آحمد صبحي منصور Ýí 2015-08-15
كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الرابع : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية
المبالغة فى الحزن
1 ــ ( الوجد ) من شعائر التصوف ، وبه يُطلق الصوفى لعواطفه العنان صخبا وصراخا وبكاء وفرحا ، (الوجد ) هو تطرف فى إعلان العواطف ، وايضا فى إعلان العقائد تحت مصطلح ( الشطح ). وفى كل الأحوال يجد الصوفى ( المتواجد ) من يعذره ، بل من يقدره وربما يقدسه . وعندما خيّم التصوف بظلاله على العصر المملوكى إنتقل ( الوجد ) الى الحياة العاطفية ، فارتفعت الأصوات بالصراخ فى حفلات السماع ، وامتدت الى مناسبات العزاء ، فأصبحت المبالغة فى إظهار الحزن شعيرة إجتماعية أو عادة إجتماعية ، ومن خلالها أطلق المصريون فى العصر المملوكى لعواطفهم العنان لدرجة أوجبت تدخل السلطة فأمر السلطان المؤيد شيخ بمنع النساء من النياحة على الأموات في الأسواق، وفقا لرواية المؤرخ ابن حجر [1] ،أى إمتدت النياحة على الموتى من البيوت والمقابر الى الأسواق . ويروى الصيرفى أنه توفى لامرأة ولد فألقت نفسها خلف ولده من اعلى الدار فماتت ..! [2] .
2 ــ وأصبحت المشاركة فى النياحات عادة اجتماعية ، فالجماهير تنوح بحرقة على موت المشاهير مهما كانت مساوئهم ، وعندما مات المنصور أبو بكر حفيد قلاوون كان البكاء والعويل بالقاهرة مع أنه كان متهما بمجامعة حريم أبيه )[3] . وأصبح الحزن على المتوفى يوصف بالوصف الصوفى ( وجد )، فقيل عن موت السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس أنه ( وجد عليه الناس وجدا شديدا ، وخرجت الخوندات حاسرات ، ولم تزل امراته حزينة عليه حتى ماتت )[4] . ويروى ابو المحاسن أنه في مأتم خليل ابن الناصر فرج ( أمعنوا في الحزن وأفحشوا فيه للغاية ، بحيث ماتت امرأة من اللطم على وجهها وصدرها ، ومنع السلطان من النعي في شوارع القاهرة وخلف الجنازات )[5] ، وهذا الموت حزنا كان تعبيرا بلاغيا فأصبح بالتصوف واقعا حقيقيا.
3 ــ وبالاضافة الى ( حفلات العزاء ) كانت العواطف تنفجر لأتفه الأسباب ، حتى من العوام الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، يروى المؤرخ ابن حجر أن العوام فرحت بعزل القاضى الهروي وتعيين البلقيني محله ، وحين خلع علي البلقينى بالقضاء ( قامت قيامة من الصياح والعياط والدعاء للسلطان ) [6]...حالات غريبة ، إستحقت أن يلتفت اليها المؤرخون بالتسجيل ، والعادة أن العوام لا يأبه بهم المؤرخون إلا فى الأحداث الاستثنائية . وهذه أحداث إستثنائية .
النوم في المساجد ..
1 ـ وهي عادة لا تزال باقية حتى الآن من أثار التصوف في العصر المملوكي الذى إستحدث عادة الاقامة فى المؤسسات الدينية، فمكتب السبيل ــ مثلا ــ موقوف لإقامة الأيتام به ومؤدبهم )[7] . وانتقل هذا من الخوانق والرباطات والزوايا والتُّرب الى المساجد والجوامع ،فأصبح عاديا إتخاذها مكانا للراحة والمبيت . ويقول المؤرخ السخاوى أن القناديل كانت لا تنطفىء في المساجد في شهر رمضان إلا قبيل طلوع الفجر ، مراعاة للنائمين ، حتى لا يستيقظ أحدهم فيظن أن الأكل والشرب حرم ، وليس كذلك )[8] ،
2 ــ وكانت الأضرحة استراحة للنائمين حتى لغير الصوفية ، فنهى الدشطوطي البكري الذي استخلفه على عمارة الجوامع من أن يدخل في المقام أحد من أبناء الدنيا (يقصد من غير المتصوفة ) وقال له : (واجعل جميع وظائفه وخبزه للفقراء) ، أى جميع الوظائف والمرتبات للصوفية فقط . وامتثل البكري ذلك فكان يتفقد كل من ينام عنده في المقام. [9] .
3 ــ واشتهر الجامع الأزهر بمبيت كثير من الناس فيه ، ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم ، منهم كان يقصد المبيت للبركة ، ومنهم من كان لا يجد مكانا يأويه ، وبعضهم (يستريح بالمبيت فيه خصوصا في زمن الصيف وأيام المواسم ، حيث يمتليء صحنه وأكثر رواقاته ) [10] .
4 ـ وفي أخر العصر مع تعاظم الانخراط فى التصوف على مستوى الشيوخ والمريدين ، تكاثر الوافدون للقاهرة من الريف ومن خارج مصر ، وإزدحمت المساجد بأولئك القادمين من كل فج عميق ، وازدادت عادة المبيت فى المساجد ، فيوصي المرصفي الشعراني بألا يسكن أحد في جامع أو زاوية لها وقف ومستحقون ) [11] ، ويجعل الشعراني من الآداب الواجب رعايتها عدم دخول المسجد بنية النوم والاستراحة [12] . ومع هذا استمر المجىء والمبيت فى المساجد والاقامة فيها ، وعندما قدم البلتاجي من بلده إلى مصر نام في بعض المساجد )[13]
5 ـ وفي الأمثال الشعبية (على قلبها الطالون )، قالها الفقراء المغاربة الوافدون في سفينة الى مصر ، وظنوا انها ستحملهم مباشرة إلى جامع أحمد بن طولون ، حيث سمعوا بكثرة المبيت فيه [14] ، وصارت مثلا . وظلت عادة مصرية حتى الآن ، ومن الأمثال الحديثة (اللى مالوش بيت الجامع بيته )[15]...
في التسميات والألقاب :ــ
1ــ كلمة سيد اطلقت على مشايخ الصوفية وكانت التسمية بسيدي مفضلة في الحديث عن الأولياء[16]. وهذا كثيرا ما يرد في كتب المناقب وكتابات الشعراني بالذات .
2 ــ وقد لقب المماليك أحيانا بلقب الصوفي مثل الأمير جان بك الصوفي وازدمر الصوفي ويشبك الصوفي وحاجب الحجاب سودون صوفي والأمير بيرم الصوفى [17] .
3 ــ وأثر التصوف يظهر في تسميات وألقاب أخرى ، فسمى الشيخ سليمان المعتقد بالقرافي لأنه يمشي في القرافة [18] وأصبح لقبا شائعا ، فهناك أبو الفتح القرافي [19] ، والشيخ محمد بن حسين القرافي خادم جامع الأولياء بالقرافة [20] والشيخ القرافي صاحب كتاب المفارقات في الفقه الشافعي [21] والقاضي شمس الدين القرافي [22]...
3ــ وهناك ألقاب أخرى مثل الشيخ شمس الدين الحرفي [23] ، نسبة إلى علم الحرف الصوفي ومحمد السميساطي نسبة للخانقاه السيمساطية [24] ، والشيخ السرياقوسي [25] نسبة لخانقاه سرياقوس ، وسمى عبد النبي [26] تأثرا بعقيدة المحمدية الصوفية ، ولقب بعضهم بقطب الدين [27] من القطب الصوفى . وهناك القاضي ابن حشيش [28] ، والحشيش اكتشفه واشتهر به الصوفة .[29]
4 ــ والجعيدية طائفة اجتماعية ظهرت بتأثير التصوف ونسب لها الكثيرون ، فهناك ابن الجعيد [30] وسنقر الخازندار المعروف بالجعيدي [31] والشيخ أبو هاشم الجعيد [32] وسنقر العايق الجعيدي [33] .
5 ــ ولا تزال البيئات الشعبية المصرية تسمي بركة ومبروك وبركات ومبروكة وابو ابركات ، ونحوها وسموا بعض الناس أبا خطوة تأثرا بالكرامة الصوفية الشهيرة التى تجعل الولى الصوفى يصل الى أى مكان فى خطوة واحدة . [34] .
6 ــ وتنتشر فى مصر ــ حتى الآن ـ أسماء غير مصرية مثل هندي عراقي بغدادي شامي مغربي .... إلخ ، وهذا أثر للقدوم الصوفي من هذه البلاد على مصر.. واشتهرت طنطا بضريح السيد البدوى ، فانتشر الانتساب الى طنطا ، فشاع إسم ( طنطاوى ) . وانتشر فى مصر ــ حتى الآن ــ التسمى بأسماء مشاهير الأولياء ، مثل الرفاعى والدسوقى وابراهيم الدسوقى ، والبرهامى ، والشاذلى ، والبدوى ، والسيد البدوى ، والأحمدى .
[1]ــ عقد الجمان حوادث سنة 822 لوحة 485
[2]ــ نزهة النفوس مخطوط حوادث سنة 841 ص 169
[3]ــ تاريخ مرعى الحنبلى مخطوط 92
[4]ــ تاريخ مرعى الحنبلى 74 ، تاريخ المقدسي مخطوط 40
[5]ــ حوادث الدهور 2 / 208 ، 234
[6]ــ عقد الجمان حوادث 822 لوحة 479
[7]ــ وثيقة الزيني يحيي الأستادار
[8]ــ التبر المسبوك 151
[9]ــ الطبقات الصغرى للشعراني 50 ، 51
[10]ــ السلوك 2 / 1 / 324
[11]ــ الطبقات الكبرى 2 / 112
[12]ــ صحبة الأخيار 115
[13]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 283 ب مخطوط
[14]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 348 ، 349
[15]ــ الشعب المصري في امثاله العامية 271 لشعلان
[16]ــ دائرة المعارف 13 / 273
[17]ــ ابن اياس 4 / 80 ، 85 ، النجوم الزاهرة 15 ، 306 ، 446 ، 447 ، انباء الغمر 3 / 93 الهصر 47 ، التبرالمسبوك 268 ، الضوء اللامع 2 / 275 وغير ذلك
[18]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط ورقة 22
[19]ــ مناقب الوفائية مخطوط ورقة 86
[20]ــ التبر المسبوك 364
[21]ــ قاموس العادات 322
[22]ــ النجوم 16 / 325
[23]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 1 / 3 ، تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 693
[24]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 5
[25]ــ التبر المسبوك 393
[26]ــ الضوء اللامع 3 / 281 ، تاريخ ابن طولون 2 / 23 وما بعدها
[27]ــ الضوء اللامع 4 / 41
[28]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 232
[29]ــ خطط المقريزي 29 ص 516 وما بعدها طبعة دار الشعب
[30]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط 169
[31]ــ التبر المسبوك 218
[32]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 753
[33]ــ التبر المسبوك 266
[34]ــ قاموس العادات والتقاليد 86 ، 194
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5093 |
اجمالي القراءات | : | 56,230,287 |
تعليقات له | : | 5,425 |
تعليقات عليه | : | 14,782 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
عهد الله جل وعلا: بسم الله الرحم ن الرحي م العم والوا لد ...
اربعة أسئلة : السؤ ال الأول هل التنب ؤ فى الارص اد ...
الحيض وصلاة الخوف: أنا لا زلت متشكك ة فى رأيك فى أن الحيض لاقطع...
أسهو فى الصلاة: أسهو فى الصلا ة دائما فأنا باحث يمتلى ء عقلى...
تراث المعتزلة: هل يمكن الاست فادة من تراث المعت زلة؟ ...
more