ماذا يعني أن تكون مواطناً صالحاً في العالم العربي؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٣ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: رصيف 22


ماذا يعني أن تكون مواطناً صالحاً في العالم العربي؟

هناك العديد من الأدبيات التي توضح معنى المواطنة، ومن حيث كونها إطاراً نظرياً ومفاهيمياً، تعتبر بداياتها لصيقة بالثورة الفرنسية وما أفرزته من نقلات نوعية في السياق المفاهيمي للتنظيم السياسي المعاصر.

ولكن ظهور مفهوم المواطنة في السياق العربي كان متأخراً عن زمن نشأتها، إلا أنه وبعد عقود على الثورة الفرنسية، بدأ الإنسان العربي بابتكار حالة مفاهيمية تتسع للسياق الذي يعيشه بصورة لا تتنكر للجهد البشري الفكري الذي أفرزه الغرب، وفي نفس الوقت تحترم خصوصية السياق العربي.

 

فالمواطنة كما عرّفها برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، تتطلّب القبول بالمشاركة الواعية لكل شخص، دون استثناء ودون وصاية من أي نوع، في بناء الإطار الجماعي، أي في تأسيس السلطة والشأن العام.

فالمواطنة كفكرة تراهن على أمرين مهمين كما يقول غليون في كتابه نقد السياسة: الأمر الأول، المراهنة على الحرية كمطلب؛ والأمر الثاني، المراهنة على الفرد كمركز استثمار ممكن لرصيد الحرية هذا. 

فالمواطنة تستند على الحرية كقاعدة قيمية يتفق عليها الجميع وتستند كذلك على الفرد الإنسان كقالب يعي تلك القاعدة القيمية ويطبقها في سياق الاجتماع السياسي الذي يوجد فيه.

لكن ما زال السؤال عن مفهوم المواطنة قائماً في بيئتنا العربية، وعادة ما تطرحه حاجتنا إليه في ظل سياق يشهد حضوراً كثيفاً لكل ما هو انتماء ضيق، فهناك احتشاد مشاعري للشعور الطائفي أو المذهبي وهناك حضور للنسيج الرمزي العشائري أو القبلي، فالإنسان العربي ما زالت القوى المحيطة تصرّ على عدم قطع حبله السري، ليبقى  شديد الارتباط بعشيرته أو قبيلته التي تؤويه. 

وانتماء المواطن العربي متعدٍ ومتجاوز لمفهوم الدولة نظرياً وعملياً. فهو يتعدى الدولة ويتجاوزها بتمظهرها وتجليها المعاصر إلى دولة متخيلة ترتسم ملامحها بحدود ذاك الضيق الذي ينتمي له، وهذا يجعل من الوصول لمفهوم المواطنة أمراً عسيراً وبالتالي أن نصل لتلك المرحلة التي نستطيع أن نميز بها بين المواطنة الصالحة والسيئة أمر بالغ الصعوبة.

إن معرفتنا للشروط التي تحقق المواطنة تعتبر خطوة تأسيسية جوهرية للإجابة عن السؤال المطروح في العنوان. ففي دراسة كتبها أحمد بودراع، أستاذ القانون العام في جامعة محمد الخامس بالرباط ونشرت عام 2014 في المجلة العربية للعلوم السياسية بعنوان "المواطنة: حقوق وواجبات"، يشير الكاتب إلى أن هناك شروطاً أربعة لتحقيق حالة المواطنة.

تتلخص هذه الشروط أولاً بوجود نسق اجتماعي يلبي احتياجات المواطن، حيث غالباً ما تشير الحالة الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية للمواطنين ومستويات الرفاهية إلى مدى الشعور بحالة المواطنة ومدى الامتنان الذي يكنه الفرد للسلطة، وثانياً، هناك البيئة التعليمية التي تُعتبر واحدة من أهم شروط تحقيق المواطنة، فالبيئة التعليمية هي التي تزرع قيم المواطنة وتمارس حالة تطبيقية بدائية لهذا المفهوم عبر المراحل الدراسية التي تمتد إلى خمس شعرة عاماً تقريباً، إذ يعد الواقع العربي التعليمي ليس بالزاهي أو الباهي وعليه فإن إصلاح هذه البيئة لكفيل بتحقيق نقلة حقيقية في مفهوم المواطنة عملياً وترسيخه نظرياً.

وفي حديث لرصيف22، أكد النائب في مجلس النواب الأردني الأستاذ قيس زيادين وهو دارس للحقوق ويشتغل في سلك المحاماة إلى جانب عضويته في مجلس الأمة، أن إصلاح البيئة التعليمية بصفة عامة والمناهج بصفة خاصة وجوهرية، من أهم الحلول المعنية بمعالجة الحالة العربية المتأخرة في تربية الأجيال على قيم المواطنة وهو الشرط المعتبر للخروج من حالة الافتقار الشديدة لقيمة المواطنة.

الدولة الهشة تميل إلى ممارسة الإكراه تجاه مجتمعاتها، باعتباره واحداً من أبرز سماتها، وفي هذا غياب للإرادة في المشهد السياسي، فكلما حضر الإكراه غابت المواطنة وانتفت

وثالثاً، لا بد من توفر بنية قضائية ذات ميزة استقلالية تبعاً لطبيعة الدور الذي تمارسه في الدولة باعتبارها المحافظة والصائنة لجملة الحقوق التي يستحقها المواطن، وكذلك هي التي تنزع من المواطن "حقوقه" حال تعديه على حقوق الآخرين، فالمواطنة في جوهرها هي تلك العلاقة القانونية التي تربط الفرد بالدولة، واعتباراً بهذه العلاقة فإن تلك البنية هامة في إرساء دعائم المواطنة. ويؤكد لنا زيادين في تعريفه للمواطنة تلك العلاقة القانونية التي تربط الفرد (المواطن) بالدولة.

ورابعاً، تشير الدراسة إلى اعتبار شرط وجود مجتمع مدني متفاعل من شروط تحقيق المواطنة، فميزة المجتمع المدني أنه يحمي ذاته والدولة من تغول السلطة عليه ويلزمها حدها، وعادة ما تؤطر المدنية لحالة ديموقراطية أكثر تطوراً ورقيّاً، وكذلك تشير إلى حالة جمعية واعية تستطيع أن تتخاطب مع السلطة بصورة تضمن أداء جيداً لها وفي نفس الوقت عدم تغولها على الدولة والمجتمع. 

وتشير دراسة كتبها عبد الناصر اليافعي رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة قطر ونُشرت في مجلة المستقبل العربي في ربيع 2018 تحت عنوان جدل المواطنة والأسرة والقيلة في السياق العرب: الخليج مثالاً إلى أن تجربة المواطنة تتقلص أو تمتد تبعاً لشكل السلطة القائمة، فكلما كانت السلطة مبنية على تراتبية حادة كان ذلك كفيلاً بضمور تجربة المواطنة، وبخلاف ذلك، فإنه كلما كانت منتظمة بإطار قانوني مترافق مع منظومة أخلاقية وثقافية رمزية وحالة رقابية شعبية فهذا يعني أن فرص نجاح تجربة المواطنة كبيرة.

فالدولة العربية المعاصرة هي دولة مأزومة، حتى أن المؤشر العربي، وهو مؤشر فصلي يصدر مع كل عدد لمجلة سياسات عربية الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أشار في مارس 2019، إلى أن هناك تقييماً متدنياً للدولة العربية المعاصرة في ما خص "الشرعية"، فقد كان مؤشر "الشرعية" في عموم الدول العربية متدنياً، وأعلى دولة حازت 6.6 نقطة من 10 نقاط فيما كانت باقي الدول تحت هذه الدرجة، فأربعة من أصل عشرة دول حازت على درجة أعلى من 5 والباقيات حازت أقل من 5 درجات.وثانياً، هناك البيئة التعليمية التي تُعتبر واحدة من أهم شروط تحقيق المواطنة، فالبيئة التعليمية هي التي تزرع قيم المواطنة وتمارس حالة تطبيقية بدائية لهذا المفهوم عبر المراحل الدراسية التي تمتد إلى خمس شعرة عاماً تقريباً، إذ يعد الواقع العربي التعليمي ليس بالزاهي أو الباهي وعليه فإن إصلاح هذه البيئة لكفيل بتحقيق نقلة حقيقية في مفهوم المواطنة عملياً وترسيخه نظرياً.

وفي حديث لرصيف22، أكد النائب في مجلس النواب الأردني الأستاذ قيس زيادين وهو دارس للحقوق ويشتغل في سلك المحاماة إلى جانب عضويته في مجلس الأمة، أن إصلاح البيئة التعليمية بصفة عامة والمناهج بصفة خاصة وجوهرية، من أهم الحلول المعنية بمعالجة الحالة العربية المتأخرة في تربية الأجيال على قيم المواطنة وهو الشرط المعتبر للخروج من حالة الافتقار الشديدة لقيمة المواطنة.

الدولة الهشة تميل إلى ممارسة الإكراه تجاه مجتمعاتها، باعتباره واحداً من أبرز سماتها، وفي هذا غياب للإرادة في المشهد السياسي، فكلما حضر الإكراه غابت المواطنة وانتفت

وثالثاً، لا بد من توفر بنية قضائية ذات ميزة استقلالية تبعاً لطبيعة الدور الذي تمارسه في الدولة باعتبارها المحافظة والصائنة لجملة الحقوق التي يستحقها المواطن، وكذلك هي التي تنزع من المواطن "حقوقه" حال تعديه على حقوق الآخرين، فالمواطنة في جوهرها هي تلك العلاقة القانونية التي تربط الفرد بالدولة، واعتباراً بهذه العلاقة فإن تلك البنية هامة في إرساء دعائم المواطنة. ويؤكد لنا زيادين في تعريفه للمواطنة تلك العلاقة القانونية التي تربط الفرد (المواطن) بالدولة.

ورابعاً، تشير الدراسة إلى اعتبار شرط وجود مجتمع مدني متفاعل من شروط تحقيق المواطنة، فميزة المجتمع المدني أنه يحمي ذاته والدولة من تغول السلطة عليه ويلزمها حدها، وعادة ما تؤطر المدنية لحالة ديموقراطية أكثر تطوراً ورقيّاً، وكذلك تشير إلى حالة جمعية واعية تستطيع أن تتخاطب مع السلطة بصورة تضمن أداء جيداً لها وفي نفس الوقت عدم تغولها على الدولة والمجتمع. 

وتشير دراسة كتبها عبد الناصر اليافعي رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة قطر ونُشرت في مجلة المستقبل العربي في ربيع 2018 تحت عنوان جدل المواطنة والأسرة والقيلة في السياق العرب: الخليج مثالاً إلى أن تجربة المواطنة تتقلص أو تمتد تبعاً لشكل السلطة القائمة، فكلما كانت السلطة مبنية على تراتبية حادة كان ذلك كفيلاً بضمور تجربة المواطنة، وبخلاف ذلك، فإنه كلما كانت منتظمة بإطار قانوني مترافق مع منظومة أخلاقية وثقافية رمزية وحالة رقابية شعبية فهذا يعني أن فرص نجاح تجربة المواطنة كبيرة.

فالدولة العربية المعاصرة هي دولة مأزومة، حتى أن المؤشر العربي، وهو مؤشر فصلي يصدر مع كل عدد لمجلة سياسات عربية الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أشار في مارس 2019، إلى أن هناك تقييماً متدنياً للدولة العربية المعاصرة في ما خص "الشرعية"، فقد كان مؤشر "الشرعية" في عموم الدول العربية متدنياً، وأعلى دولة حازت 6.6 نقطة من 10 نقاط فيما كانت باقي الدول تحت هذه الدرجة، فأربعة من أصل عشرة دول حازت على درجة أعلى من 5 والباقيات حازت أقل من 5 درجات.

اجمالي القراءات 557
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق