الغزو المقدس..ورطة السعودية في اليمن
قبل 1400 سنة من الآن خرج معاوية بن أبي سفيان عن الخليفة الشرعي .."علي بن أبي طالب"..لم يكن يدري أكثر المتفائلين أن هذا الخروج لن يقف تأثيره عند حدود الحجاز أو العراق أو الشام، بل سيتخطاه لبلاد الصين وجزر اليابان وأكواخ الهنود الحُمر في الأمريكتين، لم يكن يتوقع أحد أن يؤثر هذا الخروج في مئات الأجيال اللاحقة التي قتلت بعضها للإجابة على سؤالٍ واحد، من هو أحق بالخلافة؟!
تطور النزاع حتى أخذ بُعداً عقائدياً وتفسيرات متنوعة للنصوص، ووسط كم هائل من ركام الحرب وتباين المواقف لم يتفق الطرفان حول أسلوب موحد لإنهاء النزاع، حتى باتت كأطول حرب يعرفها البشر على مدار التاريخ، كان في العادة عندما تطول الحرب أو تقف عند سدود مانعة أو تخرج عن السيطرة يلجأ الإنسان للحوار، وبعد اتفاق ينتهي الطرفان إلى قبول كلٍ منهما الآخر، وتعهد بعدم الاعتداء، قد يتطور هذا الاتفاق لاحقاً إلى وثيقة عهد بمراجعة ذاتية تكشف للنفس خفايا ما لم تراه بين صليل السلاح، وفي حالتنا لم يحدث أي من ذلك..بل تمادى الطرفان في غيّهما وفي ظن كليهما أن لديه القدر على إفناء الآخر.
وصل النزاع إلى محطته الأخيرة في اليمن..بين السعودية كممثلة لطرف معاوية بن أبي سفيان، وبين الحوثي كممثل لطرف عليّ بن أبي طالب...ليس هكذا بالضبط قد أكون مجحفاً..ربما يظهر مني أن أساوي الضحية بالجلّاد أو الغني بالفقير، ولكن استسفار بسيط لماذا يُصر الداخل السعودي على نشر كل مفردات الحرب المذهبية بدايةً من وصف الحوثي بالروافض أو المجوس، لماذا تصر منابر المملكة على وصف الحرب على أنها ضد.."عدوّ فارسي"..في المقابل لماذا يرفع الحوثي نداء الحسين.."هيهات منا الذلة"..ولماذا يستحضر أهالي اليمن حِكَم عليّ بن أبي طالب في أجواء الحروب؟
رغم أن الحرب اليمنية ليست ضد الحوثي بمفرده ولكنها طالت كل قوى الشعب اليمني بأحزابه وأيدلوجياته وطوائفه، فلم يستثنِ العدوان سنياً من شيعياً، كذا لم تُفرق صواريخهم العمياء بين طفل وامرأة وبين جنديّ في المعركة، كذا لم تُفرّق بين دبابات الجيش والحوثي وبين مصانع الألبان وشاحنات الغلال وملاعب الكُرة، كذا لم تُفرق بين معسكرات المحاربين ومساكن المدنيين، كذا لم تُفرق بين أرتال الحوثي وبين أرتال عربات مدنية كل جريمتها أنها انتظرت دورها في التموين أمام محطات الوقود..!
وكأن الجندي السعودي قهر إبليس في وحشيته، لم يُراعِ فارق القوة العسكرية بينه وبين شعب أعزل كل جريمته أنه رفض إملاءات السعودية ووصاية الرياض على قراره وخياراته.
هنا انتفض إبليس وقال لي: لماذا تساويني بجنود آل سعود؟..أنا لو كنت إبليس إلا أنني واجهت أعدائي في المعركة، لم أضرب الضعيف خلسة ولم أقتل الفقير غدراً، أنا وإن كنت إبليس إلا أنني لم أشري مرتزقاً يحارب نيابةً عني، لم أقتل أحداً نيابةً عن أحد، إنما معركتي أخوضها بنفسي، وأنا وإن كنت إبليس إلا أنني لم أقف يوماً لأكذب كي يغترّ بي أتباعي..فأنا واضح كالسهم ينفذ في قلوب التلاميذ، شديد كالسيف يبتر كل مخادع لي وأفاق، وإنا وإن كنت إبليس إلا أنني أعرف عدوّي هو الإنسان بما يسلك وليس بما يعتقد، لم أصادق بشراً من قبل لأجل هويّته، ولا أعرف آدمياً عشقني إلا من أجل هويّته..
قلت: ظلمتك ياإبليس ولكن هل تعتقد أنك بالفعل عدو للإنسان؟
قال: ما لا تفهمه أن آل سعود يعتقدون في شعب اليمن أنهم أتباعي وأن عليهم السجود لربهم في قصور الرياض، وأنا غير مستعد لتكرار تجربتي مع آدم، لكن مستعد لتجربتها مع آل سعود، لذلك أنصح اليمنيين بالسجود ولو كان لي عليهم سلطان لأعلنت فوراً قبولي بشروطهم لوقف الحرب، أن أقبل بهادي رئيساً، وأن أسلم أسلحتي لمواليه في عدن ، وأن أنسحب من كل مدن وقرى اليمن، وأن لا أتحدث في السياسة بعد ذلك أبداً..لكن من أين لي ذلك وقد منعني الله من هذا السلطان..
قلت: حقاً إنك لإبليس
مشكلة إبليس أنه كائن لا تعلم له هوية، هل هو براجماتي أم أيدولوجي، هل هو مادي أم مثالي، هل هو من الجان أم من الملائكة، اختلف الناس حوله وأجزم أنه نفسه لا يعلم ويظن أن جميع الخلق مثله، أتحدث عن إبليس بالمناسبة..فلم أقل مثلاً أن آل سعود لا تعرف لهم هوية لو قالوا عربية فلماذا تضربون اليمن، لو قالوا إسلامية لماذا تكرهون سوريا ، لو قالوا سنية فلماذا تضربون ليبيا وتأتوا بجيوش الناتو لقتل 100 ألف ليبي..لو قالوا براجماتية فلماذا تنشرون مذهب ابن تيمية الأيدلوجي، ولو قالوا أيدلوجية فلماذا تقيمون علاقة مع كل ملاحدة ومشركي الأرض..
أنا لم أقل ذلك فالسعودية أنزه وأشرف ويعلمون جيداً هويتهم التي لا أعلمها.. لكن ياأستاذ إبليس(أيوة إبليس).. البشر ليسوا مثلك، مثلما لديهم شعور بالوجود هم أيضاً يملكون من الهوية ما يمكنهم لمعرفتك، وإن كان منهم من يتعصب لبعض هويته إلا أن الجميع لا يمكن حملهم على ذات الوصف، بيد أن الكثير في زماننا له انتماء واحد وهو.."هوية الإنسان"..لا فرق بين مؤيدي معاوية ومؤيدي عليّ، لا فارق بين مصالح آل سعود ومصالح الحوثي، لكن ما يجمعنا على المائدة هو الحوار، فهم دعاة تواصل وأنا أعلم ياإبليس(أيوة إبليس) أنك عدو لهذا التواصل، لذلك فتُسلط علينا أتباعك ليوهمونا أننا أفضل بالحرب دون السلام..أفضل بالعُزلة عن التعارف..أفضل بالكراهية دون الحب.
لقد ورطت جنودك في السعودية بعدوانهم على اليمن، ليس لأنك تكره شعبي اليمن والسعودية، ولكن لأنك تعلم علم اليقين أن هذا العدوان هو منبع كل الشرور في المنطقة، وأنه يأتي استكمالاً لخُططك الجُهنمية لنشر الكراهية والعنصرية بين أحفاد عدوك اللدود والأزلي.
اجمالي القراءات
6701