قال السفير سيد حسين موسويان، وهو مختص في الأمن بالشرق الأوسط، وأخصائي السياسة النووية في جامعة برينستون، ودبلوماسي إيراني سابق، إن التعاون بين المملكة العربية السعودية وإيران – باعتبارهما القوتين الإقليميتين الرئيستين – يشكل العنصر الأساسي في تشكيل نظام سلمي جديد في الشرق الأوسط.

وقارن موسويان – في مقال نشره موقع «بيزنس إنسايدر» الأمريكي – بين المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامئني وولي العهد السعودي الأمير ابن سلمان، مشيرًا إلى الخلفيات السياسية والاجتماعية التي رافقت كلًا منهما، وموقف بلديهما من الصراعات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

وقال الكاتب: «يعزز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سلطته بوتيرة ثابتة في الرياض، ويعد نفسه ليصبح أقوى حاكم في التاريخ السعودي. وقد صاحب صعوده إلى السلطة تصاعد الأعمال القتالية ضد إيران… ومع ازدياد التوترات بين السعودية وإيران، فإن التجارب الحية والأساليب القيادية للمرشد الأعلى الإيراني – البالغ من العمر 78 عامًا، آية اللهالبالغ من العمر 78 عامًا، آية الله على خامنئي – والأمير ابن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا ستقرر مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة».

 

 

قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كان آية الله خامنئي ناشطًا سياسيًا، عارض ديكتاتورية الشاه، وعانى من السجن والتعذيب والنفي على مدار 15 عامًا. وقد حظي بمكانة قيادية بين الثوريين بعد الثورة وفي عام 1981، انتخب رئيسًا للبلاد.

خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، التي شهدت دعم الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية والدول العربية الإقليمية لصدام حسين، لعب آية الله خامنئي دورًا رئيسًا في الإشراف وقيادة المجهود الحربي. من ناحية أخرى، ولد ابن سلمان عام 1985، وليس لديه خبرة مماثلة.

خلال الثمانينات، واجهت إيران أيضًا موجة من الإرهاب، حيث كانت مجموعة «مجاهدي خلق» وحدها مسؤولة عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص. آية الله خامنئي هو نفسه ضحية للإرهاب؛ فقد أصيب بشلل في يده بعد هجوم بالقنابل عام 1981. الجانب المشرق في تاريخ إيران – باعتبارها ضحية للإرهاب – هو أن قادتها أصبح لديهم خبرة في مكافحة الإرهاب، وهو سبب آخر لنجاح إيران في مكافحة الإرهابيين بجميع أنحاء المنطقة.

وفي الوقت نفسه، لا يوجد لدى ابن سلمان سجل في مكافحة الإرهاب، وكان يستعد لتولي زمام السلطة في الوقت الذي كانت فيه بلاده تقدم، وفقًا لرسالة بريد الكتروني لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في عام 2014، «دعمًا سريًا ماليًا ولوجستيًا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».

سياسات خارجية متباينة

أشار الكاتب إلى أن آية الله خامنئي قد ترأس منذ 28 عامًا دولة خضعت لكل شكل من أشكال الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية من جانب القوى الخارجية – وعلى رأسها الولايات المتحدة – بهدف الضغط باتجاه تغيير النظام.

ومع ذلك، لم يثبت أمن إيران واستقرار إيران خلال هذه الفترة فحسب، بل برزت البلاد كقوة إقليمية مؤثرة. وقد أدت سياسات العقوبات والضغط والتهديدات بالحرب ضد طهران إلى تعزيز إيران لموقفها باعتبارها الدولة الإقليمية الوحيدة التي لا تحتاج القوى الأجنبية من أجل أمنها.

وعلاوة على ذلك، فإن استراتيجية آية الله خامنئي للأمن القومي تقوم على الاعتقاد بأن مقاومة تطلعات الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط ليست فقط مصدر قوة إيران، ولكنها تسمح لها بالحفاظ على استقلالها.

 

 

على النقيض من ذلك، قال الكاتب: إن العائلة المالكة السعودية تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني ​​لها، واعتمدت على رعاية الولايات المتحدة العسكرية والسياسية والاقتصادية لعقود. وفي مايو (أيار) أشار ابن سلمان إلى هدفه المتمثل في مواصلة هذه التبعية بالتوقيع على أكبر صفقة أسلحة في تاريخ الولايات المتحدة بمبلغ 350 مليار دولار، وبالتالي الحصول على الدعم الكامل لجدول أعماله الإقليمي والمحلي من البيت الأبيض.

وفي المنطقة، شكلت طهران شراكة استراتيجية مع روسيا. وقد قامت طهران، بناء على طلب من الحكومتين، السورية، والعراقية، بدور رئيس في تلك البلدان لتأمين سلامتهما الإقليمية، وهزيمة المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم (داعش).

وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي قد منحت السعودية الضوء الأخضر، فقد ذكر الكاتب أن السعودية غرقت في مستنقع اليمن؛ مما خلق أكبر كارثة إنسانية في العالم من خلال حملة القصف الشرسة التي أطلقتها. وقد فشلت في محاولتها لتغيير النظام في قطر وسوريا، ورأت جهودها لتقويض الحكومة اللبنانية وهي ترتد إلى نتائج عكسية من وجهة نظر كاملة للمجتمع الدولي.

وقد أكسبت هذه الأفعال – بحسب الكاتب – ابن سلمان سُمعة باعتباره متهورًا ومندفعًا، وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: إن الكثيرين في السعودية ينظرون إلى ابن سلمان بصفته «متهورًا، وتواقًا للسلطة، وعديم الخبرة».

 

كما أن إيران قد جعلت من معارضتها لإسرائيل جانبًا أساسيًا من سياستها الخارجية ودفعت تكلفة عالية لدعمها للفلسطينيين. وعلى الجانب الآخر، يعزز ابن سلمان العلاقات مع إسرائيل بوتيرة سريعة في محاولة لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني. إن الضوء الأخضر السعودي للرئيس ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، سيساهم بشكل كبير في تآكل شعبية الملك وشرعيته، في حين يجعل من السهل على إيران التأثير على العالم الإسلامي للوقوف معًا لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية دفاعًا عن الفلسطينيين والأماكن المقدسة.

وبينما تبدو مكانة آية الله خامنئي راسخة، حيث كان قد تقلد منصبه بتصويت أغلبية مجلس خبراء القيادة الإيراني، وهو هيئة منتخبة شعبيًا، ويحظى بالشرعية بصفته شخصية سياسية، ومرجعًا شيعيًا باعتباره المرشد الديني للملايين حول العالم، فإن ابن سلمان يزيح معارضيه للتغلب على أية عقبات تحول دون توليه الحكم بعد وفاة العاهل السعودي أو تخليه عن الحكم، وهو ما أظهرته حملة التطهير الأخيرة بالبلاد، وفق ما أورده الكاتب.

اقتصاد خامنئي أفضل من اقتصاد ابن سلمان!

وفيما يتعلق بالأمور الاقتصادية، يختلف آية الله خامنئي وابن سلمان بشكل جوهري. وعلى الرغم من أن إيران والسعودية تعانيان من الفساد، والبطالة المزمنة، وهبوط أسعار النفط، إلا أن إيران اتخذت في مواجهة هذه التحديات خطوات لإصلاح نظام الدعم غير المتكافئ وتنويع اقتصادها. وأشار البنك الدولي إلى أن النفط يمثل نحو 30% من الإيرادات الحكومية في إيران، مقابل نحو 90% في السعودية.

وعلاوة على ذلك، قال صندوق النقد الدولي: «إن السعودية ستواجه عجزًا جديدًا هذا العام؛ مما سيؤدي إلى استنزاف احتياطياتها الأجنبية. وبالنظر إلى أن نفوذ المملكة التقليدي في العالم العربي قد استند إلى قوتها المالية، فإن هذا التراجع المالي سوف يقوض القيادة السياسية السعودية في العالم العربي».

وقال الكاتب: «إن الاحتجاجات الأخيرة في مختلف المدن الإيرانية، والتي أودت بحياة عدد من الأشخاص، وإصابة البعض الآخر، ترتبط بمظالم اقتصادية. وفي الوقت نفسه، قام ترامب بتنسيق الأعمال العدائية ضد إيران مع إسرائيل والسعودية إلى غايات أكثر عدوانية مما كانت عليه في الماضي. وقد أعلن ابن سلمان صراحة أنه سينقل (المعركة) داخل إيران».

وقد رصد الكاتب الظروف المتباينة التي نشأ فيها كل من خامئني وابن سلمان. فبينما نشأ زعيم إيران في أسرة فقيرة، وحافظ على نمط حياة متواضع منذ توليه لمناصب رسمية بعد الثورة، فقد عاش ابن سلمان منذ الولادة في القصور المزخرفة، ولم يعان شخصيًا من أية فاقة أو فقر. في العام الماضي ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» حتى أنه يمتلك يختًا بقيمة 500 مليون دولار.

 

 

مع أكثر من 50 عامًا من الخبرة السياسية والعسكرية والأمنية، فإن الزعيم الإيراني على دراية جيدة بالجغرافيا السياسية واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وقد تزعم دولة فعالة نسبيًا مع تراث حضاري غني. وهذا هو السبب الرئيس في أن إيران تمكنت من تحقيق أقصى قدر من المكاسب في المنطقة بأقل التكاليف، بينما دفعت السعودية أقصى التكاليف وحققت مكاسب أقل.

ومع ذلك، رأى الكاتب أن ابن سلمان زعيم شاب وطموح، ولديه خطة إصلاح غير مسبوقة لتحويل السعودية إلى مجتمع أكثر انفتاحًا، والحد من قوة مؤسستها الدينية الوهابية الأصولية. وهذا هو بالضبط ما تحتاجه السعودية. وإذا نجح؛ فإن المملكة ستصبح قوة رئيسة للاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم العربي. ومن ناحية أخرى ستشهد منطقة الشرق الأوسط برمتها موجة جديدة من الفوضى، إذا غرقت السعودية نحو الفوضى.

واختتم الكاتب بقوله: إنه بعد اندلاع الانتفاضات العربية في عام 2011، لا بد من حدوث تغيير كبير في المشهد الجيوسياسي في المنطقة. إن العلاقة الصفرية بين إيران والسعودية، فلن تضر بالاستقرار الإقليمي فحسب، بل ستقلل – ولن تعزز – آفاق الإصلاح السعودي.