وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ…) طوران مختلفا النوع تماما.[النجم: 32]

ثم أضاف جل وعلا باستفهام توبيخي:(وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ؟!) 

 لم يذكر القرآن كيف بدأ الله خلق آدم. لكن ليس مستبعدا أن يكون خلق آدم قد بدأ بوحيد الخلية من حمإ مسنون في أعماق البحار. حيث طفرت الحياة. إذ آية خلق آدم توحي أن هناك فترة طويلة (ملايين أو مليارات سنة ربما) بين بدء خلق آدم ونهايته. حيث تنقّـل فيها آدم عبر أطوار متباينة الأشكال والأنواع، حتى إذا استوى بشرا فنفخ فيه الروح، فثَمّ سجد له الملائكة.

والعبارة (إني خالق)(I am creating)   « present continuous »يدل على امتداد العملية في الزمن.وأنها ليست دفعة واحدة.عندما قال ربنا للملائكة (إني خالق بشرا من طين) كان آدم آنذاك في طور الخلق ولم يتم بعد خلقه. وإنما أخبرهم فقط أن خلقه بشر قد بدأ. ثم أضاف قائلا: (فإذا سويته (لاحقا) ونفخت فيه من روحي، فقعوا له (آنذاك)ساجدين). من الآية نفهم أن السجود كان مؤجلا إلى عند اكتمال خلق آدم ويستوي؛ وينفخ فيه روح. (من روحي) أي من "روح الله" (جبريل). أي بواسطة جبريل "روح الله".

فامتداد خلق آدم في الزمن يوحي بوجود التطور.إذا قال جل وعلا لخلية ما كن فقد انتهى منها؛ وبقي أن تنطلق الخلية وتتطور من تلقاء نفسها إلى ما أراد الله.

علما أن الخلية نفسها ليست هي البداية. بل هي محصلة ومرحلة وصلت إليها من سلسلة تطور ترجع بدايتها إلى البسيط الأول، لبنة متناهية الصغر، الذي منه انطلق الخلق. أصغر عنصر مفترض في الوجود، والذي لا يَكْتَنِهُهُ الوصف! ولسنا مزودين في أدمغتنا ب"معالجات دقيقة" microprocessor))قادرة على تصور وتمثل كنهه وصورته.

 

فالقرآن لا ينفي التطور؛ بالعكس إنه يقرّه. ونفهم ذلك من قوله جل وعلا (إني خالق) وذلك يدل أن آدم خلق أطوارا. (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا.)[نوح: 4]

كما أن القرآن لم يبين لنا كيف كانت صورة آدم وزوجه "حواء" وهما في الجنة. أكانا على صورتنا الآن؟ أم كانا على صورة حيتين خضراوين؟ أو على صورة طائرين جميلين؟  

وأنا أتصورهما (ثَمَّ) في صورة طائرين جميلين (على حجم الطاووس) بأرياش ملونة أنيقة. يطيران متنقلين هانئين بين أشجار الجنة، ولهما أصوات عذبة، يغنيان معا فرحين متحابين، وفي منتهى السعادة.

لكن لما أكلا من الشجرة الممنوعة، فجأة سقطت عنهما جميع الأرياش، فبدت لهما سوأتهما. (العضو الذي كان مستترا فيهما احتياطيا حال إذا قُضي أنهما يهبطان إلى الأرض). فتضايقا من النظر إلى منظر بعضهما المرعب. فطفقا يقذفان على سوءتهما من ورق الجنة.

كما تعلمون أن الطيور (إلى يومنا هذا) لا ترى عورتها أبدا ولا عورة بني جنسها، بسبب لباس جلد يواري أعضاءها التناسلية، ولباس ريش يواري سوأتها. لكن لما أكل آدم و"حواء" من الشجرة سقطت عنهما الأرياش ورأيا سوآتهما. فلم يعدا مؤهلين بالعيش في الجنة.

ولما طردا من الجنة وأهبطا في الأرض عريانين، عطف الله عليهما وأعاد لهما الأرياش. وقال جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا…ولِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ. ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). فقد وريت سوأة الرجل بجلد، وسوأة المرأة بزغب، أي الريش بالتعبير القرآني.فأمرنا الشيطان بقطع الجلد ونفط الزغب، لتنكشف سوءتنا.(بالختان)

لقد امتنعت عن ختان ابني الأصغر اعتمادا على هذه الآية. لكن لما فكرت بحصولنا على لباس التقوى، قلت لم تعد لنا حاجة بلباس الجلد أو الزغب. فمن أراد أن يحتفظ بذلك الباس فله ذلك، ومن أراد أن يخلعه فله ذلك، لأن وظيفتهما قد انتهت عندما جاد الله علينا بلباس التقوى. ولباس التقوى خير.

وما لباس التقوى سوى هذا الثياب المسدول الذي نلبسه اتقاء فتنة. سُميب"لباس التقوى" لأننا نلبسه ونتقي به فتنة الإغراء إلى الفحشاء والمنكر، لكونه مسدولا يغطي العورة وما حوله تحفظا واحتراسا.قال سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ. ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ. وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا.)[الأحزاب: 59] والآية تدعو إلى اتقاء الفتنة والأذى بلباس التقوى. وكذلك تلك التي تقول: (…وليضربن بخمورهن على جيوبهن….) بلباس التقوى.

  ثم قال جل وعلا ناصحا لنا ومحذرا:(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا (الآن بموضات مثلا) لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا. إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون.) [الأعراف: 27،26].

بالمناسبة، الشيطان عديم القوة والقدرة. وإنما يستثير طاقة فريسته ويدفعها بالمكايد حتى يلقي نفسها إلى تهلكة،فيهلك نفسها بنفسها. أو يخوفها فتفزع وتطلع لها " الأدرينالين" بغزارة، ويسبب لها أمراضا "عقلجسمانية" ((psychosomatic diseases

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ (حتى أوقعه في الغواية) فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ.)

أو(كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ، لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا! (فأصحابه من الشيعة، مثلا، يدعونه إلى هداهم ائتنا! والسنة يدعونه إلى هداهم ائتنا! والصوفية يدعونه إلى هداهم ائتنا! وعيرهم. فيدعونه من كل جانب ائتنا، ائتنا، ائتنا! فأنقذه الله جل وعلا من مكايد الشيطان ولقنه حسن الجواب:(قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ(أي القرآن)هُوَ الْهُدَىٰ! وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.) أي للقرآن الكريم.

التطور سنة الله في الخلق. لأنه جل وعلا واحد، ولا يخلق إلا واحدا مما أراد. لا يخلق الله أكثر من خلية واحدة مما أراد. فتتطور تلك الخلية إلى فرد، ثم إلى مليارات أفراد مختلفة الأشكال والأنواع. وهكذا خلق آدم، (وحيد الخلية) فانقسم آدم فانفصلت منه زوجته "حواء" ثم منهما مليارات البشر. فكلهم من خلية واحدة.أي من نفس واحدة

إن الحياة في الدنيا (الكائنات الحية) كلها من أصل واحد (الأرض). إذ خلق الله الأرض فأنجبت الأرض صنفان من كائنات الحية: الصنف المجتهد والصنف المتوكل.

فالصنف المجتهد هم الحيوانات من بينهم البشر. فهم يسعون ويجتهدون لنيل المعايش.

والصنف المتوكل هي النباتات. توكلت على الله فيأتيها رزقهم من فوقها ومن تحت أرجلها رغدا.

وكذلك لما أراد الله جل وعلا إيجاد الكون بما فيه من الأشياء مختلفة، ما خلق إلا نقطة واحدة، أي خلية واحدة؛ نقطة (Big Bang)، فانفجرت النقطة، فانبثق من انفجارها الزمان والمكان وجميع مكونات الكون ومحتوياته.وما زال هذا الكون في تطور.

فتبارك الله أحسن الخالقين‼!

 

والله جل وعلا أعلم.

اجمالي القراءات 8911

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2016-06-30
مقالات منشورة : 39
اجمالي القراءات : 611,566
تعليقات له : 105
تعليقات عليه : 42
بلد الميلاد : Senegal
بلد الاقامة : Senegal