الشعرانى و الظلم العثمانى

أحمد صبحى منصور   في الأحد ٢٢ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


فى القرن العاشر الهجرى اجتمعت امامة الفقهاء ومشيخة الصوفية للشيخ عبدالوهاب الشعرانى المتوفىسنة973 هجرية ، وقد عاش طرفا من العصر المملوكى وشهد الفتح العثمانى لمصر ، وتسيد الحياة العقلية والثقافية فى العصر العثمانى وظلت مؤلفاته الكثيرة تتحكم فى العقلية المصرية عدة قرون ، وحتى الآن لاتزال له مكانته المقدسة لدى الكثيرين الذين يعتبرونه القطب الروحانى والكهف الصمدانى الامام الشعرانى !!

مقالات متعلقة :

وقد عانى المصريون من قسوة الظلم المملوكى ثم جاء العثمانيون فتضاعف الظلم أضعافا مضاعفة وتنوعت طوائف الظلمة من أمراء مماليك متنازعين إلى مشايخ أعراب سفاكين للدماء إلى الولاة والجنود العثمانيين الذين لايعنيهم إلا امتصاص دماء الشعب المسكين !!
وكان أولئك الظلمة على اختلاف طوائفهم يرفعون لواء الاسلام والشريعة المطهرة وكانوا يكرمون الفقهاء والأشياخ ، وكانت للامام الشعرانى مكانته المقدسة لدى أولئك الحكام باعتباره امام الفقهاء وكبير الصوفية فى نفس الوقت .
وكان الشعب المطحون المقهور يتطلع أيضا إلى الامام الشعرانى ليرفع عن كاهله باسم الاسلام شيئا من الظلم والتفت الامام الشعرانى إلى المصريين المظلومين ثم التفت إلـــى الحكام الظلمة الغرباء وسجل فى مؤلفاته طريقته الفريدة فى التعامل مع الظلم والظلمة ،
فماذا قال وباختصار.
فى البداية يعترف الشعرانى بان الحكام يظلمون الناس وهم يعتمدون علىشفاعة الأولياء
الصوفية لهم، وانهم مهما ظلموا فان شفاعة الأولياء ستنجيهم يوم القيامة يقول الشعرانى
" أكثر الحكام يظلم وينهب ويجور ويبلص ويهلك الحرث والنسل ويقول مادام الشيخ طيبا علىّ ماأخاف.. ولسان حالهم يقول مادام سيدى الشيخ يدعو لنا وهو حامل حملتنا لا نبالى ولو ظلمنا العباد والبلاد " !! .
وبدلا من أن يقوم الشعرانى بواجبه فى اظهار الحق ومواجهة الظلم فانه انبرى يضــــع القواعد التى تكرس الظلم وتبيح النفاق والركوع للظالم مهما فعل !!.
فالشعرانى يضع القواعد للاشياخ الصوفية بكيفية نفاق الحاكم الظالم فيأمرهم إذا اجتمعوا به أن يسألوه فى أن يدعو الله لهم ويدعى أن الله تعالى يستحى أن يرد دعاء هؤلاء الأكابرحتى لو لم يكونوا صالحين !
ويحذرهم الشعرانى إذا دخلوا على الظالم أن يذكروا امامه محاسن الأمير الذى سبقه ..
ويفتخر بأسلوبه"الدبلوماسى" فى نفاق الحاكم يقول "وهذا دأبى دائما فى سياسة الولاة اذا علمت أن أحدا منهم ظلم انسانا لا أجعل ذلك الظلم على علمه وانما أقول بلغنا أن جماعتك ظلموا فلانا من غير علمك ، وكثيرا ماأقول: السلام على الأخ العزيز العبد الصالح فلان وأقصد بذلك صلاحه للجنة أو النار !!.
ثم التفت الشعرانى للمظلومين يدعوهم للرضا بالظلم والصبر عليه لأنهم يستحقــــــــون مايحدث لهم بسبب مايقعون فيه من ذنوب، يقول" ومن استحق أن يحرق بالنار فصولح
بالرماد لاينبغى له أن يتكدروأيضا فان الظالمين ماظلمونا حتى ظلمنا أنفسنا أو غيرنا .."
ثم تطرق الشعرانى فحذر المظلوم من الدعاء على الظالم لأن ظلمه لم يصدرفى الحقيقة
إلا عن المظلوم ، وأن الحاكم الظالم إنما هو مسلط على الناس بحسب أعمال الناس ،
فالظالم حكمه حكم السوط الذى يضرب به ، وليس الذنب ذنب السوط ولكن ذنب الواقع
فى الأثم واستحق عليه عقوبة الله !! وهكذا منع الشعرانى سب الولاة مهما جاروا ومنع
اغتيابهم وأوصى بعدم الجلوس " فى مجالس القيل والقال والطعن فى الولاة"..
" وألا يكثروا فى اللغو وجر قوافى الولاة وغيرهم ".
ووضع الشعرانى للناس قواعد النفاق للظالم وربط ذلك بالدين على عادته.. فيقول:
" أخذ علينا العهود أن ندور مع أهل زماننا وننخدع لهم .. ونتلون لهم كما يتلونون لنا..
وأن نأمر اخواننا بأن يدوروا مع الزمان وأهله كيف داروا .. "
وإذا حبس الحاكم مظلوما فينبغى الكف عن زيارته وارسال الاطعمة له حتى لايغضب
أولو الأمر وأيضا لأن المحبوس كلما ضاقت عليه كلما قصرت مدة حبسه !!
ثم يضع الشعرانى قاعدة أساسية فى نفاق الحاكم وهى أن ذلك النفاق للحاكم مقصور على وقـــــت حكمه وسلطانه فان عزل من سلطانه فلا تعظيم ولانفاق " لأن التعظيم حقيقة انما هو
للرتب لا للذوات فمن عظم أميرا أو صاحب جهه فى أيام عزله كما كان أيام ولايته فقد أخطأ وجه الحكمة ونقص مقامه بقدر مارفع ذلك المعزول".
تلك باختصار مقتطفات من موقف الشعرانى من الظلم العثمانى. ولقد التفت الشعب
المصرى المظلوم للامام الشعرانى يستجيربه فما وجد عنده غير ذلك فكان أن ردد النا س فى أمثالهم الشعبية أقوال شيخهم الشعرانى فقالوا فى العصر العثمانى " الخضوع عند الحاجة
رجولية" "الناس أتباع لمن غلب " "سلطان غشوم خير من فتن تدوم " واستمرت الأمثال
الشعبيةعلى نفس المنوال تقول" ضرب الحاكم شرف " " علقة تفوت ولاحد يموت" "طاطى لها تفوت " "ماحد يقول ياجندى غطى وقتك " " دور مع الأيام اذا دارت" "إلى ماتقدرتواقعه نافقه" "الايد اللى ما تقدر تقطعها بوسها" "بوس الايادى ضحك علىالدقون" "ان كان لك عــــند الكلب حاجه قوله ياسيد"!!
لقد أفلح الشعرانى بمؤلفاته الكثيرة فى تركيع الشعب المصرى للظلم العثمانى فظل الناس
يعتبرون السلطان العثمانى خليفة المسلمين ، وظل الفقهاء يدعون للسلطان بالنصر على
الكفار .. ولا يزالون ..
أى لازلنا نعيش فى عصر الشعرانى !!




اجمالي القراءات 22289
التعليقات (12)
1   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الأربعاء ٢٥ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6091]

لكل عصر شعراني

إن لكل عصر مجموعة مما يسمون بعلماء السلطة أو علماء الخليفة وهم يكونون قريبون من العامة والبسطاء يستمدون مكانتهم العالية من تعلق البسطاء بهم وانسياقهم وارء فكرهم الديني الأرضي، ويكون البسطاء تابعين للمستكبرين والمخادعين من المشتغلين بالعلم والخطابة والإمامة!! ويحدث التزاوج الغير شرعي بين هؤلاء العلماء وهؤلاء الخلفاء وتكون النتيجة إبن غير شرعي وهو الفساد والاستبداد الذي يطحن البسطاء طحنا !! ً
لو تأملنا حال الأمم وخصوصاً أمم الشرق وعلى الأخص المسلمين لوجدنا أنه ما زال هناك من يلعب دور الشعراني وأن هناك من يلعب دور الخليفة العثماني .

2   تعليق بواسطة   لطفية احمد     في   الأربعاء ٢٥ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6095]

قواعد النفاق دروس للراغبين

"قواعد النفاق الشعرانية" بمثابة دروس للراغبين في تعلم النفاق، وفق قواعد دينية ، ولذلك كان حتما على الأمة اتباع أوامرهامهما كان حجم الظلم، فيجد الشعراني مبررا له ، وهو يتجلى فيما اقترف الناس من ذنوب ومعاصي . وهكذا تكون قواعد النفاق الشعرانية مرتبطة بالدين أوالتكفير عن الخطايا ،وبقدر ما يتحمل الإنسان بقدر ما يغفر له من ذنوب، حتى أنه لا يفرج عن كبته بالدعاء على الظالم، لأن الظالم مأمور بالظلم وهذا خارج عن إرادته ويشبهه بالسوط وطبعا لا أحد ينتقد الصوت .هكذا كان التحليل المنطقي ليقعد للظلم وينافق الحاكم فقط في مدة توليته الحكم .أما إذا ترك الحكم فيحرمه من كل تلك التبريرات ،"وذنبه على جنبه بقى " .

3   تعليق بواسطة   لميس محمد     في   الأربعاء ٢٥ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6108]

الشفاعة عند الشعراني ومعاصريه

يقرر الشعراني من خلال كلامه أن الحكام يظلمون الناس وهم يعتمدون على شفاعة الشيوخ الصوفية لهم مهما تعرض الناس للأذي يالها من تخفيضات وفرص لا تتعوض ولا تتكرر ، ونسي أولئك الظالمين أن الله مالك يوم الدين سوف يفصل بينهم ويحاسب كل منهم على قدر عمله وهذا الجزء من النادرة يدل على ذلك (أكثر الحكام يظلم وينهب ويجور ويبلص ويهلك الحرث والنسل ويقول مادام الشيخ طيبا علىّ ماأخاف.. ولسان حالهم يقول مادام سيدى الشيخ يدعو لنا وهو حامل حملتنا لا نبالى ولو ظلمنا العباد والبلاد " !! . )

4   تعليق بواسطة   الامير لواء     في   الأحد ٢٩ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6294]

لعبه الايام

اين ايامك يا اشرف بارومه

5   تعليق بواسطة   اشرف بارومه     في   الأربعاء ٠٩ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6782]

الفهم وسنينه

فعلا انا ماكنتش فاهم
بجد انا اسف
اشرف بارومه

6   تعليق بواسطة   Algérien Dz     في   الجمعة ٢٧ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[9536]

ليس دفاعا عن احد.

السلام عليكم ،

يقول الدكتور صبحي - له مني التحية- :

وهكذا منع الشعرانى سب الولاة مهما جاروا ومنع
اغتيابهم وأوصى بعدم الجلوس.

فهل انت مع ان ينادي المشايخ للاغتيالات ؟؟

7   تعليق بواسطة   Algérien Dz     في   الجمعة ٢٧ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[9537]

عذرا.

قرات اغتيال بدل اغتياب.

اكرر اسفي للدكتور صبحي منصور.

8   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الخميس ٠٥ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35357]

علماء السلطان في كل وقت وزمان

هناك طائفة من العلماء في كل زمان ومكان تخون علمها وتنحاز للسلطان وتخون عملها وأخلاقها ، ويكون الشعب هو الضحية ، والغريب أن هذه الفئة من علماء السلطان ، تبذل أقصى طاقتها ، في خدمة الحاكم ولحس حذائه ..


9   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ٠٩ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47052]

النفاق للكبار فقط

يبدو أن النفاق أصيل في ثقافتنا العربية  والإسلامية ، لدرجة أن يدافع عنه الشعراني ولا يبالي ،لأن الذين سينتقدوه هم من العامة  وأكيد أنه لا يهتم  لأمرهم فهم في نظره لا وزن لهم فالسلطان أو الأمير هو من يبغي ويهتم وخاصة إذا كان في في السلطة  أو في منصبه ،اما إذا عزل فالأمر يختلف  فتكون له حسابات أخرى 


 


10   تعليق بواسطة   ميرفت عبدالله     في   الأحد ١١ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47103]

وهذا ما يفعله الشيوخ في العصور غير المباركة

يؤكد الشيوخ دائما بالصبر على الابتلاء وتحمل ما يفعله السلطان بالرعية ، أليس هم القائلون بحديث ينسبونه للرسول عليه الصلاة السلام كذبا وافتراءا يقولون فيه " إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " ويؤمن به مقتنعي الصوفية وأقطابهم يبررون فيه فساد السلطان وقهره للرعية وهذا لا لشيء إلا لأنهم يحبون التقرب للسلاطين والاستفادة من المنح التي يهبها لهم جزاءا لما يقومون به من إخماد ثورات الرعية التي يمكن أن تؤدي إلى التغيير والبطش بالسلاطين الجائرين عن طريق نزع عقيدة مقاومة الظلم من عقول الرعية .


11   تعليق بواسطة   خـــالد ســالـم     في   الجمعة ١٦ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47195]

لكل عصر شعرانى ( شعراوى ) هذا ما قاله الشيخ الشعراوى للرئيس مبارك بعد نجاته من محاولة اغتياله فى ادي

هذا ما قاله الشيخ الشعراوى مرجعية معظم المسلمين وهذا ما قاله الشيخ الشعراوي فى حق الرئيس مبارك مدعيا أنه لا ينافق اسمعوا واحكموا بأنفسكم على ما قاله فضيلة الشيخ الشعراوى


 


http://www.youtube.com/watch?v=CHa5iVYm6NA


 


خالد سالم


12   تعليق بواسطة   أيمن عباس     في   الجمعة ١٦ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47198]

عباد مال وسلطة ..

يقع معظم المشايخ في غرام المال والسلطة فتراهم يحبون المال حبا جما ، وفي طريقهم للمال يطوعون الدين لذلك ويتعاونون مع السلطة ويلحسون حذائها ، لذلك ليس غرابة أن يقع معظم الشيوخ المرموقين في هذا الوباء .. والسلطة تكون سعيدة بهذا فهي لا تريد أحرارا إنما تريد عبيدا للمال وغير المال  .ولذلك فإن السلطة تضغط في أتجاه أن يتمتع شيوخها الحكوميين بالدعاية الاعلامية المكثفة والتحكم في الشيخ بكل السبل حتى لا يخرج على النص ، إلا أن يموت فتأتي بغيره وهكذا .. لذلك فإن القرآن الكريم يحارب الكهنوت الديني بكل أشكاله .. فأي شيخ أفاق أو مأفون في النهاية لا يمثل إلا نفسه ونزواته أما دين الله فهو بعيد كل البعد عن ذلك ..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
باب دراسات تاريخية
بقدمها و يعلق عليها :د. أحمد صبحى منصور

( المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك ) من أهم ما كتب المؤرخ الفقيه المحدث الحنبلى أبو الفرج عبد الرحمن ( ابن الجوزى ) المتوفى سنة 597 . وقد كتبه على مثال تاريخ الطبرى فى التأريخ لكل عام وباستعمال العنعنات بطريقة أهل الحديث ،أى روى فلان عن فلان. إلا إن ابن الجوزى كان يبدأ بأحداث العام ثم يختم الاحداث بالترجمة او التاريخ لمن مات فى نفس العام.
وننقل من تاريخ المنتظم بعض النوادر ونضع لكل منها عنوانا وتعليقا:
more