هل يتحول الصومال إلى ساحة حرب بالوكالة بين إثيوبيا ومصر؟
تحولات جيوسياسية متسارعة تشهدها منطقة القرن الأفريقي مع بروز مصر كلاعب جديد في المشهد الصومالي عقب إبرام القاهرة ومقديشو اتفاقية تعاون عسكري منتصف أغسطس/آب 2024، في خطوة تعكس تعميقًا لافتا للعلاقات بين البلدين.
بالتزامن مع هذا التطور، قدمت كل من مصر وجيبوتي طلبًا للمشاركة في قوة حفظ سلام أفريقية جديدة في الصومال، من المقرر أن تبدأ مهامها العام المقبل، لتملأ الفراغ الذي سيخلفه انسحاب البعثة العاملة حاليا، وهو مقترح لاقى ترحيبا من الصومال وموافقة من مجلس الأمن والسلم الأفريقي.
يأتي هذا التحرك المصري في الساحة الصومالية، خاصة في مجال الأمن والدعم العسكري، في خضم توترات متصاعدة بين الصومال وإثيوبيا، مثيرًا التساؤلات حول الدوافع والتداعيات المحتملة على منطقة القرن الأفريقي، وحول احتمالات تحول الصومال إلى ساحة حرب بالوكالة بين الغريمين الكبيرين في وادي النيل.
واندلعت الشرارة الأولى لهذه التوترات في يناير/كانون الثاني الماضي عندما أبرمت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، تحصل أديس أبابا بموجبها على حق استئجار منطقة ساحلية وإنشاء قاعدة عسكرية مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، مما قوبل برفض قاطع من الحكومة الصومالية التي اعتبرت الاتفاقية انتهاكا صريحا لسيادتها، وهذا الأمر أطلق سلسلة من التفاعلات لم تهدأ منذ ذلك الحين.
رسائل متبادلة
خلال زيارته الثانية لمصر هذا العام، وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود اتفاقية تعاون عسكري مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي يوم 14 أغسطس/آب الماضي، وكان الرئيس المصري أكد سابقا دعم بلاده وحدة الصومال وسيادته، ورفضه لأي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية، في وقت كانت فيه القاهرة أعلى الأصوات الخارجية في التنديد بمذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال.
ولم يتأخر الرد الإثيوبي، فبعد يومين من توقيع الاتفاقية، انتقد رئيس هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير برهانو جولا ما وصفها بـ"بعض الجهات" التي تدّعي الآن الدفاع عن مصالح الصومال، مضيفا "بصفتنا أبناء المنطقة، نهتم بأمنها واستقرارها، ولن نتهاون مع أي محاولات لزعزعة الاستقرار".
وسريعا ما دخلت مفاعيل الاتفاقية حيز التنفيذ مع وصول طائرات عسكرية مصرية إلى مطار مقديشو محملة بقوات وبشحنة معدات عسكرية وصفها سفير الصومال في القاهرة علي عبدي أواري بـ"الكبيرة"، مؤكدا أن مصر ستكون أولى الدول التي ستنشر قوات لدعم الجيش الصومالي في إطار البعثة الأفريقية القادمة.
زادت هذه الخطوة من سخونة التوتر في المنطقة، فأصدرت الخارجية الإثيوبية يوم 29 أغسطس/آب الماضي بيانا وصفه بعض المراقبين بأنه يكاد يكون إعلان حرب، إذ أكد أن المهمة الأفريقية الجديدة قد تؤثر على استقرار القرن الأفريقي، وأن "المنطقة تتجه نحو المجهول"، ومتوعدا بأن إثيوبيا "لن تقف مكتوفة الأيدي في وقت تتخذ فيه جهات أخرى خطوات لزعزعة استقرار المنطقة"
ابحث عن سد النهضة
التحرك المصري الأخير ليس جديدا في الجوار الإثيوبي، حيث شهدت السنوات الأخيرة تكثيفا كبيرا لحضور القاهرة في دول حوض النيل، إذ وقعت اتفاقيات عسكرية مع دول مثل كينيا ورواندا وأوغندا وبوروندي.
كما سعت القاهرة لتعزيز وجودها في تلك المنطقة من خلال مظلة من المشاريع الحيوية تتضمن بناء السدود ومحطات الطاقة البديلة في دول كإريتريا وأوغندا وتنزانيا وجنوب السودان، في إطار إستراتيجية وصفها رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد بأنها "محاولة لتطويق إثيوبيا من خلال بناء تحالفات مع الدول الواقعة في جوارها".
أما الكاتب والباحث الإثيوبي في الشؤون الأفريقية عبد الشكور عبد الصمد فيعزو تحركات القاهرة الأخيرة في الملف الصومالي إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، مؤكدا أنها تستهدف الضغط على أديس أبابا للحصول على تنازلات فيما يتعلق بسد النهضة وحصص مياه نهر النيل.
وفي إفادته للجزيرة نت، يصف عبد الصمد الاتفاقية الأمنية المصرية الصومالية بأنها ردة فعل على مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال مطلع هذا العام، رابطا بينها وبين تصديق البرلمان في دولة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي.
في حين أن العامل الأخير، وفقا لعبد الصمد، يتمثل في إعلان إثيوبيا قرب الانتهاء من الأعمال الإنشائية لسد النهضة، والتعبئة الخامسة، وحجز السد لأكثر من 64 مليار متر مكعب من المياه.ه في نفق أزماته الممتدة منذ تسعينيات القرن الماضي.
وهو رأي يخالفه فيه الصحفي المختص بشؤون القرن الأفريقي إبراهيم صالح، الذي يشير إلى أن التحرك المصري ليس بعيدا عن التنافس المصري الإثيوبي أو "بالأحرى الصراع حول ملف سد النهضة".
ويضيف صالح للجزيرة نت أن الصومال تحوّل بالفعل إلى ساحة حرب بالوكالة للبلدين و"إن كانت في مراحلها الأولية"، موضحا أن ما يدور من تنافس وحضور على شتى المستويات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية ربما يؤكد ذلك.
السيسي يرسل 10 آلاف جندي مصري إلى الصومال هبوط طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز C-130 في مطار مقديشيو وعلى متنها جنود مصريين
هبوط طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز سي-130 في مطار مقديشيو وعلى متنها جنود مصريون (مواقع التواصل)
خطوات إثيوبية متوقعة
وبخصوص الخطوات المتوقعة من أديس أبابا، يعتقد صالح أنها ستلجأ إلى مزيد من التصعيد الدبلوماسي، ومخاطبة الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي، فضلاً عن تمسكها بالوساطة التي بدأتها تركيا لإحراج الصومال ولتكسب ود أنقرة وتبعث برسائل من خلالها أيضا إلى الجانب المصري بصورة غير مباشرة، كما أنه ليس من المستبعد أن تبدي تمسكها بالمذكرة التي وقعتها مع أرض الصومال.
وفي تصريحات سابقة للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية نيبو تدلا شدد على أهمية النظر في آراء ومخاوف البلدان المساهمة حاليا بقوات في الصومال لضمان الانتقال الفعال إلى البعثة التي ستعمل مع بداية العام القادم، في حين يذهب مراقبون إلى تكثيف أديس أبابا جهودها على مستوى الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي للحيلولة دون نشر مصر قواتها في الصومال.
ورغم أنه ليس من المعلن عدد القوات المصرية المتوقع نشرها في الصومال، فإن العديد من المصادر تشير إلى أن الرقم قد يبلغ بضعة آلاف، وفي تغريدة له على موقع "إكس"، قال عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، المدير التنفيذي للمعهد الأفروآسيوي للدراسات الإستراتيجية ومقره نيروبي، إن مصر تخطط لنشر ما يصل إلى 10 آلاف جندي في الصومال، بما في ذلك القوات الجوية والبرية المجهزة بالمعدات الثقيلة، وإنهم سيتمركزون على الحدود الإثيوبية الصومالية في مناطق جيدو وهيران وباي باكول.
ويشير بعض المراقبين إلى أن أديس أبابا ستستخدم حلفاءها في الداخل الصومالي لتقويض الانتشار المصري في الصومال، حيث تم تداول فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي منسوب إلى المتحدث باسم ولاية هيران الصومالية يرفض فيه أي وجود عسكري مصري في منطقته، مضيفا أن القوات الأجنبية المرحب بها "هي فقط القادمة من الجارة إثيوبيا"، مما يشير إلى نوعية الصعوبات المحتملة التي ستواجهها القوات المصرية في الصومال.
اجمالي القراءات
192