رسائل سورة الفاتحة.. ما وراء زيارة أردوغان لقبر سليم الأول ومحمد الفاتح

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٧ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: روسيا اليوم


رسائل سورة الفاتحة.. ما وراء زيارة أردوغان لقبر سليم الأول ومحمد الفاتح

شاهد العالم منذ ساعات ذلك المشهد الرهيب؛ ها هو الرئيس أردوغان يقفُ أمام قبر السلطان محمد الفاتح في خشوع المُصلين، ثم يصدحُ بآيات القرآن الكريم، ويشدو بصوته مُرتلًا فاتحة الكتاب، كأنما يخبر السلطان الجاثمَ في قبره أن أيام التاريخ المجيد قد عادت، وأن أطراف القسطنطينية وما حولها باتت قريبة من صوت الأذان الذي ظهر جليًا في هذا الفيديو، هكذا فسر البعض المشهد.

مقالات متعلقة :

ليس هذا فقط، بل رأى البعض أن توجهه إلى قبر السلطان سليم الأول، كأنما يرسل إلى أعدائه الأوروبيين رسالةً سُلطانية واضحة.

تُرى هل كانت تلك السطور السابقة من وحي أوهام الصُحافيين، أم أن تلك الزيارات لها دلالة رمزية واضحة، وأنها تقول بوضوح إن تركيا من الممكن أن تعود إمبراطورية عثمانية مرة أخرى قبل عام 2023، وهي الذكرى المائة لإنهاء الخلافة.

أردوغان يؤدي صلوات الشكر

تابع العالم أمس نتائج استفتاء التعديلات الدستورية التي خاضها نحو 55 مليون تركي للإدلاء بأصواتهم؛ لتقرير مصير 18 مادةً في الدستور؛ وفازت «نعم» بأغلبية 51.3، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.

وعقب فوز أردوغان اتصل على الفور برئيس الوزراء بن علي يلدريم، وزعيم الحزب القومي لتهنئتهما على انتصار «نعم»، كما وجه رسالة شكر إلى الشعب التركي الذي أظهر إرادته؛ هل هذا كل شيء، بالتأكيد لا.

وزار الرئيس التركي اليوم، قبور زعماء حاولوا قبله تغيير الدستور، وهم «نجم الدين أربكان»، رئيس الوزراء في التسعينيات، وهو الأب الروحي لأردوغان، وأبرز زعماء تيار الإسلام السياسي؛ كما زار قبر «عدنان مندريس» رئيس الوزراء الذي أعدمه الجيش في الستينيات، إضافة إلى الرئيس السابق «تورغوت أوزال».

لكن الذي أثار الصحف العالمية، تلك الزيارة التي كانت لقبر السلطان «محمد الفاتح»، الأمير الإسلامي والرمز الديني الشهير عند المسلمين؛ إذ قام بتلاوة سورة «الفاتحة»، وبضع آيات من سورة «البقرة»، ثم توجه إلى مسجد الصحابي «أبو أيوب الأنصاري»، وصلى ركعتين، كما توجه إلى مكان دفن السلطان سليم الأول، تاسع سلاطين الدولة العثمانية، وأول من حمل لقب أمير المؤمنين من العثمانيين؛ وعلق النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي واصفين الصلوات بأنها «ركعات شكر على نتائج الاستفتاء».

ولطالما تحدث أردوغان في كثير من خطاباته عن السلطان «محمد الفاتح»، وردد مرارًا بأن الأتراك هم أحفاده، وشدد على ضرورة الاقتداء به؛ من أجل الانتصار على أعداء تركيا؛ فما هي قصة السلطان العظيم الذي فتح إسطنبول وهو في الواحدة والعشرين من عمره، ولماذا حرص أردوغان على زيارة قبر سليم الأول أيضًا؟

السلطان محمد الفاتح

هو أحد أكبر قادة الدولة العثمانية (1299: 1923) الذي نجح في فتح القسطنطينية، وهي عاصمة الدولة البيزنطية، واستطاع ضمها للدولة الإسلامية، كما حوّل كنيستها «أيا صوفيا» إلى مسجد كبير، وترجع مكانته العظيمة، إلى البشارة التي قالها النبي (محمد)، «لتفتحن القسطنطينية، فنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش جيشها».

والسلطان الفاتح هو الوحيد من سلالة آل عثمان الذي قاد 25 حربًا بنفسه، خلال ثلاثين عامًا فقط، هي عمر ولايته، كما حارب لمدة 16عامًا متواصلة جيشًا صليبيًّا مكونًا من عشرين دولة، إذ أعلن بابا الفاتيكان عام 1463 أن كل من يشارك في هذه الحرب من الصليبيين ضد الدولة العثمانية سيغفر له الرب ذنوبه مدة ستة أشهر، واستطاع أن يوسع رقعة أراضي الدولة العثمانية حتى بلغت 2.24 مليون كم، وكانت مساحتها 900 ألف كيلومتر عند توليه الحكم.

بالانتقال سريعًا إلى الحاضر، فأوروبا حشدت أعضاءها لحظر قيام الدعاية التركية على أراضيها، وقد شبّه الرئيس التركي قرار قضاء الاتحاد الأوروبي الذي يجيز للمؤسسات حظر ارتداء الحجاب في مكان العمل بـ«حملة صليبية» ضد الإسلام.

ونجا السلطان من 14 محاولة اغتيال دبرها له أعداؤه الأوروبيون، إلا أن طبيبًا يهوديًّا استطاع أن ينجز المحاولة الخامسة عشر بنجاح؛ وأردوغان أيضًا تعرض للعديد من محاولات الاغتيال، وعندما سئل عن عددها أجاب: «لا أتذكر تمامًا عدد محاولات الاغتيال التي استهدفتني، ولكن يمكنني القول إنها أكثر مما أتذكر بكثير».

هل يريد أردوغان أن يكون سليم الأول الجديد؟

يرى البعض في زيارة الرئيس أردوغان لقبر السلطان سليم الأول، إشارة إلى حمل اللقب السلطاني مرة أخرى؛ إذ إن سليم هو أول من حمل لقب أمير المؤمنين من آل عثمان، ولطالما ردد أردوغان شعارات السلطان أمام حشوده؛ فهل فعلًا يريد أردوغان أن يصبح سليم الأول؟

تربع السلطان سليم الأول على العرش العثماني عام 918 هـ، وأظهر في بداية حكمه ميلًا إلى تصفية خصومه، حتى لو كانوا من إخوته وأبنائهم، وكان يحب الأدب والشعر الفارسي والتاريخ، كما اشتهر بأنه كان يصطحب المؤرخين والشعراء إلى ميدان القتال ليسجلوا الأمجاد، وينشدوا القصائد، وكان محبوبًا لدى الجنود؛ لأنه كان شرس الطباع.

حكم السلطان سليم الأول تاسع سلاطين الدولة العثمانية ثماني سنوات شهدت فيها السلطنة ذروة مجدها. ولد في عام 1470 ميلاديًّا، وجده محمد الفاتح، وابنه هو السلطان سليمان القانوني؛ وسيطر في عهده على بلاد الشام والعراق والحجاز وتهامة ومصر، حتى بلغت مساحة أراضي الدولة حوالي مليار فدّان يوم وفاته، وبدأت علاقة سليم الأول بالحكم في سن الخامسة عشر، حين تولى ولاية «طرابزون».

وفي ولايته لاحظ سليم انتشار الفساد في مؤسسات الدولة؛ والتي كان لها دور كبير في توقف الفتوحات العثمانية، وكان كبر سن أبيه وظهور علامات الشيخوخة، دافعًا كبيرًا جعله يفكر في اعتلاء الحكم؛ وحسب الوثيقة الخاصة بالسلطان محمد الفاتح التي استند في إصدارها إلى علماء عصره؛ «فيمكن للأخ الأقوى قتل إخوانه؛ من أجل الوصول إلى سدة الحكم»، واستنادًا لهذه الوثيقة بدأ سليم الأول يتتبع خطوات وتحركات إخوانه، وكان أحمد وسليم المرشحين لاعتلاء العرش.

وبدأ سليم في تجهيز الجيش، وضم شبه جزيرة القرم التتارية، وحصل على دعم الإنكشاريين، وبذلك استعد لحربه من أجل الوصول إلى العرش.

وكانت الأزمة التي تعترضه، هي بعده عن إسطنبول، فلم تكن أخبار القصر تصل إليه وصولًا سريعًا ومنتظمًا؛ لذلك بدأ يطلب نقله إلى إحدى الولايات القريبة من إسطنبول، لكن أباه رفض وحاول إرضاءه بإعطائه ولاية أخرى، لكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق؛ فأرسل أبوه مجموعة من العلماء إليه من أجل إقناعه؛ لكنه صدهم جميعًا، وبدأ في تحريك جيشه تجاه البلقان؛ فتم تجهيز جيش ضخم من أجل سد جيش سليم الأول؛ ولما أدرك السلطان سليم الخطر، تراجع وتم الاتفاق على هدنة مع أبيه على أساس منحه ولاية بالقرب من إسطنبول.

وبعدما مرض الأب، قام بترقية ابنه أحمد ونصبه على العرش، وبعد وصول الأنباء الجديدة، تحرك سليم الأول بجيشه، وبالرغم أنه هُزم، إلا أن فرقًا كبيرة في الدولة وداخل الجيش رفضت الاعتراف بأخيه، ووصل سليم إلى الحكم في النهاية بقوة السلاح.

بدأ السلطان سليم حكمه بتجهيز جيش ضد شاه إيران؛ لصد خطورة المد الشيعي من الشرق، كما اتجه لغزو المعاقل والحصون المسيحية في «بلغراد»، و«رودوس»، وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف عند حصار فيينا في 1529.

وضم أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين، ومناطق شاسعة من شمال إفريقيا امتدت إلى الجزائر.

وتحت حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، وصولًا إلى الخليج، وكان أشهر وأعظم آل عثمان.

رسائل سورة الفاتحة.. هل يسعى أردوغان ليصبح أتاتوركًا جديدًا؟

علق البعض على قراءة أردوغان لسورة الفاتحة بأن أردوغان يبدأ عهدًا جديدًا، بدايته سورة الفاتحة بجوار قبر الفاتح، وبالرغم من أن تلك الرسالة في رمزيتها قد تبدو مخيفة للأوروبيين أكثر من نتائج الاستفتاء نفسها، إلا أن مردودها لم يظهر بعد.

والمثير للتساؤل، ما هو مردود تلك الزيارة؟ ولماذا جاءت في ذلك التوقيت؟ هل ينوي أردوغان أن يعيد تركيا لعهد أتاتورك مرةً أخرى؟

في عام 1923، أصبح كمال أتاتورك أول رئيس لجمهورية تركيا، وسعى الرجل الذي كان رمزًا شعبيًّا عند المسلمين، إلى عملية تغيير الدولة من خلافة إسلامية إلى جمهورية علمانية؛ فمنع استخدام اللغة العربية، وأطاح مظاهر الثقافة الشرقية، كما استطاع بموجب الصلاحيات التي كانت في يده إلغاء التعددية الحزبية، واستبدلها بنظام الحزب الواحد، تحت شعار «حماية الدولة من الأعداء»، كما أنه قاد بلاده نحو نهضة صناعية حديثة غيرت وجه تركيا، ولكن ما هو الرابط بين أتاتورك وأردوغان؟

يرى الأوروبيون، والمعارضة أن التعديلات الدستورية من شأنها أن تحوّل أردوغان إلى «كمال أتاتورك جديد»، لكن الاختلاف الجوهري – في نظرهم- أن الرئيس الحالي يسعى إلى إعادة الخلافة العثمانية، والعودة إلى المشروع الإسلامي، وهو ما ظهرت بوادره منذ إحياء تدريس اللغة العربية في المدارس، وظهور الحرس العثماني القديم، وهو مسار عكسي لشخصية «أتاتورك» لا تقبله أوروبا العلمانية.

وما يزعج الأوروبيين أن النظام الجديد سيعطي أردوغان صلاحياتٍ كبيرةً تجعله «ديكتاتورًا بنص الدستور» – على حد وصفهم-، فمثلًا شملت التعديلات الدستورية إلغاء المحاكم العسكرية، ومحاكمة الضباط أمام المحاكم المدنية؛ مما يزعج الرافضين الذين رأوا في القانون أنه يستهدف تحييد الجيش تمامًا خارج المشهد السياسي، باعتباره حاميًا للعلمانية التركية بنص الدستور.

وتشمل التعديلات أيضًا أن الرئيس يحق له تعيين 12 قاضيًا في المحكمة الدستورية من أصل 15، ويتساءل الرافضون، كيف يحاكم هؤلاء القضاة الرئيس في حال توجيه أي تهمة إليه، معتبرين أنه يمهد الطريق إلى «حكم الرجل الواحد»، عن طريق سلطة إصدار المراسيم، وإعلان حالة الطوارئ، وتعيين وزراء، وكبار مسؤولي الدولة، وحل البرلمان.

اقرأ أيضًا: لماذا تدفع أوروبا الأتراك للتصويت بـ«لا» في انتخاباتهم؟

يوم حزين في أوروبا

 

من المؤكد أن أردوغان يعرف ردود الفعل الأوروبية من القوة الغاضبة التي تسببها «نعم»؛ لأن نتيجة الاستفتاء أظهرت العداء الكامل لتركيا التي لم تعد رجل أوروبا المريض.

فبعد لحظات قليلة من إعلان النتيجة، علقت مقررة الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي «كاتي بيري»، عن استيائها قائلة: «إن نتائج الاستفتاء على التعديلات التركية تعد بمثابة يوم محزن».

واعتبر الرئيس الفرنسي «فرانسوا أولاند»، النتائج المنشورة تظهر أن المجتمع التركي منقسم بشأن الإصلاحات الواسعة المقررة. جدير بالذكر أن فرنسا لها موقف واضح بمنع دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، بالرغم أن علاقاتها مستقرة مع أردوغان.

وقالت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، إن نتيجة الاستفتاء أظهرت مخاوف؛ نظرًا لنتائجه المتقاربة، وأضافت: «يجب إجراء نقاشات سياسية بهذا الشأن في أسرع وقت ممكن على مستوى ثنائي، وبين المؤسسات الأوروبية، وتركيا».

بينما اعترف وزير الخارجية النمساوي «سباستيان كورتس»، قائلًا: «لا يمكننا العودة إلى الروتين اليومي في تعاملنا مع تركيا بعد الاستفتاء الذي يعزز صلاحيات أردوغان»، مضيفًا: «يجب أن نقود الاتحاد الأوروبي للتعامل بصراحة مع هذه المسألة، ووقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد».

جدير بالذكر أن أوروبا الرافضة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم تقم بعملية حظر الدعاية الانتخابية الأمريكية على أراضيها؛ لكنها في المقابل دعت لحظر الدعاية التركية، وقامت كل من ألمانيا وهولندا والنمسا بمعارضة صريحة لأردوغان، كما أعلن مجلس أوروبا – وتركيا أحد أعضائه- أن التعديلات الدستورية ستكون خطوة خطيرة إلى الوراء، وهو ما تبعه بأيام قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد المساعدات المالية الممنوحة للحكومة في أنقرة.

وبالرغم من أن أردوغان اعتبر أن المعارضة لا تمثل شيئًا، إلا أنه في النهاية فاز في اختباره الأصعب على الإطلاق؛ ومن المتوقع أن يرى العالم في الأيام القادمة الوجه الجديد لتركيا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة، هل فعلًا يريد أردوغان أن يحول تركيا إلى إمبراطورية عثمانية مرة أخرى قبل عام 2023؟ تبدو الإجابة بنعم في نظر البعض عبر رؤية الأمور من منظار أوسع يرصد صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

وتبدو زيارة أردوغان لقبر السلطان محمد الفاتح، والسلطان سليم الأول، وكأنها بداية تحمل الكثير من الرسائل ربما غير السارة لخصوم أردوغان الأوروبيين عقب نجاحه الصعب.

اجمالي القراءات 5503
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   رضا البطاوى البطاوى     في   الثلاثاء ١٨ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85786]



يذكرنى هذا بزيارات رؤساء وزراء اليابان  لمعبد ياسوكونى وهو معبد يضم رفات المقاتلين اليابانيين الذين قاتلوا ضد الغرب وغيره وأيضا يذكرنى باعتراضات الولايات المتحدة والغرب على مغزى الزيارات والغريب هو تشابه البلدين فى كون الدساتير فيهما وضعت بأيدى غريبة حتى وإن تسمت باسم المسلمين فى تركيا  وتشابه فى وجود قواعد عسكرية الولايات المتحدة فيهما تحت مسمى الناتو



الغريب أن الاوضاع اليابانية لم تتغير وكذلك التركية لن تتغير لأن الحكام هنا وهناك دخلوا فى منظمة الفساد العالمى ولو كان أردوغان حقا من الإخوان ما بقى فى السلطة أكثر مما بقى مرسى وسابقه نجم الدين اربكان خاصة فى ظل جيش علمانى وقضاء علمانى وإنما هو من اختراقات المخابرات للجماعة وليس هو فقط وإنما معه العديد من قادة الجماعة هناك 



بالقطع مسموح لمن يدخل منظمة الفساد العالمى أن يتوسع حربيا وان يحارب غيره ممن فى المنظمة ما دام ذلك فى إطار اللعبة



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق