حوار صحفي خيالي مع معاق مثلي بإحدى قرى إقليم تيزنيت ؟

مهدي مالك Ýí 2023-08-09


                                

 

 

 

حوار صحفي خيالي مع معاق مثلي بإحدى قرى إقليم تيزنيت ؟

مقدمة متواضعة                                                

يمكن القول ان مسالة ذوي الاحتياجات الخاصة او المعاقين كما يسمونهم عامة الناس في مجتمعنا المغربي قد عرفت تطور نسبي على مستوى المدار الحضري منذ تسعينات القرن الماضي بفضل وعي اباءنا و امهاتنا بضرورة اخراجنا كاطفال معاقين انذاك من البيت الى المراكز المتخصصة للترويض الطبي و تقويم النطق و التربية النفسية الحركية و اخذ نصيب من التعليم في القراءة و في الكتابة مثلي و مثل أطفال معاقين داخل المدار الحضري المحظوظ نسبيا مع الفرق العظيم بين مدن المركز و مدن الهوامش الامازيغية مثل اكادير و الحسيمة و ورزازات الخ...

لقد ساهمت جمعيات المجتمع المدني بدور فعال و مساهم في تأسيس هذه المراكز المتخصصة لاستقبال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من 3 سنوات الى 18 سنة لكن هذه القاعدة تسقط امام الغياب التام لاية افاق بالنسبة لهذا المعاق او هذه المعاقة من قبيل مراكز التكوين المهني او فرص الشغل المناسبة لدرجات إعاقة الشاب او الشابة ..

اما على مستوى المدار القروي فلا شيء قد تحقق بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة الى حد علمي المتواضع..

ان الدولة منذ الاستقلال لم تعطي اية حقوق تنموية او اقتصادية او ثقافية للبادية المغربية بالعموم الى درجة ان حزب الحركة الشعبية قد أسس مرجعيته السياسية سنة 1958 على الدفاع عن الامازيغية و الدفاع عن البادية المغربية كما يدعي هذا الحزب الموقر على اية حال..

ان الجمع بين الامازيغية بحمولتها اللغوية و الثقافية فقط و البادية قد يفهم في ذلك السياق ان الامازيغية هي ثقافة قروية بمفهومها السلبي فقط أي التخلف بمختلف مظاهره لدى سميته بايديولوجية التخلف القروي في كتابي الأول تحت صوت المعاق حول سيرتي الذاتية حيث ان الامازيغية بشموليتها تختزل قيم اكثر تقدما او اكثر حداثة من الأحادية القروية او السلفية......

ان الجمع بين الامازيغية بحمولتها اللغوية و الثقافية فقط و البادية المغربية قد استقبله المخزن سنة 1958 بصدر رحب  بعد صراع طويل مع حزب الاستقلال حول تأسيس حزب المحجوبي احرضان رحمه الله ..

غير ان المخزن قد قبل تأسيس هذا الحزب على هذا الأساس الأيديولوجي أي الجمع بين الامازيغية و البادية المغربية باعتباره كان يريد بقاء الامازيغية مجرد ثقافة قروية بمفهومها السلبي توجد في المناطق الجبلية و البعيدة عن المدنية و عن الديمقراطية المحلية الخ من قيمنا السياسية الاصيلة قبل الإسلام و بعده في حضارتنا الامازيغية الإسلامية كما اسميها بكل التواضع.

 و عن ان تصبح الامازيغية بشموليتها أيديولوجية سياسية اصيلة وقتها تنافس أحزاب الحركة الوطنية ببعدها اليميني و اليساري لان مشروع تسييس القضية الامازيغية  لم يولد مع الحركة الامازيغية بل ولد في السنوات الأولى من الاستقلال الشكلي ...

انني لست هنا ضد البادية المغربية على الاطلاق باعتبارها اصل اجدادي و الوالدين و التقاليد الامازيغية الاصيلة في التدين وفي التربية و في الفنون الامازيغية التقليدية من قبيل فن احواش و فن الروايس و فن احيدوس الخ من هذه الفنون و هذه القيم الجميلة مثل قيمة اجماعة او انفلاس كما تسمى في منطقة اداوتنان و في مناطق أخرى بسوس الكبير .

لكنني اعادي تام العداء ما اسميه بايديولوجية التخلف القروي الحقيرة و بعيدة كل البعد عن الامازيغية بشموليتها الان و ليس في سنة 1958..

ان هذه الأيديولوجية باختصار شديد هي المسؤولة الأولى و الأخيرة عن مشاكلي العميقة التي وقعت لي في مرحلة مراهقتي الاستثنائية أي منذ صيف سنة 1998 تقريبا الى ابريل 2000 باعتباري معاق لا يمشي او لا يتكلم اذن هو في منظورها لا يستحق ان يذهب الى المركز قصد التعليم او الترويض الطبي نهائيا..

 بل قامت هذه الأخيرة بتحطيمه كي لا يتذوق افراح رجوع الوالدين من الحج نهائيا الخ من ذكرياتي المؤلمة التي تحدثت عنها في كتابي الأول بتشجيع من الوالد الكريم لان هذه الأيديولوجية هي واقع معاش في المدار الحضري بشكل اقل  ..

اما في المدار القروي فانه واقع معاش بشكل عظيم بحكم وعي بأهمية الشخص المعاق داخل هذا المجتمع و بالإضافة الى غياب اية مقاربة للدولة قصد النهوض بهذه الفئة في البادية المغربية من ناحية المراكز المتخصصة للترويض الطبي و التعليم ..........

و للإشارة فقط قال الوالد لي منذ 23 سنة أي منذ مراهقتي الحساسة بالحرف ان وسيلتك الوحيدة للنجاح في هذه الحياة هي القراءة و الكتابة لا غير ........

الى صلب الحوار الخيالي                         

يشرفني ان استضيف معاق مثلي أي لا يمشي على الاطلاق لكنه يتكلم و هو مواليد سنة 1971 في قرية تازوالت نواحي إقليم تيزنيت و المعروفة باحتضان ضريح والي الله الصالح سيدي حماد اوموسى المشهور وطنيا و دوليا بموسمه السنوي في شهر غشت ......

السؤال 1 من تكون ؟                                                              

الجواب اسمي هو ادر أي يحي بالعربية  حيث ينتهي نسبي الى جدي الأعلى سيدي حماد اوموسي حيث ولدت معاقا في سنة 1971 في قرية تازوالت المهمشة بجميع النواحي عموما و بناحية الاهتمام بالشخص المعاق خصوصا و كانت امي قد ماتت عند ولادتي في بيتنا المتواضع مما اضطر ابي الى الزواج من بنت عميه الفقيه قصد رعايتي باعتباري معاق لا استطيع المشي أي الذهاب الى المرحاض الذي لا يتوفر داخل البيوت القروية آنذاك الخ من الظروف القاسية و المحيطة بي و بها كامي الثانية التي تعاملني كانني ابنها الحقيقي ..

عندما كبرت قليلا اكتشف الوالد انني معاق لا يستطيع المشي فاستشار العائلة حول شاني فاقترحوا عليه الذهاب بي عند الفقيه قصد علاجي من الجن كما هو معروف لدى هذا الوسط القروي.

 و فعلا ذهب بي مع امي الى هذا الفقيه المتواجد في مدينة تيزنيت سنة 1978 فقال له ان ولدك هذا هو معاق عليك الذهاب به الى الطبيب في مدينتنا هذه او في مدينة اكادير و اما انا مجرد فقيه لا اتدخل في ميدان غيري حتى لا ادخل الى السجن ظلما و عدوانا لان الفقيه هنا ينبغي ان يبقى في مكانته المحترمة و الموقرة .......

السؤال 2 ما حدث بعد ذلك؟                                                         

 

الجواب قد قرر الوالد اخفائي عن انظار الناس في غرفتي لانهم في قريتنا سيقولون ما هذا الكائن او المخلوق العجيب عند سلالة  سيدي حماد اوموسى انه عقاب من الله الخ من هذا الكلام المهين للوالد الذي ليس شرير او قاسي معي بل كان طيب معي  الخ لكنه كان يخاف من كلام الناس المهين له و لاسرتنا الشريفة بعملها الصالح.

لكن في سنة 1980 حيث كنت ابلغ من العمر تسع سنوات قرر الوالد الذهاب معي الى مدينة الدار البيضاء من اجل زيارة طبيبة فرنسية متخصصة بالأطفال المعاقين حيث كان الوالد مجرد موظف متواضع في احدى الجماعات القروية أي كان يتحدث بالفرنسية نوع ما ..

لقد قالت الطبيبة الفرنسية للوالد ان طفلك ادر يحتاج الى الترويض الطبي على الفور و الى التعليم لان عقله هو مثل عقل جميع الأطفال العاديين اذا جاز التعبير و انصحك بالسفر به الى فرنسا حيث هناك مراكز متخصصة لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة او السفر به الى مدينة الرباط داخل المغرب حيث به مركز وحيد لاستقبال الأطفال المعاقين و يمكن للمعاق المبيت هناك يوميا باستثناء عطلة الصيف و عطل الأعياد الدينية ...

السؤال 3 هل قبل والدك ان تذهب الى فرنسا او الى الرباط ؟                   

الجواب ظل الوالد يفكر طيلة شهور صيف سنة 1980 و يأخذ اراء العائلة بالموضوع حيث قالوا البعض ذوي التخلف القروي منها انني طفل لا فائدة ترجا منه اتركه هنا ليموت في بيتهم الخ.

و قال البعض الاخر و له نصيب من العلم بالجامعة انني طفل يستحق الرعاية من جميع النواحي و التعليم لان الانسان مهما كانت درجة اعاقته الجسدية يمكنه ان يتعلم القراءة و الكتابة .

و بالإضافة الى هناك عائلة كبيرة في الرباط يمكنها زيارتي بالمركز قصد معرفة احوالي الخ.

و بهذا الكلام اقتنع الوالد و اقتنعت امي الثانية بعد بكاء طويل لان الفراق صعب بيننا لكن مصلحتي كانت الغالبة في الموضوع كله ..

    السؤال 4 كيف وجدت المركز بالرباط كطفل ذو تسع سنوات ؟               

الجواب ان الانتقال من المجال الامازيغي الصرف الى مجال اخر فيه لغات لم اتعلمها أصلا من قبيل الدارجة او الفرنسية حيث كان الوالد يصينني في الطريق الى الرباط بحسن التعامل مع اطر المركز و مع عائلتنا التي سوف تقضي معها عطل اعيادنا الدينية و ربما عطلة الصيف اذا لم اتاتي الى الرباط لسبب العمل في الجماعة او أمور أخرى حيث سأشتاق اليك يا ابني الحبيب و كذا امك الثانية.

لقد وجدت في المركز عالم اخر من الرعاية و الاهتمام بالطفل المعاق طيلة اليوم و الليلة عبر برنامج متكامل يتضمن على التوالي الترويض الطبي و تقويم النطق و التربية النفسية الحركية و تعليم القراءة و الكتابة باللغة العربية و باللغة الفرنسية و التربية الإسلامية الخ من مواد هذا البرنامج المتكامل ...

و بالإضافة الى أنشطة خارج المركز من قبيل السباحة في احدى فنادق الرباط و الفروسية بالنادي الملكي دار السلام بالرباط ...

لقد وجدت في المركز الكبير من حيث المساحة العديد من المعلمات و المعلمين و الأطر الإدارية حيث كنت محظوظا باعتباري قد وجدت معلمات امازيغيات من سوس ساعدني كثيرا على التعود على هذا المحيط الجديد بالنسبة لي كمعاق الذي جاء مباشرة من الهامش الامازيغي الى عاصمة المغرب.....      

السؤال 5 هل وجدت مشاكل او صعوبات داخل المركز؟                          

الجواب نعم عندما كبرت أي 15 سنة شعرت بنوع من العنصرية باعتباري امازيغي وسط مجتمع معرب و مفرنس أواسط ثمانينات القرن الماضي حيث كنت اسمع مصطلحات مثل الشلوح و البرابرة الخ .

و عندما أتكلم بالامازيغية داخل قاعة الترويض الطبي او داخل القسم يقولون لي ماهية هذه اللهجة الساقطة حيث نحن مؤسسة محترمة تربي الأطفال المعاقين على التشبث بهويتنا الاصلية أي العروبة و الإسلام و انك طفل في هذه المؤسسة أي عليك التحدث بالدارجة او بالفرنسية فقط ..

و بعد هذا الكلام المهين دخلت الى غرفة نومنا ابكي حتى الجنون ثم جاءت احدى معلماتي الامازيغيات قصد التخفيف عني ثم قالت لي كلام طيب يدعوني الى الاهتمام بالقراءة و بالكتابة لكي تصبح كاتبا في يوم من الأيام ....       

السؤال 6 هل رجعت الى قريتك بتازوالت ؟                            

الجواب طبعا بعد عشر سنوات أي في صيف سنة 1991 حيث كنت ابلغ من العمر 20 سنة جالس على كرسيي المتحرك و كان الوالد و امي  الثانية سعداء برجوعي الى مسقط راسي و اصل اجدادي الشرفاء بعملهم الصالح لا اقل و لا اكثر ..

و في هذا السياق قمت بزيارة حميمة الى ضريح جدي الأعلى سيدي حماد اوموسى للدعاء له و اخد البركة منه كما يقال في ثقافتنا الامازيغية الإسلامية كما تسميها في مقالاتك لانني اعتقد ان من الافضل لنا ان نتشبث بتديننا الاصيل بدلا من ان نتجه نحو تيارات المشرق الدينية من قبيل الوهابية او الاخوان المسلمين .

السؤال 7 هل شعرت بشيء في قريتك ؟                                            

الجواب وقتها في ذلك الصيف لا توجد التجهيزات الضامنة لراحتي من قبيل المرحاض المناسب لي او الطريق الصالح لكرسيي المتحرك حيث كان احد افراد عائلتي يرافقني عندما ذهبت الى ضريح جدي الأعلى حيث يجر كرسيي المتحرك وسط الأحجارالكثيرة في الطريق ..

غالبا لا ابقى في قريتي اكثر من يومان للأسباب التي شرحتها سالفا لان الحياة في البادية لمثلي و لمثلك هي صعبة على كل الأصعدة و المستويات اذا لم تتوفر التجهيزات الضامنة لراحة المعاق ....

السؤال 8 هل رجعت الى مركزكم بالرباط ؟                                        

الجواب نعم رجعت مع الوالد بسيارته الجديدة في شتنبر سنة 1991 حيث قمنا بالزيارة الى عائلتنا بالرباط ثم ذهبنا مباشرة الى المركز حيث استقبلنا من طرف مديرنا الجديد الذي  اخبرنا بخبر سعيد و مفاجئ بالنسبة لي الا و هو تعييني ككاتب عام للمركز لتفوقي في دراستي سواء في اللغة العربية او في اللغة الفرنسية طيلة عشر سنوات من الاجتهاد و العمل الجاد .

ثم قال الوالد للمدير الحمد لله على نجاح ابن ادر ببركة اجدادنا الصالحين الذين جاهدوا من اجل الدين و الوطن كذلك  .

السؤال  10 كيف وجدت عملك الجديد ؟                                          

الجواب رائع حيث أصبحت اتوفر على مكتب يتضمن على الحاسوب و على الهاتف الثابت وقتها و على كرسيي الذي يعمل بالكهرباء للتجول في انحاء مركزنا الكبير و خارجه في احياء العاصمة الإدارية..

  و كان المركز يرسلني لتمثيله مع مرافق من طبيعة الحال في الأنشطة المتعلقة بالاعاقة داخل المغرب و خارجه حيث مازلت أتذكر سفري الى المملكة العربية السعودية بتاريخ 1 أكتوبر 1993 لحضور ندوة تحت عنوان المعاق في ظلال الشريعة الإسلامية .

و هناك جلست مع عدة فقهاء المذهب الوهابي الذين طرحوا علي أسئلة كثيرة حول أوضاع المعاق و المراة بالمغرب ثم ردت على هذه الأسئلة الكثيرة و طرح احد هؤلاء الفقهاء سؤال علي الا و هو هل المراة في بلادكم تقود السيارة ثم اجابت نعم تقود السيارة و معها المجتمع الى طرق التقدم و الاعتزاز باصالتنا الحقيقة بعيدا فتاويكم الجنسية التي ترى في المراة كائن جنسي يصلح للفراش و الاشغال المنزلية الخ و اما العمل خارج اسوار البيت فهو حرام في الوهابية الاصيلة وقتها  ...........

السؤال  11 كيف ترى وضعية المعاق ببلادنا ؟                        

الجواب انه سؤال كبير و عريض لكن الواقع المعاش يعطي اجاباته بنوع من المرارة أحيانا و بنوع من الامل في غد افضل لهذه الشريحة العريضة من مجتمعنا المغربي على صعيد المدار الحضري بتوفير الولوجيات بمختلف مرافق الحياة العامة من قبيل الإدارات العمومية و المؤسسات الثقافية و دور العبادة للمسلمين و اليهود و النصارى .

اما على صعيد المدار القروي فاننا نامل الخير في غد افضل لاوضاع البادية المغربية عموما و لاوضاع المعاقين داخلها و السلام ........

السؤال الأخير ماهية رسالتك الأخيرة ؟                                          

الجواب ان المعاق في بلادنا يستحق كل الخير و فرص الشغل المناسبة لدرجة اعاقته الجسدية و حتى العقلية حيث ينبغي على الدولة ان تخلق مراكز للتكوين المهني للشباب المعاق في مختلف المدن المغربية مهما كانت كبيرة او صغيرة ضمانا للعدالة المجالية و التوازن بين جهات المملكة المغربية ..............

توقيع المهدي مالك                                                            

اجمالي القراءات 1061

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 261
اجمالي القراءات : 1,251,704
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco