الخاتمة :
1 ـ لقد وضح من تلك العجالة أن الفتح الاسلامى لمصر لم يؤثر على وضعها الاستراتيجى وعلاقتها بالشام باعتباره الساحة الشرقية لمصر .
أي أن استراتيجية مصر قبل الفتح الإسلامي هي نفسها بعد الفتح الإسلامي .
فالشام – أو على الأقل جنوب الشام – ضروري لأمن مصر , والفتح الأتي للشام لابد أن يصل لمصر , وفتح مصر غربا لابد أن يصل للشام ليدعّم وضعه فى مصر. والحاكم القوى في مصر لابد أن يسيطر على الشام , والحاكم الطموح في الشام لابد أن يطمع في مصر إذا كانت ضعيفة . هذا ما تأكد عبر وقائع التاريخ .
ولكون الشام فسيفساء عرقية ودينية ومذهبية تستعصى على التوحد فإن العادة أن يكون الشام تابعا لمصر وضروريا لحمايتها من الخطر الآتى من الشرق . ولكون مصر و الشام وحدة عضوية استراتيجية فإن قوة مصر وانصهارها مع الشام ضرورية استراتيجية للطرفين ، وبنفس القدر فإن تفككهما بسبب ضعف مصر يدفع ثمنه الشام مع مصر وربما قبل مصر ، لأن الحروب والقلاقل ستسيطر على المنطقة .
ومصر فى عصرها الراهن خير دليل .
بخلق دولة اسرائيل تم الفصل بين الشام ومصر، واصبح الخطر الاسرائيلى يهددهما معا. ولأن المنطقة ( مصر والشام ) لا تسع سوى قوة اقليمية واحدة ينبغى أن تكون مصر فإن الصراع تركز بين اسرائيل ومصر . ولقد حاول عبد الناصر عقد الوحدة بين سوريا ومصر ليواجه اسرائيل وحلفها السرى مع الاردن ، ولكن سقطت الوحدة ثم سقط عبد الناصر ومشروعه ، وأصبحت اسرائيل هى القوة الكبرى فى المنطقة ، وتم تهميش مصر لتصبح تابعا لامريكا أو إسرائيل وللسعودية .
وتهميش مصر و تقزيمها دفع ثمنه العرب جميعا لأنه أتاح الفرصة لزعامات فردية عربية لتحاول ملء الفراغ المصرى ، دون أن تتوفر لها البنية الاستراتيجية والحضارية والتاريخية التى تؤهلها للعب هذا الدور، سواء نظام الحكم فى السعودية أو العراق أو ليبيا ، وقد كانت تلك المناطق أو معظمها تابعة لمصر فى العصور الوسطى ، ثم أصبح لها كيان سياسى من وقت قريب ، فكيف لها أن تلعب الدور المصرى الذى يبلغ عمره عشرات القرون ؟ لذا فإن هذه المحاولات للعب الدور المصرى لن ينتج عنها سوى المزيد من القلاقل التى تصب فى إزدياد ضعف العرب و قوة اسرائيل .
هنا لا بد أن تكون مصر قوية لأنها صمام أمن المنطقة .
وفى الماضى كان ضعف مصر وقوتها مرتهن بشخص الحاكم الفرعون حيث كان الاستبداد هو ثقافة العصور السابقة . وأثبتت تجربة عبد الناصر أن الاستبداد لا يمكن أن يخلق دولة قوية فى عصرنا الراهن ، مهما بلغ حسن نوايا الحاكم المستبد .
ثقافة عصرنا الراهن تجعل الديمقراطية هى السبيل الوحيد للتقدم والقوة بحيث لا يكون فى مصر سوى شخص واحد هو عبد الناصر بل يكون فيها ملايين الأشخاص الفاعلين المتفاعلين النشطين مثل عبد الناصر . ولو تحققت لمصر الديمقراطية لتخلصت ليس فقط من خطر اسرائيل بل من خطر الحكم الدينى القادم الذى يمثله الاخوان المسلمون .وخطرالاخوان المسلمون فى الداخل واسرائيل فى الخارج يستمران ويتزايدان نفوذا ليس بمجرد القوة الذاتية ولكن أساسا بسبب ضعف مصر داخليا وخارجيا . والديمقراطية هى الحلّ.
هذا هو الدرس المستفاد من تاريخ مصر والشام . لا بد أن تتقدم مصر وتقوى بالديمقراطية لتنقذ نفسها وتنقذ الشام والعرب .
هذا هو ما يخص اللاتغيير الذى أحدثه الفتح الاسلامى لمصر من الناحية الاستراتيجية .
2 ـ كما وضح أيضا أن الفتح الاسلامى الذى جاء تحت شعار الاسلام لم يؤثر كثيرا فى الدين المصرى العتيد المتوارث من مصر القديمة لأن المصريين بعد الفتح الإسلامي لم يتغيروا بالإسلام بالقدر الكافي ، وتلك حقيقة تاريخية تعد من طبائع الأشياء ، فهناك دائما فجوة بين أوامرالدين الالهى وبين تطبيق الناس لها. وتتجلى هذه الفجوة واضحة فى التاريخ المصرى الممتد والموغل فى القدم والذى يقدس الموروث والمتوارث والثوابت ، وسبق توضيح تناقض تلك الثوابت المصرية مع عقيدة الاسلام فى أنه لا اله إلا الله وعدم تقديس البشر. ومع هذا تظل مصر تحتفظ بمفاجأة أن يظهر فيها مؤمنون موحدون يسيرون على طريق سحرة فرعون وإمرأة فرعون ومؤمن آل فرعون ، مهما بلغ طغيان و كفر الفرعون.
ولهذا بدأت الصحوة في مصر، وبدأت سحب الخرافات في الانقشاع رويدا رويدا ،وبدأ الاتجاه نحو الإسلام الحقيقي في القرآن الكريم ، ونأمل أن تستمر هذه الصحوة لتتطهر بها العقيدة المصرية الدينية من شوائب الشرك والخرافة .
3 ـ وقبل أن نختم هذه الدراسة عن الحياة الدينية في مصر قبل وبعد الفتح الإسلامي نقرر حقيقة هامة هي أن الضجيج السابق عن المعتقدات الشركية بين المسلمين والأقباط منذ العصر الفاطمي ليست إلا أحكاما نسبية ، فالتاريخ لا يرصد إلا ما ظهر وبان للعيان ، ولا يظهر لعيون التاريخ إلا ما تفعله الأكثرية والأغلبية من الشعب ، والأغلبية مدانة باتباع الهوى ومسايرة الشيطان ، ويكفى أن تراجع لفظ أكثر في القرآن الكريم لتجده دائما صفة للكفر والشرك وعدم الفهم وعدم البصيرة . (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)( يوسف 103 ، 106) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا )( الفرقان ) (43 : 44) .
لقد حادت أكثرية أهل الكتاب عن منهج الله ولكن بقيت منهم بقية مؤمنة (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( آل عمران 113 : 115 ، 199 ) .
وهو نفس الحال مع المسلمين المصريين لأنهم ببساطة أبناء أهل الكتاب ، ومن الطبيعى أن يسلكوا مسلك آبائهم ، ولو تحت أسماء اسلامية ومظاهر إسلامية تعيد إنتاج الثوابت العقيدية الراسخة ، وهذه الثوابت ( المصرية)هى التى تمصّر كل وافد الى مصر سواء كان من البشر أو من العقائد والأديان .
لقد كانت مصر ولا تزال مجتمعا دينيا له سماته الدينية المستمدة من حضارة مستمرة لأكثر من خمسين قرنا قبل الفتح الإسلامي وبعده, وإذا كان من المصريين من اقتدي بفرعون وسار على نهجه فان منهم من اقتفي أثر مؤمن آل فرعون الداعية للتوحيد وتمسك بدين الله , ومعناه أنه مهما تعاظم البعد عن منهج الله فلا يمكن أن يمحى الإيمان والتوحيد في هذا البلد , إلا إنه مع الأسف فإن أصحاب الحق وإن كانوا موجودين فعلا في العصور القبطية والفاطمية والصوفية إلا أن التاريخ لم يفرد لهم مكانا بين صفحاته,و كنا نتمنى أن نتعرف عليهم بين سطور الحوليات والخطط لنعطيهم حقهم من التنويه ولكن شأن التاريخ دائما أن يهتم بالظواهر والعموميات والأغلبية والأكثرية , وأصحاب الجاه وأبناء الدنيا , وفي النهاية فيكفي أولئك الذين نحس بوجودهم أن القرآن الكريم أشار إليهم ونوه بهم ونص على وجودهم (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )( سبا 13 ). (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ )( ص 24 ) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ )( الواقعة 10 : 14 ) .
وليكن عزاؤنا في عدم عثورنا على تلك الأقلية المصرية المؤمنة في عصورنا القبطية والفاطمية والصوفية أن القرآن الكريم ضرب لهم أمثالا رائعة في شخص مؤمن آل فرعون (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ )( غافر 45 ) وفي الصمود الرائع للسحرة المصريين (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )( طه 72 : 75 ).
بل وجعل من النساء المصريات المؤمنات مثلا أعلى لكل المؤمنات (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْ"RTL"> الغزالي .. إحياء علوم الدين : المطبعة العثمانية .
عبد الكريم الجيلي : الإنسان الكامل . جزءان . مطبعة الحلبي .
ابن عربي فصوص الحكم : تعليق القاشاني . مطبعة الحلبي .
الشعراني : لطائف المنن ط . دار الفكر , ط 1288 هـ ,
الطبقات الكبرى . ط صبيح .
القشيري : الرسالة القشيرية . ط . صبيح
خامسا – الدراسات العامة والمتخصصة :
أحمد زكي بدوي : تاريخ مصر الاجتماعي
أحمد صبحي منصور : أثر التصوف في مصر العصر المملوكي : رسالة دكتوراه غير منشورة : كلية اللغة العربية جامعة الأزهر ,
أثر العصبية القبلية في الدولة الأموية بحث ماجستير غير منشور لكلية اللغة العربية .
السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة : الطبعة الأولى 1982 .
حسن بيرينا : تاريخ إيران القديم : ترجمة د . نور الدين عبد المنعم والسباعي محمد السباعي . مكتبة الانجلو .
عبد المنعم ماجد : الحاكم بأمر الله : مكتبة الأنجلو 1959.
العبادي : مصر من الاسكندر الى الفتح العثمانى . مكتبة الانجلو 1975
المناوي : الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي . دار المعارف .
محمد كامل حسين : طائفة الإسماعيلية ., مكتبة النهضة , الطبعة الأولى 1959 .
ويلز . موجز تاريخ العالم . ترجمة عبد العزيز جاويد 1958 .
مقدمة
الفهرس
مقدمة الطبعة الأولى
الفصل الأول
الفتح الإسلامي والاستراتيجية السياسية
الفتح الإسلامي والاستراتيجية السياسية
الفتح الإسلامي والاستراتيجية السياسية
الفتح الإسلامي والاستراتيجية السياسية
الفتح الإسلامي والاستراتيجية السياسية
الفصل الثاني :الفتح والحياة الدينية
ثانيا : الإسلام ومصر بعد الفتح الإسلامي
الخاتمة
دعوة للتبرع
رمضان وأهل التراث: اشكرك على ثراء ووغزا رة الموق ع ...
فاتحة الكتاب: فاتحة الكتا ب فيها جميع الحرو ف العرب ية ...
ابن باز : بعض السعو ديين يقولو ن أن الشيخ عبد العزي ز ...
الجهادالأكبر وألأصغر: ما معنى الجها د الأكب ر و الجها د الأصغ ر؟ ...
حتى زرتم المقابر: اغلب الظن بأن المقا بر ، المذك ورة في سورة...
more