رسالة في السنة المُجردة
بدا لي وكنت أنظر في السماء أن وَهَجاً شديداً أصاب عيني، فقلت ما هذا ياتُرى وما كانت اللحظات تمضي إلا وكشفت أن ما رأيته لم يكن إلا وهماً توهمته..فما رأيته لم يكن الحقيقة.. كيف ذلك وقد رأيته..هذا ما حدث...لقد رأيت سراباً ضاع في لحظة، سراباً أصاب عقلي وامتلك وِجداني حتى ظننته حقا...سيسأل سائل وما المقصود من هذه الرؤية..وما فائدة السؤال مع وهمٍ توهمته ، ألا يجوز أن يكون السؤال نفسه وهماً؟..هكذا حال الإنسان حينما يصل إلى الشك في معلوماته، وأن ما تشرّبه منذ الصِغر لم يكن إلا زيفاً حقيقياً مَلَك الفؤاد وما رأى إلا الوهمَ فصُدِم.
قلت لا مناص من المُراجعة، اليوم فقط أيقنت بأن المنهج الحقيقي ليس منهج قال فلان وعِلان..بل هو قال فلان ثم قلت أنا..الأول مِنهجٌ تقليديٌ قِحّ، لا يقع فيه ذوي الألباب والبصائر وليس بحاجة إلا لإنسان رَكن عقله عند أول ركن من أركان الشارع، أما الثاني فهو منهج العُقلاء ودين المؤمنين ومذهب العارفين، لا يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها،وأن يفرض الفرضيات ويسأل السؤالات ويبحث عن الإجابات..هذا هو المنهج الصحيح.....كيف لنبي الله أن ينشر دين الله دون تعاطيه مع عقول الناس، أفلا يظن هؤلاء أن في الدين شك؟..
رأيت في الماضي أناساً حملوا على عاتقهم هم الدعوة، ينشرونها باسم السُنّة والسلف الصالح..فقصّروا الثياب وعطّروا أنفسهم بأجمل العُطور وتعاونوا مع بعضهم في السراء والضراء، وأعفوا اللِحى وقصوا الشوارب وتحدثوا عن الصحابة وأن الإسلام هو الحل وأن زمن صلاح الدين سيعود، وأن الأفلام حرام والمسلسلات عبث والأغاني والموسيقى رجسٌ من عمل الشيطان، ورأيت ثلاثة أحاديث عن الرسول ما أشهرهم، يُرددهم الكبير والصغير الشيخ والغفير الطبيب والأمير....الأول.."من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد"..والثاني.."تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"..الثالث.."ستفترق أمتي إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة كلهم في النار عدا واحدة، قال الصحابة من هي يارسول الله قال ما أنا وأنتم عليه"..
فالحديث الأول كانوا يستخدمونه لضبط المبتدعة ولغلق أي محاولة للاجتهاد، والحديث الثاني لترغيب الناس في السنة، وغرس مُصطلح السُنّة في خيالهم فيفترق عند أول غياب للمصطلح.. فيقولون هذا الفِعل من السُنّة، يقول الثاني لا..فيقولون إذاً لا تفعله فمن أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد، وكأن الحديثان يتفقان في الجوهر ويفترقان في اللفظ...والحديث الثالث يستخدمونه ضد كل من يكسر طريقتهم في العبادة....فينصحونه بالحديث الأول والثاني..وإذا لم يعود ينهرونه بالحديث الثالث، أن ما نحن عليه كان عليه رسول الله-وهنا أستغرب كيف عرفوا ذلك ولم يروا الرسول- وبما أن رسول الله يقول بأن من لم يكن على طريقته فهو في النار فاحذر على نفسك..هنا كان القلب يرتجف إن لم تفعل مثل هؤلاء فأنت في النار.
ألم تروا أن هؤلاء يبيعون الجنة والنار؟..وإذا قيل لأحدهم أنت تبيع الجنة والنار يقول وما أنا العبد الذليل لكي أبيع..وكأن كلامه تبرؤاً من مقاله ويقينه..فإذا قلت له أنت قلت كذا وكذا يوم كذا وكذا..يقول نعم قلت وهذه هي سنة الرسول..يقول الله تعالى.."وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"..فإذا قلت له من أين علمت بأن هذا كان فِعل الرسول..يرد على الفور .أنني عَلِمتُ ذلك من السُنّة.
لا أقتنع بأن السنة الحقيقية تجعل الإنسان يعلم مصائر الناس في الآخرة..أو أن يحكم على الناس بأنهم جَهَلة ومذبذبين في أديانهم بمجرد توهم الداعي بمخالفتهم له، فمقاصد الدين -أي دين -لا تتعارض أبداً مع السلوكيات المفروضة على الأتباع، بأن الأمر بالالتزام هو أمر في ذاته للشخص وليس للاعتقاد بوصايته على الآخرين، أو أن يُحكم عليهم بالضلال، فقد حَكَمَ بناءاَ على نظرته الضيقة، التي وإن نظر من زوايا أخري- بعد فترة من الزمن- في نفس المسألة- فسيرى بأن من ضللهم في الماضي كانوا أفضل منه حالاً مع أنفسهم وشعوراً بإنسانيتهم واحتراماً لبشرية وعقائد الآخرين.
إن السُنة الحقيقية لا تصادر أحلام الناس في عقائدهم ولا تجعل من الناس أوصياء على جنة الرحمن أو أن يبلغوا مبلغ العلم بأهل النار، فمن عظمة الله أن اختص ثوابه وعقابه له، وأنه هو القائل أن المؤمنين وغير المؤمنين لن تُحدد مصائرهم في دار الدنيا بقوله عز من قائل.." إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد"..وقال تعالى في آية ٍ أخرى....." إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. "....
فعِلمُ الله نافذ وأنه لا حق لإنسان أن يعلم مصير أخيه..وأن على الجميع أمر واحد، أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يعمروا الأرض ولا يفسدوا فيها ، وأن يعملوا صالحا ويتجنبوا الطالح من العمل، وأن يجعلوا العدالة مقصدهم، فالإنسان لن يعرف الله إلا بالعدل مع نفسه ومع الناس وبإصلاح نفسه قبل البحث عن إصلاح الآخرين...وأن لا قناعة راسخة إلا باشتراط العدل والإنصاف..فلو لم يكن... فالقناعةُ زيف من أركان السُنة المزيفة.
سألت حينها بعد هذه القناعة..وما مصدر الحديث الثالث الذي أدخل الجميع النار إلا من سرى في فَلَكِ هؤلاء وقلدهم..سألت العلماء والباحثين وإذ بي أجد أن الحديث مكذوبٌ على رسول الله، وأنه لا صحة لحديث يقول بافتراق الأمةِ أبدا..وأن من حرص على تصحيح هذا الحديث حرص عله بوازعٍ مذهبي..ينصر طائفته بمَتنه..يضحك على عقول البسطاء الذين يتلهفون شوقا لاسم رسول الله في جُملةٍ مفيدة..فما بالك وأنت تبتدئ معهم الحديث..ب "قال رسول الله"...كانوا ولا –زالوا- يحرصون على تصحيح هذا الحديث ونسبه لرسول الله زوراً وبُهتانا، وكأنه أملهم الوحيد في التحكم على عقول ورقاب الناس..فإذا اعتقد الناس بأن الجميع أسوياء..وأنه لا إمكانية لتعيين السُنة الحقيقية إلا بفهم مقاصد الدين وبالعمل الصالح، وأن لا نتقول على رسول الله بقولٍ يُخالف منهج القرآن وآياته المُحكمة، حينها سيشعر هؤلاء بالحَرج أن مقاصد الدين لديهم ستنسف أحلامهم بالتسلط والوصاية، وأنه لا أمل بعد اليوم إلا بكدّهم واجتهادهم وأن يعملوا صالحاً، فسيف التسلط قد ولّى وانتهى.
لا يمكن تحييد بعض صفات ومَلَكات الإنسان الأزلية كالنزعة والغرور والغضب والأدلجة والطمع والنفاق وحب الظهور وغيرها عن حالة افتراق الأمم عامة وافتراقهم داخل المجتمعات الدينية خاصة، فالقرآن يوضح بجلاء أن الخِلاف "منبع الافتراق"..هو حُكمُ إلهي لحكمة يعلمها الله بقوله تعالى.." ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"..فالاتفاق يعني عدمية الصراع..والصراع هو أصل وجود الخير والشر في هذا العالم، لذا كان افتراق الأمم حالة تتسم بالبداهة..
ولكن هناك من استخدم هذه الحالة لتعيين الخير والشر، ومن الطبيعي أن تنشأ فكرة الخير لدى الداعي في نفسه وأن الآخر هو الشر بل أفكاره هي منبع الشرور...من هنا يأتي الصراع ومن هنا يأتي افتراق الأمم....كانت هذه مقدمة لتبيان أصل الافتراق وحُكمه في هذا العالم..ببيان موجز يُدحض فكرة من اعتقد بأن أصل الافتراق هو الحديث المشهور الذي تبين كَذِبه سنداً ومتناً، وأوضحنا استغلال دُعاته في غرس الكراهية والتمييز بين بني البشر وخاصة في المُجتمع المسلم..
السُنة المزيفة لا يَمَلّ أتباعها من غرس الدونية والتمييز بأنهم الأحق والأعلم..لا يُفرقون في العادة ما بين الجوانب السياسية والدينية..فالأمور لديهم مُختلطة فيعتقدون بأن حِزبهم السياسي هو الذي يحمل لواء الدين ويدافع عنه، كذلك يعتقدون بأن مذهبهم الديني هو أصل الخير وبدونه يفنى العالم،وبالتالي فهو الأحق بالجنة من غيره من دُعاه العِصيان والشر..هكذا يُفكرون، ولا أخفي سراً أنني اعتقدت هذا الاعتقاد في زمانٍ ما لم يبقى معي سنوات قليلة بفضل الله ومنته..طبيعي أن يكون اعتقادي نتيجة لمناهج التدريس على أيدي الشيوخ، وهنا وبصفتي كنت عضواً في جماعة الإخوان المسلمين أشهد بأن الجماعة بريئةُ من هذا الاعتقاد الأحمق..وأن ما تعلمته من دونية وتمييز لم يكن إلا على سماع وقراءات شيوخ السلفية الذين سلّمت لهم عقلي في يوم من الأيام...لقد تركنا الإخوان فريسة لدعاة التشدد والانحراف العقلي والوجداني، ولما لا وقد أصبح حالهم بعد السلطة كمثل من انحرف بعقله عن الصواب والمنطق السليم.
ولكن مع هذا ففي أواخر أيامي مع الإخوان قمت برصد وتفسير ما يحدث من تغلغل الفكر السلفي التقليدي داخل جماعة الإخوان المسلمين،وظهر ذلك واضحا في تمدد النزعة الإقصائية والمذهبية في كثيرٍ من الكوادر، رغم أن هذه النزعة كان يواجهها الشيخ حسن البنا –رحمه الله-في كثيرٍ من رسائله وخطاباته..وفي الوقت نفسه لم أعد أستغرب عدم وجود هبّة عُلمائية داخل المجتمع الإخواني تواجه هذه الأفكار المنحرفة ..التي وإن وُجدت في مجتمع فهي إنذار صريح بُقرب انهيار هذا المجتمع واستبداله بمجتمع قائم على العنف والتمييز والانحطاط الخُلقي وانعدام القيم...ولكن سرعان ما وقعوا في الفخّ..وكأن صعودهم للسُلطة كان إيذانُ باعتقادهم للسنة المزيفة...سُنّة رآها الناس أجمع عندما صعدوا إلى السلطة..يقتلون ويكذبون وينافقون ثم يزعمون استقامتهم وربانيتهم..ياله من خداع!
إن الخروج من أُثر هذه الصدمة يتطلب انفتاحاً وانعتاقاً من الفكر الجامد، وأن السنة بمعناها الأصيل تعني التقوى ..وكأن تفسير الحكيم لها أصبح ماثلاً في الأذهان، يبرق إليه كل طالبٍ للحقيقة..ينشد بفعله رضا الرحمن..يقول الحكيم.." التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد إلى يوم الرحيل"..وأي خوف من الجليل في ظلال الترصد والإقصاء؟..وأي عملٍ بالتنزيل ونحن نُأوّل محكمات آياته لصالح متشابهاته؟..وأي رضاً بالقليل ونحن نطمع في خير الدنيا وزينتها وبهجتها وسلطانها ونعيمها الزائل؟..وأي استعداد إلى يوم الرحيل ونحن نخاف من الموت؟.. وإذا أصابتنا الشجاعة للموت كانت لأن نخدم أهوائنا الإقصائية والمذاهبية والحزبية فنُرسل أبنائنا وفلذات أكبادنا كي يهلكوا في سوريا وليبيا والعراق...أرضٍ اختلط فيها الحق بالباطل، وشعوبُ تحترب فيرفع دعاة .."السنة المزيفة"..سيوفهم للجهاد وهم يعلمون أنهم ما حاربوا لإعلاء كلمة الله، ولكن لإعلائهم صورتهم .."المشوهة"..عن السنة..
أما السُنّة الحقيقية فهي التي تنشر السلام والمحبة بخلفية ليست وصائية كفكرة السماحة مثلا..فهذه الفكرة في ظاهرها الرحمة وفي مضمونها الوصاية..هي التي تجعل من المرء أكثر تحفظاً نحو فعل الخير مع الناس، وأن ما يفعله لا يعدو إلا كونه تنازلاً للآخر قد يسلبه منه وقت ما يريد، والأصل في ذلك أن السُنّي الحقيقي يوقن بأن الآخر له حق القبول كوجود بدني وفكري وديني وحقوقي غير منقوص، وأن قبول الآخر لديه شرط مقدس من شروط السُنّة الحقيقية المتمثلة في منهجه المقاصدي، هذا المنهج الذي لا يجعل من الرأي ديناً..بل يضع كلٌ في نِصابه...
على جانبٍ آخر فكثيراً ما نسمع عن مُصطلح الرجعية فيعتقد البعض أنه خاصاً بفكرة العودة إلى الأزمان الماضية بمفاهيمها وثقافتها وأعرافها كاملة، ولكن في تقديري أن المُصطلح أشمل من ذلك، فالرجعية تصف حالة عامة -أكثر من وصفها واقعاً منقوداً- وهنا قد يأتي النقد في غير محلهِ فنرى بعد فترة من الزمن أن الصواب كان ما تم نقده، ويحدث هذا كثيرا في مجالات البحث العلمي وجدليات الفلسفات المختلفة ..كذلك في أوهام احتكار الحقائق، فالرجعية قد تصف تياراً يقضي بمفاهيم ماضية في واقعه ولكنها كانت ناجحة في الماضي، أما محاولة عصرنتها منه دون إدخال أية تعديلات تُحاكي كافة المؤثرات فهذه المحاولة هي رجعية بحتة، والعكس صحيح ومدار ذلك على منفعة الإنسان وصلاحية الفكرة للتطبيق.
فالسُنّي المزيف يعتمد اعتمادا رئيسياً على مفاهيم سلفه التي يظن أنها صالحة لكل الأزمان، فلو دخلت بيته ستجد مكتبتة قد ملأت حُجرات بيته المتعددة، وإذا فتحت حاسوبه ستجد على ذاكرته آلاف الكتب والمرئيات والصوتيات، وفي حين وجود هذا العلم الغزير لديه فلا تجده ينتفع من أي كتاب من هذه المكتبة أو مرئيُ وصوتيُ واحد ،أو ينعكس ذلك على سلوكه أو أهلية أفكاره للتطبيق، فيجد نفسه معزولا بأفكار يظن أنها المُخلّص الأول للبشرية!.. هذا العلم الغزير في مكتبته هو أصل عُزلته، فالواقع الافتراضي -أياً كانت حالته -يتغير كل ساعة وليس كل عام ، يتغير بمفاهيم جديدة وبثقافة جديدة عبر مؤثرات ودوافع جديدة، هكذا يتطور الإنسان فالعقل البشري منذ 1000 عام لا يُمكن مُقارنته بالعقل البشري المُعاصر، هناك ثوابت عقلية ولكنها في الغالب محكومة بالعلم وبالتطور البشري على مر العصور.
فما بالنا بعقول قاصرة على البحوث الدينية والمذهبية دون القفز إلى العلوم العقلية التي وإن قفز إليها الباحث وشربها ودَوّنها في كُتبه ربما تصلح أفكاره لمجاراة أكثر العصور، فالعقل البشري له قدرة على التفكير لا تتغير، هذه القدرة هي التي جعلت فيلسوفاً قديراً كأرسطو كان يعيش منذ أكثر من 2000 عام جعلته أذكى وأكثر قدرة على التفكير من ملايين البشر ممن جاءوا بعده، وما دون العلوم العقلية التي تبحث في الواقع والمستقبل أكثر من تقيدها بنصوص قد تحصر تفسير النص في بيت زُجاجي مغمور لا يسع عِدة سنتيمترات، بينما لو كان عقلانياً لاتسع عقل هذا الباحث ليكسر البيت الزجاجي ويخرج إلى فضاء الواقعية.
أما السني الحقيقي فهو المُتحد مع نفسه ولا يؤمن بمتناقضات، ويخضع كافة الشُبهات للسؤال والعمل على تحريرها بإجابات منطقية تُحاكي الواقع أكثر من كونها إرضاءً للنفس..فقد تجد السني الحقيقي يبحث في مسألة تحريم الموسيقى مثلا فيجد أمامه نصوص موافقة ومعارضة لا تتفق جميعها على نتيجة واحدة، فيلجأ السني الحقيقي إلى إخضاع هذه النصوص للعقل حينها سيسأل نفسه ولماذا خلق الله لنا الكروان يغني ويُطرب الآذان أو عصافير الزينة وهي تُزقزق بألحانٍ عطرة، أو نسمع ألحاناً عذبة من فيض الطبيعة كحفيف الشجر، ثم يُحرم الله علينا سماع كل هذا؟؟..حينها سيكشف التناقض، أن تحريم هذه الأشياء ليس له أصل في دين الله، وأن كل ما وُرِدَ من نصوص تحريم لا ينبغي النظر إليها..
طرحت مسألة الموسيقى وكيفية التفكير العقلاني فيها كمثال للسني الحقيقي المُفكّر، وغيرها من المسائل التي اختُلِفَ فيها بين علماء الشريعة المسلمون، فبِحسبة عقلانية بسيطة سنخوض في أمر آخر هو أكثر أهمية..أمامنا الآن رجلين الأول يؤمن بوجوب قتل المُرتد ورجم الزاني المُحصن حتى الموت، أما الثاني فيؤمن بوجوب قتل المرتد مع النظر في مسألة الرجم هذه كونها عملية إعدام بشعة تفوق قوة إعدام قتل المرتد، فخياراته انحصرت في بيان رُتبتي الزنا والكُفر، فلو آمن بوجوب الرجم حتى الموت لصارت هناك شُبهة عقلانية تُجزم بأنا جريمة الزنا أعظم عند الله من جريمة الردة..وهنا إشكالاً ليس عقلانياً فحسب بل هو إشكالاً شرعيا أيضا..
في المُجمل سترى الرجل الأول يؤمن بالمتناقضين، أما الثاني فكان أكثر اتحاداً مع نفسه وبالتالي سيكون أكثر التزاماً بالسُنّة الحقيقية..أيضا نوضح أنه لا عقوبة إسلامية للردة مُطلقا، وكان هذا المثال للتشبيه وتقريب الفكرة كمثال للتفكير العقلاني للسنّي الحقيقي لا أكثر..وبهذا سيُخضع السُنّي الحقيقي طريقة تفكيره ومقابلاته الشرعية بحالة عقلية افتراضية تتسق مع طُرق التفكير السليم..ويخضع ضوابطه لكِلا الدليلين الشرعيين وهما الدليل العقلي والنقلي، وأنه لا مجال لتعارضهما إلا إذا سلك الإنسان سلوكاً يبتغي فيه الهوى والرغبة.. أو كان ممن أغلقوا عقولهم لصالح الأشخاص..أو ممن قصّر في طلب العلم..ذلك لأن الله لم نعرفه إلا بالعقل، وعلى العقل مدار التكليف والعمل، وأن السنة المجردة لن تخرج من هذا المعيار...
اجمالي القراءات
7226