هاني عياد: لا تجهدوا أنفسكم.. شفيق هو الرئيس وهذا هو السيناريو

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٢ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


 

دعونا لا نرهق أنفسنا بالبحث عن ضمانات لدى الإخوان، ليس فقط لأنهم أسرع وأمهر من يلحس كلامه وينقض وعوده، لكن لأن المشير طنطاوي لا يمكن أن يؤدى التحية العسكرية لمحمد مرسى ويسلمه السلطة، فالسيناريو يجب أن ينتهى بدخول شفيق، وليس أى أحد أخر، إلى قصر الرئاسة. لا داعى لإضاعة المزيد من الوقت بعد أن فاتت علينا جميعا فكرة تجميد الترشح للرئاسة لحين البت فى دستورية قانون العزل واستبعاد أحمد شفيق.

ولنعد إلى الوراء قليلا.

لا أعرف ما هى عقوبة القاضى الذى ينتهك القانون ويدوسه بحذائه، لكننى أعرف أن الاستخفاف بوطن، وخداع شعب جريمة أقصى وأكبر، لا تسقط بالتقادم.

رموز القضاء الشامخ فى بلادنا ينتهكون القانون ويستخفون بعقول الناس ويهينون المصريين جميعا، ولا غرابة فى ذلك عندما يكون بينهم المستشار عبد المعز إبراهيم الذى هو الشموخ ذاته، بشهادة موقعة تهريب المتهمين فى قضية منظمات المجتمع المدنى الأجنبية.

ثم أننى أعرف أيضا أنه عندما يصل انتهاك القانون والاستهانة بالشعب إلى هذا الحد من الفجاجة والفجور، فإننا نعود من جديد إلى عشية 25 يناير، مع فارق أن أحمد عز، لم يكن مستشارا بل مجرد طبال، كان يفصل القوانين لضمان وصول جمال مبارك إلى السلطة، والآن ينتهك رموز القضاء «الشامخ» القانون لضمان وصول أحمد شفيق إلى السلطة. ذروة مأساوية غير مسبوقة أن يقتفى مستشارون كبار أثر طبال فى محاصرة وطن وخنق شعب... بالقانون!!.

لن أدخل فى جدل حول أحقية لجنة الانتخابات الرئاسية فى إحالة أى قانون إلى المحكمة الدستورية العليا، لكننى أعتقد بيقين أن المستشارين فاروق سلطان رئيس اللجنة الانتخابية وفاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية لا يقوى على مواجهة طالب (ساقط تالتة حقوق) فى تفسير وتبرير وقف العمل بقانون العزل وإعادة الفريق شفيق إلى سباق الانتخابات الرئاسية، ذلك أن أى (ساقط تالتة حقوق) يعرف أن إحالة أى قانون إلى الدستورية العليا يستوجب وقف نظر الدعوى (وهى هنا طعن شفيق على استبعاده) لحين تلقى حكم الدستورية فى مدى دستورية القانون المشكوك فى دستوريته، لكن المستشارين فاروق سلطان رئيس العليا للانتخابات، ورئيس الدستورية العليا (وكلاهما عليا) فعل العكس، فلم يوقف نظر الدعوى، بل أوقف العمل بالقانون، وأعاد شفيق إلى الانتخابات الرئاسية.

التفسير الذى لا يقوى المستشاران سلطان على إعلانه هو «هذه هى التعليمات»!!. (وللمستشار سلطان تاريخ طويل فى خدمة السلطان، يمكن أن نعيد فتحه لو أراد)

ظنى فيما حدث أن المستشار سلطان تلقى، فى بداية السباق الانتخابي، تعليمات واضحة بضرورة إعمال القانون على الجميع، دون النظر للأشخاص، وهكذا امتلك الرجل من الجرأة ما يكفى لاستبعاد عمر سليمان ومعه خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل، ورغم أن استبعاد هذين الأخيرين كان له أسباب قانونية حقيقية، إلا أن التحسب لردود فعل الإسلاميين جعل حكام هذا الزمان يدفعون عمر سليمان إلى «دخول» السباق الرئاسي، بتوكيلات أقل بـ 31 توكيلا عن المطلوب!!، ليخرج بالاثنين معا.

ولأن فاروق سلطان لا يمتلك من الكفاءات والإمكانيات ما يؤهله للإطلاع على السيناريو كاملا، فقد ظن الرجل أن تعليمات تطبيق القانون بحسم على الجميع دون النظر للأشخاص مازالت سارية، لذا فقد قرر إعمال القانون واستبعاد أحمد شفيق، رغم أن المشهد الأول فى فصل الانتخابات قد انتهى، وتغيرت التعليمات جذريا.

هنا يبدو أن فاروق سلطان تلقى اتصالا هاتفيا جديدا سمع فيه ما لذ وطاب من عبارات التأنيب والتقريع والتوبيخ لاستبعاد شفيق، وظنى أن الرجل ارتبك وقال متلعثما «لكن قانون العزل واضح يا فندم» فجاءه الرد على الأرجح «شوف لك أى محامى بير سلم يعلمك ازاى تلعب بالقانون يا سيادة المستشار» وانتهت المكالمة عند هذا الحد.

(تليفون أخر على الجانب الأخر: خلاص مش قضية يعنى ان فيه بلاغات فى أحمد شفيق، الراجل بنى لنا مطار كويس، اركنوا البلاغات دى دلوقتى، البلد مش ناقصة)

لست متأكدا ما إذا كان المستشار سلطان قد عمل بالنصيحة واستعان بمحامى (بير سلم) أم أنه وجد لديه فى لجنته ما يغنيه عن ذلك، لكننى أعرف أن اللجنة العليا للانتخابات وضعت قانون العزل الذى يحمل تصديق المشير تحت حذائها واعتبرت أنه غير موجود وأعادت شفيق إلى السباق الرئاسى.

لا أظن أنه من الحكمة فى شيء أن نتعامل مع انتهاكات لجنة فاروق سلطان الانتخابية العليا باعتبارها حدثا مستقلا أو مشهدا قائما بذاته، فهى جزء أساسى، ولعلها «الجزء الأساسى» فى سيناريو طويل بدأ صباح 12 فبراير 2011، ببساطة لأنها الجزء الذى سيشهد عودة نظام مبارك إلى السلطة بشرعية «انتخابات» يوجهها عمر سليمان، وتديرها لجنة سلطان-عبد المعز التى حصنتها لجنة المستشار البشرى والمتر صبحى صالح، من الطعن وصدق على ذلك قطيع الإسلاميين الذين قالوا نعم للتعديلات الدستورية فى «غزوة الصناديق»، ثم صدعوا رؤوسنا بعدها بضرورة احترام شرعية الـ 77%!!

سيناريو القضاء على الثورة وإعادة نظام مبارك إلى السلطة يصل بنا الآن إلى مشهد النهاية، الذى لا يحتمل بأى حال من الأحوال فوز أى مرشح من خارج حظيرة مبارك فى الانتخابات الرئاسية، وإلا فلماذا ارتكب مجلس مبارك العسكرى كل ما ارتكبه من جرائم فى حق الوطن والشعب والثورة؟ ولماذا أسال كل هذه الدماء؟ ولماذا ارتبكت دباباته أمام ماسبيرو؟ ولماذا فقأ كل هذه العيون؟ ولماذا انتهك كرامة حرائر مصر فعراهن وسحهلن فى الشوارع؟ (وحذاء أى واحدة منهن أشرف وأنقى من كل ما يحمله جنرالات مبارك من رتب ونياشين على أكتفاهم وصدورهم)، هل هناك عاقل يتصور أن جنرالات مبارك ارتكبوا كل هذه الجرائم ليعودوا بعد ستة عشر شهرا ويسلموا السلطة لمن يختاره الشعب، حتى لو كان محمد مرسى، حليف الأمس؟ فما بالك لو كان حمدين صباحى؟

سيناريو فيلم القضاء على الثورة والثوار ينتهى بدخول أحمد شفيق إلى قصر الرئاسة ليبدأ سيناريو أخر، يعيد إنتاج نظام المخلوع مع بعض التحسينات الشكلية التى لا تمس الجوهر.

أما الإسلاميون، والإخوان خاصة، فهم فى حقيقة الأمر لم يكونوا حلفاء بل مجرد أداة طيعة استخدمها الجنرالات، مثلما استخدمها مبارك، لا جديد فى الأمر سوى كيفية الاستخدام، وهو جديد استدعته ضرورات مواجهة الثورة والقضاء عليها، ونجح عسكر مبارك فيما أردوا، وجعلوا من الإسلاميين أداة فعالة لتفريق الثورة وانقسام الوطن إلى إسلاميين فى جانب وعلمانيين ليبراليين يساريين كفار يستهدفون الوقيعة بين الجيش والشعب (وفق مصطلحات الإخوان) على الجانب الأخر.

الآن علينا أن ندفع جميعا ثمن خيانة الأخوان للثورة والتحاقهم بصفوف العسكر طمعا فى «سلطة» مجلس الشعب، التى اكتشفوا متأخرا أنها ليست أكثر من «تاج الجزيرة»، لبس الإخوان «السلطانية» التى ظنوها «سلطة»، وعندما اكتشفوا أنهم حصدوا الريح، راحوا يستجدون الثوار والشعب أن يقف إلى جانبهم، دون أن يتنازلوا عن عنجهيتهم ويعترفوا بجرائمهم فى حق الثورة والوطن ويعتذروا عن.

والراجح عندى أنه بمجرد دخول شفيق إلى قصر الرئاسة سوف «يتذكر» المستشار سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا أن لديه طعنا فى دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب، وسوف يحكم بأنه قانون غير دستورى، ليحرم الإسلاميين حتى من «السلطانية» التى لبسوها، ويصبحون لقمة سائغة أمام جبروت وديكتاتورية شفيق، مقدمة لإعدام شعب وقتل وطن.

يحشرنا أركان نظام مبارك، بمعاونة نخبة من المستشارين القانونين فى خانة اليك، وهم فى الحقيقة يعيدون إنتاج مناخ وأجواء عشية الثورة، وليس أمامنا إلا البحث فى كيفية مواجهة جولة «التزوير» الرئاسية القادمة، ثم ما بعدها، فليس ثمة متسع من الوقت للبحث عن توافقات مع الإخوان.

الثورة تحتضر.. لكنها لا تموت.

اجمالي القراءات 1184
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق