الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون

كمال غبريال Ýí 2007-03-23


يحلم الكثير من الليبراليين في شرقنا، ومعهم الغرب بجناحيه عبر الأطلسي، بتحديث الشرق الذي طال سباته دهوراً لم يعد كوكبنا قادراً على استمرارها إلى الأبد، بعد أن أفرخت ديارنا عقارب وثعابين، ذات قدرات فائقة للدغ القاتل، ولأن التحديث الحقيقي لابد أن يأتي من القاعدة عبر الجماهير العريضة، ولأن تلك الجماهير على ما يتصور الكثيرون – بالحق أو بالباطل – مختطفة من قبل جماعات التأسلم السياسي، تحول حلم الكثيرين في التحديث، إلى حلم باحتواء قاطرة الإخوان المسلمين أو ناقتهم، التي يرونها تنهب البوادي العربية، لتنتظم في قافلة التحديث المتعثرة، فتوقظ عبر غزها السير الجماهير الغافلة، لتنطلق نحو آفاق الليبرالية والديموقراطية وحداثة الألفية الثالثة.



ولأن الغرض مرض كما يقولون، حتى لو كان نبيلاً، يتناسى أصحابنا الليبراليون الحالمون أبسط ما يمتلكون عن جدارة من أدوات التحليل العلمي للأمور، ليبدأوا مسلسل مغالطات نعرف أوله ولا ندرك آخره، مغالطة أنفسهم بالادعاء أن ليبراليتهم تحتم إفساح المجال للجميع للمشاركة السياسية، مهما اختلفت مشاربهم ومنطلقاتهم الفكرية، ومغالطة قراءة أفكار الآخر (الإخوان المسلمون)، حين يقتنعون أو ينخدعون بتكتيكاته المرحلية، والتي تجري سيراً على مبدأ التقية المعروف عنهم منذ البداية.

هل يحتم الإخلاص لليبرالية فعلاً استيعاب الإخوان المسلمين في دائرتها السياسية؟

من المفترض أن الليبراليين على الأقل يعرفون إجابة ذلك السؤال!

حقاً الليبرالية ليست أيديولوجية.

ولا هي عقيدة جامدة مستبعدة وطاردة لما عداها.

لكنها ليست فكراً هلامياً، أو دعوة لتحويل الساحة إلى فوضى عارمة، تتضارب فيها التيارات، في صراع ينتهي حتماً بالفناء.

الليبرالية إطار واسع حقاً، لكن له شروطه الخاصة، التي تحدد قواعد الالتحاق بهذا الفضاء الإنساني الرحب، وهذه القواعد ذاتها هي التي تعطي لليبرالية تلك الميزة الاستيعابية العظيمة، بما يكفل إمكانية التعايش السلمي الخلاق، بين مختلف ألوان طيف فكري إنساني فائق الاتساع، والقواعد الليبرالية تلك هي المسئولة في نفس الوقت على الحفاظ على سلامة وتناغم ذلك الخليط، وحمايته من تسلل فيروسات أو شوائب تفسد الأمر كله.

ولأن إخواننا الليبراليين الحالمين يعرفون ذلك، يدخلون الحلقة الثانية من مسلسل المغالطات، حين يقضمون حلاوة على قدر أسنانهم، كما يقول المثل الشعبي، ويبدأون في مغازلة الإخوان المسلمين، علهم يقتنعون بتغيير خطابهم، بما يكفل لهم الالتحاق بالدائرة الليبرالية.

لنستعرض الشروط أو المواصفات التي يطالبون الإخوان المسلمون أن يتحلوا بها:

· أن يصبحوا بصورة كاملة تياراً سياسياً مدنيا‏ً،‏ لا يدعي القداسة لخطابه السياسي،‏ ولا يعتبر الناقد له خارجاً على الدين، أو مطعوناً في إيمانه.

· التمسك بالقواعد القانونية والدستورية‏‏ الوضعية، والتي يسنها الشعب لنفسه بنفسه، تنظيماً لحياته المادية الدنيوية، بعيداً عن نظرية الحاكمية أو الربانية.

· تغيير النظرة الاستعلائية للتيار الإسلامي لنفسه، باعتباره حارسا لقيم سماوية عليا، والتي هي في الحقيقة شأن شخصي محض للإنسان الفرد لتنظيم علاقته بربه، وليس لأحد فرداً كان أم جماعة، تنصيب أنفسهم ملائكة للحساب والتقييم.

· أن الانتماء للوطن أو المجتمع يكون على أساس إنساني مادي محض، يتساوى فيه الجميع في المكانة والحقوق والواجبات، دون أي تمييز على أساس الجنس أو الفكر أو العقيدة الدينية.

· أن معيار النجاح هو القدرة على تحقيق الأهداف المادية للمجتمع، سياسية واقتصادية واجتماعية، وليس النجاح في التطابق مع تفسيرات النص المقدس، اتباعاً لقاعدة أن الشرع في المصلحة.

هذه ولاشك شروط ومواصفات رائعة، تبدو وكأنها تحسم القضية، إذ أنها تجعل من الجماعة التي يتوفر في خطابها هذه المواصفات جماعة ليبرالية ديموقراطية، لكن المشكلة هي أن تنطبق هذه المواصفات فعلاً على خطاب الجماعة، لا أن يكون الأمر مجرد إقرار بتصريح صحفي، أو بيان لأحد أو مجموعة من المنشقين، الذين يبحثون لأنفسهم عن دور مطلوب في ساحة أكثر رحابة من ساحة الإخوان السلطوية الخانقة، دون أن يصحب هذا تطوراً حقيقياً في نظرتهم وفلسفتهم الأساسية لدور الدين في حياة الإنسان ذات الأبعاد المتعددة، خارج نطاق أحادية النظرة الضيقة للحياة، كأنها من ثقب إبرة.

لكن ربما الأخطر في مقاربة إخواننا الحالمين البرجماتية لقضية تيار الإسلام السياسي، الممثل أساساً في الإخوان المسلمين، هو أنه لو استجابت الجماعة لهذه التغييرات، لن تصبح بعد تلك الجماعة ذات القوة والتأثير على الجماهير، وستصبح جماعة يتيمة لا حول لها ولا قوة كجماعتنا (الليبراليون الجدد)، فالتفاف الجماهير حول الإخوان المسلمين كما نعرف ليس التفافاً حول رموزها وشخصياتها القيادية، وإنما هو التفاف حول الخطاب ذاته، حتى وإن خلا من أي برنامج عملي محدد، وبقى محلقاً في سماوات الميتافيزيقا.

بل ماذا سيتبقى بعد ذلك من خطاب الإخوان السياسي، وهل عندها سيغيرون اسمهم من جماعة الإخوان المسلمين إلى جماعة الإخوان الليبراليين، أم سيظلون على ذات التسمية ولكن بلا مسمى؟!!

هل سيتبقى لهم ما يقولونه للمجتمع ويختصون به، دون أن يتقاطع مع نوازعهم الليبرالية المستحدثة، أم سيتبنون الليبرالية وكفى؟!

وإذا عبرنا على معضلة المتغيرات الجذرية المستحيلة لمحتوى خطاب الإخوان المسلمين، وانتقلنا إلى الأشخاص ذاتهم، إذا افترضنا أن لهم جماهيرية يمكن الركون إليها، هل هناك من يعتقد بجد أن هؤلاء الناس يمتلكون من المؤهلات الفكرية والعملية، ما يؤهلهم للفكر والممارسة الجديدة التي أجبرناهم عليها أو أقنعناهم بها على أحسن الفروض؟!

نلحظ أن الماركسيين الذين قاموا بالمراجعة الذاتية، واعتنقوا الليبرالية خلال العقدين المنصرمين، يعانون إلى الآن من تصدع في الخطاب على المستوى النظري، وفصام الممارسة على المستوى العملي، رغم أن هؤلاء أهل علم وعلمانية منذ البداية، فكم بالحري هؤلاء الخارجين من عباءة القدرية؟!

هل نعرف جميعاً ويعرف معنا الحالمون الليبراليون ذلك، لكننا نمارس الخداع لأنفسنا أو للإخوان المسلمين، لنستدرجهم من كهوفهم التي يتحصنون فيها إلى العراء، ونجردهم من خطابهم الذي جلب لهم الشهرة والثروة، إلى بحار يجهلونها، ولا يجيدون السباحة عبر أمواجها العاتية؟!

حري في اعتقادي بإخواني الليبراليين الحالمين إما أن يكفوا عن محاولاتهم المستحيلة، أو أن يمارسوا دعوتهم تحت الاسم الحقيقي لها، وهو التبشير بالليبرالية للقضاء على تيار الإسلام السياسي، وليس محاولة تطوير الخطاب وإفساح المجال له باسم الليبرالية، لأن هذا هو حقيقة ما يفعلون بفرض إمكان تحقيقه، فبهذا وحده نكون مستقيمين وصادقين مع أنفسنا ومع الآخر!!

همسة أخيرة في أذن الغرب الديموقراطي، وفي أذن إخواني الليبراليين الحالمين:

لا تفتحوا للذئاب أبواب حظيرة الحملان

 

اجمالي القراءات 13065

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 598
اجمالي القراءات : 5,513,748
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 264
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt