يازوجتي العزيزة..أنا متشائم..
جلس على كنبة الأنتريه وارتفع ببصره قليلا ناحية اليمين لينظر مكتبته الشاهقة في صمت وقد تزينتها كافة الصنوف المعرفية من الفلسفة إلى الدين إلى السياسة إلى الاجتماع، وبدر لذهنه سؤال: ما الذي سيحدث لو ارتفعت الأسعار في مصر (زيادة عن اللزوم) وخال في ظنه أن لفظ (اللزوم) يعني ما يلزم حد الكفاف، وهو المستوى الذي يميز الفقير من غيره.
قال: أنا أعرف حماقات الحكومة، فهي لا تهتم بالفقير إلا إذا كان ناخبا ، مثلها كرجال الأعمال ومرشحي الانتخابات، إذن حكومتنا رجال أعمال، لكن في المقابل تساءل، وماذا نسمى مشروعات التنمية التي حدثت مؤخرا كالطرق والكباري ومشروع الفرافرة؟..لكن الشك سباق..فقد تذكر فورا أنها كانت سياسة الرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ اهتم بما يرفع نفوذه ولو شكليا، لكن ضمنيا لم يعمل لصالح الفقير، وزادت الهوّة بين الطبقات، في ذات الوقت مقتنع بأن فشل هذه المشروعات حتمي لعدم ارتباطها بمشروع حضاري شامل للتغيير يرتبط بالتغير الجذري في مجالات السياسة والدين والاقتصاد والاجتماع، وهذا المشروع غائب عن الوعي المصري ليست فقط الحكومة..
إذن هي مشكلة شعب قبل أن تكون مشكلة حكومة، ولكن السؤال في المقابل، وهل له أن يحاسب الشعب؟..ومن الذي يستحق المحاسبة؟..وهل نؤمن فعلا بالمحاسبة؟
ثواني حضرت زوجته من الخارج، وقد كانت في السوق لشراء بعض الحاجيات، وبعد إلقاءها السلام قال: آسفة جدا إني حضرت متأخرة ولكن زحمة المواصلات هي السبب..
قال: يعني السوق ليس هو السبب؟
قالت: السوق غير مزدحم على غير العادة
قال: إذن فلو كان السوق ليس مزدحما يعني –حسب ما تعلمه في الاقتصاد والاجتماع-عجز في القدرة الشرائية، وهي أزمة تنذر بتدهور أكثر في حالة الفقراء وتوسع شرائحهم لتطال بعض من الطبقة الوسطى..فهل هذا السوق فقط على هذا الحال أم كل الاسواق التي تعرفينها
قالت: أغلب الأسواق التي أعرفها منذ شهر وهي خاوية، لا حركة كما كانت في السابق، والتجار أخترعوا أساليب جديدة في الدعاية لبضائعهم..
قال: إذن فلماذا لا يبيعون بسعر أرخص كي تباع سلعهم أفضل من هذه الأساليب؟
قالت: ارتفاع الأسعار في مصر مرتبط بسعر صرف الجنيه، فما كان يستورده التجار ب100 جنيه أصبح ب200 ومصر دولة استهلاكية تعيش على الاستيراد بأكثر من 80 %
ولكن لماذا هذه الأيام أراك تقرأ وتفكر أكثر من السابق؟
قال: إذا لم أفكر في الأزمات فمتى أفكر؟
قالت: إذن فهل وصلت لحل؟
قال: الحلول أكبر مني كمواطن بل أكبر من الحكومة بل أكبر من الشعب، نحن في أزمة وجود يازوجتي العزيزة
قالت: إذن فلماذا أراك تحمّل الحكومة أكثر هذه الأزمات؟
قال: لأنها تكذب على الشعب ولا تعكس الواقع كما هو ليعلم من يعلم عن بينة، الحكومة مهتمة بتلميع صورة (السيسي) بهدف القضاء على خصومه المحليين والإقليميين والدوليين..تعيش حالة صراع قذر على حساب الدولة والشعب، لذلك هي تضطر كثيرا لهذا الكذب وتحارب من يطرح هذه الحقائق للناس وتعده متآمرا..
قالت: أعطني دليل واحد
قال: النظام السياسي بكل فروعه التنفيذية والإعلامية والبرلمانية لا يتحدث عن (إخفاقات) بل (إنجازات) وهذه وحدها مصيبة، لأنها تعني أمرين اثنين:
1- ترفع الأمل عند الشعب وتجعله يعيش في عالم خيالي
2- تعزل الحكومة عن الشارع بحيث أصبح كل من يتحدث عن إخفاق هو متآمر ضد الدولة..
قالت: وماذا يعني ذلك؟
قال: في الثورات الشعبية بحثت عن أسبابها وجدت سببا جوهريا وهو.."الخديعة"..وتعني أن اليأس ينبع من بلوغ الأمل الكاذب..والمخدوع يعني أنه كان ينتظر بالأمل، فإذا طال انتظاره وقع في حالة نفسية سيئة تصبح لديه مصدر طاقة إما تخرج على شكل معارضة سلمية أو إرهاب، وهذا ما يحدث بين الأفراد العاديين، شخص كنت تأمل فيه أن يعاملك بلطف فيخدعك ويعاملك بخشونة، وقتها تصبح ردة فعلك عنيفة أو تصمت عنه وتتركه بالكلية..
قالت: كلامك صحيح، أيام مبارك أواخر التسعينات عشنا على أمل مشروع توشكى وشرق العوينات وترعة السلام في سيناء، إضافة للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ ووعود مبارك بجعل مصر دولة عظمى..وحين تأكدنا أن هذه كانت مجرد أحلام غير واقعية سقطت الحكومة من نظر الشعب، ومن يومها بدأ التمرد..
قال: يازوجتي العزيزة، زوجك ملم بأغلب قواعد اللعبة، فهو كان مؤيد للنظام السياسي، والآن أصبح يشك ليس فقط في النظام..بل يشك في صلاحية التغيير وأهليته بهذا الشكل من أصله، ولديه شبه قناعة الآن باستحالة التغيير بنُظُم أمنية غير ديمقراطية، حتى أنه وضع النظام الأمني في خط النظام الديني وأصبحوا لديه واحد..
قالت وهي تمسك كتاب.."الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق"..: هل هذا يعني أنك لم تعد تؤمن بهذا الكتاب؟
قال: بل زاد إيماني به أكثر من السابق، فهو يتحدث عن فساد النظام الديني (الخلافة) وتصديه لكل مشروعات الأخلاق والسياسة، ويدور محوره حول رفض مفهوم السمع والطاعة، والمفهوم متحقق تماما في النظامين العسكري والديني، أي أن الشيخ كان يتحدث عن نظام ديني شكليا، وعسكري أمني معنويا..
قالت وهي مبتسمة: حين بدأنا رحلتنا في الحياه سيطرت على عواطفنا مشاعر الحب، فهل يعني أنك ستنقلب على هذه المشاعر يوما ما؟..أم أنني مختلفة عن السيسي ؟!
قال وهو مبتسم أيضا: أنتي كل شئ في حياتي الآن، لستي مجرد زوجة، بل أم لأطفالي، وجزئي الآخر الذي ينبض بالحب والحنان، وكلما كنت في حاجة للحب سأحتاج لكي، والإنسان منا لا يستغني عن الحب، فضلا عن خلق المروءة والصبر الذي يحملني على معاملتك بلطف إذا تعمدتي أو أخطأتي في الإساءة..لكن السيسي حبي له كان مجرد (مصلحة) انقضت بانقلابه على هذه المصلحة..
قالت: وما هذه المصلحة؟
قلت: مصر هي أكبر مصلحة، لم أعد على قناعة بأن الرجل يعمل لصالح مصر وشعبها، بل انقلب عليها دكتاتورا، وقد زاد نفوري منه أنه (مخادع) يعني لا يصرح بظلمه، بل يستعمل أدوات عاطفية محضة، وهذا سيكون له تأثر سلبي بشع على نفوس وعقليات المصريين ، بحيث إذا أراد المصري الخير لن يجده كون المعلومة لديه غير صحيحة، ونظامه يمارس عليه أحط أنواع الغش والتدليس..
قالت: وهل تجد السعادة الآن؟
قال: لا يهم أن أشعر بالسعادة..المهم أن الفارس قد ترجّل للأبد، وحتمية التغيير عندي أصبحت ضرورة للحياه..
يازوجتي العزيزة..أنا متشائم..
اجمالي القراءات
6975
اتى السيسي بكتلة شعبية كبيرة لم تحدث لرئيس مصري قبل ذلك .. ولكنه فشل في الاحتفاظ بتلك الكتلة بل بدأت في التفتت سريعا ..
واستطاع السيسي ان يجعل الكثير من المصريين يتحسرون على ايام مرسي ومبارك في خلال سنتين من توليه الجكم ..
لا يستطيع السيسي الاستمرار في الخداع ففي النهاية هو من يخدع نفسه ..