آحمد صبحي منصور Ýí 2013-02-14
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الثانى : الدين السّنى وصناعة تشريع الحج .
الفصل الخامس : التواتر وإستغلال قريش للبيت الحرام تجاريا
أولا : تميز قريش وزعامتها بسبب البيت الحرام
1 ـ قبل البعثة المحمدية كانت قريش تتميز عن بقية العرب من أبناء اسماعيل باستغلالها البيت الحرام وفريضة الحج لمصلحتها التجارية . وبهذا صارت الأكثر ثروة والأكبر قوة ، وتباهوا بقوتهم وأخذهم الزهو زالغرور بثرواتهم فاستكبروا وصدّوا عن سبيل الله جلّ وعلا الى درجة أن رب العزة كان يذكّرهم بأن بعض الأمم البائدة كان أكثر منهم قوة وأن آثار هذه الأمم البائدة تنطق بعظمتهم التى تفوق عظمة قريش فى صحرائها . لذا أمرهم رب العزّة مرارا أن يسيروا فى الأرض ليروا عظمة آثار السابقين ومدى قوتهم وكيف انتهوا بالاستكبار الى الهلاك والدمار. يقول جل وعلا :( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)(الروم ) (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)،(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)(غافر ).
2 ـ كان أمام قريش أن تختار بين طريقين : ملة ابراهيم ، ومنها أن يكون البيت الحرام للناس كافة ، العاكف فيه والبادى القادم اليه ، وبذلك تكون قريش مملوكة لله جل وعلا وخدما لبيته الحرام . وإمّا أن تتملك قريش البيت الحرام وتستغله والحجاج لمصلحتها. إختارت قريش أن تتملك البيت الحرام كفرا بملة ابراهيم وبرب العزة الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
ثانيا : أستغلال قريش للبيت الحرام فى رحلة الشتاء والصيف
1 ـ عندما إستولى ( قصى بن كلاب ) على مكة ، وأسّس تحكم قريش فى البيت الحرام وفريضة الحج ، كانت عالمية الحج قد وصلت الآفاق ، وتزامن هذا مع تسارع الاتصال التجارى بين الشرق والغرب ، بين كتلة فارس والهند والصين فى الشرق وأوربا ( الامبراطورية الرومانية ) فى الغرب . وتلامست تخوم الشرق والغرب فيما بين الرافدين ( سوريا والعراق ) حيث دار الصراع بين الامبراطوريتين الفارسية الكسروية والرومانية البيزنطية . وكان هذا الصراع معيقا للتبادل التجارى العالمى ، لذا جدّت الحاجة الى طريق آخر أكثر أمنا . فى هذا الوقت تمّ ترويض الابل على قطع المسافات الصحراوية الطويلة ، ووصلت قبائل اليمن المهاجرة الى الاستقرار بين جنوب الشام وجنوب العراق ، وبسبب معرفتهم بالطرق البحرية من اليمن الى الهند وما بعدها ، ومعرفتهم البرية بطرق الصحراء جاء البديل التجارى بأن تنقل سفن اليمن التجارة الشرقية من الهند والصين الى اليمن لتحملها الابل عبر الصحراء الى الشام الذى يسيطر عليه الروم ، ويتم نقلها من الشام الى اوربا . ثم تعود تنقل بضائع أوربا والروم من الشام عبر الصحراء الى اليمن لتحملها سفن اليمن الى الشرق ( الهند والصين ). وبهذا تتفادى التجارة العالمية الطرق غير الأمنة فى مناطق الحروب بين الفرس والروم . كان هناك عائق وحيد ، هو أن القبائل العربية كانت تحترف الإغارة على بعضها ، وبالتالى ستتخذ من قوافل التجارة العالمية صيدا سهلا لها . كان البيت الحرام هو الحل . هذه القبائل العربية تقدّس البيت الحرام ، وتحج اليه، وبهذا يمكن التأثير عليهم بتأمين القوافل التجارية عن طريق قريش المسيطرة على البيت الحرام ، بأن تتولى قريش الوساطة فى هذه التجارة العالمية مستغلة التقديس للبيت الحرام ، أى تتولى شراء هذه البضائع من اليمن ، وتحملها بقوافلها على الابل الى الشام حيث تبادلها بتجارة أوربا وتحملها فى العودة الى اليمن لتبيعها هناك ليحملها اليمنيون الى الشرق . وتمّ هذا بالايلاف الذى صارت به قريش الأثرى والأقوى بين قبائل العرب.
2 ـ والايلاف فى علاقة قريش الخارجية يعنى أن تعقد قريش معاهدات مع القبائل الصحراوية تقوم بها هذه القبائل بتأمين رحلتى الشتاء والصيف ،مقابل أن تتيح قريش لهذه القبائل أن تنصب أصنامها وأوثانها فى الحرم لتنال جانبا من قدسية الحرم وشهرته ، أى تقوم قريش بتأمين أصنام القبائل أو تتّخذ من هذه الأصنام رهينة حتى تلتزم تلك القبائل بحماية رحلتى الشتاء والصيف، أى تتقاتل تلك القبائل فيما بينها ولكن تتفانى فى ضمان أمن القوافل التجارية القرشية . والايلاف فى علاقة قريش الداخلية أن تجمع قريش من داخلها رأسمال تجارتها ، بتقسيم رأس المال على أسهم، ولكل فرد من قريش أن يشترى ما يشاء من الأسهم ، ثم يتم حساب الأرباح عن كل سهم . وعلى هامش الربح تقام فى مكة أسواق تبيع بعض منتجات الشرق والغرب للحجاج والوافدين .
3 ـ وبهذا استغلت قريش البيت الحرام فى تأمين تجارتها العالمية ، واستخدمت فريضة الحج فى بيع جزء من هذه التجارة بأن ترغم الحجاج على شرائه من أسواق مكة ، وجعلته من مناسك الحج . وبالتالى فقد حرّفت قريش ملة ابراهيم ، فى إعادة الرجس الوثنى الى البيت الحرام بعد ان قام أبوهم ابراهيم بتطهيره من هذا الرجس ، ثم تلاعبوا فى المناسك بابتداع طواف العرى وفرض شراء الملابس والطعام من أسواق قريش وتحريم أن يحج الحجاج فى ملابسهم القادمين بها أو أن يحملوا معهم طعاما . بل ساعدت على نشر الانحلال الخلقى في الحرم بابتداع طواف العرى للنساء ،وأقامت فى البيت الحرام وثنا للشيطان بزعم رجمه ، وجعلت من مناسك الحج رمى الجمرات . وسيأتى تفصيل ذلك .
4 ـ وكانت قريش ترى أن ما تفعله من تحريف لملة ابراهيم هو ( تعمير للبيت الحرام ) خصوصا قيامهم بسقاية الحاج وتنظيم الشرب من بئر زمزم . فقال جل وعلا يرد عليهم بأن هذا ليس تعميرا لمساجد الله جلّ وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) ) وأنّ التعمير الحقيقى للبيت الحرام وللمساجد هو بالايمان الصادق والعمل الصالح : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة) .ثم يقول جل وعلا لهم :( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) التوبة ).
ثالثا : عرض موجز لحرب قريش للاسلام حرصا على استغلال البيت الحرام
1 ـ عندما نزلت الرسالة الخاتمة على خاتم المرسلين باصلاح ملة ابراهيم وأن يكون البيت الحرام للناس كافة وحظر التجارة بالدين وعبثية تقديس البشر والحجر ، رأت قريش فى الاسلام الخطر الأعظم على مكانتها وثروتها فاضطهدت النبى والمسلمين حتى أرغمتهم على الهجرة . وفى عنفوان استكبارها رأت إفلات النبى والمسلمين من قبضتها ممّا يجرح كبرياءها ومكانتها بين القبائل ، ممّا قد يؤثر على تأمين قوافلها إذا إستخفّت بها القبائل ، لذا تابعت المسلمين بالغارات الحربية تقتلهم وهم فى المدينة ، حين كان المسلمون مأمورين بكف اليد وعدم رد العدوان . ثم نزل الإذن للمسلمين بالقتال الدفاعى ورد العدوان ، ففوجئت قريش بالمسلمين يتعرضون لقوافلها المحصّنة من الاعتداء . كانت أموال المسلمين المهاجرين قد صودرت وبيعت أملاكهم وعقاراتهم وصارت جزءا من رأسمال هذه القوافل ، ومن حقهم أن يستعيدوا أموالهم المغتصبة . ونشبت معركة بدر ، وفوجىء العرب بإنتصار المسلمين على قريش ، لذا صممت قريش على الثأر فى ( أحد ) وانتصرت ، ورأت أن تعزّز إنتصارها وتستعيد هيبتها بإجتثاث المسلمين ، فقامت بتجميع القبائل وحاصرت المدينة فى غزوة الأحزاب ، وبفشل ( الاحزاب ) تحطّمت صورة قريش وبدأ العرب يراجعون الموقف برمّته.
2 ـ هنا يأتى دور القرآن الكريم بدعوته العقلية ، والتى سبقت هذه الحروب بين النبى وقريش . ومن البداية بدأ العرب يستمعون الى القرآن منبهرين بفصاحته ، وعلى هامش هذا الانبهار بدأ الاقتناع بالاسلام يسرى فى قلوبهم شيئا فشيئا الى أن دخلوا فى النهاية فى دين الله افواجا .أحدث القرآن بينهم وعيا بعبثية تقديس الأصنام والأحجار ، كما أبان لهم كيف إن قريش خالفت ملة ابراهيم باحتكارها السيطرة على البيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس كافة ، وإتّضح للعرب أن قريش إستغلتهم فى الايلاف وفى الحج أسوأ إستغلال . فبدأ الاسلام ينتشر بين القبائل طوعا ،خصوصا وأن هيبة قريش أضاعتها جرأة المسلمين فى مواجهة بالحرب الدفاعية ، وزاد هذا أن الحرب صارت سجالا بينهم وبين المسلمين .وبفشل الأحزاب فى إستئصال المسلمين وضح للعرب أن المسلمين هم المنتصرون وأن قوتهم فى تزايد مع دعوة القرآن السلمية . وبتزايد دخول القبائل فى الاسلام رأت تلك القبائل أن من مصلحتها عدم الالتزام بحماية قوافل قريش ، وأن قريش أعجز من أن تحاربهم وتحارب المسلمين فى نفس الوقت ، والأهم من ذلك أنه لم تعد لدى العرب قيمة أو قدسية لأصنامهم التى تحتجزها قريش فى البيت الحرام . وبالتالى كان من مصلحة تلك القبائل أن تغير على قوافل قريش بمثل ما فعل المسلمون فى معركة بدر .
3 ـ وبهذا حوصرت قريش فى مكة ، وتهددت تجارتها منبع قوتها وعنجهيتها ، وتبين لقريش أن مكانتها ستضيع لو ظلت على عدائها للاسلام الآخذ فى الانتشار ، فاضطرت للدخول فى الاسلام أخيرا حرصا على مكانتها وتملكها للبيت الحرام .
4 ـ ولكن لم يكن تسليم قريش مكة للنبى عليه السلام سهلا إذ سرعان ما قام متطرفو قريش بحركة إسترداد للبيت الحرام ، ونكثوا العهود التى أبرموها مع النبى والمسلمين ، فنزلت سورة براءة تعطيهم مهلة الأشهر الحرم ليتوبوا عن الاعتداء ، وإن لم يتوبوا فعلى المسلمين أن يشنوا عليهم حربا شاملة ليكفوا عن نكث العهود ويعود البيت الحرام مثابة للناس جميعا وأمنا.
5 ـ وإنصاع قادة قريش مؤقتا ،وانتظروا الى أن مات النبى ، فتحالف الأمويون ( قادة الكفر القرشى السابقين الذين أسلموا بعد طول عداء للاسلام ) مع المهاجرين القرشيين ، وبدأ عهد تحكّم جديد لقريش المتّحدة فى عهد ( الخلفاء الراشدين )، أسفر عن تهميش الأنصار ، وحرب الردة ، ومن ثمّ الفتوحات ـ وبهذا إستخدمت قريش الاسلام ليس فقط فى إعادة السيطرة عى البيت الحرام بل فى تكوين امبراطورية عظمى على حساب الفرس والروم ..وقبل ذلك وبعده على ( حساب الاسلام ). ثم ورث الأمويون سريعا هذه الامبراطورية وطوّروها بالفتوحات لتصل بين حدود الهند والصين الى جنوب فرنسا . أى قبل البعثة المحمدية كانت قريش تتميز عن بقية العرب من أبناء اسماعيل بتملك البيت الحرام فأصبحت بعد موت النبى تتميّز عن بقية العرب والعالم بتملك البيت الحرام وبأنّ منها جاء خاتم النبيين . واستخدمت هذا وذاك سياسيا فى تجارتها السياسية بالدين .
6 ـ وفى خضم هذا الصراع لم يكن متاحا الوقت الكافى لاصلاح ملة ابراهيم فيما يخص الحج . صحيح أنه تم تطهير البيت الحرام من الأوثان التى أصبح تقديسها مثارا للسخرية ، ولكن لم يحن للخلفاء الراشدين الوقت الكافى لاصلاح بقية المناسك ، فقد إنشغلوا بعيدا عن مكة بحروب الردة ثم الفتوحات وتوطيدها ثم الحروب الأهلية . وتركوا مكة والبيت الحرام بدون إصلاح حقيقى مما أسهم فيما بعد ـ فى العصر الأموى ـ فى عودة المناسك الجاهلية فى الزى ورمى الجمرات والانحلال الخلقى . ثم تمّ تشريعها بأحاديث مزورة فى العصر العباسى الذى شهد تأسيس الديانات الأرضية الكبرى للمسلمين والتى لا تزال سائدة ، وهى السنة و التشيع والتصوف .
رابعا : تكذيب قريش القرآن وجحدهم الحق حرصا على ملكيتهم للبيت الحرام
1 ـ آمنوا بأن القرآن هدى ، ولكن زعموا أن إتباعهم لهذا الهدى سيجعل العرب تحاربهم وتهدد تجارتهم ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )(57)( القصص ). أى إنهم كانوا يكذّبون بالقرآن بدافع إقتصادى:(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)(الواقعة). كانوا يعرفون الحق ولكن يجحدونه ظلما وعدوانا ، وكانت إتهاماتهم للنبى تسبب حُزنا له عليه السلام ، فقال له ربّه جل وعلا إنهم فى الحقيقة لا يكذّبونه ولكن يجحدون الحق الذى يعرفونه : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33 )(الانعام). فلماذا جحدوا بالحق القرآنى ؟
خامسا : جحدوا بالقرآن إستكبارا بسبب ملكيتهم للبيت الحرام :
1 ـ سيطرتهم على البيت الحرام وإعتقادهم بملكيتهم له أسّس لدى قريش شعورا طاغيا بالاستكبار، لذا واجهوا القرآن الكريم بالتكذيب إستكبارا ، هذا مع أنهم كانوا من قبل يقسمون بالله جلّ وعلا ـ جهد أيمانهم لو جاءهم رسول سيهتدون به :( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ)(43) فاطر). أى كفروا إستكبار فى الأرض ، إذ كيف سيكونون أتباعا لمحمد ، وكيف سيتنازلون عن مكانتهم بين القبائل وسمعتهم التجارية العالمية فى الأرض: (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ فى الأرض). هم يرون أن هذا قد تحقّق لهم بسيطرتهم على البيت الحرام .
2 ـ وبينما آمن بالقرآن بعض بنى أسرائيل فقد ظل أئمة قريش على عنادهم وإستكبارهم ، يقول جل وعلا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الأحقاف:10 ). آمن بعض أهل الكتاب لأن القرآن نزل مصدقا لما سبقه من كتب سماوية ، ولأنهم كانوا يعرفون من كتبهم بقرب مبعث خاتم النبيين ، ولأن الرسالة الخاتمة نزلت بأسس التشريع التى جاءت من قبل فى رسالة نوح وابراهيم وموسى وعيسى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ )الشورى:13 ). آمن بعض أهل الكتاب ولكن إستكبرت قريش أنفة واستعلاءا :( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ).
3 ـ وبإستكبارهم أخذتهم حمية الجاهلية حين عزم النبى عليه السلام والمؤمنون على القدوم للحج رفضا للحصار القرشى . ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) (25) الفتح ). كان هذا الصّد مدفوعا بالحمية الجاهلية والأنفة والاستكبار : ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ )(26) (الفتح).
4 ـ ووصل بهم الاستكبار الى طلبهم أن تنزل عليهم الملائكة كما نزلت على النبى ، بل تطرفوا فى الاستكبار وطلبوا أن يروا الله جل وعلا :(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً)الفرقان:21 ).أى وصل بقريش الاستكبار الى أن عتوا عتوا كبيرا .!!
5 ـ لذا سيكون موقفهم عسيرا يوم القيامة : فقد إستكبروا ورفضوا الايمان بالقرآن وبالكتب السماوية السابقة التى نزل القرآن مصدقا لها : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ )، ويأتى الرد فى نفس الآية ينبىء مقدما بحقارتهم أمام رب العزّة يوم الحساب ، وهم يتجادلون فيما بينهم ، يلوم الأتباع المستضعفون قادتهم المستكبرين، وفى الحوار بينهما يفضح رب العزة مكر المستكبرين قادة قريش المتحكمين فى البيت الحرام : (وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)سبأ:31 : 33 ). وسينبئهم الله جل وعلا يوم القيامة وهم فى النار بما كانوا يفعلونه فى مكة حين كانوا يرفضون القرآن إستكبارا وحين كانوا يعقدون مجالس للسمر يستهزئون فيها بالقرآن :( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَبِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون). وأن إستكبارهم هذا أورثهم عذاب الذل والهوان:(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)الأحقاف:20 ).
6 ـ وأئمة الضلال فيهم كانوا الأكثر إستكبارا . منهم من كان يشترى ( لهو الحديث ) ليضلّ الناس عن ( أحسن الحديث ) القرآن الكريم ويتخذه هزوا ، فإذا تلا بعضهم عليه آيات القرآن ولّى مستكبرا :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) (لقمان). ولأن الحديث الوحيد الذى يجب الايمان به هو حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم فإن الله جل وعلا يصف هذا الصنف من البشر (ممّن يتخذ حديثا آخر يؤمن به ) بأنه أفّاك أثيم ، وأنه يصمم على رفض القرآن الكريم إستكبارا وعنادا ، فهذا كانت تفعله أئمة قريش، وهذا ما يفعله السلفيون الذين يتبعون السلف القرشى :( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) الجاثية ). ومن هذا السلف القرشى من كان يجادل فى القرآن بكل ما أوتى من جهل ومن إستكبار ، وعلى ( سُنّته ) يسير السلفيون ، يقول جل علا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) الحج ). ولنتأمل قوله جل وعلا : (ثَانِيَ عِطْفِهِ)، فهو وصف ناطق بحركة المستكبر.
7 ـ وبعضهم غلبه الانبهار بالقرآن وفصاحته فكاد أن يؤمن ، ثم سرعان ما غلبه الاستكبار فعاد يتهم القرآن بالسحر ، فقال جل وعلا عنه يتوعّده : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)المدثر ). أى (أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) منهما القرآن ( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25)) ومصيره (سَقَرَ (26)).
8 ـ وقد استمرت عنجهية قريش ، قرونا ، حيث أمتد سلطانها فى معظم العالم ، فهى التى حكمت فيما بعد خلال الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين . لذا فقد راج حديث ( الأئمة من قريش ) وراج معه تقديس قريش فى العصور الأموية والعباسية . ولهذا يزعم كثيرون النسب القرشى طمعا فى الوصول للحكم .
9 ـ على إن هذه العنجهية القرشية عبّرت عن نفسها فى الصّدّ عن الاسلام وعن المسجد الحرام .
والايلاف فى علاقة قريش الخارجية يعنى أن تعقد قريش معاهدات مع القبائل الصحراوية تقوم بها هذه القبائل بتأمين رحلتى الشتاء والصيف ،مقابل أن تتيح قريش لهذه القبائل أن تنصب أصنامها وأوثانها فى الحرم لتنال جانبا من قدسية الحرم وشهرته ، أى تقوم قريش بتأمين أصنام القبائل أو تتّخذ من هذه الأصنام رهينة حتى تلتزم تلك القبائل بحماية رحلتى الشتاء والصيف، أى تتقاتل تلك القبائل فيما بينها ولكن تتفانى فى ضمان أمن القوافل التجارية القرشية . والايلاف فى علاقة قريش الداخلية أن تجمع قريش من داخلها رأسمال تجارتها ، بتقسيم رأس المال على أسهم، ولكل فرد من قريش أن يشترى ما يشاء من الأسهم ، ثم يتم حساب الأرباح عن كل سهم . وعلى هامش الربح تقام فى مكة أسواق تبيع بعض منتجات الشرق والغرب للحجاج والوافدين . وبهذا استغلت قريش البيت الحرام فى تأمين تجارتها العالمية ، واستخدمت فريضة الحج فى بيع جزء من هذه التجارة بأن ترغم الحجاج على شرائه من أسواق مكة ، وجعلته من مناسك الحج . وبالتالى فقد حرّفت قريش ملة ابراهيم ، فى إعادة الرجس الوثنى الى البيت الحرام بعد ان قام أبوهم ابراهيم بتطهيره من هذا الرجس ، ثم تلاعبوا فى المناسك بابتداع طواف العرى وفرض شراء الملابس والطعام من أسواق قريش وتحريم أن يحج الحجاج فى ملابسهم القادمين بها أو أن يحملوا معهم طعاما . بل ساعدت على نشر الانحلال الخلقى في الحرم بابتداع طواف العرى للنساء ،وأقامت فى البيت الحرام وثنا للشيطان بزعم رجمه ، وجعلت من مناسك الحج رمى الجمرات . وسيأتى تفصيل ذلك .وكانت قريش ترى أن ما تفعله من تحريف لملة ابراهيم هو ( تعمير للبيت الحرام ) خصوصا قيامهم بسقاية الحاج وتنظيم الشرب من بئر زمزم . فقال جل وعلا يرد عليهم بأن هذا ليس تعميرا لمساجد الله جلّ وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) ) وأنّ التعمير الحقيقى للبيت الحرام وللمساجد هو بالايمان الصادق والعمل الصالح : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة)
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,872,721 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
ميراث ابن الاخت: هل يرث ابن الاخت مع ابن الاخ في عدم وجود ابن...
وسائل التيمم: هل يجوز التيم م بالكر يم "الني يا" او اي...
النهى للنبى : كم اقف متدبر ا أمام أسلوب ( النهي للنبي عليه...
وهذا ما نفعله : هل القرا ءة فى كتب الساب قين مثل التور اه ...
الأنعام 100 : كلمة ( خرق ) جاءت فى القرآ ن فى الاية 100 من سورة...
more
قبل البعثة المحمدية كانت قريش تتميز عن بقية العرب من أبناء اسماعيل باستغلالها البيت الحرام وفريضة الحج لمصلحتها التجارية . وبهذا صارت الأكثر ثروة والأكبر قوة ، وتباهوا بقوتهم وأخذهم الزهو زالغرور بثرواتهم فاستكبروا وصدّوا عن سبيل الله جلّ وعلا الى درجة أن رب العزة كان يذكّرهم بأن بعض الأمم البائدة كان أكثر منهم قوة وأن آثار هذه الأمم البائدة تنطق بعظمتهم التى تفوق عظمة قريش فى صحرائها . لذا أمرهم رب العزّة مرارا أن يسيروا فى الأرض ليروا عظمة آثار السابقين ومدى قوتهم وكيف انتهوا بالاستكبار الى الهلاك والدمار. يقول جل وعلا :( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)(الروم ) (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)،(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)(غافر ).كان أمام قريش أن تختار بين طريقين : ملة ابراهيم ، ومنها أن يكون البيت الحرام للناس كافة ، العاكف فيه والبادى القادم اليه ، وبذلك تكون قريش مملوكة لله جل وعلا وخدما لبيته الحرام . وإمّا أن تتملك قريش البيت الحرام وتستغله والحجاج لمصلحتها. إختارت قريش أن تتملك البيت الحرام كفرا بملة ابراهيم وبرب العزة الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . أستغلال قريش للبيت الحرام فى رحلة الشتاء والصيف عندما إستولى ( قصى بن كلاب ) على مكة ، وأسّس تحكم قريش فى البيت الحرام وفريضة الحج ، كانت عالمية الحج قد وصلت الآفاق ، وتزامن هذا مع تسارع الاتصال التجارى بين الشرق والغرب ، بين كتلة فارس والهند والصين فى الشرق وأوربا ( الامبراطورية الرومانية ) فى الغرب . وتلامست تخوم الشرق والغرب فيما بين الرافدين ( سوريا والعراق ) حيث دار الصراع بين الامبراطوريتين الفارسية الكسروية والرومانية البيزنطية . وكان هذا الصراع معيقا للتبادل التجارى العالمى ، لذا جدّت الحاجة الى طريق آخر أكثر أمنا . فى هذا الوقت تمّ ترويض الابل على قطع المسافات الصحراوية الطويلة ، ووصلت قبائل اليمن المهاجرة الى الاستقرار بين جنوب الشام وجنوب العراق ، وبسبب معرفتهم بالطرق البحرية من اليمن الى الهند وما بعدها ، ومعرفتهم البرية بطرق الصحراء جاء البديل التجارى بأن تنقل سفن اليمن التجارة الشرقية من الهند والصين الى اليمن لتحملها الابل عبر الصحراء الى الشام الذى يسيطر عليه الروم ، ويتم نقلها من الشام الى اوربا . ثم تعود تنقل بضائع أوربا والروم من الشام عبر الصحراء الى اليمن لتحملها سفن اليمن الى الشرق ( الهند والصين ). وبهذا تتفادى التجارة العالمية الطرق غير الأمنة فى مناطق الحروب بين الفرس والروم .