فورين بوليسي: أمريكا تستسلم لوجود تنظيم القاعدة

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٨ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


فورين بوليسي: أمريكا تستسلم لوجود تنظيم القاعدة

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اعتبرت واشنطن أن تنظيم القاعدة هو أكبر تهديد تتعرض له الولايات المتحدة، وهو تهديد لا بد من القضاء عليه بأي ثمن ومهما طال الزمن.

وبعدما قتلت واشنطن أسامة بن لادن في 2011، جعلت من أيمن الظواهري، زعيم القاعدة الجديد، هدفها الأول. ولكن انعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الذي تلا الثورات العربية وظهور تنظيم داعش يتطلب أن تعيد واشنطن التفكير في سياستها نحو تنظيم القاعدة، وخاصة في استهدافها أيمن الظواهري، فتدمير تنظيم القاعدة في الوقت الراهن ربما يعاكس في الواقع جهود الولايات المتحدة الرامية إلى القضاء على داعش.

لا شك أن القصف الجوي الأمريكي الدؤوب على أفغانستان وباكستان قد أضعف من تنظيم القاعدة، وذلك بقضائه على القيادة المركزية للتنظيم؛ مما صعّب بشدة قيام التنظيم بشن هجمات على الغرب. كما أن سحق تنظيم القاعدة المركزي فاقم من الصعوبات التي يواجهها التنظيم أصلًا في التواصل مع مجموعاته حول العالم. وكنتيجة لذلك، فإما انحرفت تلك المجموعات عن استراتيجية التنظيم الأم باتجاهها نحو قتال الأنظمة المحلية أو بالغت في تطرفها بقتال مسلمين مدنيين، وبالأخص الشيعة. على سبيل المثال، شن أبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في العراق، هجومًا في نوفمبر 2005 أودى بحياة العديد من المدنيين في عمان رغم معارضة القيادة المركزية للتنظيم. وقد تسببت تلك الانحرافات في منع الكثير من مجموعات التنظيم عن المساهمة في هدف قتال الغرب، أو ما يعرف باسم “العدو البعيد”. وباستثناء فرع القاعدة في اليمن، فإن معظم مجموعات التنظيم اقتصرت عملياتها على استهداف العدو القريب في المنطقة المخصصة لهم. إلا أنه ورغم مساهماتهم في نشر فكر التنظيم، فإن معظم فروع التنظيم شكلت عبئًا عليه.

ولكن اليوم، تنظيم القاعدة، وإن كان لا يزال يشكل تهديدًا خطيرًا، ليس سوى تهديد واحد فقط من عدة تهديدات قادمة من الشرق الأوسط. فليس على واشنطن أن تحتوي طموحات الهيمنة الإيرانية فحسب، التي تهدد حلفاء الولايات المتحدة، ولكن أيضًا محاربة تمدد تنظيم داعش. لقد أصبح فشل واشنطن في تحقيق التوازن بين هذه المصالح المتباينة واضحًا عندما ارتكبت خطأ الربط بين قصف أهداف داعش في سوريا مع الهجمات على تنظيم خراسان، وهي خلايا نشطة تابعة لجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سوريا) تخطط لهجمات في الغرب. فقد عزز الهجوم المزدوج وجهة نظر الجهاديين بأن واشنطن تعادي المسلمين السنة، وهي على استعداد للاتفاق مع النظام العلوي القاتل برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد. لم تعزز الضربات من شعبية جبهة النصرة فقط، بل جعلت أيضًا من الصعب على واشنطن إقناع المتمردين السنة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ودفعت بجبهة النصرة لمهاجمة الفصائل المتمردة المدعومة من الولايات المتحدة في شمال سوريا. في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت حركة حزم، إحدى الجماعات المتمردة الرئيسية المعتدلة في سوريا والتي تحظى بدعم من الولايات المتحدة، عن حل نفسها بعد تعرضها لهزائم من جبهة النصرة.

وقد حد تردد واشنطن في الدفع بقوات لمحاربة داعش من خياراتها إلى استخدام القوة الجوية فقط والاعتماد على القوات البرية الخاصة بالحلفاء. هناك بعض المزايا لهذه الاستراتيجية ومؤشرات على أنها في الواقع تؤتي ثمارها: فزحف تنظيم داعش المضطرد تراجع في بعض المواقع، كما هو الحال في سنجار في العراق، وكوباني في سوريا. ولكن عدم الرغبة في استثمار المزيد من الموارد الأمريكية له ثمنه: وهو أن الولايات المتحدة تحرز تقدمًا محدودًا وتدريجيًّا، وهو ما لا يكفي لتدمير داعش.

ونتيجة لذلك، تكيف تنظيم داعش مع الحملة الجوية الأمريكية من خلال التمدد إلى ما وراء المسارح العراقية والسورية. فقد أعلن التنظيم مؤخرًا عن إنشاء ولايات جديدة (محافظات) في أفغانستان، والجزائر، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، وقدم شعارًا جديدًا: “باقية وتتمدد”. كما شن وكلاء التنظيم في شبه جزيرة سيناء وليبيا سلسلة من الهجمات.

وحتى يفي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوعده «بالإزالة والتدمير الكامل» لتنظيم «داعش»، لا بد له من إضعاف سيطرة التنظيم على الموصل والرقة، والمراكز السكانية الكبيرة الأخرى، وكذلك وقف توسعه. لكن نهج الإدارة الحذر في التدخل العسكري يجعل من تنظيم القاعدة، الذي ينظر إلى داعش كفرع متمرد، لاعبًا مهمًا في الحد من نمو تنظيم داعش.

هذه الميزة قد لا تستمر طويلًا. فالمكاسب المفاجئة التي حققها تنظيم داعش على الأرض وقدرته على تجنيد ما يقدر من 20000 مقاتل (أكثر من أي منظمة إرهابية منذ الثمانينيات، وفقًا للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي) تشكل ضغوطًا على القاعدة، وخاصة فروعها المختلفة، في إضعاف والقفز على عربة داعش. وبعد تنصيب نفسه خليفة للمسلمين، كشف زعيم داعش أبو بكر البغدادي أن طموحاته تتجاوز حكم العراق وسوريا. فقد طالب جميع الجماعات الجهادية الأخرى بالتعهد بالولاء له. وإذا نجح البغدادي، سيصبح قائدًا على قوة أكبر بكثير، مع أصول في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأوروبا. وقد زاد الضغط على جميع الجماعات الإرهابية للتوحد تحت راية واحدة فقط بعد انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب ضد داعش في أغسطس.

وعلى الرغم من أن تنظيم القاعدة يوافق على أن على الجهاديين التعاون ضد عدوهم المشترك الولايات المتحدة، فإنه مع ذلك يرفض الانضمام لداعش ومبايعة البغدادي. وعلى الرغم من حقيقة أن الظواهري هو أقل تأثيرًا من سلفه، فلا يزال حتى الآن قادرًا على الحفاظ على جميع فروع تنظيم القاعدة على جانبه. وعلى الرغم من أن جميع الفروع جددت ولاءها لتنظيم القاعدة بعد أن أعلن البغدادي خططه لإنشاء الخلافة، حدث تغيير في قيادة حركة الشباب (فرع تنظيم القاعدة في الصومال)، مما جعلها أكثر عرضة للانشقاقات. ومع ذلك، اختار أحمد عمر، الذي خلف في سبتمبر 2014 أحمد جودان، تجديد ولائه لتنظيم القاعدة. وطالما أن الظواهري على قيد الحياة، فإن قادة فروع تنظيم القاعدة الذين يدينون له بالولاء من غير المرجح أن يبدلوا ولاءاتهم ويعلنون الانضمام إلى داعش.

ولكن إذا نجحت واشنطن في قتل الظواهري، فإن قادة فروع تنظيم القاعدة سيكون لديهم الفرصة لإعادة تقييم ما إذا كانوا سيظلون على ولائهم لتنظيم القاعدة أو الانضمام إلى دولة الخلافة بقيادة البغدادي. من الممكن أن يكون خليفة الظواهري قادرًا على الحفاظ على تماسك تنظيم القاعدة، خاصة إذا كان هو ناصر الوحيشي، وهو القائد العام لتنظيم القاعدة ورئيس فرعها اليمني. ولكن من المرجح أنه حال غياب الظواهري، سينجرف تنظيم القاعدة إلى مخيم داعش، وسيقدم إليه رجاله، وموارده، والوصول إلى ساحات مثل الجزائر واليمن حيث أعاقت هيمنة تنظيم القاعدة حتى الآن تمدد داعش.

خلال عهد “بن لادن”، اعتمد تماسك تنظيم القاعدة على قدرة قيادتها على إحكام قبضتها على فروع التنظيم المتعددة معًا، ومن غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة يمكن أن يتحمل تغييرًا آخر في القيادة منذ تضاؤل نفوذ القادة التاريخيين لتنظيم القاعدة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما يجعله أكثر اعتمادًا على شخصيات الحرس القديم مثل الظواهري للحفاظ على الوحدة. وهكذا، يتوقف مصير التنظيم على بقاء شخص الظواهري. ومن المفارقات العجيبة عند هذه النقطة، وبينما باتت الولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى لتدمير تنظيم القاعدة، فبإمكانها أن تخدم مصالحها بشكل أفضل عن طريق الحفاظ على بقاء المنظمة الإرهابية والإبقاء على الظواهري على قيد الحياة.

اجمالي القراءات 2868
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق