مسيحيو العراق.. شواهد الوطن المتعدد المهددون بالإبعاد

اضيف الخبر في يوم الخميس ٠٢ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


مسيحيو العراق.. شواهد الوطن المتعدد المهددون بالإبعاد

مسيحيو العراق.. شواهد الوطن المتعدد المهددون بالإبعاد

آلاف المسيحيين لجأوا للفرار الجماعي من العراق إلى أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة وكندا، مفضلين منفاهم الاختياري على البقاء في وطنهم.

العدوان على تاريخ التعدد في العراق

نينوى (العراق) – تحولت مدينة بغديدا التي كانت في الماضي حاضرة للمسيحيين في العراق، إلى مدينة أشباح، دمرت مبانيها جراء المعارك، ونهبت منازلها على يد عناصر داعش، وشوارعها باتت مهجورة، إلا من شعارات داعش المنقوشة على جدران الكنائس، لم يعد هناك أثر للخمسين ألف شخص الذين كانوا يعيشون في المدينة الواقعة على مسافة 15 كيلومترا من مدينة الموصل، كما لو أنهم تبخروا.

يؤكد مازن نيسان، وهو عنصر من الميليشيات المسيحية التي تحرس شوارع المدينة أن كل من كان يحيا في هذه المدينة هرب، وسيطول بهم الترحال لسنوات قبل أن يرجعوا إلى منازلهم مرة أخرى، لأن الدمار طال كل شيء. ويوضح العنصر المسلح “ولدت في بغديدا، وأفخر بمشاركتي في طرد عناصر داعش من مدينتي، لكن الآن نحتاج إلى دعم المجتمع الدولي لكي لا يتكرر ذلك مرة أخرى”.

ويقول الشاب المسيحي إيفان ميخو، الذي فتح كشكا لبيع المواد الغذائية بجوار معسكر الميليشيات المسيحية “يسيطر على القلة المدنية التي تمكنت من العودة إلى منازلها هنا شعور بالهجران والتخلي، بعد عامين لكي يستعيدوا النزر القليل المتبقي من متعلقاتهم التي لم يطلها الخراب”. مضيفا بحسرة “أين كانت الأمم المتحدة والدول المسيحية منذ عامين؟ لقد سمحت بارتكاب مذابح في العراق. لا مستقبل لنا هنا طالما أنه لا ضمان لأمننا”. ويضيف “فتحت هذا المكان، بعد أيام قلائل من تحرير المدينة. هذه أرضي. أنا مسيحي عراقي وأريد البقاء هنا. ولكن أحتاج إلى الشعور بالأمان”.

عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراق، كان تعداد المسيحيين يناهز مليوني نسمة، بعد أكثر من عقد، ومع وقوع أهوال تعرض لها الشعب العراقي بعد الغزو وصولا إلى سيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق، تراجع تعدادهم إلى نصف مليون فقط في جميع أنحاء البلاد، بحسب تقديرات الزعيم الروحي للجالية المسيحية في بغديدا.

“الذين اقتحموا بيوتنا لسرقتنا واغتصاب بناتنا، وضربنا وقتلنا، لم يكونوا عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بل كانوا جيراننا، لهذا كانوا يهجمون وهم يغطون وجوههم، حتى لا نتمكن من التعرف عليهم”، يؤكد العراقي ماجد وهو ينظر متوجسا من طرف خفي إلى ابنتيه، في سن الثماني والخمس سنوات.

أين كانت الأمم المتحدة والدول المسيحية؟ لقد سمحت بارتكاب مذابح في العراق. لا مستقبل لنا طالما أنه لا ضمان لأمننا

“كانت ابنتاي صغيرتين جدا، ولهذا لم يخطفوهما، لكن الكثير من صديقاتهما لم يحالفهن الحظ، ذات ليلة اقتحم أحد الجيران منزلنا وقال لي: الآن قد حان وقتنا. أبناء هذا الشخص كانوا يلعبون مع أبنائي، ولكنه استولى على منزلي. لن أثق في العرب مرة أخرى ما حييت”، أضاف بنبرة صارمة غاضبة، بينما أبرز بطاقة هوية جاره، قائلا “هذا الشخص أقام في منزلي لمدة عامين، بينما اضطررت للهرب أنا وعائلتي”.

اضطر ماجد للفرار إلى بخديدا، أو بغديدا، بمحافظة نينوى، مسقط رأسه في 14 أغسطس، عندما استولت جحافل داعش على المدينة. “كنا من قبل نعيش في سلام: مسيحيون، ومسلمون، وإيزيديون، أما الآن فمحكوم علينا بالنفي”، معربا عن أسفه لاضطرار أشقائه للهجرة إلى كندا، قائلا “لا مستقبل للمسيحيين في العراق. أنا أيضا سأرحل في نهاية المطاف”.

كان المسيحيون العراقيون ومعهم الإيزيديون بصفة خاصة الفئات الأكثر تعرضا للاضطهاد من قبل داعش، اغتالوا منهم أعدادا كبيرة، قطعوا رؤوسهم وصلبوهم وعرضوهم للعقاب العلني، وسرقوهم، بالإضافة إلى الاغتصاب. كانت هذه هي الخيارات المتاحة أمام المسيحيين الذين قرروا البقاء في مدنهم التي سيطر عليها التنظيم، رافضين اعتناق الإسلام. لم يسمح داعش بديانة غير الإسلام في دولة الخلافة التي أسسها أبوبكر البغدادي.

ويقول القس العراقي جلال جاكو المقيم حاليا في إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، مع الآلاف من الرعايا المسيحيين “ما هو المصير الذي ينتظر المسيحيين في العراق؟ محكوم عليهم بالنفي فقط. دمرت المدن، قامت عناصر داعش بتفخيخ أطلال المنازل بالمتفجرات، لم تعد هناك خدمات أساسية، لا يوجد شيء على الإطلاق. الخيار الوحيد المتاح لأبناء الجالية المسيحية هو مواصلة العيش في مخيمات، أو الفرار…".

ويضيف جاكو “يقول يسوع من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الآخر، ويقول أيضا: أحبوا أعداءكم، ولكنه لم يختبر ميليشيات داعش. هؤلاء لا سبيل للحوار معهم أو التفاهم. أنا لا أبغضهم. ولكنهم من الشيطان، ومعهم لا يوجد سوى مبدأ واحد: العين بالعين …".

ويقدر بالآلاف عدد المسيحيين الذين لجأوا إلى الفرار الجماعي من العراق نحو أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة وكندا، مفضلين منفاهم الاختياري على البقاء في وطنهم. يقول الأب باسم الوكيل راعي كنيسة بعشيقة موضحا أن “دعم كنائس أخرى كان حاسما للبقاء صامدين طوال هذه السنوات، ليس لأنهم منحونا حق اللجوء، ولكن لأنهم أرسلوا إلينا الغذاء والملابس والأغطية”.

كما يخيم الحزن الشامل على قرى البرطلة، تل كف والكرمليس، وغيرها من القرى المسيحية المحررة مؤخرا مثلها في ذلك مثل بغديدا وبعشيقة، بعد أن حولتها ميليشيات أبوبكر البغدادي إلى كومة تراب، كما نهبت كنائسها وتم تدمير أيقوناتها، فضلا عن تدنيس مقدساتها.

بدوره أكد شيفا مارزجنج، وهو جندي مسيحي، يقاتل مع قوات الجيش العراقي “سلبونا كل شيء. ولكن مازال لدينا أمل في ألا يدير لنا العالم ظهره مرة أخرى، نأمل أن يكون قد وعى الدرس. هذا لا يمكن أن يتكرر مرة أخرى”، مضيفا على سبيل التحذير “بعد فقدان شقيقي، قررت حمل السلاح، ولن أتخلى عنه مطلقا، لأني أدرك أنه في غضون بضعة أعوام، سيتكرر الأمر مرة ثانية”.

ويسيطر على المسيحيين القلائل الذين لا يزالون يقاومون الشعور ذاته: الخوف من المستقبل. ولكنهم مع ذلك يصرون على البقاء في وطنهم العراق.

اجمالي القراءات 1393
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق