و يلههم الأمل

الثلاثاء ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
قارىء من ايلاف لأنني لا أثق إلا بعلمك وبتقواك فأنت لست كالآخرين من شيوخ اليورو والدولار فإنني أتضرع إليك أن تشرح لي المقصود عندما قال العزيز في كتابه الكريم ـ سورة الحجر آيه رقم 3 ـ بسم الله الرحمن الرحيم .. " ذرْهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل لعلهم يفقهون " صدق الله العظيم .. أعتقد أن ثمة سر عظيم في الآية فلعلكم تميطون الستار ولكم أجر عظيم
آحمد صبحي منصور :

شكرا أخى.
الاية الكريمة تقول (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
وأقول ـ والله تعالى المستعان ـ
1 ـ ان الاية الكريمة تتحدث عن الكافرين فى الآخرة وهم الذين كانوا فى حياتهم الدنيا قد رضوا بالحياة الدنيا و إطمأنوا بها و وضعوا كل همهم فيها ، وفى سبيلها نسوا لقاء الله تعالى و غفلوا عن كتابه الحكيم (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( يونس 7 :8 ) أولئك الناس يجب على المؤمن الاعراض عنهم ((ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )، أو كما قال تعالى عنهم (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( النجم 29 ).
2 ـ تبدأ سورة الحجر بالحديث عن القرآن الكريم (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ) ثم تشير الى من يكفر به وحالهم يوم القيامة وهم فى النار ( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ) ثم يرجع الحديث عن سمات أولئك الكافرين فى الدنيا (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) والغرض من ذلك هو تحذير الأحياء فى هذه الدنيا حتى لا ينتهى بهم الحال فى مستقبلهم الأخروى الى النار و الندم ، وتمنى لو كانوا قد آمنوا و عملوا الصالحات.
إن أهم صفات الكافرين بالقرآن هو التكالب على التمتع بهذه الدنيا و قصر الاهتمام عليها على اعتبار أنه ليس هناك حياة أخرى ، و انه إذا كانت هناك حياة أخرى فهم سيدخلون الجنة بالشفاعات.
3 ـ ونتوقف بشرح موجز مع تلك الملامح:
ا ـ فالحيوان هو الذى يعيش الحاضر فقط ولا يفكر فى المستقبل ، و يعيش ليأكل . والمشرك يشبه الحيوان فى أنه لا يفكر فى مستقبله الحقيقى فى الآخرة بعد انتهاء حياته بالموت. والله تعالى يصف ذلك بقوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) ( محمد 12 ) ويوم القيامة يدرك أنه أضاع مستقبله الحقيقى فى الآخرة حيث لا موت ، بل نعيم أبدى أو عذاب أبدى ـ يقول تعالى عن الانسان الخاسر يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) ( الفجر 23 ـ ) أى يتذكر نادما حيث لا ينفع الندم ، ويتمنى لو قدم عملا نافعا لحياته ، أى أن ما سبق من حياة دنيوية قصيرة منتهية بالموت ليست هى الحياة . الحياة الحقيقية هى الحياة الخالدة ـ فى الجنة أو فى النار. ومن هنا يكون الندم هائلا ـ ودون جدوى أيضا. ومن هنا جاء التحذير مقدما فى هذه السورة ـ سورة الحجر.
ب ـ و يستمر المشرك فى التمتع بالدنيا متكالبا عليها يصارع من أجلها يريد احتكار كل شىء فيها لنفسه ناسيا أن المستقبل الحقيقى هو فى الآخرة ، ولكى يستمر غافلا لاهيا عن ألاخرة فلا بد أن يجد مبررا هو الأمانى. أى امانى الشفاعات و دخول الجنة مهما ارتكب من عصيان و فجور. وهذا بالضبط ما يفعله ابليس بنا. لقد قال (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ) ( النساء 119 ) فلكى يستمر الضلال لا بد من مسوغ له و هو ان يقترن به الايمان بدخول الجنة مهما عصى ذلك الضال. لأن الضال لو عرف أنه مؤاخذ بضلاله لتاب ، و لكن طالما يعتقد أنه مغفور له مقدما و بأثر رجعى فلا بد ان يستمر فى الضلال مستمتعا بتلك الأمانى ، لذا يقول تعالى محذرا من تلك الأمانى الباطلة (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ) ( النساء 123 ). أى ليس دخول الجنة و النجاة من النار بمجرد الأمانى ، ولكن بالايمان و العمل الصالح ، بل ان من يعمل سوءا لا بد و أن يعاقبه الله تعالى بهذا السوء فى الدنيا و الآخرة.
4 ـ كل هذا الذكر الحكيم الذى نزل فى القرآن الكريم منذ 15 قرنا من الزمان غفل عنه معظم المسلمين ، إذ انصرفوا الى التكالب على الدنيا و الاقتتال من أجلها ـ بل يستخدمون الدين الاسلامى ـ ظلما و عدوانا ـ فى سبيل الوصول للثروة و السلطة ، و راجت لديهم أحاديث ضالة مضلة عن شفاعة النبى محمد و غيره ، و عن دخول الجنة بلا حساب أو بمجرد قول كلمة .. الخ .
وبالتالى فان لم يتوبوا فسيكونون ضمن من ينطبق عليهم قوله تعالى (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ). وعندما يعلمون سيكون الندم بعد فوات الأوان . وما أفظعه من ندم. يقول تعالى يصور هذا الندم : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان 27 : 31 )
أعد قراءة الآيات السابقة من سورة الفرقان لكى تتأكد ان معظم المسلمين اليوم أعداء للنبى محمد عليه السلام ، لأنهم اتخذوا القرآن مهجورا. وهم لكى يملأوا فراغ حياتهم بعد هجر القرآن فقد انغمسوا فى متع الدنيا متسلحين بالآمال الكاذبة و أمنيات الشفاعة الخادعة ، لذا تراهم سماعين للأحاديث الضالة التى يقولها علماء السوء أعداء النبى محمد عليه السلام : إقرأ قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 112 ـ )
بقى أن نقول أن معنى ( اتخاذ القرآن مهجورا ) هو ما يحدث الآن . هو موجود معنا و لكنه غائب عنا. بيننا و بينه مئات التفاسير و آلاف الروايات و التآويل ، و وهو غائب مغيب عن حياتنا بدليل أننا أكثر الأمم اقتتالا فيما بينها وضلالا عن كتابها وعصيانا لربها ، ثم نتفاخر بأننا خير أمة أخرجت للناس مع أن عرض أعمالنا وتراثنا و تاريخنا يؤكد أننا شرّ أمة جاءها الهدى فأزدادت به طغيانا وكفرا.
بقى أن نقول أيضا أن مصير المسلم الذى يتمسك بالقرآن الكريم و يدعو لاصلاح المسلمين به أن تتناوله الاتهامات وتلاحقه الاهانات و اللعنات،وهذا فى حد ذاته أكبر دليل على العداء للنبى محمد عليه السلام ، وأكبر دليل على هجر القرآن الكريم.
ونقرأ لهم على سبيل التحذير قوله تعالى (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )




مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 24458
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ناصر العبد     في   الأربعاء ٢١ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[2915]

د|احمد سلام الله عليكم

لن اكثر من كلمات الشكر والامتنان لكم ولكن اقول فقط جزاك الله عنى خير الجزاء,فهذه المرة الثانية التى اقرأ احدى فتاويكم واقول لنفسى الحمد لله الذى دلنى عليكم استاذى.بارك الله فيكم بارك الله فيكم.

2   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الأحد ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70305]

جزاك الله خيرا

السلام عليكم أيها الأعزاء إن القرآنأكثر من التحذيرات الملخة التي لعلها تصل إلى  العباد فقال تعالى : {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }التكاثر1 {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ }التكاثر2


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4985
اجمالي القراءات : 53,492,491
تعليقات له : 5,329
تعليقات عليه : 14,629
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


أطرديه وتزوجى : انا عربية أعيش فى امريك ا من حوالى 30 سنة . فشلت...

عبارات خاطئة: اود توضيح او الفصل في هذه المقو له - بعد ظهور...

نفى الاحاديث بالعقل: عندي اقترا ح ارجو التفك ير فية ان سمح الوقت...

جرائم الشرف : ما هو الحكم في \"جرائ م الشرف \" , تلك التي يقتل...

معنى الزنا: اريد ان اسأل حول كلمة الزان ية والزا ني حسب...

فجر: ما هى الليا لى العشر والشف ع والوت ر فى سورة...

عصيان ابليس: ابليس عصى امر الله بالسج ود فكان فتقرر مصيره...

حق الدفاع : لو ان دولة اليمن ودولة جيبوت ي تحالف تا ...

يس ﴿١﴾ وَالْقُرْآنِ : اريد تدبرك يا دكتور فى الآيا ت الخمس ة ...

الفاتحة فى الصلاة: لم يدرك قراءة الفات حة مع الاما م فهل تُحسب...

صلاة الخوف : هل صلاه القصر (في حاله الخوف ) تكون ركعتي ن ...

نسخة القرآن الأصلية : ما قولك في عدم وجود النسخ ه الاصل يه للقرا ن ...

ألأديان التوحيدية ؟!: اعجبت بشجاع ة ومنطق التحل يل الموض وعي ...

نتمنى هذا ..ولكن .!: السلا م عليكم . اولا نشكرك م جزيل الشكر على...

أهلا بالنشر عندنا : السلا م عليكم ورحمة الله تحية طيبة للدكت ور ...

more