السنّة بين القرآن و دين الحديث الأرضي (1)

مولود مدي Ýí 2017-05-15


بفعل التراكم المعرفي و تطور وسائل الاتصال و نشر المعلومة و البحث بدأت " أديان " المسلمين الأرضية بالأفول التدريجي نتيجة النقد العلمي و المنطقي الذي تعرضت له, نقول عنها أنها " أديان " و ليست مذاهب لأن من يطّلع على تاريخ تشكّل المذاهب الاسلامية و الصراعات الدامية بين مؤسسيها و أنصارها و التي لا تزال قائمة الى حد الأن, يجد و كأن المسلمين مستعدين للموت من أجل أراء مذاهبهم حتى و ان عارضت روح القرآن, فالمذهب الديني لا يقدّس اراء أصحابه و لا يعتبر فكره تشريعا مقدّسا مثل الدين, كما أن المذهب هدفه البحث عن نقاط الالتقاء مع الأخر المخالف فكريا و ليس اقصائه و تكفيره, لكن على ما أظن أن أتباع دين الحديث الأرضي استثنوا أنفسهم من القاعدة, و سارعوا الى تحريف معنى السنّة الحقيقي حتى اصبحت مصدرا للإرهاب حاليا و هذا لأنهم أعطوها معنا سياسيا بجعل كل من ينضوي تحت حكم " معاوية بن ابي سفيان " بالسنّي أما من خالفه فهو ليس بسنّي, بعد ذلك تحوّلت السنّة الى دين أرضي بجعلها مقتصرة على أحاديث البخاري و مسلم و جلسات " حدثنا فلان ابن علان " و التي ما كان لها ان تنتشر لولا تشجيع حكّام بني أمية و بنو العباّس على تدوينها و نسب الخّرافات و مناقب الخلفاء الفاسقين الى الرسول عليه السلام, ولولا هؤلاء الحكّام ما تجرّأ فقيه ليبتكر مصدرا تشريعيا في الاسلام موازيا للقرأن الكريم بعد ثبوت استحالة تحريف تشريعاته و تغيير تعاليمه المدنية و التنويرية.

الهدف من هذه الدراسة المتواضعة هو البرهان على السنّة الحقيقية لا يمكن معرفتها الا في ظلال القرآن الكريم, كما سنبين أن السنّة الحقيقية لا تأتي بتشريعات و تعاليم لا أساس لها من القرآن, بل سنظهر للقارئ المحترم أن حتى فقهاء الدين الحديث الارضي – الذي اسموه زورا السنّة – فشلوا في اعطاء تعريف واضح و منطقي و متوافق مع القرآن لمفهوم السنّة و هذا لأن النوازع المذهبية و الأهواء الشخصية و تأثير السلطة الحاكمة عليهم و تدليس المحدثين عليهم قد تمكّن منهم فأضلوا الناس بتخاريف و خرّافات و تعاليم لا تزال ندفع ثمنها الى الأن.

ماهي السنّة عند دين الحديث الأرضي ؟ يجيب أهل الحديث و العنعنة بسرعة " هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية او خُلقية أو سيرة قبل البعثة أو بعدها و هي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم – قاصدا الفقهاء – ", ممتاز جدّا, فسنفهم مباشرة من هذا التعريف أن هناك ترادف بين السنّة و الحديث, و المهتمون بالحديث نسمّيهم المحدّثون الذين ينقلون الروايات المنسوبة للنبي, فأول نتيجة نخرج بها هي أن المحدّثون هم اشخاص " اخباريون " وفقط و لا يزيدون عن ذلك فليسوا عبارة عن علماء درسوا في الجامعات أو فقهاء بأتم معنى الكلمة, و بما أن المحدّثون عبارة عن " اخباريون " فهذا يعني أنهم لا يكتفون بما قاله الرسول وفقط بل يبحثون عن ما اثر عنه .. لكن هل كل ما اثر عن الرسول من قول أو فعل أو أي شيء هو حديث صدق ؟ سيقول أهل الحديث بالطبع لا فقد ظهر المدلّسين و الوضّاعين الذي ينسبون الروايات للرسول, فسأقول كيف تقبلون اذن بروايات " مثيرة للاشمئزاز و السخرية " و تجعلونها في الصحيحين مثل اكاذيب " رضاع الكبير " و " حديث رجم القردة " و " حديث الداجن " و غيرها ؟!, الم يحدث هذا التجاوز المهين بحق الرسول بسبب قاعدة " ما اثر عنه " ؟!, اذن أنتم يا أهل الحديث تشكّلون بأنفسكم طرفا في التدليس و التلفيق على الرسول الأكرم بهذه الروايات ولا يقّل تصرّفكم عن تصرّف أتباع الدين الأرضي الشيعي الذي أسرف في وضع الأحاديث التي تعظّم من شأن ال البيت حتى نزعوا البشرية منهم.

لقد جعلت قاعدة " ما أثر عنه " الرسول عليه السلام " سفّاحا " لا يقل وحشية عن " هتلر و ستالين و الحجاج و المنصور " كما جعلته شخصا لا همّ له الا الجماع و الطواف حول نسائه و كأن مهمته لم تكن تبليغ الشرع الربّاني بل اتيان نسائه, فالتناقض الذي وقع فيه مؤسسي دين الحديث الأرضي هو جعل كل ما ثبت عن النبي " سنّة ", فكانت رائحة اللاعلمية في التعامل مع الأحاديث واضحة في مصنّفات الأحاديث و لهذا ظهرت المئات منها, لقد تناسوا ان قاعدة " ما أثر عنه " ستفتح باب الجدل الفارغ في الدين الذي لا ينفع و الذي يضر, فيمكن ان يظهر فقيه يرفض و يقبل الأحاديث بطريقة اختيارية و بدافع شخصي مذهبي .. لقد كانت أهوائهم سببا في تناقضهم و بعد ذلك ذهبوا ليرفعوا الحديث الى منزلة القرآن و جعله مصدرا للتشريع, فلو نطّلع على " البخاري " و " مسلم " و غيرها من المصنّفات لن نجد تعريفا للسنّة بل سنجد سوى الأحاديث التي تنتصر لمذهب على أخر.

الطريف أن كل فقيه عندما حاول وضع تعريف دقيق لمفهوم السنّة, ذهب ليبحث عنه في أقوال السلف و افعال الصحابة المليئة بالمتناقضات فاختار " حدّثنا ابي هريرة " و حدّثنا " ابو كذا و كذا " عوض البحث عنها في القرآن ففضلوا اقوال جلسات المصاطب على كلام الله الذي لا يأتيه الباطل, فمددوا مفهوم السنّة الى الصحابة, فنسأل أي سنّة صحابة تريدون !؟ سنّة معاوية أم سنّة عثمان أم علي ؟!, فلو تعاملوا بأمانة مع الأحاديث ووضعوا القرآن نصب أعينهم لحذفوا أي رواية تخالف النص القرآني فمن المستحيل أن يأتي الرسول بدين من عنده, لكنهم أسقطوا كل هذا من حساباتهم لأنهم قدّسوا شيوخهم – مهما بلغ الطعن فيهم - ووضعوا معايير تعتمد على " العاطفة " في التعامل مع الروايات مثل " صدق المحدث " و " عدالة الصحابة " و لا ندري كيف يكون الصحابي " معاوية بن ابي سفيان " عادلا و هو الذي ملئ الأرض عدلا بسفك دماء أل البيت و الكيد بمعارضيه!! .. أزعم أنه لو توفّر التراكم المعرفي الحالي و الأنترنت و سهولة الحصول على المعلومة لدى الفقهاء الأولين لما سمعنا عن " عدالة الصحابة " أو " التواتر ", بل لن نسمع عن " علم الحديث " الذي تم تأسيسه على معصية أمر الرسول بعدم تدوين كلامه.

و عندما نواصل تحليلنا لمفهوم السنّة بنفس تعريفها في الدين الأرضي نجد أنهم وسّعوا مفهوم السنّة الى عهد ما قبل البعثة و هذا امر خطير جدا, فنسأل هل القرآن أمرنا بطاعة الرسول عليه السلام قبل نزول الوحي أم بعده ؟!, سيعترض أهل الحديث و يقولون أن الرسول هو قدوة لنا قبل البعثة و بعدها فنسأل الم يعاتب الله عزّ وجل رسوله في القرآن على بعض تصرفّاته غير المقبولة ؟ بل نتحدّاكم أن تخرجوا لنا نصّا قرآنيا أمرنا فيه الله بطاعة الرسول قبل نزول الوحي عليه, فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فإما أن تعترفوا بتقديسكم للبشر أو تعودوا الى رشدكم و تكتفوا بالقرآن و أن تتوقفوا عن  الكذب على الله دون علم.

اجمالي القراءات 6875

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2017-04-13
مقالات منشورة : 59
اجمالي القراءات : 520,532
تعليقات له : 23
تعليقات عليه : 39
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria