رقم ( 4 ) : كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية
الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

ف 1 : دور الصوفية في قيام الدولة المملوكية البحرية ثم البرجية

كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

  بعد ذلك العرض السريع لظروف قيام الدولة المملوكية البحرية نأتي لدور التصوف فيه .

مقالات متعلقة :

 وهو هنا قد أسبغ الشرعية على ما أتمه المماليك بأنفسهم من فرض الأمر الواقع على الحكام  الأيوبيين ومواجهة الرأي العام الإسلامي والخليفة العباسي ــ الذي يمثل ذلك الرأي ــ بأن تزوج أيبك أحد زعماء المماليك من شجرة الدر وأصبحت بذلك السلطانة القديمة زوجة للسلطان الجديد.والتأم الصف المملوكي في الداخل بدهاء شجرة الدر وأيبك وبسيوف المماليك البحرية بزعامة أقطاي.

وفرض الأمر الواقع يعني إجراء محادثات الصلح لتقرير ما هو كائن . ووجد بعض الصوفية هنا دورهم حيث قام الشيخ البادرائي ت655 هـ بعقد الصلح بين السلطان أيبك والناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي(على أن تكون الشام جملة للملك الناصر وديار مصر للملك المعز) وذلك سنة 641)[1]. وهكذا قامت الدولة المملوكية في مصر وضمت لها الشام بعد دحر المغول.

 لم تشر المراجع إلى ظروف المحادثات التي قام بها البادرائي بل إن الغموض يسود تاريخ ذلك الرجل مع خطورة الدور الذي لعبه في تقرير الصلح بين المماليك والناصر الأيوبي، وكل ما قاله عنه المقريزي أنه عبد الله بن محمد بن الحسن أبو أسعد البادرائي البغدادي الشافعي رسول الخلافة (يعني للصلح).

ويقول المقريزي عن ظروف الصلح (تقرر الصلح بين الملك المعز أيبك والناصر صاحب دمشق بسفارة نجم الدين البادرائي وقد قدم القاهرة وبصحبته عز الدين أزدمر وكاتب الإنشا  ببغداد .. لتمهيد القواعد فلم يبرحا إلى أن انفصلت القضية على أن يكون للمصريين ...الخ) نصوص الاتفاق.وأبو المحاسن لا يزيد عن قوله في ذلك (ثم وقع له ــ يقصد أيبك ــ فصول مع الملك الناصر يطول شرحها ).. راجع السلوك 1/385: 386، 407 .

دور الصوفية في قيام الدولة البرجية

قبل التعرض لدور التصوف نقدم الملاحظات عن دور التصوف السياسي قبل برقوق وبعده، ولمحات عن شخصية برقوق نفسه :

أولاً : عن دور التصوف :

1ـ إن التصوف دخل مرحلة جديدة من العمل الايجابي بحيث تحول من مجرد تسويغ وإسباغ الشرعية للدور المملوكي الذي أتمه المماليك أنفسهم خارج التأثير الصوفي إلى دور فعلي فأصبح للنفوذ الصوفي في عهد برقوق دور بارز دخل في المعادلات السياسية المملوكية نفسها فاعتمد عليه برقوق في شتى جهوده ..  ويظهر ذلك بمقارنة دور البادرائي مع أيبك بالصوفية الآخرين ــ  كالروبي مثلاً ــ مع برقوق.. كما سيظهر ..

2 ـ من العبث القول بأن ذلك الدور النشط قد هب فجأة .. ولكنه سار في دور التزايد الطبيعي مع تزايد انتشار الصوفي نفسه . ويدل على ذلك أن هناك مظاهر كثيرة لعب فيها الصوفية دوراً متفاوت الأهمية حسب الظروف السائدة في السياسة المملوكية قبل برقوق .ويدخل بحث ذلك ضمن مواضع أخرى ستظهر فيما بعد في الفصول التالية ..

 وبدونها نمثل بمثال بطله (لاجين) الذي شارك في قتل السلطان الأشرف خليل بن قلاوون وكان وقتها أميراً تابعاً (لبيدرا) زعيم قتلة الأشرف خليل . ولقي (بيدرا) مصرعه وهرب (لاجين) إلى الشيخ الصوفي نجم الدين بن عبود [2] ، وكانت تلك مخاطرة كبرى من ابن عبود في وقت هاج الجميع فيه غضباً لاغتيال الأشرف خليل بن قلاوون البطل الذي أنهى الوجود الصليبي في عكا . والمهم أن (لاجين) ظهر بعد ذلك على مسرح السياسة كأحد أعوان السلطان كتبغا  ثم سلب منه العرش وأصبح سلطاناً بعده .

3ـ واستمر الدور الصوفي بعد برقوق كما كان قبل سلطنته ..

ومعروف أن الأمير المملوكي الطموح يدخل في صراع مع منافسيه الطموحين حتى يصل إلى الصدارة بين حاشية السلطان .ويقوى هذا الصراع بين الأمراء أبان ضعف السلاطين أو صغر سنهم إذ يشتد الطموح بين الأمراء للوصول إلى نائب السلطنة أو ما يعني (المتحكم في السلطان) (اليوم) والذي سيسلبه عرشه (غدا) ويسفر النزاع عن غالب يرتفع شأنه ومغلوب يبحث لنفسه عن مأمن من القتل كما فعل الأمير بركة أحد زعماء الأمراء المماليك في فترة الاضطراب الذي انتهى بتأسيس الدولة  البرجية على يد برقوق. وقد كان  برقوق هو المنافس لبركة، وانتصر عليه  سنة 782 هـ فاختفى بركه عند( الشيخ الصوفي محمد المقدسي المقيم بجامع المقدس)[3] .

وبعد برقوق كانت هناك شبه عادة بين المماليك هي أن يودع أحدهم أمواله وقت الشدة عند شيوخ الصوفية كما فعل الناصر فرج بن برقوق عندما توجه للشام[4].. أي أن بعضهم وقت الشدة أخفى نفسه أو أمواله عند الصوفية لما تمتعوا به من حصانة حرم منها السلاطين أنفسهم في عصر ملئ بالفتن.

 وكثرت الفتن والدماء في نهاية الدولة فالأشرف قايتباي بعد نهاية حكم طويل خلف ابنا صغيراً تحكم فيه الأمراء وتنافسوا فيما بينهم وتزعمهم أقبردي الداودار (وامتنع البيع والشراء وكثر القتل والنهب) كما يقول ابن إياس فدخل على أقبردي (جماعة من الفقراء الرفاعية والقادرية والأحمدية وجماعة من الصوفية سألوه أن يقف عن القتال وأن يقع الصلح بين الطائفتين)[5]وتلك مبادرة حسنة من الصوفية نستدل منها على دخول أشياخ الطرق الصوفية في مجال التأثير السياسي بجانب الصوفية الآخرين غير شيوخ الطرق الصوفية. على أن تلك المبادرة السلمية الصوفية لم تثمر فقتل ابن قايتباي واستمر الاضطراب واستمر معه نفوذ الصوفية في تزايد حتى أن السلطان جان بلاط استعان بالصوفية حين حوصر بالقلعة ووجد منهم من أقام معه في محنته[6] وهو تحول إيجابي في نفوذ الصوفية لا بأس من الإشارة إليه .. لم يقتصر دورهم على مجرد إخفاء سلطان أو أمير في شدة وإنما أمتد إلى إضفاء الحماية والتأييد العلني على سلطان رسمي لا يزال في القلعة وبين جنوده.

ثانياً شخصية برقوق :

   ولأن برقوق يحتل واسطة العقد في استغلال التصوف سياسياً حيث استخدمه في إنشاء وتوطيد الدولة البرجية المملوكية فإن المبحث يناقش قضيتين محددتين:

الأولى منهما  عن اهتمام برقوق بالصوفية لخدمة طموحه السياسي  .

وثانيهما عن شخصية برقوق كسلطان مملوكي نظر للتصوف من وجهة مصالحه السياسية وحدها

أ ) إهتمام برقوق بالتصوف : تردد في المراجع المملوكية إحترام برقوق لصوفية عصره حتى (أنه كان إذا دخل عليه عالم أو فقير انتصب له قائما . وقلما كان يمكن أحدهم من تقبيل يده ولم يكن يعهد ذلك من ملوك مصر قبله) وذكرت المراجع ما أنفقه على المؤسسات الصوفية في عهده [7].   وقيل في ترجمة البابرتي شيخ الخانقاه الشيخونية (إن أمره عظم عند برقوق بحيث أنه كان يجئ  إلى شباك الشيخونية فيكلمه وهو راكب وينتظره حتى يخرج ... حتى إذا مات الشيخ البابرتي حضر السلطان جنازته ودفنه[8]).

  وقال ابن الفرات المؤرخ المعاصر لبرقوق أن برقوق تكفل بجنازة أبي بكر البيجائي أحد المعتقدين (وندب لذلك الأمير يلبغا السالمي وأعطاه مائتي دينار لينفقها في إخراجه ... وقد دفن بحوش السلطان الظاهر.. وقرئت الختمات عنده سبعة أيام وكل ليلة يعمل سماط مليح بتربته يكفي الناس[9] ).

وأوصى برقوق بأن يدفن تحت أقدام جماعة من الصوفية كان البيجائي أحدهم، يقول أبو المحاسن :(أوصى برقوق بأن يدفن في لحد تحت أرجل الفقراء وهم الشيخ علاء الدين السيرامي الحنفي والشيخ أمين الدين الخلوتي الحنفي والمعتقد عبد الله الجبرتي والمعتقد طلحة والشيخ المعتقد أبو بكر البيجائي والمجذوب أحمد الزهوري[10]).

 وأحاطت المظاهر الصوفية بجنازة برقوق ودفنه يقول ابن إياس:  ( حين مات وصلوا به إلى البقعة التي اختار الدفنة فيها فحفروا له قبراً ودفنوه بين قبور المشايخ والفقراء الذين هناك ... وأقام الفقراء يقرؤون على قبره ثمان ليال متوالية[11]).

(ب) ومع ذلك فالواقع التاريخي يبين أن سيرة برقوق الذاتية تتنافى واهتماماته الدينية وتؤكد أن هدفه منها كان سياسياً.

فلقد كان جباراً قاسياً حين يتعلق الأمر بمصلحته السياسية ويكفي أنه استل سيفه لقتل الخليفة العباسي قبل أن يحقق معه عندما نما إلى علمه اشتراكه في مؤامرة ضده إلا أن الأمراء سارعوا بإنقاذ الخليفة من بين يديه ، وغضب على ناظر الجيش فضربه بدواة  كانت بيده مجرد أنه رادده في إقطاع ـ ولم يكتف بذلك فأمر به فضرب بين يديه( حتى حمل في محفة ولم يلبث أن مات[12])... وعرف بالنهم في جمع المال وبأخذ (البدل على الولايات في وظيفة القضاء والأمور الدينية ) أي بيع الوظائف الدينية يقول فيه ابن حجر(وبذلك أفسد أحوال المملكة فقد كان طماعاً جداً بحيث لا يقدم على جمع المال شيئاً[13])، ومع ذلك اتهم في خلقه أو بتعبير المقريزي بـ (تقريب المماليك الحسان لعمل الفاحشة فيهم)[14]  ومع ذلك فإن برقوق كان في مساوئه ــ بالنسبة للمماليك ـ كأحدهم وكل ما هنالك التناقض بين اهتماماته الدينية وسلوكه الشخصي إذا أسقطنا العامل السياسي المستتر خلف تلك الاهتمامات.

دور المتصوفة في قيام الدولة المملوكية البرجية

1ـ ولنتتبع دور برقوق وأصدقائه الصوفية في القضاء على البيت القلاووني المملوكية البحرية ( نسبة لمعسكرات المماليك فى الجزيرة ) ومواجهة منافسات الأمراء حتى إنشاء الدولة الجركسية البرجية ( نسبة لأبراج القلعة ) وتوطيدها..

2ـ فقد غدا أحفاد الناصر محمد بن قلاوون لعبة في أيدي كبار الأمراء البرجية وتزعمهم في هذه الآونة أميران كبيران هما بركة وبرقوق وبدأ الصراع بينهما بمناوشات بين أتباعهما ، فحدثت فتنة بين حليف الأتابكي برقوق وهو الأمير أيتمش البجاس مع الأمير بركة ، ويبدو أن الأخير هو الذي رتبها . ولما لم يكن برقوق مستعدا لدخول معركة مع الأمير بركة فقد بعث للشيخين أكمل الدين البابرتي الحنفي شيخ الخانقاه الشيخونية وأمين الدين الخلوتي بأن يتوسطا لدى الأمير بركة ليرضى عن حليفه أيتمش البجاسي وأثمرت مساعيهما(فتوجه الأمير أيتمش بصحبة الشيخين إلى بيت الأمير بركة فخلع عليه وخمدت الفتنة[15]). وانتظر برقوق الوقت المناسب ليواجه غريمه في مقتل ..

3ـ  ودار الصراع بين برقوق وبركة في الوقت الذي حدده برقوق فانتهى لصالحه وأرسل للصلح الشيخ البابرتي مع القضاة الأربعة ليلتزم أمامهم الأمير بركة (بعدم التحدث في شيء من أمور الدولة وأن يترك ذلك لبرقوق بمفرده) وخلع برقوق على المشايخ[16] بعد أن أصبح المرشح عن الأمراء الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني تمهيدا لعزله . ويلاحظ أن برقوق استعان بالصوفية (البابرتي والخلوتي) في كبح جماح الأمير بركة حينما حاول استفزاز الأمير برقوق والتحرش بحليفه أيتمش فلجأ للصوفية وتم لهم ما أرادوا . أما حين انتصر برقوق على بركة واستسلم بركة احتاج برقوق إلى جانب الصوفية ـ القضاة الأربعة ـ ليشهدوا على تنازل بركة عن طموحه ، أي أن برقوق يستخدم أدواته السياسية بمهارة ..  

 4ـ وخلا الجو لبرقوق وعزم على أن يمهد السلطة لنفسه وقد خاف من صراحة قاضي القضاة ابن جماعة الذي تعود على المبادرة بتقديم استقالته على أهون الأسباب وتعود برقوق على ترضيته والموافقة على شروطه حتى يرجع عن استقالته .أما وقد أقدم برقوق على تنفيذ خطته ضد السلطان الشرعي ـ على بن الأشرف شعبان ـ وهذا مما يعارضه ابن جماعة ويقاومه ـ فقد بادر برقوق وعزل ابن جماعة دون سبب ظاهر بل وأخرجه إلى القدس كما لو كان منفياً وعين مكانه قاضياً صوفياً هو أبو البقاء السبكي[17]، ولم يعد هناك من يخشاه برقوق فبدأ في التنفيذ ..

5ـ وكان برقوق لا يزال يخشى منافسه القديم بركة فاعتقله في الإسكندرية وأوعز لواليها بقتله وحين ثار أتباع بركة أعلن برقوق استياءه لمقتله وسلم قاتله لهم. ثم تفرغ لتنفيذ مؤامرته ضد السلطان الصغير فاستخدم الصوفي علياً الروبي واستضافه يومين ــ وكان الطاعون سارياً فأشيع أن الروبي قد بشّر برقوق بالسلطنة وأنه سيليها في يوم الأربعاء تاسع عشر رمضان سنة 784 هـ وأن الطاعون سيرتفع عن القاهرة ثم يموت السلطان الطفل على .. ووقوع الطاعون وارتفاعه كان شيئاً عادياً في ذلك العصر المملوكي ولكن شاء سوء الطالع للسلطان الصغير أن يتخذ منه برقوق حجة لقتله. مع أنه لم يعرف للطاعون صرعى من السلاطين قبله في الدولة. وبعودة الشيخ الروبي أشيع موت السلطان الصغير 0 على ) ودفن في يومه ( وكان مع الأتابك برقوق في غاية الضنك ليس له في السلطنة إلا مجرد الاسم) ولم يجسر برقوق على أن يتسلطن بعده فبايع أخ السلطان وهو أمير حاج.  ثم لم يلبث أن عقد مجلساً بالخليفة والقضاة الأربعة والأمراء . وفيه (عزل أمير حاج وبويع برقوق سلطاناً في يوم الأربعاء  9 رمضان سنة 874)[18]أي نفس التاريخ الذي حدده الروبي في تبشيره للسلطان الجديد . أي أنه هيأ الأذهان للتخلص من السلطان (على) وتولية السلطة مستغلا اعتقاد الناس في الروبي كشيخ صوفي ذي كرامات . وذلك كله ليسهل انتقال الأمر إليه من بيت قلاوون الذي ظل يحكم مصر من 679 :783 ولم يفلح سلطان  أغتصب الحكم من أحد أبناء قلاوون حتى اكتسبوا مكانة لدى شعب يميل إلى عصر الأسرات الحاكمة..

6ـ وكأي متآمر ضليع عمد برقوق بعد أن تسلطن ــ إلى القضاء على شركائه في المؤامرة السابقة ــ حتى يخفي أثرها ولا يكون لأحد منهم عليه نفوذ . فقبض على جماعة من الأمراء واعتقلهم في الإسكندرية ونفى آخرين ثم عزل جماعة من القضاة والمباشرين ومنهم القاضي ابن فضل الله كاتب السر وكان هو الداعي لسلطنته في مجلس توليه السلطنة، وما لبث أن قبض على الخليفة المتوكل نفسه وسجنه في البرج وولى أخاه مكانه بعد أن ظل المتوكل خليفة لأكثر من عشرين عاماً ثم في النهاية أشيع موت الشيخ الروبي [19] في هذه الظروف مما يجعلنا نشك في أن لبرقوق علاقة بموته .

 7ـ ومع ذلك حرص برقوق على استمرار تحالفه مع الصوفية المصريين ليستعين بهم في حل مشاكله المتوقعة وليكون منهم أعوانا جددا يدينون له بالولاء، فعين في أوائل سلطنته الشيخ خيري الدين العجمي في قضاء الحنفية بالقدس( ولم يعهد قبل ذلك بالقدس قاضي حنفي قبله) وكان خير الدين صوفياً في خانقاه شيخون التي يديرها البابرتي الذي سبقت معاونته لبرقوق ، بل إن برقوق ( خلع على موفق الدين من صوفية الخانقاه الشيخونية وقرره في قضاء الحنفية بغزة ولم يعهد قبل ذلك بغزة قاضٍ حنفي قبله وكان ذلك بسفارة الشيخ أكمل الدين البابرتي شيخ الشيخونية)[20] ويلفت النظر قول المراجع "ولم يعهد قبل ذلك (بالقدس ، بغزة) قاضي حنفي قبله" أي أن الصوفية من أتباع برقوق اكتسبوا أرضا جديدة في دولته .

8ـ وعندما واجه برقوق ثورة يلبغا وتفوقه عليه لجأ إلى ضريح الشيخ الرديني واستقدم معه البلقيني واعتذر للخليفة المتوكل بعد أن أطلقه من الحبس وأعاده بالخلافة[21] .

9ـ وحين قرر برقوق الاختفاء ـ بعد فشله أمام يلبغا ومنطاش ـ أودع أمواله لدى الشيخ أصلم وتواعدا على أن يختفي برقوق عنده في زاويته إلا أن أصلم خان العهد وهرب بالذهب[22] .  وحتى مع ذلك فإن الذي اختفى عنده برقوق كان أميراً مملوكيا وصف بالميل إلى التصوف[23].

10ـ ونفى برقوق إلى الكرك معتقلاً . وهناك كان يتوجه نحو مدينة الخليل كل يوم من شباك الحصن يتوسل بإبراهيم الخليل ـ طبقاً لدعوة التوسل الصوفية في العصر ـ وكان بالخليل شيخ صوفي يعتقده الناس هناك فبشر برقوق برؤية منامية رفعت روحه المعنوية[24].

11ـ وفي الكرك اتصل ببرقوق الشيخ شمس الدين الصوفي وهو من العباسة بالشرقية وكان له نعم العون في استرداد ملكه. فبدأ في تلمس الأخبار له مشاركاً لأتباعه .وقد فرّ برقوق من الكرك وجهز الجيوش لاسترداد ملكه ، ودارت موقعة شقحب بينه وبين منطاش مملوكه الثائر عليه وهزم برقوق في أول الأمر إلا أن شمس الدين الصوفي تنكر في زى الخليفة العباسي  (فحصل لبرقوق بذلك نوع مساعدة) وتمكن من أسر السلطان القلاووني الذي أعاده الثائرون ليحاربوا به برقوق، وأسر برقوق معه خزائنه والخليفة العباسي والقضاة الأربعة وقد كانوا جميعاً مع منطاش فتحول الميزان لصالح برقوق ، خاصة وقد توسط الشيخ شمس الدين الصوفي بين برقوق والسلطان القلاووني ونجح في أن يجعله يخلع نفسه ويسلم الأمر لبرقوق، وأشهد على ذلك الخليفة المتوكل والقضاة الأربعة وبويع برقوق بالسلطنة للمرة الثانية في شقحب [25].

  وهكذا تولى برقوق السلطنة مرتين بمساعدة الصوفية(البابرتي ـ الروبي ـ شمس الدين الصوفي) .

12ـ وبعد هزيمة منطاش دخل السلطان برقوق القاهرة فخرج الصوفية يتلقونه (بطوائفهم الأحمدية والقادرية والسطوحية والقلندرية والحيدرية وغيرهم وبأيدهم الشموع وكان يوماً مشهوداً)[26]أي أن دور الطرق الصوفية بالنسبة لبرقوق كان مجرد الاحتفالات إلا أن دورهم استمر في ازدياد مع انتشار التصوف حتى بلغ في نهاية العصر ما بلغه الصوفية الآخرون من مشاهير العصر.

13ـ وتأكد سلطان برقوق ومع ذلك لم يغفل عن الاستفادة من الصوفية حين تعترضه أزمة كما حدث حين استعد لقتال تيمورلنك فقد زار القرافة وضريح الشافعي وتصدق على الصوفية هناك كما زار مشهد السيدة نفيسة وتصدق في صوفيته[27] ..

14ـ ومما يذكر أن برقوق لم يكن متسامحاً مع من انقلب عليه وساعد الثائرين كالشيخ سراج الدين البلقيني[28] وابن ميلق الشاذلي[29]وأصلم [30]وغيرهم. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ف1 : استغلال التكفير كسلاح سياسي وتصوف المماليك عند الشدّة

كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

استغلال التكفير كسلاح سياسي لقتل الخصوم السياسيين بحكم الشرع:

   1ـ صارت لطائفة الاتحادية ومتطرفي الصوفية شأن كبير وقد رددته المراجع الصوفية[31] والتاريخية [32] على السواء بل قد ظهر منهم من ادعى النبوة والألوهية مثل الباجربقى[33] وابن اللبان[34] وابن البققي [35] وآخرين[36] واقترن ذلك بالدعوة بإهمال الفرائض الإسلامية[37] ،ومن الطبيعي في هذا الجو أن يحتدم الصراع بين أولئك الصوفية والفقهاء . ومع تمتع أكثرية الصوفية بالحظوة لدى المماليك فلم يكن ذلك مانعاً من سهولة اتهام بعضهم بالكفر. والفقهاء في العصر المملوكي دان أغلبهم بالتصوف وتركوا الاجتهاد وأثر فيهم الجو العقلي السائد مع حدة العاطفة وشيوع الجهل واضطراب العقيدة فسهل الوقوع في القول المكفر وكثر الاتهام بالكفر حتى بين الفقهاء أنفسهم[38]..

2- وأتاح ازدهار التصوف الطردي في الدولة البرجية أن يستخدم التكفير الذي انتشر استخداما سياسياً ، وبدأ ذلك ببداية الدولة البرجية التي شهدت فتنة منطاش مع برقوق فرددت المصادر المملوكية أن منطاش أرغم العلماء على الإفتاء بتكفير برقوق قبل موقعة شقحب[39].

3ـ إلا أن عهد السلطان جقمق (842- 857 ) شهد ازدهاراً مقيتاً لهذا النوع من التكفير. فقد بادر جقمق باستعمال سلاح التكفير ضد حليفه قرقماس الذي ثار عليه فاعتقله وأعد له السلطان مجلسا في القصر  حضره القضاة الأربعة (لأجل قتله) كما يقول العيني وقد وصف المجلس حيث قام (بالدعوى) على قرقماس المعتقل القاضي نور الدين ، فادعى (أن قرقماس نقض الأيمان التي حلفها وخامر على السلطان وقاتله وقتل بسببه كثيرون) ،وطلب القاضي ابن يعقوب (البيان) فشهد بذلك جماعة من الأمراء المقدمين وغيرهم وقبلت شهادتهم وطلب الداعي بقتله بمقتضى مذهبه فأجاب وحكم بذلك ، وعين السلطان(طوغان) واثنين من الشهود(لإعلام) المتهم بالحكم وكتب بذلك إلى نائب الإسكندرية ـ حيث كان قرقماس معتقلا ـ فطلبه وقرأ عليه الكتاب بحضور قاضي الإسكندرية ثم نفذ فيه حكم القضاة [40].

 وبرز أبو الخير النحاس وعلا نجمه ثم حاقت به المحنة فسجن وحاول جقمق التخلص منه فجعل شريفا يدعي عليه بالكفر وطلب جقمق من القاضي المالكي أنه إذا ثبت على أبى الخير الكفر فليضرب عنقه( بسيف الشرع) [41] .

بل إن جقمق استعمل نفس السلاح ضد أعوانه في تنفيذه ـ وهم القضاة ـ وذلك حين غضب على قاضي القضاة السباطي وعزله  ـ حمله إلى قاضي القضاة ـ علم الدين البلقيني فادعى عليه ولم يثبت عليه شيء فحنق السلطان وسجنه بالمقشرة ثم أخرجه منها ماشياً إلى قضاة آخرين للدعوة عليه [42] ولم يستجب القضاة لرغبة جقمق في الحكم بتكفير زميل لهم وقتله، وهو الذى شارك بنفسه قبل ذلك في الحكم بتكفير قرقماس . بل إن بعضهم لمس تجني السلطان على خصومه فقد تغيظ السلطان جقمق على القاضي الحنفي بسبب تأخيره الحكم في الصارم إبراهيم بن رمضان [43] .

وخدع شيخ صوفي السلطان جقمق فأوهمه بمعرفته الكيمياء وتحويله المعادن ذهباً فعقد له مجلس بين يدي السلطان وادعى عليه عند المالكي بأنه دهري منكر للبعث والتمسوا منه الحكم بقتله فتوقف المالكي لما رأى من مزيد التعصب وقال إن مذهبي قبول توبته ، وساعد (الدسيطي) (والشاذلي) السلطان في اتهام الكيماوي بالكفر وكان غرضهما أن يوليهما السلطان القضاء وفوض النظر فيه إلى الدسيطي فبادر إلى الحكم بضرب عنق الكيماوي لثبوت زندقته عنده وأنه كذاب وملحد [44].

4ـ ويذكر أنه عندما انهزم السلطان الناصر فرج بن برقوق أمام الثائرين عليه (شيخ ونوروز) سنة 815 اعتقل وعقد مجلس لتكفيره " وقام في ذلك القاضي الحنفي قياماً تاماً " وأشهد الخليفة أنه خلع الناصر فرج من الملك ( لما ثبت عنده من الكفريات وانحلال العقيدة والزندقة) فحكم ابن العديم بسفك دمه [45].

وحين استعد المؤيد شيخ لحرب قرا يوسف سنة 821 كفّر فيه عدوه ونودي بذلك في المدينة[46].

واستخدم الظاهر خشقدم سلاح التكفير لقتل خصمه ابن الصفا وتحامل على القاضي المالكي حتى أفتى بقتله باستخدام الشهود الزور [47] .

 وعقد خشقدم مجلساً آخر لأحد مشايخ العرب المشاغبين حيث ادعى عليه بدعاوٍى شنيعة من أخذ أموال الناس والتجاهر بالفسق والسجود للشمس . وحاول القاضي التوقف في الحكم وتعلل بأمور فنقلت الدعوة عند ابن حريز المالكي سالف الذكر فحكم في الحال بسفك دمه فنفذ فوراً[48].

وقد ضرب منصور الأستادار ابن كاتب . ولما عزل منصور مغضوبا عليه من خشقدم سعى ابن كاتب في قتله ـ بموافقة الظاهر خشقدم ـ فأشاع أنه وقع في كفر وادعى عليه ابن حريز المالكي و(خدم بماله له صورة ) .. (وقام معه قضاة الجاه حتى أثبتوا عليه ما يوجب تكفيره ) حتى ضربت عنقه [49] .

وضرب الأمير تمراز رجلاً أفسد جارية له وكان السلطان غاضباً على تمراز وندب إليه من ادعى عليه فحكم بسفك دمه [50] .

وكان من السهل الاتهام بالتكفير والقتل تأسياً على ذلك وقد هدد ابن الطبلاوي غريمه بعد  شتمه وكفره وقال : (أوسطك من غير مراجعة وأثبت عند القضاء كفرك وأضرب عنقك )[51].

وفى سنة 911 أشيع على الثائر الشيعي الكفر وأنه يتوضأ باللبن حتى ظنه ابن إياس ساحراً لا ثائراً [52]... وتلك أمثلة سريعة وأليمة توضح إستخدام السلطة العسكرية المملوكية قُضاتها الصوفية فى الانتقام من الخصوم . وهى عادة سيئة فى أى نظام عسكرى إستبدادى .

 تصوف الأمراء والوزراء في ساعة الشدة

    1ـ كان بعضهم إذا فقد جاهه وأحس بالخطر يهدد حياته ادعى التصوف.

 ففي سنة 761 هـ قبض على الأمير منجك بعد ما أقام مختفياً نحو سنة ( فحُمل إلى مصر إلى السلطان وهو لابس بشتاً من صوف وقد اعتم بمئزر من صوف فعفا عنه[53] ).

إلا أن النتيجة قد اختلفت بالنسبة للوزير تاج الدين حين ترك الوزارة مُصادراً ، فتصوف وانقطع بجامع عمرو إلا أن الأتابكي برقوق قبض عليه وصادره ثانياً واستمر يعاقبه حتى مات[54]، ذلك أن برقوق وهو خير من استخدم التصوف لخدمة أغراضه السياسية كانت تساوره الظنون في كل من يحذو حذوه.  ونلاحظ هذا في حادثة تغري يرمش أمير سلاح حين تصوف وترك ممالكه وحاشيته فانقطع بجامع قوصون وأبى أن يعود لإمرته إلى أن ندم ووسط أكمل الدين البابرتي عند برقوق ليعيده إلى إمرته فغضب عليه برقوق ونفاه للقدس [55].

   وكان خلفاء برقوق أكثر تساهلاً منه.  ففي سنة 801 هـ وحين تولى فرج بن برقوق طلب الأمير الطبلاوي إلى القاهرة فخاف وتصوف وترك الإمرة وقال عنه تنم نائب الشام لمن جاء يستقدمه(هذا رجل قد قنع بالفقر فاتركوه) وبعد ذلك حدثت فتنة استعان فيها تنم نائب الشام بابن الطبلاوي وأقامه متحدثاً في أمور الدولة . أي أن تصوفه كان باتفاق مع تنم . والجدير بالذكر أن حياة ابن الطبلاوي السياسية لم تنته بتصوفه بل استمرت حتى أنه ولى القاهرة والقرافة[56]..

 وفي شوال سنة 875هـ حضر قاسم شغيته الوزير المعزول الذي هرب من بيت كاتب السر يصحبه الشيخ إبراهيم المدبولي إلى بيته وهو لابس جبة على هيئة الفقراء وعلى رأسه مئزر وقد سأل المقر الزيني في الصبر عليه وتوجه لبيته بالقرافة وأقام بتربته[57].

   وبعد مقتل الأمير يشبك سنة 885 سأل الأمير خايربك السلطان قايتباي في إقطاعه فرفض السلطان فأقام خايربك في منزله مغاضبا للسلطان وتكلم في حقه فاستدعاه فاختفى وارتدى زى الصوفية وأخذ بيده سبحة وادعى أنه قد ترك الدنيا وبقى فقيرا مجردا وانقطع بجامع قيدان[58]..

ويذكر أن بعض الأمراء قد سار على طريقة ابن الطبلاوي في ادعاء التصوف للتآمر ، فشاع في المدينة أن الأمير جركس المصارع ترك إمرته ولبس زى الفقراء ونزل في الزاوية . وقد قيل أن ذلك حيلة منهم على أن يجمعوا الأمراء الكبار ليلة الأربعاء عند السلطان بسبب ذلك ثم يمسكون من كان بينه وبين (جكم) مودة وصحبة ، ونفذوا ذلك، مما سبب ثورة الممالك على السلطان[59]..

   وقد استغل التصوف للتهرب من القتال ، فقد ندب السلطان الأمير الكبير أزبك الأتابك للخروج إلى حلب لقتال العصاة (أقبردي وجماعته) فادعى الفقر وأنه (إن خرج ما يخرج إلا للصلح)[60].

    2ـ وإلى جانب ذلك استعانوا بالصوفية في أزماتهم فالوزير ابن السلعوسي ـ وقد كان متسلطا في أيام الأشرف خليل ـ كان في الإسكندرية حين قتل سلطانه الأشرف فتركها خفية إلى القاهرة وامضي الليل بزاوية الشيخ جمال الدين بن الظاهري خارج باب البحر ولم ينم طول الليل ـ إذ تولى أعداؤه الأمر بعد مقتل الأشرف خليل ـ واستشار شيخ الزاوية هل يختفي  أو يظهر فلم يشر عليه بشيء وقال:هذه الأمور الفقير قليل الخبرة بها [61]... وهذا الموقف السلبي من ذلك الصوفي يقابله موقف آخر من فقراء المقام الدسوقي حين استعان بهم الرئيس كمال الدين عندما تغير خاطر الغوري عليه(فطلع بهم للسلطان وهم يذكرون ومعهم أعلام ومصاحف وكمال الدين بطيلسان وعذبه في عمامته )[62] أي بهيئته الصوفية ...

 

 

ف 1 إستغلال المماليك للصوفية ومؤسساتهم سياسيا

كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

الصوفية فى السفارات السياسية

     1ـ  رغم استبداد المماليك بالحكم كطغمة عسكرية إلا أنهم احتاجوا إلى بعض المحكومين في بعض شئون الحكم ، وقد قام بعض الصوفية بتلك المهمات. وكان أبرزها اشتراك بعضهم في السفارات السياسية ، خاصة وقد عرف الصوفية بالسياحة والتردد على مصر وغيرها وعلو مكانتهم . ويلاحظ أن تلك السفارات التي شارك فيها الصوفية اتجهت نحو دول المشرق . وتعليل ذلك بسيط هو أن أولئك الصوفية قدموا مصر من المشرق ـ كصوفية الأعاجم ـ فكانوا أصلح ممثلين للحكم المصري لدى بلادهم الأصلية..

   على أن بعض حكام المشرق ـ إيمانا منهم بأهمية الصوفية ودورهم في مصر ـ قد بادروا وأرسلوا مبعوثين عنهم إلى الممالك في القاهرة ، كما  فعل التتار المتحكمون في المشرق والمجاورون لأملاك السلطنة المملوكية في الشام. وهذه القضية تستحق وقفة لتوضيح علاقة بعض صوفية المشرق بالتتار .

فقد بدأت هذه العلاقة بمقدم هولاكو، فقد لوحظ في المصادر التاريخية المعاصرة لفتح التتار لحلب أنه لم يسلم أحد من المذبحة التي أقامها التتار في حلب إلا من لجأ إلى بضع بيوت منها : خانقاه زين الدين الصوفي [63]،وأثناء اقتحام هولاكو بغداد رؤى شيخ صوفي آخذا بفرس هولاكو ويزعم ـ قاتله الله ـ أنه أمر في قلبه بذلك [64].

    وحاول بعض الصوفية الآخرين التخفيف من كارثة بغداد وامتصاص كراهية المسلمين للتتار فنشروا المنامات الكاذبة التي تحذر من الاعتراض وتهوّن من الأمر يقول أحدهم (كنت بمصر فبلغني ما وقع ببغداد من القتل الذريع فأنكرته بقلبي وقلت يا رب كيف هذا وفيهم الأطفال ومن لا ذنب لهم فرأيت في المنام رجلا في يده كتاب فأخذته فإذا فيه :

     دع الاعتراض فما الأمر لك             ولا الحكم في حركات الفلك

     لا تسأل الله عن فعـله                   فمن خـاض لجـة بحر هلك [65]

وروى السبكي رواية أخرى شبيهة بها في طبقات الشافعية[66] مما يدل على أن الأمر ليس مجرد حادث فردي وإنما هو دعاية منظمة أحكمها التتار وقد تمرسوا بفنون الدعاية وتكوين ما يعرف الآن بالطابور الخامس في أرض عدوهم .

   وانخرط كثير من الصوفية في خدمة هولاكو مثل الصوفي محيي الدين القرشي (وقد سار إلى خدمة هولاكو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه )[67] وتوجه ابن حموية إلى خراسان(واجتمع بملوك التتار فأعطوه مالا كثيرا وبنى بآمل خانقاه وتربة وكان له قبول عظيم هناك)[68]،وسار ابن الزملكاني لخدمة هولاكو فأكرمه[69]..

   هذا ومن الطبيعي أن يفطن التتار إلى أهمية دور الصوفية ويجتذبونهم للعمل معهم بما لهم من تأثير على العامة، وبما عرف عنهم من ولع بخدمة السلطان الغالب كائنا من كان.

   وجدير بالذكر أن دور أولئك الصوفية قد دخل مرحلة جديدة باستقرار الملك المغولي في العراق ودخول حكام التتار في الإسلام بمفهومه السائد وقتها وهو( التصوف ) .بل إن بعضهم تصوف واعتزل الحكم.

وإذ صار للتصوف تلك الحظوة عندهم فقد بادر أحد مماليك الخليفة المستعصم العباسي وأظهر التزهد وتسمى عبد الرحمن واتصل بأحمد بن هولاكو ـ الحاكم المغولي الذي أسلم على يد الصوفية ـ ( فعظم عنده للغاية بحيث كان إذا شاهده ترجل وقبل يده وامتثل جميع ما يشير به)[70]، وكان رسوله إلى المنصور قلاوون فوصفه الملك المغولي لقلاوون بأنه (شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين)[71] طبقاً لما ورد في كتابه الرسمي الذي حمله عبد الرحمن هذا مبعوثاً إلى قلاوون ليصلح ما بينهما كحاكمين مسلمين متجاورين، وذلك في حد ذاته  أثر طيب لذلك الشيخ الصوفي إلا أنه طموحه الشخصي ـ الذي وصل به إلى تلك المنزلة لدى ابن هلاوون (هولاكو) والذي بدت مظاهره جلية في تلك الصحبة الهائلة التي وفد فيها إلى المماليك، إلى جانب ما عرف عن بعض الصوفية من تعاون سابق مع المغول قبل إسلامهم ـ كل ذلك أفشل بعثة عبد الرحمن الصوفي ـ بل ووضع نهاية لطموحه ومستقبله..

2ـ وهكذا أتى عبد الرحمن سفيراً (فوق العادة) من لدن السلطان المغولي يصحبه بعض الأكابر من المغول مع أتباع من الكتبة والفقهاء والصوفية وأرباب السلاح. إلا أن السلطات المملوكية في الشام منعتهم من دخول الحدود بهذه المظاهرة ، بل ومنعوهم الاتصال بغيرهم ، وأخفوا أمرهم عن الناس ، حتى لقد أدخلوهم سراً وفي جنح الليل إلى قلعة دمشق. وظلوا في القلعة معتقلين إلى أن وصل قلاوون الشام بعد مقتل السلطان المغولي ابن هلاوون الذي أرسلهم . وكانوا في معتقلهم لا يدرون هذا النبأ . فاستدعاهم قلاوون فدخل عليه عبد الرحمن بزى الفقراء فأعلمه قلاوون بمقتل سلطانه . وعاد قلاوون إلى مصر وترك الصوفي ورفاقه معتقلين . ( ومات عبد الرحمن في حبسه ودفن بقاسيون وكانت له عدة سفرات إلى مصر والشام والحجاز)[72].

   وواضح أن قلاوون قصد إلى التعرف بعبد الرحمن وامتحان صدقه كصوفي وكان من مؤهلات الصوفي الحقيقي في ذلك العصر هو الكشف أو علم الغيب فلما وجده لا يعلم نبأ مقتل ابن هلاوون  رآه في حجمه الحقيق مدعياً طموحاً فتركه يموت في الحبس..

3ـ ولقد ظلت الصلة حية بين التتار وبعض الصوفية رغم انهيار سلطان التتار في بغداد والمشرق.

 وقد وجدت تلك الصلة  متنفساً لها بالطفرة التي بعثها تيمورلنك للنفوذ المغولي في المشرق، إلا أن تيمور لم يحسن الاستفادة بتلك الصلة ، ربما لتشككه في ولاء الصوفي الذي بعثه رسولا للقاهرة وقد رأى عليه ما يوجب الشك . فقد ذكر المقريزي أن الخواجا نظام الدين العجمي قدم دمشق في زى الفقراء وأقام بها. ولما قدمها تيمورلنك اتصل به نظام الدين فبعثه برسالة إلى القاهرة وعاد إليه وقد أثرى وحسنت حاله فلم يجد من تيمورلنك إقبالا وتنكر له.  فعاد الصوفي إلى دمشق . ويبدو أن تيمورلنك كان أقرب إلى الصواب في نظرته لنظام الدين العجمي لان المقريزي يذكر أن العجمي عاد للقاهرة فيما بعد فولاه المؤيد شيخ نظر الأوقاف[73].

4ـ  وكان لطائفة القلندرية الصوفية شأن في الشام والعصر المملوكي لفت نظر الأمير المملوكي المؤرخ بيبرس الداودار فقال عن الشيخ حسن الجواليقي القلندري أنه اشتهر (بالتردد بين أظهر الأمراء والكبراء والسفارات والوساطات)( ولقد أرسله الأمير زين الدين كتبغا أثناء سيره للشام بهدية إلى الملك المظفر صاحب حماه)[74]

5 ـ ومن ناحية أخرى بعث حاكم هندي مسلم بهدية إلى الناصر محمد بن قلاوون.وكان ذلك الحاكم الهندي قد قام بعدة فتوحات في الإمارات الهندية الأخرى غير المسلمة وانتصر فأراد الحج ، فبعث بهديته إلى الناصر محمد صاحب السلطة على الحجاز ، وبعث بعض الصوفية رسولا . إلا أن صاحب اليمن استولى على الهدية عنوة ، ونجا الصوفي ، وجاء بخبر الواقعة إلى الأمير عز الدين أيدمر الخطيري[75].

وقد شهد عصر قايتباي ازدياد نفوذ العثمانيين بقيادة محمد الفاتح في الإمارات التركمانية على الحدود المملوكية . وقد اشتد الصراع بين المماليك والعثمانيين في الإمارات التركمانية الواقعة بينهما . وفي أحد أدوار هذا النزاع بعث قايتباي سنة 901 بالشيخ عبد المؤمن العجمي شيخ القبة سفيراً (إلى ابن عثمان وصحبته هدية ) وعاد الشيخ عبد المؤمن وأخبر أن ابن عثمان (قد تلاشى أمر عسكره وبطلت همته عن محاربة عسكر مصر فسر السلطان بهذا الخبر)[76]. واختيار قايتباي مبعوثا صوفيا عجميا له مغزاه ، فالعثمانيون  قد منحوا للصوفية مكانة هامة لديهم منذ  وفدوا للمنطقة، ومن ناحية أخرى فإن الثقة متوافرة في الشيخ عبد المؤمن الذي عينه قايتباي قبل ذلك شيخا للقبة. أحد المعالم الأثرية الهامة في عصر قايتباي وقد أقامها بالمرج والزيات[77].ولا تزال الآن موجودة فى ميدان حدائق القبة بالقاهرة .

6 ـ وكان بعض الصوفية على خبرة بمراسم استقبال السفراء في المؤسسات الصوفية. فذُكر أن السلطان قايتباي خلع على الشيخ القصيري ناظر خانقاه سرياقوس وعلى شيخها ابن الأشقر لأن السلطان توجه للخانقاه المذكورة ومعه بعض من السفراء(قاصد حسن بك(الطويل) صاحب ديار بكر وقاصد صاحب الهند وغيرهما من الغرباء)( فشاهدوا ما لم يشاهدوه في بلادهم حتى كادت عقولهم تذهل لرؤية ذلك)[78].

وبذلك ندخل على دور المؤسسات الصوفية في الحياة السياسية ..

 المؤسسات الصوفية في مجال السياسة

1ـ كان للمؤسسات الصوفية دورسياسى أسوة بأصحابها.

 ولقد استفاد المماليك منها بعدة أوجه حيث كانت مأوى للجند البطالين أو المسرحين لسبب أو لآخر وقد شمل أولئك الجند كثيراً من الأمراء ضحايا الفتن والدسائس[79]، إذ أن البطالة الحربية تفيد العقاب بالتقاعد عن الخدمة العسكرية ، ولقد كان أولئك الجند عاملا مؤثرا في الإضطرابات السياسية فكان ينادى عليهم لخروجهم من القاهرة ويهدد المتخلف منهم [80]، وربما يهرب بعضهم خارج مصر فيشكل خطرا على السلاطين فيهتمون بردهم وعقابهم [81]،ولم يكن بوسع السلاطين الاستفادة منهم حتى في الجهاد خشية انحياز بعضهم للعدو في سبيل المال [82]ولقد تنبه السلاطين إلى خطورة وضع هذه الفئة التي تزداد عددا بزيادة الفتن فعملوا على إيوائهم فيما يشيدون من مؤسسات صوفية فضمت خانقاه بيبرس الجاشنكير كثيراً منهم[83] مع حق عتقاء السلطان في التقدم عليهم (فإن تعذر ذلك قدم من يرغب في الانقطاع من الجند البطالين على غيرهم)[84].

 بل إن الصوفية أنفسهم آووا في زواياهم الخاصة من قعد به الحال من الجند البطالين من أتباع الأمراء السابقين فأقام سيف الدين البسيري في زاوية الشيخ أبو السعود بعد اعتقال أستاذه الأمير بدر الدين بيسري ، وامتدت إقامته بالزاوية خمسا وخمسين عاماً[85]    

 2ـ  ولقد استخدمت المؤسسات الصوفية في الاستقبال والرحيل وأهمها في هذا الشأن خانقاه سرياقوس بسبب موقعها على طريق القاهرة ، ففي خانقاه سرياقوس استقبل برقوق والده ومد له سماطا وحضر الأمراء والقضاة الأربعة ثم اصطحب والده من سرياقوس إلى القاهرة[86]، وفيها استقبل (المؤيد شيخ) ابنه إبراهيم بعد أن رجع من غزوة موفقة وباتا فيها وتحركا منها للقاهرة[87]، وعندما رجع (المؤيد شيخ) بعد رحلة للشام نزل على الخانقاه وأقام فيها أياما إلى أن تحرك للقاهرة[88] . ويلاحظ اهتمام المؤيد شيخ بخانقاه سرياقوس. وفيها استقبل السلطان قايتباي [89]، ثم السلطان العادل طومان باي سنة 906[90].

3 ـ وفي هذه الخانقاه أقيمت الاستقبالات والمآدب للسفراء والقُصّاد، فالسلطان قايتباي استقبل فيها سفيرين للهند وديار بكر (وغيرهما من الغرباء)[91]وأضاف فيها المحتسب قاصدا من لدن إسماعيل الصفوي سنة 918 [92] ، وفيها استقبل قاصد من شاه سوار الثائر على الدولة في المشرق[93].

4 ـ ولنفس السبب تقريباً اتخذت سرياقوس محطة حربية للجيوش المتوجهة نحو الشام أو القادمة منها يقول ابن دقماق في حوادث سنة 790 (وصلت عساكر الشام إلى سرياقوس)[94]،وفي سنة 873 خرجت من القاهرة حملة لتأديب شاه سوار وعليها الأمير أزدمر الإبراهيمي الذي سار بمن معه دفعة واحدة إلى خانقاه سرياقوس ثم سافر منها[95]، وحين هزم قرقماس في ثورته على السلطان جقمق هرب فتوهم السلطان أنه توجه إلى الشام فبعث من يتعقبه إلى جهة الخانقاه فلم يجد في طريقه أثر أحد ، فعلم أن قرقماس اختفى في القاهرة[96].

5 ـ وكانت تلك الخانقاه محطة في طريق المنفيين من القاهرة إلى الشام وقد ينتظر أحدهم في الخانقاه إلى أن يشفع فيه فيرد للقاهرة[97]، وكانت الخانقاه محطة انتظار لنواب الشام حين يفدون إلى مصر لإعلان حسن النوايا إذا أثيرت شكوك السلطان بشأنهم بفعل وشاية الأمراء المنافسين[98] ، وعدا ذلك كانت تلك الخانقاه محطة استقبال ووصول للأمراء والقضاة[99].

6 ـ وشاركت مؤسسات صوفية أخرى سرياقوس في دورها مثل قبة الأمير يشبك بالمطرية وفيها أقام السلطان مأدبة للأمير جمجمة بن عثمان حضرها الأمراء المقدمون[100]، ونفى الخليفة العباسي المتوكل على الله إلى قوص فنزل برباط الآثار خارج مصر ليجهز حاله للسفر[101]،

ولاشك أن وقوع بعض تلك المؤسسات على أطراف القاهرة جعل منها مكانا مناسباً للوصول والرحيل وينطبق ذلك أكثر على الترب التي جعلها التصوف مناطق عامرة بالأحياء . ولقد أساء بعضهم للقاضي ابن جماعة فعزل نفسه وقام فتوجه إلى تربة كوكاي[102]، وأكره الأمير دمرداش المحمدي على ولاية ملطية فأخرج إلى الترب في طريقه للسفر[103]وقد وصل أحدهم إلى القاهرة فبات في التربة ثم طلع إلى القلعة فسلم على السلطان[104]

 

 ف 1: استفادة المماليك من تأييد الصوفية لظلمهم : الصوفية حُماة الظلم المملوكى :

كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية

الفصل الأول : استفادة المماليك من الصوفية

 بين (التصوف المملوكي) (والظلم المملوكي)

1 ـ  يلفت النظر ما يلاحظه الباحث في العصر المملوكي من ازدهار مضطرد لظاهرتين هما التصوف والظلم ، ويلفت النظر أيضاً انعدام الثورة المصرية على ذلك العسف المملوكي الذي يتزايد بتزايد الوقت وبازدياد عدد الداخلين في التصوف مما يجعل أصابع الاتهام تشير إلى رجالات التصوف المملوكي بحكم نفوذهم على المظلومين وتعاونهم مع الظالمين ..

2 ـ والواقع أن النظرة العامة للتاريخ المصري تظهر أن الدين كان محركاً أساسياً للثورات المصرية أو في خفوتها عما يؤديه الدين من دور في الضمير المصريز وينطبق هذا على تقديس الفراعنة مع ما اتصفوا به من ظلم وعلى نشاط الكهنة السياسي في العصر الفرعوني باسم الدين وعلى ثورات المسيحيين المصريين ضد الحكام الرومان الوثنيين ثم المسيحيين ، وثورات الأقباط المتتابعة ضد الحكم الإسلامي بدافع ديني ـ وقد استمرت حتى القرن الثالث الهجري[105] وتحول المصريين المسلمين إلى أغلبية ، وثورات المصريين المسلمين على الحملة الفرنسية ثم الاستعمار الإنجليزي في العصر الحديث والمعاصر.

3 ـ إلا أن العصر المملوكي قد مر بدون ثورة تستحق الذكر مع ما تحمله المصريون من عسف تلك الطبقة المملوكية الغريبة ، فالمنطق يحتم أن يكون الدين في هذا العصر مؤثراً في ذلك السكوت المريب على الظلم.  وقد كان التصوف زبدة الشعور الديني السائد في ذلك العصر.  ولكن التصوف شيء والإسلام شيء آخر؛  فالإسلام حرم الظلم والرضي به والاستكانة له مع القدرة على مواجهته  .

ولكن أولياء التصوف طبقوا دينهم الصوفى ، فقاموا بدور خطير في إخماد الثورات المصرية ببث الخنوع والنفاق في نفسية الشعب ، واستخدموا الدين نفسه في إخضاع الرقاب للظلمة، ولماذا يثور الناس وهم يعتقدون أن ظلم الحكام هو كله من عند الله وأن الحاكم هو مجرد سوط يعذب به الله الناس ، كما علمهم صوفية ذلك العصر ..!. وكله افتراء على الله ورسوله ودينه، ولكنه التحالف –غير المقدس ـ بين الصوفية والمماليك وقد استفاد منه الطرفين على حساب الشعب المقهور الذي  خسرـ بالتصوف- الدنيا والآخرة..

الظلم في العصر المملوكي : ــ

4 ـ والظلم في العصر المملوكي نتيجة واقعية لحكم عسكري غريب عن الشعب ومتحكم فيه اعتماداً على طائفة صوفسة استحوذت على اعتقاد الشعب وتقديسه ــ وهذا في حد ذاته غريب عن عقائد الإسلام ــ  فجني الفريقان ـ المماليك والصوفية ـ الغُنم ودفع الشعب الغُرم في الدنيا والآخرة معاً..

5- وقد تفنن المؤرخون للعصر المملوكي في وصف أنواع الظلم وطوائف الظلمة .

فالأمير أرغون شاه وصفه أبو المحاسن بأنه من (الظلمة الغشمة الفسقة عارف بفنون المباشرة وتنويع المظالم )[106]، أتى أنه خلط بين المباشرة والمظالم ووصف الأمير المملوكي بالخبرة في الظلم.  ومع ذلك فإن المؤرخ أبا المحاسن وهو مؤرخ من أصل مملوكي يدافع عن السلطان المؤيد شيخ بأن للسلطان أن يقتل من اختار قتله [107]،

 أما ابن إياس وقد كان رشيق الثقافة فقد مدح السلطان أينال بأنه لم يسفك دماً قط في أيام سلطنته " بغير وجه شرعي " وقال (وهذه من النوادر الغريبة )[108]، ومع ذلك فقد تناسى ابن إياس ما قام به سلاطين البرجية من تسخير القضاة لمآربهم وإعدام خصومهم وفق سلاح التكفير آنف الذكر، وربما كان عذره في كونه بعيداً زمنيا نسبياً عن بؤرة الأحداث .

6- ولا تكاد تخلو ترجمة لمملوك من الإشارة لظلمه وقسوته ويكفى أن يراجع المرء بضع ورقات من أي حولية مملوكية ليسمع أنات المظلومين . أما الجند العاديون ممن حرموا الترجمة المستقلة في كتب الحوليات فقد وجدوا في الفتن وسيلة لنهب الناس وإرتكاب الفسق بالنساء والصبيان والقتل . وليس ذلك بالشيء الهين، فالفتن المملوكية كانت مستمرة خاصة في أوقات مرض السلطان واحتضاره أو في غيبته . وابن إياس كمؤرخ شعبي خير من يمثل هذا الحال ، يقول في حوادث سنة 872 يصف الأحوال وقت احتضار خشقدم ( ... هذا كله جرى والسلطان (خشقدم) في التلف والإشاعة قائمة بموته والقاهرة في اضطراب ليلاً ونهاراً .. والمشاعلية تنادى بطول الليل بالأمان والاطمئنان وأن أحداً لا يخرج من داره من بعد العشاء ، وكان كل من رآه يمشى من بعد العشاء تقطع أذنيه ومنخاره أو يضربه بالمقارع، فاستمر الحال على ذلك نحو من عشرين يوماً والناس في اضطراب)[109].  وعد ابن إياس (من جملة ألطاف الله تعالى أن في غيبة السلطان (قايتباي في الشام 882 ) لم يقع الخلاف بين الأمراء بل كان الأمان والاطمئنان في القاهرة وجميع ضواحيها حتى عد ذلك من النوادر)[110].

7- والمصادرات من أبرز مظاهر الظلم يقول المقريزي في حوادث سنة 814 (وفيه شنعت المصادرات بالقاهرة وفحُش أخذ الأموال من الناس ، حتى خاف البريء وتوقع حل أحد أن يحل به البلاء)[111] وأصبحت المصادرات حقاً عرفياً للسلطان يعاقب به من يشاء، فصادر برقوق ميراث أحد التجار وحرم الورثة منه ( فكان هذا أول شيء حدث من المظالم العظيمة من برقوق، واستمر يفتح من أبواب المظالم شيئاً بعد شيء)[112]. وقُبض على ناظر الخاص ابن البقري وهو واقف في الخدمة لأن نساءه اجتمعن في داره لفرح وعليهن من اللؤلؤ والجواهر والذهب والحرير ما يجل قيمته فصادر برقوق ذلك كله فبلغ نحواً من مائتي ألف دينار .. وضرب ابن البقري بالمقارع وأخذ منه ما يقارن الثلثمائة دينار[113].

ويقول ابن إياس عن حوادث سنة 875 (وفيه وقعت فيه نادرة غريبة وهي أن السلطان (قايتباي) أعاد إلى جماعة ما كان أخذه منهم من المال ما صادرهم) وقال ( ولكن فعل بعد ذلك بالمصادرات وأخذ الأموال ما يعجز عنه الواصفون). وعدّ ابن إياس من النوادر أيضاً أن قايتباي أعطى ورثة نجار فقير مائة دينار لأنه سقط فمات أثناء عمله بالقلعة وأن السلطان شمَّت كاتب السر حين عطس[114].ومع ذلك فإن قايتباي كان من خيرة السلاطين المماليك .

8 ـ والظلم مؤذن بالخراب وقد بلغ عدد الحائكين في عهد برسباي ثمانمائة بالإسكندرية بعد أن كانوا أربعة عشر ألفاً. يقول أبو المحاسن ( فانظر إلى هذا التفاوت في هذه السنين القليلة ، وذلك لظلم ولاة الأمور وسوء سيرتهم وعدم معرفتهم كونهم يطعمون في النزر اليسير بالظلم فيفوتهم أموال كثيرة مع العدل .والفرق بين العامر والخراب ظاهر)[115]وبعد أن ذكر المقريزي أنواع المكوس والمظالم في عهده قال: ( ولعمري لقد سمعت عجائز أهلنا وأنا صغير يقلن: أنه ليأتي على الناس زمان يترحمون فيه على فرعون)(ولقد وقع ما أنذرنا به من قبل ولله عاقبة الأمور)[116]..

9 ـ والظلم في القرى كان أشد إيلاماً ولكن قلما تتعرض له المصادر التاريخية التى تركز على السلطان وحاشيته والقاهرة . وتردد في كتاب( هز القحوف) قصص عن خوف الفلاحين من انكسار مال السلطان[117] وفي حوادث سنة 817 (أظهر الأستادار المظالم في البلاد حتى شتت الفلاحين وأخرب البلاد وجبى الأموال بالعسف وسار به للسلطان)[118].

وبسبب ذلك الظلم الفادح كان الكثير من الفلاحين يهربون من قُراهم . وسُنَّت لذلك عقوبات صارمة توقع على الهاربين ، ومع ذلك فإن كثيراً منهم نجح في الهرب وصار من الصوفية[119] فاستفاد بهم التصوف وضم كثيراً منهم ، ففي مناقب الحنفي أخبارهم[120]ومعاناتهم في القرى قبل تصوفهم .   ووجد آخرون في أروقة القاهرة وحاراتها ملجأ للهرب حتى أنه نودي في القاهرة بخروجهم إلى بلادهم (فلم يعمل بذلك)[121].

10 ـ والأمثال الشعبية في العصر المملوكي تصور يأس الشعب من كل حاكم مهما أعلن عن عزمه على العدل فسينحو نحو من سبقه . وفي المستظرف(لا تفرح عمن يروح حتى تنظر من يجئ)[122].!!

وفي الأمثال اللاحقة للعصر المملوكي تفصيلات أكثر عن الظلم : ( اضرب البريء لما يقر المتهوم) (حاميها حراميها) (سيف السلطنة طويل). وترسب في الضمير معنى لكلمة (الستر) (واللي سترها في الأول يسترها في التاني)[123].ولا تزال الأم الريفية تدعو لابنها (الله يكفيك شر الحاكم الظالم).

دور أولياء التصوف في إرساء الظلم:

وضح هذا الدور في الكتابات الصوفية في الدولة البرجية حيث عم التصوف المملوكي والظلم معا إلى درجة صرحت معها المصادر الصوفية بما يصح وصفه بسياسة الصوفية في مساندة الظلم والظلمة .ويمكن أن تتبين ملامح هذا التأييد في خطين متوازيين: الأول :مناصرة الظلمة ونفاقهم . الثاني: دعوة المظلومين للرضا والخنوع ثم دعوتهم لنفاق الظلمة وصبغ ذلك كله بالدين وهو منهم برئ ... وسنعرض لذلك بالتفصيل : ـ

أولا : ـ  مناصرة الظلمة ونفاقهم :ـ

1 ـ  وقد حرص المماليك في وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية على إلزام الصوفية المعينين فيها بالدعاء لهم والاستغفار من أجلهم ليمارسوا الظلم وهم آمنون من غضب الله حسبما يعتقدون .

2 ــ وتمتعوا مع ذلك برضا أعوانهم من أولياء التصوف وحمايتهم في الدنيا والآخرة بزعمهم.وقد صرح أحدهم بالمغفرة للوالي مع ظلمه[124] واعتاد آخرون أكل طعام الظلمة ، واجتهد الشعراني في تلمس الأعذار لهم وعدم الاعتراض عليهم[125]، وتطوع المتبولي بصحبة الولاة(والأخذ بأيديهم في الشدائد دون مقابل)كما يروى الشعراني[126] الذي يذكر أن العهود أخذت عليه بأن(نحوط جميع الولاة على اختلاف مراتبهم صباحا ومساءاً.. حتى لا ينزل عليهم بلاء)[127]وافتخر بأنه موضع سر الولاة وأنه(لا يفشي سر من صحبه من الولاة إذا قربه وشاوره في أموره)[128]وافتخر بمولاته (لمن والى الإمام الأعظم)[129].

3 ــ واستند الظلمة من ناحيتهم لمشاهير الصوفية المملوكيين فورد في مناقب الحنفي أن "ابن التمار هو من الظلمة المباشرين كان مستندا للفقراء البسطامية ولهم شيخ مبارك يعرف بالبسطامي)[130]

4 ـ واتخذ الظلمة من هذا التحالف ذريعة لزيادة الظلم واعترف الشعراني بهذا فيقول(أكثر الحكام يظلم وينهب ويجور ويبلص ويهلك الحرث والنسل ويقول ما دام الشيخ طيباً علىَّ ما أخاف)[131] .

وهكذا تقربوا لأولئك الأدعياء(ولسان حالهم يقول ما دام سيدي الشيخ يدعو لنا وهو حامل حملتنا لا نبالي ولو ظلمنا العباد والبلاد)[132].

5 ـ ومن الطبيعي أن ينجو حلفاء الظالمين من ظلم الحكام ، فالشعراني نفسه الذي شهدنا رفقه بولاة الأمور وموالاته لهم يفخر ( بحماية أوقاف زاويته من الظلمة)[133] في وقت اشتد فيه الظلم على كاهل الآخرين .

6 ـ وهكذا لم ير الظلمة من المماليك تعارضاً بين الظلم والدين، حيث أن ممثلي الدين في نظرهم يباركون ظلمهم للناس ، فلم يعد غريباً أن نقرأ في ترجمة الأمير تمراز أنه كان (يظهر التدين ويقرأ القرآن وبه بطش وظلم وجبروت وكان يعاقب العقوبة الشديدة المؤلمة على الذنب الصغير)[134]

أما يلبغا السالمي فكان يضرب المظلوم (..ثم يصلي ثمان ركعات مع إطالة ركوعها وسجودها ولا يجسر أحد أن يترك الضرب دون فراغه)[135]

ويصور الشاعر الحراتي هذه الحالة الفريدة في أبياته[136]

 قد بلينا بأمير             ظلم الناس وسبح

فهو كالجزار فينا         يذكر الله ويذبح

وتقول الأمثال الشعبية في العصر المملوكي (فم يسبح وقلب يدبح)[137]

 7 ـ أ) ومن ناحية أخرى قام بعضهم بنفاق الظلمة فالبوصيري الشاعر الصوفي المشهور تغالي في مدح المماليك وهجاء العرب ومدح الشجاعي أحد مشاهير الظلمة[138] .

ب) وتأثر مؤرخو العصر بالتصوف السائد ودانوا به فألفوا كتبا ملأوها نفاقا للسلاطين مثل الروض الزاهر للعيني والدر الفاخر لابن أيبك وتاريخ قايتباي للسيوطي وسيرة قلاوون والألطاف الخفية وغيرها .

ج) ووضع أولياء التصوف لأنفسهم قواعد لنفاق الظلمة فالخواص مثلاً كان إذا بلغه أن أمير عزم على زيارته يبادر بالذهاب للأمير ليخفف عنه المشقة[139]،ويلوم الخواص المظلومين وينافق الظلمة حين يقول (والله لو تولى الخضر عليه السلام أو القطب شيئاً من ولايات هذا الزمان لما قدر أن يفعل مع الناس إلا ما يستحقونه بأعمالهم ... إنما هي أعمالكم ترد عليكم)[140]وكفى بهذا تحريضاً على الظلم . وأمر الشعراني الصوفية إذا اجتمعوا بسلطان أو أمير أو كبير:(أن نسأله أن يدعو لنا ولو كان غير صالح فإن الله تعالى يستحي أن يرد دعاء هؤلاء الأكابر بين قومهم ورعيتهم)[141] وعد من المنن تأدبه مع الأمير الذي للشعراني عليه أيادي (فإنه أتم نظر منه ولذلك ولاه الله البلاد والرقاب)[142] وإذا دخل على أمير لا يذكر له حديث الأمير الذي كان قبله بخير خوفاً من إثارة نفسه حيث يكره أصدقاء الأمير السابق[143] وإن من المنن حسن سياسته للأمراء ويكتب لهم الكلام الحسن ويؤول ذلك في نفسه يقول (وهذا دأبي دائماً في سياسة الولاة إذا علمت أن أحداً منهم ظلم إنساناً لا أجعل ذلك الظلم على علمه وإنما أقول بلغنا أن جماعتك ظلموا فلاناً من غير علمك . وكثيراً ما أقول السلام على الأخ العزيز العبد الصالح فلان ، وأقصد بذلك صلاحه لأحد الدارين الجنة أو النار)[144]..   ونفاق الشعراني للسلطان وأولى الأمر وصل إلى درجة ادعائه المرض وامتناعه عن الأكل والنوم والضحك والجماع إذا ألمّ عارض بالظلمة[145] مواساة لهم ، وقد كان هذا شان شيوخه[146].

ثانياً التأثير على المظلومين للرضا بالظلم :

   ومن ناحية أخرى حرص الصوفية على دعوة المظلومين للرضا بالظلم والخنوع بل ونفاق المظلومين للظلمة :  

1ـ  إما بالتخويف : ـ

 فأوجب المتبولي على كل من لا يقدر على حماية نفسه من ظلم الولاة ألا يتعرض لإزالة منكراتهم خوفاً من إيذائهم[147] .  وأسهب الشعراني في  بيان العقوبات التي واجهها من حاول إزالة ظلم الولاة[148].

2ـ وإما باستغلال الوازع الديني والمنطق المعكوس : ـ

  فالشعراني جعل من أخلاق السلف الصالح  كثرة الصبر على جور الحكام لأنهم يعتقدون استحقاقهم الظلم نظير ما ارتكبوه من ذنوب[149]،ويجب أن يتأسى الآخرون بهم (ومن استحق أن يحرق بالنار فصولح بالرماد لا ينبغي له أن يتكدر وأيضاً فإن الظالمين ما ظلمونا حتى ظلمنا أنفسنا أو غيرنا ومن تأمل حال الظالمين في هذه الدار وجدهم من حيث الأداة كزبانية جهنم)  وقال الخواص (الحاكم ظل والرعية شاخص فإن كان الشاخص أعوج كان ظله أعوج... فكل من شكا لنا من عوج أميره عرفنا عوجه هو)[150]،بل إن السلطان الجائر ـ في رأى الخواص ـ  (يدخل ضمن قول الرسول عليه السلام: لا تنازعوا الأمر أهله إذ لولا استحقاق الخلق له ما ولاه الحق عليهم). وأوصي الخواص الشعراني ألا يعترض على( من ولاه الله على الناس فإن المولِي له هو الله وألا يتكلم في حق الولاة الظالمين لأن ذلك يسقط أجر الصبر علي ظلمهم)[151].

3 ـ  وأكد الصوفية على تحاشي الدعاء على الظلمة لأن جورهم لم يصدر حقيقة عنهم وإنما صدر عن المظلوم إذ لا يصح أن المظلوم يظلِم حتى يُظلم والحكام إنما مسلطون بحسب الأعمال .

4 ـ فالظالم حكمه حكم السوط الذييضرب[152] به ومع أن الحق تعالى يقول( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم.. النساء 148) إلا أن الشعراني جعل من الآداب عدم سب الولاة الظالمين  وإن جاروا[153].

5 ـ بل ومنعوا اغتياب الظلمة : ـ

(بعدم الجلوس في مجالس القيل و القال والطعن فيمن ولاه الولاة)( وعدم ذكر مساوئ أكابر الدولة في المجالس واحتمال آذاهم )( وألا يكثروا من اللغو وجرّ قوافي الولاة وغيرهم)[154]..  إلى هذا الحد لم يسمحوا للمظلوم بأي متنفس ..

6ـ وفي الوقت نفسه أوجبواعلى المظلومين طاعة الظلمة  بما يفرضون عليهم من مظالم ، فالمتبولي كان يوصي التجار بإعطاء(جباة الظلم)(عاداتهم وإلا حصل لكم الضرر أشد ما بخلتم به عليهم) (وكان يقول للتجار الذين يجيئون من الشام إلى مصر أعطوا الظلمة عادتهم)[155]،وقد أخذت العهود على الشعراني بالمبادرة إلى إعطاء المغارم للظلمة وعدم التشفع في ردها لأن ذلك حماية من الله وسترة للمظلوم. ويقول :

( وكان هذا خلق على الخواص الذي كان يزن المغارم كآحاد الناس ويقول إن الله يكره العبد المتميز عن أخيه)[156] ، وتلك دعوة ليتأسى بها المظلومون.

7 ـ ثم أوجبوا تعظيم الظَلَمة وتكريمهم: ـ (أدباً مع الله الذي ولّاهم وحكمّهم فينا) بل أوجبوا تقبيل أيديهم وأرجلهم والقيام لهم في الطريق (إعطاء للمراتب حقها أو دفعاً لشرهم)، وكان الخواص يقول مراراً ( مذهبي القيام للأمراء) . وقد قبّل الخواص قدم المحتسب (أدباً مع الله الذي ولاه) رغم إنكار بعض الفقهاء عليه ذلك [157]. ولنا وقفة مع الفقهاء فيما بعد ..

8 ـ ثم دعا الشعراني المظلومين إلى نفاق الظَلمةوقعّد لذلك القواعد وربطها بالدين الصوفى  كعادته .

أ) فيقول :"أخذ علينا العهود أن ندور مع أهل زماننا ونخدع لهم .. ونتلون لهم كما يتلونون لنا ..  وأن نأمر إخواننا بأن يدوروا مع الزمان وأهله كيف داروا ولا يزدرون قط من رفعه الله عليهم ولو  في أمور الدنيا وولايتها كل ذلك أدباً مع الله عز وجل الذي رفعهم فإنه ما يرفع أحداً إلا لحكمة[158]."

ب) (ولا ترفع الشفاعة لحاكم إذا كان منحرف المزاج من المشفوع له [159] ولا يقام مولد في أيام نكد السلطان إلا أن يقصد صاحب المولد الدعاء للسلطان بالنصر وإهدائه ما يقرأ في المولد من قرآن[160].

ج) وألا يمكن أحداً من الأكابر حضور المواد للأولياء (فإن ذلك من سوء الأدب ومن أين لأمثالنا  من الضعفاء أن يستحق مشي الأكابر إلى داره)[161].       

د) وإذا حبس صديق أو قريب فتؤمر جماعته وإخوانه بعدم كثرة زيارته في الحبس وعدم كثرة إرسال الأطعمة له بل منعهم من ذلك أصلا إن أمكن (وذلك لأن المحبوس كلما ضاقت عليه كلما قصرت مدة حبسه)[162] وليس ذلك في حاجة لتعليق..

هـ)وأخيراً فإن هذا النفاق للحاكم مقصور على أيام حكمه، فإن عزل من ولايته  فلا تعظيم ولا نفاق

(لأن التعظيم حقيقة إنما هو للرتب لا للذوات، فمن عظّم أميراً أو صاحب جهة في أيام عزله كما كان أيام ولايته أخطأ وجه الحكمة ونقص مقامه بقدر ما رفع ذلك المعزول)[163]... فهل يعرف الإسلام هذه الضعة؟ ؟.. ومع الأسف فإن البيئة الشعبية انقادت لهذه التعليمات بحكم اعتقاها في أولئك الصوفية وقد ترددت أمثال شعبية في العصر المملوكي تعبر عن هذه الروح الوضيعة التي يأباها الله ودينه ومع ذلك فقد صبغت بمنطق معكوس يسير على النهج السابق لأولئك الصوفية المملوكيين .. ومن تلك الأمثال(الخضوع عند الحاجة رجولية)(الناس أتباع لمن غلب) (سلطان غشوم خير من فتنة تدوم)[164].

   وبعد العصر المملوكي حكيت أمثال أخرى على نفس النمط ( ضرب الحاكم شرف) (علقة تفوت ولا حد يموت)(طاطي لما تفوت)(ما حد يقول يا جندي غطي دقنك).

وكل ذلك للحفاظ على حياة ذليلة ، فإن خسر تلك الحياة ظلماً ـ وكثيرا ما يحدث هذا ـ يقول له المثل حينئذ ـ (المخوزق يشتم السلطان)[165]. وألفاظ الملق والنفاق كثيرة في اللغة الشعبية[166]يلمح فيها أثر أدعياء الصوفية والإسلام مثل (در مع الأيام إذا دارت)(إن دخلت بلد تعبد عجل حش وأطعمه)(اللي ما تقدر تواقعه نافقه) (اللي ما تقدر عليه فارقه وإلا بوس أيديه)( الأيد اللي ما تقدر تقطعها بوسها)( بوس الأيادي ضحك على الدقون)(إن كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سِيد)[167]..

وأغلب تلك الأمثلة متأثرة كما يبدو بكتابات الشعراني إلا أنها خرجت من تعليماته بالمثل القائل (السلطان مع هيبته  ينشتم في غيبته)[168] فقد منع الشعراني من شتم الظَلَمة واغتيابهم ..

دعاوى الكرامات والظلم : ـ

1 ـــ   وأفلح أولئك الأولياء في سبك أساطير الكرامات والمنامات والإشاعات لخدمة أغراضهم المتنوعة لتأمين أنفسهم من اعتداء محتمل من ظالم لا يعتقد في شيخ بعينه ، فتناقلت المراجع المملوكية صوفية وتاريخية أسطورة جندي ظالم قتل صوفياً فعوقب وانتهى أمره بالتوبة والانخراط في سلك التصوف وأن ذلك حدث في عهد السري[169]بن الحكم الوالى ، مع أن هذا العهد لم يشهد تصوفاً كالذي تحكيه تلك الأسطورة.. وهددت أسطورة أخرى الظلمة في صورة ظالم حكى أنه هدد من ولىّ ِيطير في السماء بأنه (إذا آذيت ولى الله قتلناك)[170]وأشاعوا (أن الفقير إذا زاد عليه الحال بزعمهم صار كالأسد يكسر كل من وجده)[171]وما شهدنا أحدهم تأسد في وجه ظالم مهما بلغ به (الحال)،وقالوا إن الفقير لا يكمل حتى يقتل من الظلمة بعدد أعضائه[172] ،وعليه فقد عدمنا ذلك الفقير الكامل في العصر المملوكي في الواقع ، وإن قام المتصوفة الأولياء من جانبهم بإسناد بطولات ـ كرامات ـ وهمية ضد حكام ظلمة جعلوها لإبراهيم الجعبري[173] وابن عنان[174] تبرهن على ذلك الادعاء وغيره ، وقد وجدت أرضاً صالحة مستعدة لتصديق الادّعاءات بالغاً ما بلغت.

2 ــ ولا ريب أن تك الأساطير خدمت أغراض صوفية العصر المملوكي فظلت صورتهم لدى العامة خالية من شائبة التعاون مع الظلمة، فقد كانت دخانا عميت به الحقيقة عن العيون.

3 ــ وللإنصاف نذكر أن بعض تلك الأساطير والمنامات لاقت نجاحاً عند بعض السلاطين فقد ادعى أحدهم أنه رأى النبي عليه السلام وأنه أرسله ليقول للمؤيد شيخ أن يكف عن المظالم (وإن لم يرجع عما هو منه وإلا هلك) وأن المؤيد شيخ أمر برفع تلك المظالم بعد الرؤية المنامية[175] واستغل البعض قلق أولى الأمر من انخفاض النيل  فعزوا ذلك لكثرة المظالم وأن امرأة صالحة (حين شح النيل رأت في المنام ملكيْن نزلا من السماء فرفس أحدهم النيل فهبط لأن الظلم تزايد بمصر)[176] . ولجأ آخرون إلى طريقة أخرى فأشاعوا أن الأمير فخر الدين الأستادارـ أحد مشاهير الظلمة ـ حين دفن كان يصيح في قبره[177]من العذاب.

4 ــ وكان من السهل اختراع تلك الأقاصيص ومن الأسهل تصديقها في عصر يؤمن إيمانا مطلقاً بحدوث الكرامات لكل من هب ودبّ . أما حين اخترع أحدهم طريقة جديدة زعم فيها أنه عثر على حصاة مكتوب عليها: ( قد قرب الوقت فاعتبروا واتقوا الله )،وأشاع أنه وجدها تمش على الأرض، فقد قال أبو المحاسن معلقاً على تلك الحادثة ( وأنا أستغفر الله وأقول أنها مصطنعة )[178]

طرق صوفية أخرى لمقاومة الظلم : ـ

1ـ وبعيداً عن الأساطير فلقد كان لبعض الصوفية أساليبهم الأخرى في مقاومة الظلم منها التوجه لله تعالى ليقوم ـ عنهم ـ بتأديب الظالم[179]،ولاشك أنها لا تختلف عن الدعوة للرضا السلبي بالظلم والتعايش معه ،خاصة وأن ذلك أسلوب الشعراني الذي عُدّ من العهود التي أخذت عليه أن يستعمل كلمات معينة عند الخوف من ظالم حتى( ولو كان له حال يقابل به الظالم ميلا إظهارا للضعف وأدباً مع الله ثم السلطان).[180]

2ـ ولم يكن الشعراني بدعاً في اختراع هذا الأسلوب (الكلامي) في مواجهة الظالم ، إذ ورد في مصادر متقدمة عنه (فوائد) عبارة عن تعبيرات معينة اخترعت لتُقال عند الخوف من ظالم على أن يرددها الخائف في أيام متوالية وبكيفية معينة أو نحو ذلك[181] .

3ـ واستغل آخرون اعتقاد السلاطين في المجاذيب وحريتهم المطلقة في القول والفعل فادعى الجذب حتى يتكلم مع السلطان بكلام خشن[182] .

الفقهاء السنيون ومقاومة الظلم : ـ

1ـ وقد تأثر أغلب فقهاء العصر بالتصوف ومع ذلك تلمح في بعضهم جانباً من الثورية في مقابل الظلم وإن واجههم المماليك بالشدة والعنف، فقد حدث أن ضرب أحد فقهاء دمنهور لأنه أنكر على الضامن ما يأخذه من المكوس وألزمه الظاهر برقوق بألا يسكن بدمنهور[183] حتى لا يثيرها.

وفي سنة 913 قتل الفقيه زين الدين العزيز بقرية مطوبس قرب الإسكندرية لأنه تعاون مع أهل البلدة حين رجموا أعوان الأمير طراباي صاحب الإقطاع[184]،.

وفي سنة 854 كثر ظلم الشهاب الزيني بالمحلة وكان أخاً للأستادار بالقاهرة فلم تحتمله العامة وتزعمهم الفقيه الواعظ ولى الدين فثاروا عليه وقتلوه ووصل الخبر إلى القاهرة فأرسل الاستادار جنداً ضربوا الثائرين واعتقلوا من لم يهرب منهم ،وقابل الاستادار المعتقلين عند شبرا فضربوا أمامهم وبينهم الواعظ وشهروا بالقاهرة، وتعاطف القاهريون مع أولئك ولعنوا الاستادار حتى خشي على نفسه . واهتم السلطان جقمق بالأمر فاستدعى القضاة واستفتاهم في المحبوسين فلم يوافقه على غرضه واحد منهم فكان أن عزّر بعضهم ونودي بالقاهرة بالمنع من حمل السلاح وعدم الخوض في الكلام حتى سكن الأمر كما يقول السخاوى[185] ..

2ـ وواضح من النصوص السابقة إباء فقهاء الريف وقوة صلتهم بالناس هناك وعدم تعاونهم مع السلطة ووقوفهم ضد ظلمها مما أوقع المماليك في وجل فتصرفوا معهم بالشدة . ولم يكن الحال بين القاهريين أقل منه في الريف بدليل مقتهم للأستادار وعمله بثوار المحلة، ونذكر قضاة جقمق بالخير لأنهم لم يوافقوا السلطان على هواه وقد عرف بقتل خصومه  باتهامهم بالكفر. ويُذكر لقضاة برسباي موقف مشرف آخر وذلك حين أراد برسباي أخذ أموال الناس لقتال شاه رخ فقال بعض الفقهاء (وكيف نفتيه بأخذ أموال المسلمين وكان لبس زوجته يوم طهور ولدها ما قيمته ثلاثون ألف درهم وهى بدلة واحدة وإحدى نسائه) ولم يعرف القائل لذلك ، من بين الفقهاء غير أنه أشيع القول في أفواه الناس على حد قول أبو المحاسن[186] ،ويمكن أن نعذرهم في تلك المقاومة السلبية فهم تحت إذن السلطة وعينها .

3ـ ويبدو مما سبق أن المماليك كانوا في وجل من أي تعاون يتم بين الفقهاء السنيين والعامة على حسابهم فنال الفقهاء بذلك ضرر كبير في أي حركة تذمر حتى ولو كانت بعيدة عن الفقهاء مثلما حدث في سنة 770 حين وقفت العامة تحت القلعة طالبين تسليم والى القاهرة وغيره،  فهاجمهم جند السلطان وقتلوا منهم جماعة، واعتقلوا آخرين وكان من القتلى بعض الفقهاء (من أهل الخبر والمستضعفين ومن لا يدخل في شيء من الفضول.. ثم نودي لهم بالأمان)[187] .

4 ــ ولكن هل كان القضاة وشيوخ الفقهاء الفقهاءـ وهم متأثرون بالتصوف المملوكي ـ عند  ظن الشعب بهم في أزماته مع الظلمة؟

لندع أبا المحاسن يجيب على هذا التساؤل بتلك اللوحة التاريخية (اضطرب الناس وأبطل السلطان موكب ربيع الأول من القصر وجلس بالحوش ودعا القضاة الأربعة والأمراء والأعيان ووقف العامة أجمعون في الشارع الأعظم من باب زويلة إلى داخل القلعة واجتاز بهم قاضي القضاة علم الدين البلقيني ، وهو طالع إلى القلعة، فسلم على بعضهم بباب زويلة، فلم يرد عليه أحد السلام، بل انطلقت الألسن بالسب له وتوبيخه من كل جانب ، لكونه لا يتكلم في مصالح المسلمين . واستمر على هذه الصورة إلى أن طلع إلى القلعة ،وقد انفض المجلس بدون طائل ونودي في الحال بعدم معاملة الزغل ..فلم يسكن ما بالناس من الوهج ولهجوا بقولهم (السلطان من عكسه أبطل نصفه)،( وإذا كان نصفك أينالي لا تقف على دكاني) وأشياء كثيرة من هذا غير مراعاة وزن ولا قافية ، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان وأرباب الدولة، وخاف السلطان من قيام المماليك الجلبان بالفتنة وأن تساعدهم العامة وجميع الناس، فرجع عما كان قصده . وقد أفحش العامة إلى ناظر الخاص ورجموه وكادوا يقتلونه، وعظمت الغوغاء ، فأرسل إليهم ابن السلطان فسألهم  عن غرضهم فقالوا: النداء بأن كل شيء على حاله . فقال لهم غداً أكلم السلطان ويفعل قصدكم . فأبوا ، وصمموا على النداء في هذا اليوم ، فأرسل لأبيه فتردد، ثم أجاب . وحصل بالنداء غاية الوهن في المملكة وطغى العامة وتجبروا)[188]

ويكفي  هذا من أبي المحاسن كمؤرخ أرستقراطي يصور لوحة غير محببة إلى نفسه عن شعب لا تزال فيه بقية من إباء رغم جهد بعض الأولياء الذين قتلوا ثوريته ـوجعلوا الذل ديناً في مقابل استفادة سنعرض لها في الفصل التالي. 

 

 



[1]
- النجوم الزاهرة 7/10 .

[2]الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 153 .

[3]ــ تاريخ ابن إياس 2/260 ط بولاق .

[4]ـ أنباء الغمر 2/481 : 482 عقد الجمان مخطوط 814 .

[5]ـ تاريخ ابن إياس 2/328 : 329 .

[6]ـ تاريخ ابن إياس 2/382 .

[7]ـ ذيل الأعلام 2/147 .مخطوط، السلوك 3/ 523  ، 944 ،45 النجوم 5 / 432 ، 599 ،11/ 291 :292 .

[8]ـ الدرر الكامنة 4/ 250 ، شذرات الذهب 6/293 .

[9]ـ تاريخ ابن الفرات 9/2 / 418 .

[10]ـ النجوم الزاهرة 12/ 104 ،/624 .

[11]ـ تاريخ ابن إياس 1/317 ط بولاق .

[12]ـ السلوك 3/2/495 ,516 .

[13]ـ خطط المقريزي 3/356 .إنباء الغمر 2/68 ,الضوء اللامع 3/12 .

[14]ـ السلوك 3/523 .

[20]ـ النجوم الزاهرة 228 ، تاريخ ابن إياس 1/2/ 324 .

[21]ـ عقد الجمان مخطوط حوادث 791 ، تاريخ ابن إياس 1/ 2/ 398 : 399 .

[22]ـ السلوك 3/2 / 770 ، النجوم الزاهرة 12/ 38 .

[23]ـ عقد الجمان حوادث 796 .

[24]ـ عقد الجمان حوادث 796  ، تاريخ ابن إياس 1/2/ 414 .

[25]ـ أنباء الغمر 1/399 تاريخ ابن إياس 1/ 4282 .

[26]ـ عقد الجمان مخطوط حوادث 792 .

[27]ـ نزهة النفوس 1/383 .

[28]ـ كاد الجند يقتلونه في موقعة شقحب لتعاونه مع منطاش عقد الجمان حوادث 792 .

[29]ـ سيأتي الحديث عنه في مبحث استغلال التصوف طريقا للوصول .

[30]ـ السلوك 93/2/ 770 ، النجوم الزاهرة 12/38 .

[31]ـ راجع في الطبقات الكبرى للشعراني مثلا 2/20، 28 ، 128 ، 160 ، والطبقات الكبرى للمناوي 99 ، 300 ، وجوهرة الدسوقي 18 وما بعدها ، لطائف المنن لابن عطاء 133 :134 .

[32]ـ الدرر الكامنة 4/279 ،308 ،205 إنباء الغمر 1/ 181 ،2/29 ،30 ،3/  465 ، 2/83 شذرات الذهب 7/336 ،7/71 /5 /412 ، 6/ 301 ،7/ 20 ،95 ،96.

[33]ـ ترجمته في نهاية الأدب 30/26 ، فتوح النصر 2/209،الدرر الكامنة 4/12 :14 دول الإسلام للذهبي 2/177 شذرات الذهب 6/64 .

[34]ـ ترجمته في تاريخ ابن كثير 14/ 177 السلوك2/2/408 ، فتوح النصر 2/271 .شذرات الذهب6/164 .

[35]ـ الدرر الكامنة تفصيل عنه 1/329 :333 .

[36]ـ نماذج لهم في إنباء الغمر 3/ 226 وحوادث سنة 844 هـ وتاريخ ابن إياس 4/120 :121 والفلاكة والمفلوكون للدلجي 71 وغير ذلك ..

[37]ـالمراجع الصوفية: روض الرياحين 36 ،النفحات الأحمدية للخفاجي 234 ،النضجة العلوية 28,الطبقات الكبرى للشعراني 1/141 ،2/ 113 ،127 ،110 ،130 ، 77 ،120 ،131 الخ .المراجع التاريخية : المنهل الصافي 5/ 191 ،تاريخ ابن كثير 14/119 . التبر المسبوك .105 الخ.

[38]ـ مخطوط الألفاظ المكفرة من 102 : 121 السلوك 4/2/1031 : 1032 النجوم 14/ 320 ،تاريخ ابن طولون 1/127.

[39]- السلوك 3/2/944 ،النجوم 11 /294 ،عقد الجمان حوادث792 لوحة 392 .

[40]ـ عقد الجمان حوادث 842 لوحة 221 ، تاريخ ابن إياس 2/205 :206 تحقيق  محمد مصطفى  .

[41]ـ النجوم الزاهرة 15/ 421 .

[42]ـ تاريخ ابن إياس 2/266 :267 تحقيق محمد مصطفى.

[43]ـ أنباء الغمر مخطوط حوادث سنة 849 ورقة 1247 .

[44]ـ التبر المسبوك 212 : 213 ، 254 ، 256 ، حوادث الزهور 40 ،41 ،تاريخ ابن اياس 2/271 تحقيق محمد مصطفى .

[45]عقد الجمان حوادث سنة 815 لوحة 354 ،تاريخ ابن إياس 1/2 /819 :820 .

[46]عقد الجمان حوادث سنة 821 لوحة 460 : 461 .

[47]حوادث الزهور 3 /519 سنة 870 .

[48]حوادث الزهور 3 /420 .

[49]- تاريخ ابن إياس 2/419: 350 محمد مصطفي .

[50]تاريخ ابن إياس 2/ 446 ، حوادث الزهور 3 /598 .

[51]تاريخ قاضى نهبه . مخطوط 2 /113 .

[52]تاريخ ابن إياس 4 /87 .

[53]ـالسلوك 3/1/3

[54]ـ السلوك 3/1/391 ، تاريخ ابن إياس 1/2 /266 .

[55]ـ السلوك 3/  2/457 :458 النجوم 11/ 210 .

[56]ـ النجوم الزاهرة 12/179 :182 ، السلوك 3/3 /972 ،984 ،1069 .

[57]ـ أنباء الهصر 281 .

[58]ـ تاريخ ابن إياس 2/201 ط بولاق .

[59]ـ نزهة النفوس :2/109 :112 .

[60]ـ تاريخ ابن طولون 1/ 219 حوادث 904 .

[61]ـ تاريخ ابن الفرات 8/ 176 ، تاريخ سلاطين الممالك .نشر زيتر ستين 28 .

[62]ـ تاريخ ابن إياس 4/ 254 .

[63]ـ تاريخ حلب : ابن الشحنة 96 ، تاريخ أبي الفداء 3/210، عقد الجمان للعيني مخطوط مصور مجلد 54 لوحة 424

[64]ـ ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل 1/ 169 :170 .

[65]ـ عقد الجمان 54 لوحة 545 : 546 .

[66]ـ 5/116 .

[67]ـ شذرات الذهب 5/ 327 : 328 .

[68]ـ عقد الجمان 53 لوحة 354 .

[69]ـ اليافعي مرآة الجنان 4/170 .

[70]تاريخ الذهبي . مخطوط مجلد 31 لوحة 26 ،27 . ـ 22 سيرة المنصور قلاوون . مخطوط 138 .

[71]ـ سيرة المنصور قلاوون .مخطوط مصور 1ـ لوحة 98 تاريخ  الذهبي مخطوط مصور 31 لوحة 26 النويري :نهاية الأرب مخطوط 29/ 23 : 24 .

[72]ـ سيرة المنصور قلاوون . مخطوط مصور 1/لوحة 98 تاريخ الذهبي مخطوط مصور 31 لوحة 26 النويري : نهاية الأرب 29/23 : 24 .

[73]ـ السلوك 4/1/515 .

[74]ـ زبدة الفكرة .مخطوط مصور 9/329 .

[75]ـ الصفدي . أعيان العصر 6/ 1/ 2: 3 .

[76]ـ تاريخ ابن إياس ط بولاق:2/292 .

[77]ـ تاريخ ابن إياس ط بولاق:2/292 .

[78]ـ أبناء الهصر : 19 : 20 .

[79]ـ للتدليل على كثرتهم راجع ترجمة  بعضهم في النجوم الزاهرة 15/522 ، 525 ، 526، 531 ،547 ، 16/ 18 ، 70 ،81 ، 170 ،172 ،181 ، 185 ، 191 ، 19 ، 209 ،212 ، 254 ، 255 ، 289 .

[80]ـ حوادث الدهور 221 ، 278 ، تاريخ ابن إياس 2/ 322 تحقيق محمد مصطفى .

[81]ـ نهارية الأرب مخطوط 30/ 85 تاريخ ابن قاضي شهبة مخطوط 1/ 31 .

[82]ـ السلوك 3/3/ 1029 .

[83]ـ النويري نهاية الأرب  مخطوط 30/44 .

[84]ـ حجة وقف بيبرس الجاشنكير محكمة 42 محفظة4

[85]ـ السلوك 2/ 2/ 405 ..

[86]ـ السلوك 3 / 1/ 403 ، تاريخ ابن إياس 1/2/ 278.

[87]ـ السلوك 4/ 1/ 506 , المنهل الصافي 1/ 39 , 62 . النجوم الزاهرة 14/ 89 .

[88]ـ العيني السيف المهند في سيرة الملك المؤيد تحقيق فهيم شلتوت  ,328 , نزهة النفوس2/ 343 .

[89]ـ تاريخ ابن إياس 2/ 178 ط بولاق .

[90]ـ تاريخ ابن إياس 2/ 382 ط بولاق .

[91]ـ حوادث الدهور 3/880 , تاريخ ابن إياس 2/ 102 ط بولاق .

[92]ـ تاريخ ابن إياس 4/ 265 .

[93]ـ إنباء الهصر 47 .

[94]ـ الجوهر الثمين مخطوط ورقة 204 تحت رقم 1522 تاريخ بالدار .

[95]ـ إنباء الهصر 31 .

[96]ـ النجوم الزاهرة 15/ 272 .

[97]ـ النجوم الزاهرة 16 /81 , تاريخ ابن إياس 2/ 246 ط بولاق .

[98]ـ السلوك 3/ 2 /584 ، إنباء الغمر 3/ 125 .

[99]ـ إنباء الهصر 14 ، 136 ، 359 ،360،نزهة النفوس 3/72 ،115،السلوك 3/1/ 224 .

[100]ـ تاريخ ابن إياس 2/208 ط بولاق ،انظر أيضاً 2/ 192 : 193 .

[101]ـ السلوك 3/ 1/309 .

[102]ـ السلوك 3/1 /403 .

[103]ـ عقد الجمان مخطوط 232 حوادث 808 .

[104]ـ تاريخ البقاعي مخطوط 12 رقعة 5631 تاريخ .

[105]ـ النجوم الزاهرة ذكر فيها ثورات القبط ضد المسلمين ط سنة 107ـ 259 ، سنة 117 ,ص 265 ،سنة 119 هـص281 سنة 132ص316 ـ317 ، سنة 134 ص 325 ،الجزء الثاني في ولاية موسى بن على ص 26 سنة 170 ص62 سنة171   ، سنة 206 ص215 ،ص216 ، سنة 145 .

[106]- النجوم الزاهرة 15 /207 وطرق القتل تنم عن منتهى القسوة كالتوسيط والتسمير والمعاصر ونشر الأجسام وسلخ الجلود ودفن الأحياء وتعليق الرءوس في رقاب نساء القتلى ..

[107]- النجوم الزاهرة 14 /113 .

[108]تاريخ ابن إياس 2 /368 .

[109]- تاريخ ابن إياس 2/ 454 تحقيق محمد مصطفى .

[110]- تاريخ ابن إياس 2 /175 :176 ط بولاق .

[111]ـ السلوك 4/ 1 /185 .

[112]ـ تاريخ ابن إياس 1/2 / 277 .

[113]ـ تاريخ ابن إياس 1/2/ 336 .

[114]ـ تاريخ ابن إياس 2/125 ، 134 ،135 .ط بولاق .

[115]ـ النجوم الزاهرة 15/ 38 .

[116]ـ السلوك 4/2/708 .

[117]ـ الشر بيني.هذا التخوف في أكثر من موضع .

[118]ـ تاريخ ابن إياس  2/13 تحقيق محمد مصطفى .

[119]ـ تحفة الأحباب 27 . 28 ترجمة ابن الغنام.

[120]ـ مناقبه . مخطوط ورقمه 247 ، 248 ، 249، 346 ، 347 .

[121]ـ السلوك 4/2 /672 .حوادث سنة 827 .

[122]ـ الأبشيهي .المستظرف 37.

[123]ـ الأمثال الشعبية. لتيمور: 28، 188 ، 295 ، 54 .

[124]ـ  المناوي الطبقات الكبرى مخطوط ورقة 296 ترجمة الأخميمي .

[125]ـ لطائف المنن 125 ، 171 ، 403 لواقح الأنوار 341 البحر المورود 31.

[126]ـ لطائف المنن 171 .

[127]ـ البحر المورود 16 ،17 .

[128]ـ لطائف المنن 244 .

[129]ـ مناقب الحنفي مخطوط 388 .

[130]ـ لطائف المنن 222 .

[131]ـ البحر المورود 314.

[132]ـ لطائف المنن 234 ،507 .

[133]ـ لطائف المنن 234، 507 .

[134]ـ حوادث الدهور 3/598 .

[135]ـ التبر المسبوك 135 .

[136]ـ أوردها زرق يسليم في مجلة الرسالة عدد 825 ص 779 .

[137]الأبشبهي .المستظرف 1/29 .

[138]ـ كيلاني  .في مقدمته لديوان البوصيري .

[139]ـ لطائف المنن للشعراني 127 ، 452 .

[140]ـ لطائف المنن للشعراني 127 ،452 .

[141]ـ البحر المورود 23 .

[142]ـ لطائف المنن 452 .

[143]ـ لطائف المنن 451 ، 452 .

[144]ـ لطائف المنن 219: 220.

[145]ـ لطائف المنن 83، 127، 143، 338 .

[146]ـ    الطويل : الشعراني 141 .

[147]ـ لطائف المنن 129 ، 130 ، لواقح الأنوار 167 ، البحر المورود ،270 ، 271 .

[148]ـ لطائف المنن 458 .

[149]ـ تنبيه المغترين 35 .

[150]ـ البحر المورود 108 :109 .

[151]ـ الجواهر والدرر 183 .

[152]ـ الجواهر والدرر 125 :126، البحر المورود 279 ، 280 .

[153]ـ صحبة الأخيار 114 .

[154]ـ البحر المورود 186 ، 319 ، لطائف المنن 370 .

[155]ـ لواقح الأنوار 339 .

[156]ـ البحر المورود 110 .

[157]- البحر المورود 205: 207 ، لطائف المنن 124 : 125

[158]- البحر المورود 173: 174 ،292 .

[159]ـ لطائف المنن 480 .

[160]طائف المنن 480 .

[161]ـ البحر المورود 304 : 305 .

[162]ـ البحر المورود 109 : 110 .

[163]ـ البحر المورود 155 : 156 .

[164]ـ الأبشيهي .المستظرف 1/29 .

[165]ـ تيمور الأمثال الشعبية " 318 ، 383 ، 322 ، 354 ، 372 وغيرها.

[166]ـ أحمد أمين .قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية 428 .

[167]ـتيمور: الأمثال الشعبية : 114 ، 126 ، 153 ، 233 ، 102 ، 12 ، 63 ، 292 .

[168]ـ تيمور : الأمثال الشعبية : 114 . 126 ، 153 ، 233 ، 102 ، 12 ، 63 ، 292 .

[169]ـ خطط المقريزي 4/86 ,87 تحفة الأحباب 413 ،414 ، الكواكب السيارة 282 .

[170]ـ الكواكب السيارة لأبن الزيات 135 :136 .

[171]ـ لطائف المنن للشعراني 432 .

[172]ـ لطائف المنن للشعراني 283 .

[173]ـ الطبقات الكبرى للمناوي .مخطوط 258 ، طبقات الشاذلية 69 .

[174]ـ الطبقات الكبرى للشعراني 2/110 .

[175]ـ السلوك 4/ 1/104 ،ونحو ذلك في تاريخ البقاعي 148 .

[176]ـ تاريخ ابن إياس 4/ 193 :194 .

[177]ـ النجوم الزاهرة 14/ 153 .

[178]ـ حوادث الدهور 3/ 697 ،أو في إنباء الهصر 47 : 48 وتاريخ ابن إياس ط بولاق 2/105 .

[179]ـ لطائف المنن للشعراني 432 .

[180]ـ لواقح الأنوار :167 ،339 .

[181]ـ المستظرف2/121 :122 ،257 ، :258 ،الدميري حياة الحيوان 1/36 :37 ,38 .

[182]ـ المنهل الصافي .3/25 ترجمة سليم بن عبد الرحمن،حوادث 877 في إنباء الهصر 481 ، 482 .

[183]ـ تاريخ ابن إياس 1/2/ 376 : 377 .

[184]ـ شذرات الذهب 8 /61 .

[185]ـ التبر المسبوك 322 : 323 .

[186]ـ النجوم الزاهرة 15/ 68 حوادث سنة 839 .

[187]ـ ذيل ابن العراقي .مخطوط ورقة 105 .

[188]ـ حوادث الدهور 2/ 294 : 296 .

أثر التصوف السياسي في الدولة المملوكية
فكرة عن الكتاب
كان بابا من أبواب رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى قسم التاريخ جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980 . بعد حذف ثلثيها. وقد نشرنا معظم المحذوف فى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) وننشر الآن الباب الأول من الرسالة التى نوقشت عن اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية . ولم يسبق نشره من قبل. وأنشره كما هو بالصيغة المكتوب بها عام 1977 مع بعض تعديلات ، ومع حذف فصل كبير عن الصراع السياسى بين التصوف السنى والتصوف الشيعى وحركة السيد البدوى الفاشلة التى كانت تعمل لتأسيس دولة شيعية فى مصر على نسق الدولة الفاطمية . وهذا الفصل المحذوف كان أول كتاب أنشره فى مصر عام 1982 بعنوان ( السيد البدوى بين الحقيقة
more