كيف يستخدم السيسي كورونا لتوطيد الحكم العسكري في مصر؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٢ - مايو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


كيف يستخدم السيسي كورونا لتوطيد الحكم العسكري في مصر؟

تبنت مصر في الآونة الأخيرة حزمة من السياسات القمعية التي لم يشهد لها مثيل في البلاد من قبل تحت رعاية الرئيس "عبدالفتاح السيسي" وبذريعة محاربة "بعبع" الإخوان المسلمين، لتتحول الجمهورية إلى سجن كبير أو "سجن مفتوح" كما وصفها منتقدو النظام.

والآن يبدو أن جائحة الفيروس التاجي قدمت لـ"السيسي" فرصة لتصدير "بعبع" جديد، ومنحت نظامه العسكري المزيد من الصلاحيات في فرض سيطرته على المجتمع مع مساحات أوسع لانتهاكات حقوق الإنسان.

واجهت مصر انتهاكات واسعة مؤخرًا في 14 مايو/ أيار، بعد أن قام مسؤولون أمنيون باقتحام منزل "حسن محجوب" مراسل صحيفة "المصري اليوم" اليومية، وألقوا القبض عليه بتهمة الترويج لـ"أخبار كاذبة". كما اعتقل المصور المستقل "معتز عبدالوهاب" بتهم مماثلة.

مكافحة أم قمع مستتر

يقول منسق لجنة حماية الصحفيين لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "شريف منصور" إنه "بينما تعفو بعض الحكومات حول العالم عن سجنائها خلال فترة الوباء، تصر مصر على إبقاء سجونها مليئة بالصحفيين بدلًا من السماح لهم بتغطية الجائحة وغيرها من الأحداث الجارية".

يأتي ذلك بعد أن صادق "السيسي" في 8 مايو/أيار على تعديلاتٍ جديدة مثيرة للجدل على قانون الطوارئ لعام 1958. وتم تقديم تلك التعديلات في صورة استراتيجيات مكافحة جائحة الفيروس التاجي.

ظاهريًا، تبدو بعض تلك التعديلات معقولة إلى حد ما، بما في ذلك الحجر الصحي للقادمين من الخارج، وفرض المزيد من القيود على التجمعات العامة والخاصة.

بالرغم من ذلك، فإن تلك التعديلات الجديدة تمكن الجيش المصري من إساءة استخدامها، حيث إنها تمنع أيضًا التجمعات وتحظر الاحتجاجات.

في أبريل/نيسان الماضي، قالت "هيومن رايتس واتش"، في بيان لها، إن 5 فقط من التعديلات الـ 18 المقترحة لها علاقة مباشرة مع تطورات الصحة العامة.

وقالت المنظمة الحقوقية إن "إدراج تلك التعديلات وجعلها جزءًا من قانون الطوارئ يعني السماح للسلطات بتطبيق تلك الإجراءات كلما أعلنت حالة الطوارئ، بغض النظر عما إذا كانت هناك حالة طوارئ صحية عامة آم لا".

وحذرت المنظمة من أن تلك التغييرات ستؤدي إلى المزيد من القمع في حالات الطوارئ بالمستقبل.

 

 

المعتقلون مهددون

في الواقع فإن مصر ترزح تحت وطأة حالة الطوارئ لمعظم الوقت خلال العقود الأربعة المنصرمة، بذريعة مكافحة الإرهاب، لذلك يبدو من الواضح كيف يمكن استغلال الصلاحيات الجديدة. حيث تستطيع الدولة فرض حالة الطوارئ في أي وقت أو تمديدها لضمان الحفاظ على السلطة ومنع معارضة حكمها.

بعد فترة وجيزة من إعلان منظمة الصحة العالمية أن "كورونا" جائحة في 11 مارس/ آذار، كثفت مصر حملتها المستمرة ضد الصحفيين وحرية التعبير.

تم الإبلاغ عن بضع مئات فقط من حالات "كوفيد-19" في مصر بحلول أواخر مارس/ آذار، لكن المنتقدين والتقارير العلمية كانت تشتبه في إصابة آلاف أو حتى عشرات الآلاف في وقت مبكر من بداية مارس/ آذار.

كانت "روث مايكلسون" من بين أولئك الذين يشككون في حجم الانتشار الحقيقي للفيروس في البلاد، وهي صحفية تعمل لدى صحيفة "الجارديان" في القاهرة، فأجبرتها السلطات المصرية على مغادرة البلاد في 26 مارس/ آذار.

لكن العديد من المصريين واجهوا معاملة أقسى، فقد اعتُقلت شابتان؛ هما "مروة عرفة" و"خلود سعيد"، واختفيتا قسراً بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كجزء من حملة أوسع نطاقاً على أولئك الذين ينتقدون تعامل الحكومة المصرية مع أزمة فيروس "كورونا".

وفي ظل اكتظاظ السجون في مصر، التي تضم عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، يواجه المعتقلون أيضًا انتشارًا للفيروس، خاصة مع حدوث بعض حالات الوفاة المشتبه في كونها بسبب "كورونا".

ومع ذلك، فقد تم اعتقال بعض الناشطين في مارس/ آذار أثناء احتجاج يطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

 

 

إفلات من العقاب

حتى قبل هذا التصعيد الأخير في الاستبداد، سبق أن عزز الجيش سلطته بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013 ضد "محمد مرسي"؛ أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر.

كان الجيش المصري يسيطر على الحكومة والاقتصاد منذ الانقلاب على الملك "فاروق" عام 1952، وكان كل الرؤساء منذ ذلك الحين من الجنرالات، باستثناء "مرسي".

لكن مع الدعم الخارجي الهائل والإفلات من العقاب، عزز "السيسي" سلطته الاستبدادية أكثر من أي رئيس سابق، وقد يظل في السلطة حتى عام 2034 بعد التعديلات الدستورية العام الماضي.

حرية الصحافة من بين الضحايا الرئيسيين للثورة المضادة في مصر، وهناك عدد لا يحصى من الصحفيين والناشطين الذين أصبحوا يواجهون الموت أو السجن منذ ذلك الحين.

تمثلت أحد المؤشرات المؤلمة لهذا الواقع في وفاة المخرج "شادي حبش" البالغ من العمر 24 عامًا في 3 مايو/ أيار، بعد أن ظل في السجن عامين بسبب إخراج مقطع فيديو موسيقي ساخر من "السيسي".

وتشمل الأحداث المروعة الأخرى مذبحة "رابعة" في أغسطس/ آب 2013، حيث تم ذبح أكثر من ألف متظاهر ضد الانقلاب في يوم واحد، مما كشف وحشية النظام المصري.

وبالرغم أن تجدد الاحتجاجات في سبتمبر/ أيلول الماضي، أظهر للعالم أن الشرر الذي أشعل احتجاجات ميدان التحرير الضخمة في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 لم يُخمد بعد، إلا أن أزمة فيروس "كورونا" منحت الحكومة الآن المزيد من الأدوات لقمع أي معارضة.

ومما شجع "السيسي" حقيقة أن العالم يغض الطرف الآن أكثر عن مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، خلال التركيز الحالي على مكافحة فيروس "كورونا".

 

 

كانت الولايات المتحدة تقدم المساعدة العسكرية للجيش المصري في البداية منذ عام 1979، لمنع تسليم مصر للاتحاد السوفييتي، ولمنع الصراع المستقبلي مع (إسرائيل).

يوصي تقرير من مركز "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" ومركز "السياسة الدولية" بأن تقطع الولايات المتحدة المساعدات العسكرية عن الحكومة المصرية. ويبرز التقرير أن الدعم الواسع من واشنطن، والذي يعتمد عليه الجيش المصري بشكل مكثف، يخلق "شعورًا بالاستحقاق" بين قادة البلاد.

ومن شأن سحب المساعدة العسكرية الأمريكية أن يبعث برسالة حازمة إلى "السيسي" بأن هذا الدعم ليس مطلقًا، وأن انتهاكاته لحقوق الإنسان غير مرحب بها، وسترسل قوى غربية أخرى تدعم النظام المصري -مثل بريطانيا وفرنسا- رسالة مماثلة إذا قطعت دعمها.

في نهاية المطاف، سيتطلب ذلك إعادة توجيه مهمة للسياسة الخارجية الغربية ككل.

قد يعيق عصر "ترامب" مثل هذه الإصلاحات، نظرًا لدعم واشنطن القوي لمصر، حيث يصف "ترامب" بفجاجة "السيسي" بأنه "ديكتاتوره المفضل".

هناك أمل آخر بالإصلاح قد يكون أقرب وأكثر واقعية، وهو ينبني على وجود بعض الشخصيات داخل النظام التي تتحدى حكم "السيسي" وتدفع من أجل سياسات أفضل.

هذا احتمال أقرب للتصور بالنظر إلى القوة العسكرية الممتدة في البلاد، ولكن تعليق المساعدة العسكرية لـ"السيسي" من شأنه أن يسرع مثل هذا الاحتمال أيضًا.

اجمالي القراءات 282
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more