القاموس القرآنى : خائن / خوان / يختانون
آحمد صبحي منصور
Ýí
2016-02-20
القاموس القرآنى : خائن / خوان / يختانون
أولا : خائن / خيانة :
1 ـ تحريف الوحى الالهى
كان بعض أهل الكتاب يقومون بتحريف الكتاب ، وظل فريق منهم يحترف هذه المهمة القذرة حتى عهد النبى محمد عليه السلام ، قال جل وعلا فيهم : ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) المائدة 13 ). وصفهم رب العزة بالخيانة ( خائنة منهم )
2 ـ نقض العهد والميثاق
3 ـ الشهادة الزور
ثانيا : الخيانة فى الدين : خيانة الأمانة الدينية : ( فَخَانَتَاهُمَا )
1 ــ من الملاحظ أن وصف الخيانة هنا فى موضوع إمرأة العزيز يعنى شهادة الزور . ولا يعنى الخيانة الزوجية ، وإمرأة العزيز كانت تخون زوجها حين راودت يوسف عن نفسه . ولم يرد وصفها بالخيانة الزوجية ، حتى عندما شهد شاهد من أهلها انها هى التى راودت يوسف عن نفسه وصفها بأنها من الخاطئين ولم يقل من ( الخائنين ): (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف).. ولم يأت مصطلح الخيانة فى موضوعات الزنا للزوج أو الزوجة ، ويتضح هذا مثلا فى عقوبة المحصنة المتزوجة بالجلد فى سورة النساء ( 25 ) وسورة النور ( 6 : 9 ) الأحزاب ( 30 ) ( الطلاق 1 ).
2 ــ ومن هنا نرى أن وصف زوجتى نوح ولوط بالخيانة لا يتعلق بالخيانة الزوجية ، بل بخيانة الدعوة لزوجيهما ، وهذا فى قوله جل وعلا : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) التحريم ) ويدل على ذلك أن هاتين المرأتين هما المثل الأسفل للكافرين ( أى فى الدين ) مقابل إمرأتين هما المثل الأعلى للمؤمنين ( فى الدين ) : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12) التحريم )
3 ــ ومنها الخيانة القلبية لدى المنافق الذى يخفى الكفر ويظهر الايمان ، وقد تفضحه عيناه ، والله جل وعلا هو الأعلم بخائنة الأعين التى تعكس الكفر الذى فى الصدور، وقد جاء هذا فى سياق الحديث عن الكافرين يوم الحساب ، يقول جل وعلا عنهم : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) غافر )
4 ـ ومن هنا ـ ايضا ـ نفهم نهى رب العزة جل وعلا الصحابة المهاجرين بعد موقعة (بدر ) عن خيانة الله ورسوله وأمانة الدين . جاء هذا فى سياق أوامر ونواهى لهم ؛ أمرهم رب العزة بالطاعة والاستجابة لأوامر الله جل وعلا ورسوله ، وحذرهم من فتنة قد تصيب الجميع ، وذكّرهم بما كانوا عليه من قبل وهم فى خوف يخافون أن يتخطفهم الناس فأواهم وأيدهم جل وعلا بنصره. قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الانفال ). ثم بعدها نهاهم عن خيانة الله جل وعلا ورسوله ، وخيانة الأمانة الدينية فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) الانفال ).
ثالثا : خوّان كفور
1 ـ هو صيغة مبالغة فى الخيانة . فالخائن ( على وزن فاعل ) الذى يرتكب جريمة الخيانة . أما الخوّان فهو الذى يبالغ ويتطرف فى الخيانة . وهناك أيضا ( كافر ) أى الكافر بعقيدته وقلبه دون أن يعتدى على أحد ودون أن يقوم بإكراه الآخرين فى الدين . هناك الكافر بعقيدته يقدس البشر والحجر من القبور المقدسة ( ضريح الحسين والقبر المنسوب للنبى مثلا ) والأسفار أى الكتب المقدسة ( البخارى مثلا ) ثم لا يكتفى بهذا الكفر القلبى الاعتقادى فيضيف اليه كفرا سلوكيا بالاعتداء على من يخالفه فى الدين يبغى إكراهه فى الدين وأن يتبع مثله تقديس البشر والحجر ، ويفترى تشريعا بهذا مثل أُكذوبة ( حد الردة ) و ( إزدراء الدين ) بل يفعل مثلما فعلته قريش وما تفعله الوهابية السعودية والداعشية فى شن حروب فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا لفرض دينها بقوة السلاح . هنا يأتى الوصف ب ( خوّان ) مبالغة فى الخيانة ، ويرتبط به وصف ( كفور ) مبالغة فى الكفر .
2 ـ وبعد الهجرة تابعت قريش المؤمنين فى المدينة بالغارات الحربية وقت أن كان المؤمنون ممنوعين من رد الاعتداء ومأمورين بكف اليد . قال جل وعلا عن أولئك القرشيين المعتدين : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) الحج 38 ). فالله جل وعلا يدافع عن المؤمنين المسالمين وفى نفس الوقت لا يحب ( كل خوان كفور ) . هنا صيغة المبالغة فى الخيانة ( خوان ) والمبالغة فى الكفر ( كفور ) . وجاء بعدها الإذن للمؤمنين الذين يتعرضون للقتال بأن يدافعوا عن أنفسهم وبلدهم ودولتهم ، يقول جل وعلا بعدها : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج )
3 ــ جدير بالذكر أن قريش بعد أن دخلت بكثرتها فى الاسلام فيما بعد مالبث أن إستغلت الأوضاع بعد موت النبى فى جرّ الأعراب وغيرهم الى الفتوحات التى حملت إسم الاسلام زورا وبهتانا ، وهو نفس الاعتداء الذى كانت تمارسه قريش ضد النبى والمؤمنين فى بداية إقامتهم فى المدينة. لذا نفهم الروعة فى قوله جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ): أى إن الله جل وعلا لا يحب كل خوان كفار قبل موت النبى وبعد موت النبى . إكتفى رب العزة بالوصف ( خوان كفور ) دون ذكر أسماء ، لينطبق الوصف على من يستحقه فى مكان وزمان .
رابعا ـ خوان اثيم
هناك من يزعم الايمان وهو ( خوان ) ، ليس خوانا كفورا بل هو خوان أثيم ، أى متطرف ومبالغ فى الخيانة وفى الإثم ( أثيم ) .ووصف الله جل وعلا بهاتين الصفتين ( خوان أثيم ) بعض الصحابة لأنهم قاموا بتلفيق تهمة لبرىء لكى يبرئوا أبنهم المجرم . كان ابنهم قد سرق وافتضح أمره ، فتآمروا على دس المسروق فى بيت برىء ، وذهبوا للنبى يشتكون من إتهام ابنهم ظلما ، فدافع عنه النبى وهو لا يعلم أنه السارق المجرم . فنزل قوله جل وعلا : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ : وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا )) النساء 105 ) هنا وصف لهم بالخائنين ، (وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) النساء ) . هنا ثلاث صفات لهم : ( يختانون أنفسهم ) أى يخونون أنفسهم ، ( خوّانا ) ( أثيما ) مبالغة فى الخيانة ومبالغة فى الإثم . وكل من يقوم بتلفيق تهمة لبرىء هو خوان أثيم . ÷ذا غذا لفّق تهمة لبرىء واحد فكيف بنظام حكم المستبد الشرقى الذى يدمن تلفيق التهم لملايين الأبرياء .
( يختان ) أى يخون نفسه
1 ـ كمن يخادع الناس وهو فى الحقيقة لا يخدع سوى نفسه . نفهم معناها من سياق قوله جل وعلا للنبى محمد عن أولئك الخونة من الصحابة المنافقين : ( وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) النساء ) وكقوله جل وعلا عن طائفة أخرى من المنافقين : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) البقرة )
2 ــ مصطلح : ( يختان ) بمعنى خداع النفس فى حق بعض المؤمنين فى المدينة . كان الصيام المتوارث من ملة ابراهيم يعنى بدء الصيام من بعد صلاة العشاء الى مغرب اليوم التالى ، فكان الوقت المُتاح للإفطار ( من المغرب للعشاء ) لا يكفى الطعام والممارسة الجنسية مع الزوجة ، لذا كان يحدث اللقاء الجنسى ليلا خداعا للنفس بالتبرير وبقاء مدة الافطار . هنا هم كانوا ( يختانون أنفسهم ) . ونزل التخفيف بجعل الافطار من المغرب الى الفجر ، وهذا مع عفو عمّا كان يحدث ، يقول جل وعلا: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ )البقرة 187 ) .
اجمالي القراءات
9340
على هامش هذا البحث الرائع في القاموس القرآني يمكن للمتأمل أن يلاحظ. أن الخائن والخوان، يكون في حالة عدم ثبات نفسي وعقيدي،
فربما يكون خائفاَ على حياته أو على مصالحه الاقتصاية أو مكانته الاجتماعية، وذلك يعتبر باعثاً من بواعث الخيانة عنده!
كما أن توهم العقل للخطر فيمن يتعامل معه يكون ذلك باعثا للخيانة، ويتبع ذلك أن نتعرف على الفرق بين الخطيئة وهى أقل في التجريم من الخيانة الدينية والعقيدية. وهى مختصة بالسلوك الجنسي الغير شرعي المحرم.
شكراَ لفضيلة الدكتور /صبحي على هذا البحث القيم.